مكانة اللغة العربية في الدراسات اللسانية المعاصرة للدكتور حمزة بن قبلان المزيني

 مدخل: يشيع في المجال الثقافي والعلمي العربي في العصر الحاضر كثير من المفاهيم التي تقف حاجزاً بين العرب والاستفادة من التقدم العلمي المعاصر.
وأوضح ما تكون هذه المفاهيم في مجال الدراسات الإنسانية. ومن هذه المفاهيم الشائعة القول بأن العلوم الإنسانية في العصر الحاضر نشأت في ظروف غريبة عن الظروف العربية الإسلامية وفي سياق فكري مختلف؛ ولذلك فإن هذه العلوم لا يمكن تعميمها على الحضارات الأخرى ومنها الحضارة العربية الإسلامية. ومن أجل ذلك كثيراً ما نسمع عن بدائل مقترحة لهذه العلوم الغربية من حيث النشأة، فنجد من ينادي بعلم اجتماع عربي أو إسلامي أو بعلم اقتصاد عربي أو إسلامي أو بلسانيات عربية إلى غير ذلك.

ولا شك أن الربط بين العلوم الإنسانية والظروف والسياقات الفكرية في المجتمعات الغربية التي تأسست فيها ليس قولاً باطلاً كله؛ فقد نشأت هذه العلوم أساساً استجابة لظواهر وجدت في تلك المجتمعات. لكن الأمر الذي يجب أن يوضح هو أنه على الرغم من هذه الحقيقة فإن هذه العلوم قابلة للتطبيق في حضارات أخرى غير الحضارة الغربية. وتأتي إمكانية التطبيق هذه من حقيقة أخرى لا يكثر الجدال حولها، تلك هي أن العلوم في تطورها تنفصل جزئياً عن المؤثرات الأساسية التي كانت نتيجة لها وتنحو نحو التعميم والشمول. فهي في تطورها لا بد أن تتناول ظواهر لم تكن وجوه القرب بينها وبين الظواهر الأولى واضحة، كما أنه لا بد – إن أرادت أن تصل إلى مرتبة النظريات العلمية – أن تنطبق في مجتمعات غير المجتمعات الأولى التي نشأت فيها وذلك نتيجة للتجريد الذي يصاحب كل نظرية قصدها عمق التفسير والغوص وراء الظواهر الخادعة. ثم إن ما يدعى بعلوم إنسانية غـربية ليس نتاجاً للغربيين وحدهم الآن وليس مطبقاً على مجتمعات غربية فقط؛ فالمشاركون في إنتاجه ينتمون إلى خلفيات حضارية متعددة، والمجتمعات المدروسة تنتمي إلى حضارات متعددة أيضاً. بل إن ما يدعى نتاجاً علمياً غربياً مصوغاً على شكل نظريات دقيقة الآن يمكن مقارنته بما يوجد من ملاحظات وإسهامات في حضارات قديمة وغير غربية. وسنرى فيما بعد أن بعض تلك الحضارات القديمة تناولت الظواهر التي تدرسها العلوم الإنسانية في الغرب الآن بأسلوب يقـرب من الأساليب العلمية التي تدعى غربية الآن.

وتمثل مثل هذه المفاهيم أساساً لكثير من المفاهيم الفرعية التي ترى الشيء نفسه في مجالات معينة. ولأنني مهتم بالدراسات اللسانية فلا بأس من إيراد بعض تلك المفاهيم. وأكثر المفاهيم رواجاً في هذا المجال أن دارس اللغة العربية وخصوصاً النحو العربي ليس في حاجة إلى معرفة العلوم اللسانية المعاصرة. وذلك لأن النحو العربي نحو خاص بهذه اللغة التي لا يشبهها لغة من اللغات، وهو علم عربي خالص لم يترك العرب فيه مزيداً لمستزيد. وقد خلق هذا المفهوم هوة سحيقة بين دارسي اللسانيات في العالم العربي ودارسي النحو.

ومن المفاهيم الرائجة المماثلة أنه كثيراً ما يتعجب من دراسة بعض المبتعثيـن العرب اللغة العربية نحواً وأدباً في الغرب. بل يصل الأمر إلى القول بأن دارس النحو العربي ليس بحاجة إلى معرفة أي لغة أجنبية إذ إن كل ما يحتاجه مكتوب باللغة العربية.

وهذه المفاهيم ليست الوحيدة لكن أثرها وأمثالها كان كبيراً في تأخر الدراسات اللسانية العربية. وقد سبق لبعض الباحثين الإشارة إلى الأثر السلبي المترتب على عدم الاهتمام بالاطلاع على الدراسات المعاصرة. ومن هؤلاء عبدالسلام المسدي([1]) وعبدالقادر الفاسي الفهري([2]) وكيس فريستيغ([3]) وحمزةة المزيني([4]) وغيرهم.

وسوف أحاول في هذا البحث أن أتناول جانباً مهماً من هذه القضية وهو جهل كثير من المتخصصين باللغة العربية في الوطن العربي بالأبحاث التي تنجز في الغرب عن اللغة العربية. ولست أريد لهذا البحث أن يكون وسيلة لدغدغة العواطف القومية وإشاعة الرضا في النفوس والزهو بهذا الاهتمام. بل إن قصدي هو أن أبين أنه لا يسع المتخصص في  اللغة العربية اليوم إغفال هذه الدراسات. وعلى الرغم من أن هذه الجهود العلمية التي يقام بها في الغرب تستوجب منا الاعتراف للقائمين بها بالفضل إلا أنني لا أقصد هنا أن يكون هذا البحث لغرض الثناء عليهم – وهم مستحقون له – كما أنني لا أقصد به التقليل من الأبحاث الجادة التي يكتبها بعض الباحثين العرب باللغة العربية.

كما أن غرضي هنا ليس الإلمام الكامل بكل ما يكتب في اللغات الغربية المتعددة. فهذا مالا يستطيع أن يقوم به فرد في مثل هذا البحث المحدود. إن هدفي هو رسم صورة عامة لمدى الاهتمام الذي تحوز عليه اللغة العربية والدراسات العربية في الغرب؛ فقد أصبحت اللغة العربية تتصدر اللغات من حيث أخذها نموذجاً للتحليل اللساني، ومن حيث تقدير المتخصصين للدراسات العربية القديمة، كما أن النظرة المتحيزة ضدها التي كانت تشيع في بعض الأوساط حل محلها النظرة الموضوعية التي تنظر إليها – كسائر اللغات – لغة طبيعية أدت دوراً كبيراً في الحضارة الإنسانية.

مقدمة

ينبع الشك والتخوف من الدراسات اللسانية المعاصرة في الوسط الثقافي  العربي من أسباب وجيهة تاريخياً. وأول هذه الأسباب أن الدراسات اللغوية في القرن التاسع عشر كان يسيطر عليها التوجه العرقي. فقد كان هدف كثير من الدراسات التي تقوم على لغات غير أوروبية أن يبين أنها أقل تطوراً من اللغات التي تعود إلى فصيلة اللغات الهندية الأوروبية. ومن أبرز المقولات في هذا الشأن مقولات رينان([5]) وقد ولد هذا الموقفف غير العلمي شعوراً لدى العرب بأن الدراسات الأوروبية كلها تصبب في هذا الهدف. غير أن الفاحص المتأني سيكتشف أن هذا الموقف لم يكن يمثل النشاط العلمي الحقيقي المهتم باللغة العربية. فقد نشر في تلك الفترة كثير من أمهات الكتب العربية في التاريخ والجغرافية والتفسير والفقه والشعر والأدب. وقد تواصل هذا التقليد في القرن الحالي فأثمر دراسات على جانب كبير من الجودة والموضوعية.

