زنا المعاجم (1)= الوطن، للدكتور طارق سليمان النعناعي

ما زالَ قاموسِي يُسَبِّحُ بالدلالاتِ ويركعُ بالقيمِ…

الكلماتُ غيرُ الكلماتِ، والمعاني غيرُ المعاني، والجماعةُ اللغويةُ صارتْ جماعاتٍ، يخدعُ بعضُهَا بعضًا في معانى الكلمات. استثمَرُوا براءةَ معجمِكَ كي يزنوا في مُصَلَّاك. شعبٌ يُؤمرُ بالجوعِ ليشبعَ الوطنُ! من ذاك الوطنُ الذي تشبعُ بطنُهُ بخواءِ بطونِ أهلِهِ؟ دعواتٌ لِموتِ الناسِ: فليحيَ الوطنُ وليمتْ مَنْ فيه! فكيف يحيا وطنٌ، ومَنْ فيه جثثٌ هامدةٌ؟ مَنْ يملكُ عقلًا يفهمُ؟ ومَنْ يترجمُ هذهِ اللغةَ المنحلةَ؟ ومِنْ أيَّةِ معاجمَ أو قواميسَ؟! نحتاجُ إلى معاجمَ جديدةٍ لا تزني بالكلماتِ، وقواميسَ لا تلدُ مسخًا أو سفاحًا. لا تعجبوا إذا أضحتِ الخيانةُ وفاءً، والعمالةُ وطنيةً، والعجزُ قدرةً وبطولةً، والجبنُ ذكاءً، والدِّيَاثَةُ رجولةً، وبيعُ العِرْضِ شَرَفًا، وتعذيبُ الأهلِ شريعةً، وقتلُ الأخِ شجاعةً، والمذلةُ للعدوِّ كرامةً، وإحراقُ الوطنِ حكمةً، والكفرُ إيمانًا، والدولارُ إلهًا.
ما زلتُ أحتفظُ بقاموسٍ عفيفٍ ، فيهِ معنى الوطنِ يتوضأُ من نهرِ الحياةِ، الوطنُ: هو الإنسانُ، دمُه، مالُه، عرضُه، أهلُه وجيرُانه ،أحبابُه وأصدقاؤه، مناصرُوه ومنافسُوه، ذكرياتُه وأحلامُه، ماضِيه وحاضرُه ومستقبلُه، آمالُه وأمانِيه، أجدادُه وبنُوه، أحفادُه وتابِعُوه، دينُه وتراثُه؛ فإنْ أُضِيرَ شيءٌ مِنْهُ فلا وطنَ، إنْ أُضِيرَ شيءٌ من الإنسانِ فلا وطنَ. فالوطنُ هو الإنسانُ، والإنسانُ هو الوطنُ.
ما زالَ قاموسِي يُسَبِّحُ بالدلالاتِ ويركعُ بالقيمِ، فالخيانةُ مازالتْ خيانةً، والكفرُ لا يصبحُ أبدًا إيمانًا، واللهُ واحدٌ، لا نُشْرِكُ بِهِ أحدًا، أو دولةً – وإنْ عَظُمَتْ – أو معنًى ظاهرًا أو خفيًّا.
غَنُّوا كَمَا شَئْتُمْ بِما شِئْتُمْ بأفواهِكُمْ فَإِنَّا نَرى نَشَازَ أيدِيكم، هَلِّلُوا بالقوةِ عَلَى أَهَالِيكُمْ ما شُلَّتْ سَوَاعِدُكُمْ دونَ أعادِيكُمْ – إنْ كَانوا حقًّا أعاديكُمْ، أو كُنَّا يومًا أَهالِيكُمْ- أجَالُوا الكاميراتِ في كلِّ ناحيةٍ فَكَيفَ عَمِيَتْ بصائرُهُمْ وأبصارُهُمْ؟ توضأتِ الشِّفَاهُ، وَتَنَجَّسَتِ القلوبُ، تَجَمَّلَ القِنَاعُ وَشَاهَ القَاعُ.
فالوطنُ هو الإنسانُ، والإنسانُ هو الوطنُ؛ مَنْ صَدَّعَ الإنسانَ فقد هَدَمَ الوطنَ.

Related posts

Leave a Comment