على أن كثيراً من الباحثين العرب تلفت أنظارهم بعض المقولات في هذه الأعمال مما يمكن أن يصنف بأنه نقد لبعض الظواهر في الحضارة العربية الإسلامية. لكن القارئ المنصف يجب أن يفهم هذا النقد بأنه أمر طبيعي من باحثين من خارج هذه الحضارة. فليس ضرورياً أن تكون مواقفهم متطابقة تماماً مع ما نشعر به نحن. والموقف العلمي السليم هو أن يكون هذا النقد موضوع حوار بين الباحثين العرب والباحثين الغربيين. فإذا سلمت النيات وقصدت الموضوعية فإن نتائج هذا الحوار ستكون عنصراً مهماً في تقدم معرفة الفريقين. ولا شك أن هذا الحوار سيكون مثمراً مع العلماء وليس مع الكتّاب الذين تدفعهم روح التعصب ورغبة التشفي وعدم الممانعة في لعب دور الممهد لسيطرة الغرب الاقتصادية والسياسية وغير ذلك وهؤلاء قلة في كل الأحوال في المجال الأكاديمي.

كما أن هناك سبباً للتخوف آخر وهو ارتباط كثير من الدراسات اللسانية   الغربية للعربية بدراسة اللهجات([6]) في فترة منن الفترات. فقد كان هناك نشاط كبير في مختلف أنحاء العالمم العربي في هذا المنحى. لكن هذا النشاط في دراسة اللهجات العربية يجب أن ينظر إليه من خلال اهتمام الدراسات اللسانية في الغرب نفسه في تلك الفترة. والمتتبع للأمر يجد أن الدراسة اللسانية في الغرب طوال القرن التاسع عشر كانت تاريخية الطابع. وكان من مميزات هذه الدراسة تتبع اللهجات المعاصرة ورصدها؛ باعتبارها طوراً من أطوار اللغة يمكن أن ينير لنا شيئاً من تاريخها الماضي. ولذلك قامت حركة من يسمون بالنحويين الجدد في ألمانيا وكان هدفها تسجيل اللهجات الألمانية وتتبع تاريخها ثم انتقلت هذه التقاليد إلى فرنسا وبريطانيا([7]).

وقد استمر هذا التقليد إلى الفترة المبكرة من هذا القرن. ولذلك لا نعجب إن ركز الدارسون الغربيون على دراسة اللهجات العربية في تلك الفترة. فلقد كان ذلك تطبيقاً لتقاليد – تعلموها في أثناء الدراسة الجامعية – على لغات غير أوروبية. وكان الهدف واضحاً أحياناً إذ استعملت هذه الدراسات أدلة في البحث التاريخي المتعلق باللغة العربية.

كما كان من أسباب الاهتمام باللهجات في هذا القرن أن الدراسة اللسانية بتأثير من دي سوسير أصبحت تجعل الأولوية في الدرس لما يقوله الناس فعلاً بدل الاهتمـام بتاريخ اللغة أو الاهتمام باللغة الأدبية المكتوبة. فلذلك اهتمت هذه الدراسات في تلـك الفترة باللهجات العربية لأنها ما يقوله الناس فعلاً وفي مواقف طبيعية.

على أن هذه الدراسات العلمية ابتليت بأناس ليسوا علماء لغة أساساً، أو أن لهم أغراضاً ضيقة: استعمارية أو قطرية أو غير ذلك، استغلوا هذه التقاليد ليزعموا أن هذه اللهجات لا رابط بينها وأن الشقة واسعة بينها وبين اللغة العربية الفصحى وأن كل قطر من أقطار العالم العربي يجب أن يستعمل لهجته، بل ويكتب هذه اللهجة بالأبجديات الغربية([8]). ومن هذا الصنف محاولات التخطيط اللغوي في مصر التي قام بها بعض المديرين الإنجليز لإحلال اللهجة المصرية محل اللغة العربية الفصحى، ومحاولات سلامة موسى ومحاولات سعيد عقل وآخرين. والواقع أن هذه المحاولات أعطيت من الاهتمام أكبر مما تستحق. ويكفي أن يشار إلى أن الفروق التي وجدها العلماء بين اللهجات في أي قُطر أوروبي لم يأخذها العلماء الأوروبيون أنفسهم حجة لإثارة ما أثير عن الفروق بين اللهجات العربية في العالم العربي. والدليل الآخر على سذاجة تلك المحاولات وعدم إمكانها علمياً أن الفروق اللهجية بين مختلف الأصقاع في العالم العربي لم تمنع شيوع الثقافة وشيوع التقارب بين مستويي الفصحى والعاميات. فيجب إذن أن نعي أن التخوف من الدراسات اللسانية فيما يخص اللغة العربية هو تخوف لا يقوم على أساس صحيح.

وسيتناول البحث في جزئه الأول الاهتمام باللغة العربية نموذجاً للتحليل مبيناً فيه مدى اتخاذ المدارس اللسانية المختلفة للغة العربية مجالاً للدراسة، وفي الجزء الثاني سأبين الدراسات الغربية الحديثة لمنجزات النحو العربي، وفي الجزء الأخير سيهتم البحث بالأعمال التي ترد على من يزعمون أن اللغة العربية تعاني من أوجه نقص كثيرة مما يجعلها لغة غير متحضرة. وسيختتم البحث بخاتمة تجمل النتائج التي توصل إليها البحث بالإضافة إلى بعض الدروس التي يمكن أن نستفيد منها.

الاهتمام باللغة العربية نموذجاً للتحليل

يجد المطلع على الدراسات اللسانية المعاصرة أن اللغة العربية كانت موضع اهتمام أكثر علماء اللسانيات تميزاً خلال هذا العصر. وتهتم دراسات هؤلاء باللغة من حيث إنها تمثل لغة طبيعية يمكن أن تسهم في تقدم البحث اللساني النظري. فمن أعلام الدراسة اللسانية في هذا العصر الذين اهتموا باللغة العربية رومان ياكوبسون في مقال له عن الأصوات المفخمة في اللغة العربية([9]) واستعمالها دليلاً على نظريته عن الملامح التمييزية فيي التحليل الصوتي للغة الإنسانية. كما كتب جوزف جرينبرج مقالاً عن نمط المورفيمات الأصول في السامية([10])ØŒ اتخذ فيه العربية ممثلاً للغات السامية بسبب وفرة المعلومات المعجمية ومحافظتها النسبية في نظامها الصواتي([11]). كما كتب زيلك هاريس – أستاذ تشومسكي – مقالاً عن الفونيمات في اللهجة المغربية([12]) قصد منه إيضاح ما كان يسمى “إجراءاتت الاكتشاف” في الدراسة اللسانية البنيوية في أمريكا([13]). ومن هؤلاء أيضاً فيرث الذي كتب تحليلاً صوتياً للغة العربية يبين فيه تطبيقه لمنهجه في التحليل المسمى بالتحليل التطريزي Prosodic analysis ([14]).

وكما يقول عالم اللسانيات الأمريكي المعاصر البارز فرد هوس هولدر في تقديمه لمجموعة المقالات التي جمعها سلمان العاني وصدرت عن نادي اللسانيات في جامعة أنديانا بأمريكا: “… عندما قرأت هذه المجموعة المختارة من المقالات ظهر لي أنه من الصعب أن تجد أي مجموعة من المقالات أكثر تمثيلاً منها لمختلف فروع اللسانيات والمدارس اللسانية المتعددة. وذلك أنه يبدو من هذه المجموعة أن اللغة العربية تحتوي على مسائل لفتت انتباه أكثر العقول المهتمـة باللسانيات تميزاً، وتوضح أكثر المفاهيم النظرية الأساسية. ولو سُئل أي لسانـي (اليوم) أن يسمي عشرة من أكثر المبدعين في اللسانيات وأكثرهم أثراً فيما بين 1940Ù… Ùˆ1970Ù… فإنه من غير المحتمل أبداً أن لا يسمي رومان ياكوبسون وزيلك هاريس وجوزف جرينبرج وجورج تريجر. وكل هذه الأسماء تظهر في هذه المجموعة. وعلى الرغم من غياب فيرث وكينيث بايك وأندريه مارتينيه من هذه المجموعة إلا أنها تشمل تلاميذهم. وإنك لتجد في هذه المجموعة كل أقسام اللسانيات الكبرى تقريباً ممثلة، وقد يكون تمثيلها مكرراً عدة مرات”([15]). ولقد استمرت اللغة العربية في استقطابها لأكثر العقول تميزاً في اللسانيات فيما تلا التاريخ الذي ذكره هوس هولدر. ومن أبرز المهتمين بها كان مايكل بريم؛ إذ كتب رسالته للدكتوراه في معهد ماساتشوستس في سنة 1970Ù…([16]). وقد اعتبرها الباحثون عملاً بارزاً استعمل فيه مايكل بريم دراسة التركيب الصواتي للغة العربية حجة لتطبيق النظرية الصواتية التي جاء بها تشومسكي وهاله في كتابهما “نمط الأصوات في اللغة الإنجليزية”([17]). وقد انتشرت هذه الرسالة في أقسام اللسانيات في أمريكا وغيرها واعتمدت مرجعاً للدراسة الصواتية، وظهرت الإشارة إليها في عدد كبير من الكتب والمقالات في تلك الفترة. وما زالت الإشارة إليها تتكرر بوصفها عملاً كلاسيكياً في النظرية الصواتية وفي الدراسات العربية.

ويبين مايكل بريم في مقدمة رسالته أن لعمله ذاك هدفين: (1) الإسهام في المعرفة التي تتزايد بشكل سريع عن النظرية الصواتية، Ùˆ(2) الإسهام في مجال اللسانيات السامية بمعالجة واحدة من اللغات السامية معالجة أعمق مما سبقها. ويبين أن الهدف الأول لا يتحقق إلا بمعالجة لغة واحدة تختبر بفحصها المقولات النظرية في مجال الدراسة الصوتية. ولذلك فقد فحص عدداً كبيراً من القواعد الصواتية في اللغة العربية لكي يختبر كفاية النظرية الصواتية التوليدية ولتحديد الجوانب التي ينبغي مراجعتها في هذه النظرية. ثم يبين عدداً من المقولات النظرية في هذه النظرية، مما يمكن للغة العربية أن تعد معياراً في إمكانها أو عدم إمكانها. أما فيما يخص الهدف الثاني فيقول: “إنه يبدو أن اللسانيات السامية في وضعها الراهن مفلسة. فليس هناك إلى الآن أي وصف صواتي معاصر لأي لغة سامية يتجاوز تحليل النحويين العـرب القدماء. إنني أعتقد أن النحو العربي خاصة قد بلغ أدنى درجات الانحطاط على أيدي العلماء الغربيين. فلقد تجاهلت اللسانيات الغربية تجاهلاً يكاد يكون تاماً كثيراً من العمق والأصالة اللذين أورثناهما النحويون العرب. إنني سأعالج هذا الموضوع بالروح التي عالجه بها النحويون العرب. وهذا صحيح في الأقل فيما يخص المسألة التي استرعت انتباههم، وهي مسألة تحديد الأصل أو التمثيل العميق للغة….”([18]).

وفي خلال 467 صفحة يعالج بعض المقولات النظرية مثل: الترتيب بين القواعد الصواتية ترتيباً خطياً linear، وكذلك تطبيق القواعد الصواتية تطبيقاً دورياً Cyclic، وهما مقولتان شغلتا المشتغلين بالتنظير الصواتي منذ النموذج النظري الذي أتى به تشومسكي وهاله في سنة 1968م، وما زال الانشغال بهما مستمراً إلى الآن. وقد وجد أن هناك ما يقرب من 38 قاعدة صواتية وشرطاً تحكم التركيب الصواتي للغة العربية النموذجية العصرية وتكوِّن نتيجة للتشابك فيما بينها بنية صوتية متضامنة تفسر الاطراد الموجود في اللغة. كما تعرض فيها إلى بعض البحث التاريخي في اللغات السامية. وقد عالج بريم بعض المقولات النظرية هذه أو غيرها مستعملاً مادة لغوية من اللهجات العربية أو اللهجات التي تفرعت عنها مثل اللغة المالطية. ولم يكن بريم الوحيد الذي عالج اللغة العربية بقصد الإسهام في النظرية اللسانية فقد وجد عدد كبير من الدراسات من هذا النوع لا يمكن حصرها هنا.

وفي سنة 1979Ù… أنهى جون مكارثي رسالته للدكتوراه في معهد ماساتشوستس وكانت بعنوان “مسائل شكلية في الصواتة والصرف الساميين”([19])ØŒ وقد اعتمد تحليل العبرية والعربية الفصحى ولهجتي دمشق والقاهرة في التدليل على بعض المقولات النظرية التي اقترحها. وفي هذه الرسالة أسس مكارثي نظرية جديدة في التحليل الصواتي. فقد كان المتبع في التحليل أن ينظر إلى الكلمة كأنها مركبة من أجزاء متتابعة وهو ما يدعى بالتركيب السلسلي concatenative. وهذا التركيب هو الذي يوجد في كثير من اللغات خاصة اللغات الهندية الأوروبية التي أسست عليها النظرية اللسانية الحديثة بمختلف فروعها. وبدلاً من ذلك رأى مكارثي – مستفيداً من النظرية الصواتية ذات المستويات المستقلة Autosegmental Phonology  – أن النظرية الصواتية المعيار التي يمثلها كتاب تشومسكي وهاله لا يمكن تطبيقها على اللغات السامية؛ وذلك بسبب أن المورفيمات في هذه اللغات ليست متوالية بل متداخلة nonconcatenative. ففي العربية مثلاً نجد أن الجذور الثلاثة للكلمة هي التي تحمل المعنى الأساسي فهي لذلك تعتبر مورفيماً مستقلاً، ويضاف إلى هذا المورفيم حركات تدخل بين أجزائه ومكونات أخرى تضاف قبله وبعده. فكلمة مثل (كَتَبْ) إنما هي عبارة عن مورفيمين مستقلين هما Ùƒ ت ب  وحركة الفتحة التي تشغل موضعين أحدهما بين الكاف والتاء، والآخر بين التاء والباء، ولا تتكون هذه الكلمة من هذين المورفيمين فقط، بل إن الوزن (فَعَلْ) يكوِّن مورفيماً ثالثاً معناه أن هذه الكلمة: فعل ماض مبني للمعلوم. ولما كانت هذه المورفيمات الثلاثة مستقلة الواحد منها عن المورفيمات الأخرى فلابد أن تشغل مستويات مختلفة في التحليل ولذلك اقترح مكارثي التمثيل الآتي لمثل هذه الكلمة:

ك ت ب

ص ح ص ح ص = (حيث يعني (ص) صوت صامت، و (ح) حركة)

فالأصوات الصحيحة الثلاثة تكون مورفيماً واحداً معناه شيء خاص بالكتابة، أما التتابع من الأصوات الصحيحة والحركات فهو وزن الكلمة ومعناه “فعل ماض”ØŒ أما الفتحة فمعناها: “أن الفعل ماضٍ مبني للمعلوم”. وبذلك تكون المورفيمات متوالية على هذا المستوى المجرد من التمثيل. أما التداخل فيما بين هذه المورفيمات الثلاثة المكونة للفعل (كَتَبْ) فيتم عن طريق بعض قواعـــــد الوصلassociation  بين أي مورفيم والوزن. وقواعد الوصل هذه محكومة بالشروط التي تراها النظرية الصواتية ذات المستويات المستقلة.

ويتم وصل المورفيمات على النحو التالي:

ك     ت      ب

 

 

 

 

ص ح ص ح ص

وفي هذه الخطوة يوصل بين كل واحد من أجزاء المورفيم (ك ت ب) وموضع محدد في الوزن (ص ح ص ح ص).

وفي الخطوة الثانية يوصل بين الفتحة والموضع الأول للحركة (ح) وكذلك الموضع الثاني:

ك       ت   ب

ص Ø­ ص Ø­ ص =       ÙƒÙŽ -ﹶ تَ – ب

 

 

 

وبهذه الكيفية يمكن أن تحلل اللغات التي لا تخضع للترتيب السلسلي المعروف في النظرية المعيار.

وكانت هذه النظرية بداية لما سمي فيما بعد (الصواتة الوزنية) metricalphonology بل زوجت هذه النظرية بنظرية الصواتة ذات  المستويات المستقلة) فأصبح اسمها “الصواتة الوزنية ذات المستويات المستقلة” Autosegmental Metrical Phonology.

ولم تكن دراسة مكارثي هذه إلا بداية لنظرية ما زالت مستمرة يتم تعميقها باستمرار. وكانت اللغة العربية دائماً هي المثال البارز الذي يستعمل في التدليل عليها. وقد كتب مكارثي نفسه عدداً كبيراً من المقالات في هذه النظرية وذلك مثل: (1980، 1981، 1983، 1986)([20]) وغير ذلك. كما أن هذه النظريةة استقطبت أبرز الباحثين المنظرين في الصواتة مثل: آلان برنسس الذي كتب بالاشتراك مع مكارثي عدداً من المقالات كان موضوعها تطوير هذه النظرية مستعملين اللغة العربية مثالاً (مكارثي وبرنس 1990 وغير ذلك). كما كتب برنس نفسه عدداً من المقالات مثل: (1987،1990)([21]). وكذلك كتب أحد رواد البحث اللساني الصواتي وهو موريس هاله أستاذ مايكل بريم وجون مكارثي عدداً من المقالات كان يخصص بعضها للتركيب الوزني للغة العربية، أو يشير في ثنايا أبحاثه للغة العربية.

وقد انتشر الاهتمام باللغة العربية نتيجة لهذه النظرية وغيرها من النظريات اللسانية المعاصرة مما نتج عنه إنشاء بعض المجلات المتخصصة في الدراسات اللسانية عن اللغة العربية مثل: Journal of Arabic Linguistics في سنة 1978م، وإنشاء جمعية اللسانيات العربية Arabic Linguistic Society سنة 1988م في مدينة سولت ليك بولاية يوتاه في أمريكا. كما نشر عدد من الكتب عن بعض القضايا في اللغة العربية، وكذلك كثيراً ما نجد مقالات في أشهر الدوريات المتخصصة تعالج قضايا في اللغة العربية بقصد الإسهام في النظرية اللسانية. كما خصصت بعض الدوريات أعداداً خاصة عن الدراسات اللسانية العربية مثل: Arabica في سنتها 28 عددي 2 (1981م)، وHistoriographia linguistica  في سنتها الثامنة عددي 2 و 3 (1981م)، وAnthropological linguistics في سنتها الثامنة والعشرين العدد 1 (1986م)، وكذلك International Journal of the Sociology of Language 61 (1986م)، وغير ذلك.

أما فيما يخص الجمعية اللسانية العربية في أمريكا فقد قامت منذ 1988Ù… بعقد ندوات سنوية تجمعُ الأبحاث التي تلقى فيها في مجموعات نشر منها إلى الآن أربع وذلك عن دار نشر جون بنجامين للنشر الشهيرة. وقد افتتحت مشيرة عيد وهي من مؤسسي هذه الجمعية ومن أبرز الباحثين في اللسانيات العربية في أمريكا المجموعة الأولى بمقال طويل بعنوان “اللسانيات العربية: الوضع الحاضر”([22])  تحدثت  فيه عن التوسع الذي طرأ في السنوات الأخيرة على الدراسة اللسانية المهتمة باللغة العربية، فذكرت كثرة الأبحاث والاهتمام بهذه اللغة في المؤتمرات والندوات اللسانية العالمية الشهيرة مثل اجتماعات جمعية اللسانيات الأمريكية وجمعية شيكاغو اللسانية وغير ذلك، كما ذكرت عدداً من المؤتمرات التي اختصت باللغة العربية، كما ذكرت أن الاهتمام باللغة العربية كان ذا شقين أحدهما: البحث في اللغة العربية لذاتها، وثانيهما: البحث فيها لغرض اختبار المقولات النظرية اللسانية وتطويرها. كما تناولت كثيراً من المواضيع التي استحوذت على اهتمام الدارسين. ويمكن عد هذا المقال أوفى تغطية للنشاط الذي تركز حول اللغة العربية في السنوات الأخيرة. وهو يشير بوضوح إلى أن اللغة العربية تحتل موقعاً متميزاً بين اللغات في هذا النشاط.

وفي هذه المجموعة يكتب اللساني الأمريكي المهتم باللغة العربية تشارلز فرجسون مقالاً بعنوان: “(فأتوا بسورة من مثله): اللغة العربية مقياساً للمجتمع العربي”([23]). يقارن فيه بين وضع الدراسة عن اللغة العربية قبل أربعين سنة والوضع في سنة 1988Ù…ØŒ فيبين العدد الكبير من المقالات والكتب التي نشرت عنها، كما يتحدث عن وضع الدراسات اللسانية العربية في الفترة المبكرة التي يمكن وصفها بالقلة، كما أنها كانت تهتم بالجانب التاريخي من الدراسة، ثم يشير إلى بعض الخصائص العربية التي لفتت أنظار الدارسين اللسانيين. كما أشار إلى التغير اللغوي في العالم العربي الذي ينحو نحو خلق لغة نموذجية جديدة خلافاً للوضع الذي كان قد وصفه في مقالة له سنة 1959Ù… بعنوان “الازدواجية”([24]) كان قد تنبأ فيه باحتمالل انفصال العالم العربي لغوياً إلى ثلاث مجموعات وهي: بلادد الشام والعراق، ومصر والسودان، والمغرب العربي. لكنه في هذا المقال يؤكد أن هذا الاحتمال لا يزيد على كونه احتمالاً واحداً بين احتمالات أخرى ممكنة.

وقد احتوت هذه المجموعة على تسعة مقالات تناقش ثلاثة مواضيع هي: المنظور النحوي: ويحوي خمسة مقالات تناقش بعض المسائل النحوية في العربية من خلال النظرية اللسانية التركيبية، والموضوع الآخر هو منظور تحليل النص ويحتوي على مقالين تناقش فيهما مسائل مثل ظاهرة الشفوية وتحليل اختفاء حركات الإعراب تاريخياً في نص يعود إلى نصوص مسيحية من جنوب فلسطين. والموضوع الثالث هو المنظور اللغوي النفسي ويناقش فيه ذاكرة ثنائي اللغة وكذلك ظاهرة سبق اللسان. وكما هو واضح فإن هذه المجموعة تغطي نواحي مهمة من حيث وصف اللغة العربية لذاتها واتخاذها سبيلاً لمناقشة بعض المسائل النظرية العامة.

أما المجموعة الثانية فقد حررت أبحاثها مشيرة عيد بالاشتراك مع جون مكارثي وتحوي ثلاثة محاور هي: المنظور الصرفي والصواتي ويحتوي على ستة أبحاث، والمحور الثاني المنظور الدلالي ويحوي بحثين، والمحور الثالث المنظور اللساني الاجتماعي. ويقدم جون مكارثي ومشيرة عيد لهذه المجموعة مبينين أنه “يحدث أحياناً أن بعض الحقائق في لغة معينة أو عائلة لغوية ما تتعدى الاهتمامات الضيقة (عن هذه اللغة أو العائلة اللغوية) وتدخل في الضمير الجمعي للمنظرين اللسانيين بعامة. وتصبح هذه الحقائق عندئذٍ جزءاً مما يسمى (بالحالات الكلاسيكية) التي يجب على التنظير اللاحق أن يأخذها في الحسبان منذ البدء. وهذه الحالات قليلة، ولذلك فإنه من اللافت للنظر أن تسهم لغة واحدة بحالتين كلاسيكيتين في مجال نظري واحد. وعلى الرغم من ذلك فإن ذلك ما حدث فيما يخص الصرف العربي”([25]). والحالتان الكلاسيكيتان اللتان أسهم الصرف العربي بهما في التنظير الصرفي اللساني ما أسهم به مايكل بريم من تدليل على ما يسمى “الدورة التحويلية”  Transfor  mational  cycle والحالة الأخرى أن الصرف العربي قدم  دليلاً  على ما أصبح يسمى بالنظرية الصواتية غير الخطية.

وقـد احتـوى المحـور الأول علـى مقـال طويل كتبه جون مكارثي وعالم اللسانيات الشهير آلان برنس بعنوان “الصرف التطريزي والصرف النمطي” ([26]). وهذا المقال تطوير للنظرية الصواتية غير الخطية يذهب بعيداً في مستوى التجريد إذ يقترح مبادئ عامة قليلة تحكم ظواهر كثيرة في الجانب الصواتي. وقد أصبح هذا المقال واحداً من المراجع التي لا يكاد يخلو من الإشارة إليه أي بحث في الصواتة. ويحلل جون مور الأفعال المضعفة في اللغة العربية المعاصرة معتمداً أساساً على نظرية مكارثي وبرنس مدخلاً عليها بعض التعديلات الطفيفة([27]). كما يكتب روبرت راتكليف مقالاً عن جموع التكسير في العربية([28]). كما تكتب سميرة فروانة مقالاً عن وصل المستويات المختلفة للمورفيمات المكونة للكلمة([29]). وتحلل س. دوجلاس جونسون نظرية الدورة في اللهجات الشامية([30]) وتقترح بديلاً لتحليلل مايكل بريم لحذف الحركات في هذه اللهجات. وتكتب محاسن أبوو منصور عن الحركات المزيدة والتضعيف وتركيب المقطع في اللهجة المكية([31]) وتقترح تحليلاً يعتمد على تركيب المقاطعع لتفسير بعض الظواهر الصوتية في هذه اللهجة. ويكتب جونن إيسل عن التنظيم الجهوي للأفعال في اللهجة القاهرية([32]). ويكتب محمود البطل عن عناصر الربط في النصوص النثرية العربية([33]). ويكتب ديلوورث باركنسون عن الاختلافات الإملائية في اللغة العربية المعاصرة متخذاً من رسم الهمزة مثالاً([34]). كما يكتب أخيراً عادل الطويسي عن نطق غير العرب للعربية واتخاذ ذلك دليلاً على أن تبسيط اللغة وقواعدها هو مسلك عام ينطبق على تبسيط العربية وغيرها من اللغات وإن كان هناك ما تختلف فيه هذه الظاهرة في العربية عن غيرها([35]).

وهكذا نرى أن هدف هذه الأبحاث كلها هو دراسة بعض الظواهر في العربية للإسهام في تطوير الدراسة اللسانية النظرية. ومن الأدلة على أثر مثل هذه الدراسات أن البحث الصواتي الآن يأخذ النظرية التي أسست على اللغات السامية  وخاصة العربية ذات التركيب الصرفي المتميز عن غيره نموذجاً يعمم على لغات تختلف عن اللغات السامية في أن المورفيمات فيها متتابعة بدل أن تكون مستقلة بعضها عن بعض. ومن ذلك ما نجده في مكارثي 1989م([36]) وبرنس 1987م([37]).

وتحتوي المجموعة الثالثة من هذه السلسلة على ثلاثة محاور: الأول عن اللغة العربية وصلتها باللغات الأخرى، والمحور الثاني عن النحو، والثالث عن اللسانيات النفسية واللسانيات الاجتماعية. وتفتتح  مشيرة عيد التي حررت هذه المجموعة بالاشتراك مع عالم اللسانيات الشهير برنارد كومبري هذه المجموعة بمقدمة توضح فيها الخطوط العامة للأبحاث المتضمنة فيها. ويكتب كومبري المقال الأول بعنوان (أهمية اللغة العربية للنظرية اللسانية العامة)([38]). ويبين فيها بأدلة جديدة أهمية العربية للتنظير اللساني. فيقول في مقدمة مقاله “… يجب ألا تكون اللسانيات العربية موضوعاً مستقلاً، سواء أكان ذلك بعدم أخذها من النظرية اللسانية العامة أم بعدم إسهامها في النظرية العامة، وهو أمر أكثر أهمية هنا، وأريد أن أؤكد بعضاً من أوجه الأهمية للإسهام الذي أعتقد أن دراسة العربية يمكن أن تقدمه للنظرية اللسانية العامة. وبالمقابل فإنه يمكن أن يظن أنه من غير المفيد أن يبرهن الإنسان على أهمية العربية لكي يشجع دراسة العربية، إذا أخذنا في الحسبان أن هذه اللغة قد درست دراسة مستفيضة بوصفها لغة حضارة مهمة ودين مهم…. ولذلك فإنني أود أن أبين حتى لأولئك اللسانيين الذين لايهمهم هذا المنظور الحضاري الواسع أن اللغة العربية لديها الكثير مما تقدمه لهم”([39]).

ويناقش في هذا المقال عدداً من المواضيع ومن أخصها الطريقة التي تعبر بها اللغة العربية ولهجاتها عن الزمن والجهة. وينطلق من وصف هذه الظواهر إلى مواضيع أكثر عمقاً في النظرية اللسانية العامة.

وتكتب مشيرة عيد مقالاً عن الجملة الاسمية في العربية والعبرية([40]) تقترح فيه أن في الجملة الاسمية في اللغتينن رابطاً قد يُعبر عنه أحياناً بالضمير يؤدي وظيفة فعل الكون. ويكتبب جون مكارثي مقالاً عن الأصوات الحلقية في العربية([41]) يرىى فيه أن نظرية  الملامح التمييزية في النظرية اللسانية الصواتيةة ليس فيها ملمح يمكن أن يعبر عن هذه الأصوات. ولذلك يقترح إضافة ملمح هو “الحنجرية” إلى قائمة هذه الملامح في النظرية. ويكتب عواد الحربي مقالاً عن الكلمات العربية في إحدى اللغات الأندنوسية([42]) يحلل فيه النظريات المقترحة لتفسير دخولل الكلمات الأجنبية في لغات أخرى. ويكتب عبد الجواد محمود مقالاًً عن التحليل التقابلي في بعض أنواع الجمل في اللغتين الإنجليزية والعربية يتطرق فيه إلى اختبار بعض النظريات اللسانية المقترحة لتحليل أنواع تلك الجمل([43]). وتكتب محاسن أبو منصور عن الحركات المزيدة في اللهجة المكية منطلقة من ذلك الوصف إلى مناقشة بعض النظريات الصواتية لتحليل هذه الحركات المزيدة([44]) ويكتب كينيث بيزلي عنن التحليل الحاسوبي للصرف العربي([45]). ويحلل العباس بن مأمون أفعال التعدية في العربية المغربية([46]) وذلك في إطارر نظرية الربط العاملي Government and Binding theory التيي اقترحها تشومسكي. وهناك ثلاثة مقالات عن اللسانيات الاجتماعية واللسانيات النفسية هي “الرجال والنساء والتنوع اللغوي في العالم العربي” كتبه كيث وولترز([47])ØŒ Ùˆ”تغيير الرمز والانسجام اللغوي في العالم العربي”  كتبه عبد الرحيم أبو ملحم([48])ØŒ وفيه يتعرض للمستويات اللغوية التي يستعملها العرب في أحاديثهم اليومية. والمقال الأخير يعالج ظاهرة تحصل عند بعض من يصابون بإصابة في أدمغتهم عندما يتكلمون العربية([49]).

أما المجموعة الرابعة فهي من تحرير إلين بروسلو ومشيرة عيد وجون مكارثي. وتحوي ثلاثة محاور: الأول عن اللهجات العربية ومقتضياتها للسانيات العامة، والثاني عن اللسانيات الاجتماعية، والثالث عن الدراسات التاريخية. ويقدم جون مكارثي وإلين بروسلو لهذه المجموعة ثم تكتب بروسلو مقالاً عن مقاييس الاختلافات الصواتية في اللهجات العربية([50]). وتبين فيه أنه على الرغم من  الاختلافات الظاهرية بين هذه اللهجات إلا أنه تحكمها مبادئ عامة قليلة، وأن ما يلاحظ من هذه الاختلافات سببه تغيير ضئيل يعود إلى مبدأ خاص بتركيب المقطع. وتكتب محاسن أبو منصور عن “تقصير المقطع المغلق وعلاقته بالمستويات الصرفية” ([51]) تقارن فيه بين اللهجة المكية واللهجة المصرية في ظاهرة قصر المقطع المغلق وتقترح فيه وجود مستوى آخر في الصرف يمكن أن يفسر الاختلاف بين اللهجات واللغات. ويكتب ديفد تيستن عن الكاف التي تستخدم ضميراً للمتكلم في بعض اللهجات اليمنية([52]) ويشير إلى أن هذه الظاهرة ربما كانت بسبب أثر اللغات العربية الجنوبية القديمة. كما تكتب فريدة أبو حيدر عن أثر اللغة العربية المعاصرة على انسجام اللهجات البغدادية التي تتكلمها طوائف متعددة([53]). وتكتب مشيرة عيد عن الضمائر وأدوات الاستفهام والمطابقة في اللهجات العربية([54]). ويكتب جون إيزل عن الأفعال المساعدة في اللهجة المصرية من خلال المقولة النحوية المسماة “Aux” وهي إحدى المقولات المقترح وجودها في التحليل التركيبي للجمل([55])ØŒ ويقترح فيه تحليلاً للظواهر التركيبية لا يلجأ إلى اقتراح هذه المقولة. وتكتب نيلو فار هايري عن التنوعات الآنية في اللهجة المصرية مركزة على ظاهرة صوتية هي تقديم بعض الأصوات الخلفية بحيث تنطق من مقدم الفم([56]). ويكتب كيث وولترز عن نطق الضمة الطويلة في إحدى اللهجات التونسية متخذاً هذه الظاهرة وسيلة لتحديد الاختلافات اللغوية في الأوضاع اللغوية التي توجد في مناطق لقاء لغوي بين الفرنسية والعربية([57]). ويكتب أحمد عطاونة عن مزج الرموز في كلام الذين يتكلمون الإنجليزية والعربية لغتين أصليتين([58])ØŒ يناقش هذه الظاهرة مقارناً إياها بأوضاع مشابهة في أماكن أخرى من العالم. ويكتب ر. كيرك بيلناب وأسامة شبانة عن جموع الأشياء غير العاقلة في اللغة العربية الفصحى واللغة العربية المعاصرة والمطابقة بين الأسماء الجمع والصفات([59])ØŒ ويقترحان فيها بعض النتائج عن تاريخ اللغة العربية. وأخيراً تكتب كارين ريدنج عن التحليل التركيبي الصرفي في كتاب الجمل في النحو محللة فيه اللغة الوصفية والمنهج في هذا الكتاب المنسوب للخليل بن أحمد([60]).

وتختتم كل واحدة من المقالات في المجموعات الأربع بقائمة للمراجع تشهد على مدى العمل العلمي المتشعب والمتعمق الذي حظيت به اللغة العربية.

مكانة الدراسات النحوية العربية

ظلت الإشارات إلى إسهام العرب المسلمين في دراسة اللغة نادرة، فكثير من كتب تاريخ البحث اللغوي إما أن تتجاهل ذلك الإسهام أو أن تقلل منه إذا ذكرته، ومن ذلك ما يقوله ج.س. جرين: “من اللافت للنظر أنه يبدو أن العرب لم يسهموا بشيء في دراسة اللغة يمكن أن يقارن بدراساتهم التي أدت إلى توسيع الرياضيات، والفلك والطبيعة والطب والتاريخ الطبيعي وتطويرها” ([61]).

وإذا ما ذكر تاريخ النحو العربي فكثيراً ما يقرن بأثر أجنبي أسهم في نشوئه. ومن ذلك أن النحو العربي متأثر بالدراسات اليونانية. أو متأثر بالدراسات الهندية. لكن هذا الحال تغير خصوصاً مع ازدهار الدراسات اللسانية المتأثرة بفكر تشومسكي. وذلك أن تشومسكي ينظر إلى اللغات عموماً على أنها تمثلات لشيء واحد عام في بني الإنسان مخصوصين به. ولذلك لا نستغرب التشابهات الكثيرة العميقة بين اللغات كما لا نستغرب أن يصل بنو الإنسان في دراسة لغاتهم إلى نتائج متشابهة. ونتيجة لهذا الأثر بدأ توجه جديد فيما يخص الدراسات العربية في الغرب ذلك هو البحث في تاريخ النحو العربي.

ومن أوائل الأبحاث التي تنحو هذا النحو مقال كتبه ديفد بترسون بعنوان “بعض الوسائل التفسيرية عند النحويين العرب”([62]). ويناقش فيه لجوء النحويين العرب إلى التأويل والتجريد، ويختمه بقوله: “…. يجب أن يكون واضحاً من النقاش الذي تقدم أن النحويين العرب لم يكونوا وصفيين لا يهتمون إلا بالظاهر بأي حال. بل إنهم بنيويون بالمعنى نفسه الذي يصنف به أكثر الدرس اللساني في القرن العشرين ومن ضمنه النحو التوليدي التحويلي بأنه بنيوي – إن النحويين العرب كانوا مهتمين بالتحليل  البنيوي الذي يصل الأشكال بعضها ببعض وذلك ما يؤدي إلى تفسيرها. إن من اللافت للنظر أن تكون بعض تحليلاتهم مجردة ومصوغة بمصطلحات تشبه ما يستعمله اللسانيون اليوم…. إن دليل نجاحهم يبينه أن عملهم لم يتجاوز إلا في حالات قليلة”([63]) ولنتذكر هنا ما قاله مايكل بريم في مقدمة رسالته للدكتوراه وهو ما أشير إليه من قبل في هذا البحث. وهناك أعمال كثيرة اهتمت بهذا الجانب، لكنني سوف أهتم هنا بعدد من الأبحاث التي صدرت أخيراً.

ومن أشهر العاملين في هذا الاتجاه مايكل كارتر فقد كتب عدداً كبيراً من المقالات والكتب عن موضوع تاريخ النحو العربي خصوصاً ما يتعلق بكتاب سيبويه([64]). ومن ذلك المقالات والكتب التالية: “عشرون درهماً في كتاب سيبويه”([65]). وهو يتحدث عن استعمال سيبويه لهذا التعبير للتمثيل في كثير من الأحيان. Ùˆ”أصول النحو العربي”([66])ØŒ Ùˆ”نحوي عربي من القرن الثامن الميلادي”([67])ØŒ Ùˆ”الصرف والخلاف: مساهمة النحو العربي”([68])ØŒ Ùˆ”اللسانيات العربية”([69]) وهو كتاب حقق فيهه وترجم مخطوطاً عربياً نحوياً هو “نور السجية في حل المسائلل الأجرومية” لمؤلفه سيدي محمد الشربيني الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي في مصر. وتحتوي هذه الترجمة على النص العربي ثم ترجمته إلى اللغة الإنجليزية مضافاً إلى ذلك تعليقات مفصلة عن مسائل النحو العربي والخلاف فيها ومناقشة بعض الأعمال الحديثة التي ناقشت بعض القضايا التي ذُكرت في الكتاب. ويختم بفهارس للآيات  القرآنية والأبيات الشعرية المستشهد بها والأسماء والمؤلفين وعناوين الكتب. وزيادة على ذلك فهناك اثـنتا عشرة صفحة تحتوي على المصطلحات العربية المستعملة وترجمتها إلى مصطلحات إنجليزية. “واستعمال أسماء العلم في كتاب سيبويه أداة للاختبار”([70])ØŒ Ùˆ”متى صارت كلمة النحو اسماً على النحو”([71])ØŒ Ùˆ”المصطلح “سبب” في النحو العربي”([72])ØŒ وغير ذلك كثير. كما أسهم مع كيس فريستيغ في تحرير كتاب بعنوان “دراسات تاريخ النحو العربي2”([73]). ويحتوي هذا الكتاب على اثنين وعشرين مقالاً تهتم كلها بتاريخ النحو العربي وهي حصيلة مؤتمر عُقد في جامعة نيمنجن في ألمانيا في سنة 1987Ù….

ويقول المحرران في مقدمة هذا الكتاب: “يمكن أن يشار هنا إلى نقطتين مهمتين يعنى بهما مؤرخ اللسانيات: فالنقطة الأولى أن الاهتمام العميق الظاهر الآن باللسانيات العربية هو من غير شك نتيجة لتطور اللسانيات العامة وصقلها إذ وضع هذا لتطور العلماء الغربيين في مستوى يمكنهم فيه أن يقدروا عمق التفكير اللساني العربي ودقته؛ وبغض النظر عن النواحي التي يمكن أن تكون اللسانيات النظرية قد فشلت في إنجازها في الدوائر العلمية الغربية إلا أنها أسهمت من غير شك إسهاماً موجباً في فهمنا للسانيات غير الغربية. والنقطة الثانية هي أنه من الواضح أنه على المستوى النظري الكلي أو على المستوى التطبيقي كليهما فإن هناك بعض الدروس التي يمكن للسانيات الحديثة أن تتعلمها من النحويين العرب القدماء. إن مفهوم الكليات اللسانية في الأقل ربما لايمكن نقاشه الآن من غير النظر في التنظيرات المشابهة في اللغة العربية، حيث يجب ألا يؤكد تطبيق كثير من معطيات اللسانيات المعاصرة من غير الإشارة إلى التقاليد اللسانية التي تعد اللغة العربية أشهرها من حيث النضج الذي لا يقل عن نضج الأنظمة اللسانية المألوفة مثل الهندية أو الصينية. إن المهتم باللسانيات العامة الذي يعرف العربية أو هو على استعداد لأن يتعلم من العربية ما يمكنه من فهم محتوى المقالات الموجودة في هذه المجموعة قد يجد بعض المعلومات التي يمكن أن تقود إلى تعديل بعض آرائه التي تأسست كلها على التقاليد الغربية”

أما عن ما تتصف به المقالات التي تؤرخ للنشاط النحوي العربي في هذه المجموعة فيقول المحرران: “إن الملاحظ في (المقالات التي تهتم بتاريخ بعض النحويين) أنها تتعدى حدود المناهج التقليدية في البحث، تلك التي تركز أساساً على التفصيلات الخاصة بسيرة حياة النحويين، وتنحو نحو فحص إنتاجهم العلمي بوصفه منظومة من الأفكار الثابتة التي لابد أنهم حصلوا عليها من سابقيهم، وبهذه الطريقة لم يُعترف إلا بوجود عدد قليل من العباقرة”. أما البديل فهو: “كما يتبين من عدد من المقالات في هذه المجموعة، فإن النحوي المسلم كان حراً في تطوير أي رأي يراه معقولاً ومتماشياً مع دينه، ولذلك فإن القارئ المعاصر يجب أن يتوقف عن النظر إلى الإسلام على أنه عنصر كبت، وأن ينظر بدلاً عن ذلك إلى الخصوصية والمبادرة التي كان المثقفون المسلمون أحراراً في اتخاذها”.

والمقال الأول في هذه المجموعة كتبته جورجينا أيوب بعنوان “وهذا ما لا يقال في كتاب سيبويه: مفهوم التمثيل”([74]). وقد تحدثت فيه عن مفهوم التمثيل الذي يتكرر إيراده في كتاب سيبويه أداة من أدوات التحليل.

ويكتب رمزي بعلبكي عن “الإعراب والبناء: من المادة اللسانية إلى النظرية النحوية”([75]). ويناقش بعلبكي في هذا المقال هذين المصطلحين ويرى أن سيبويه ضحى بالاختلافات اللهجية في سبيل تكوين نظرية لسانية منضبطة. ويكتب مونيك برناردز عن “النحوي البصري أبي عمرو الجرمي: موقعه بين سيبويه والمبرد”([76]) ويحاول فيه أن يؤرخ لآراء الجرمي. ومنها ما يخصص الاعتراض على بعض آراء سيبويه. ويكتب هانز هنريش بيسترر فيلت عن “الفصل الذي كتبه ابن فرغون عن النحو العربي في كتابه جوامع العلوم”([77]). ويكتب هارتموت بويزن عن “غوليوم بوستال (1510 – 1581Ù…) وكتابه عن مصطلحات النحو العربي”([78]). ويكتب مايكل كارتر عن “(قاضي، قاضٍﹾٍ، قاضْ) ما العنصر الغريب بينها”([79]). ويرى أن الشكل غير الممكن منها هو (قاضْ)  وذلك اعتماداً على فحصه لكتاب سيبويه. ويرى أن وجود (قاض) في كتاب سيبويه كان نتيجة خطأ من النساخ والمحققين. ويكتب جانيوس دانيكي عن “النظرية الصوتية للمبرد”([80]). ويرى أنها لم تأت بشيء جديد يتجاوز نظرية سيبويه. ويكتب كنجا ديفيني عن “مناهج الفراء اللسانية في كتابه معاني القرآن”([81]). ويقارن بين مناهج الفراء ومناهج سيبويه، فيرى أن الفراء ليس مهتماً بالتنظير أساساً بل إن تنظيره يأتي انطلاقاً من تفسيره لبعض الآيات. أما سيبويه فإن هدفه هو صوغ نظرية متماسكة للغة العربية ويأتي بالنصوص لتدعيم ذلك التنظير. ويكتب جوزيف ديشي عن “معالجة النحويين العرب للمصطلح (حرف)”([82]). ويكتب إيفرهارد ديترز عن “جمع المادة اللغوية عند العرب قديماً وحديثاً”([83]). ويتحدث فيه عن التقنيات التي استعملها العرب القدماء في جمع المادة اللغوية. ويرى أن النحويين العرب أخذوا اللغة من ثلاثة مصادر: القرآن الكريم، والشعر الجاهلي، وكلام البدو. وتختلف هذه المستويات بعضها عن بعض، وذلك ما أثر في وصف اللغة العربية، إذ نحت النظرية إلى معالجة هذه المصادر الثلاثة وكأنها متماثلة. ويكتب بو جمعة الأخضر عن الفرق الذي يراه بين النحو العربي الذي يعطي الأهمية للكلمة والمدارس اللسانية الحديثة التي تعطي الأولوية للجملة. ويرى أن التفكير اللساني العربي يجب أن نقرأه قراءة  جديدة تقوم على الأخذ والعطاء بينه وبين المدارس اللسانية الحديثة([84]). ويكتب عبد العالي العمراني جمال عن الربط بين المسند والمسند إليه([85]). وتكتب روزالين جواين عن “الاحتجاج بالأقوى في الفقه والنحو والكلام“([86]). ويعني الاحتجاج بالأقوى أنه إذا صح أمر في شيء أقل فإنه يصح أيضاً في شيء أقوى منه. ومثل ذلك يقول القائد اليوناني زينوفون لجنوده: “إنه ما دام أن جيشاً أقل من الجنود اليونان استطاع هزيمة الفرس وفتح مدنهم فإن الجنود اليونانيين لا بد أنهم يستطيعون مثل ذلك” وقد تتبعت الكاتبة استعمال هذه الحجة عند الشافعي في الفقه وعند سيبويه في النحو وعند المتكلمين مثل الجاحظ والنظام. وتنتهي من ذلك إلى أن هذه الحجة في النحو والفقه والكلام كانت نتيجة للبيئة العلمية العربية المحلية ولم تكن نتيجة لتأثير أجنبي. وقد بدأ استعمال هذه العلة في الفقه؛ ولما كان سيبويه في أول أمره مشتغلاً بالحديث الذي لم يكن متميزاً عن الفقه فقد اكتسب هذه الحجة واستعملها في كتابه. ويكتب جنفيف همبرت عن “تحقيقات كتاب سيبويه وعن المخطوطات التي كانت أساساً لهذه التحقيقات”([87]) ويبين فيها عدداً منن الملاحظات على هذه التحقيقات. ويكتب بيير لارشير عن “عناصرر المقامية  في النظرية العربية النحوية فيما بعد الفترة الكلاسيكية”([88]) ويناقش ما ورد في كتاب شرح الكافيةة للاستراباذي من عناصر ليست جزءاً من النحو بل هي تمثيلل مجرد للمعنى وللظروف التي يقع فيها الكلام. ومن ذلك التفريق في الجملة الإنشائية بين الجملة الطلبية والجملة الإيقاعية. “فأنت في الطلبية لست على يقين من حصول مضمونها… وأما الإيقاعية نحو بعت وطلقت فإن المتكلم بها لا ينظر أيضاً إلى وقت يحصل فيه مضمونها بل مقصوده مجرد إيقاع مضمونها وهو منافٍ لقصد وقت الوقوع بل يعرف بالعقل لا من دلالة اللفظ أن وقت التلفظ بلفظ الإيقاع وقت وقوع مضمونه”. ويشير إلى أن وجود مثل هذه العناصر في الوصف النحوي العربي يدل على معاصرتها لما يناقش اليوم حول الموضوع. وتكتب فيفيان لو عن “هل هناك تأثير هندي على دراسة العرب للأصوات أم أن التشابه بين الدراستين كان نتيجة تشابه عارض؟”([89]). وتبين فيه أن القول بأن العرب أسسوا وصفهم الصوتي للغتهم على استعارتهم هذا الوصف من الهنود أمر غير ممكن. وذلك أنه في الحالات المعروفة تاريخياً عن اقتباس نظام وصفي من لغة إلى لغة أخرى مثل  اقتباس الرومان من اليونان، واليهود من العرب، واللغات الأوروبية الحديثة من الرومان واليابانيين والصينيين من الغرب فإن هذا الاقتباس تميز في هذه  الحالات جميعاً بوجود عدد كبير من الأفكار المرتبطة بالوصف المقتبس، وعدد كبير من الكلمات المقترضة من الأصل، وترجمات لبعض تلك الكلمات. لكن هذا ليس هو الواقع في العربية. فلغة الوصف الصوتي ومصطلحاته خالية تماماً من هذه المظاهر. وكان مصدر الزعم بأن العرب استعاروا من الوصف الصوتي من الهنود – كما تبين – مساواة بعض الباحثين بين كلمة “مخرج” عند النحاة العرب وكلمــــــــة  Sthana عند الهنود. وقد بينت أن هذا الزعم ليس صحيحاً بل هو وليد عدم فهم للمصطلحات الهندية. لما كان العرب قد أسسوا وصفهم الصوتي على أسس نطقية فإنه ليس هناك حاجة للاستعارة من الآخرين. ويكتب أحمد المتوكل عن تحليل السكاكي لمفهوم “الغرض” وهو ما يبين أن هذه المناقشة ذات صلة بالنقاش الحديث في التحليلات الفلسفية  واللسانية عن الصلة بين الفكر واللغة([90]). ويؤرخ أحمد مختار عمر للدراسات النحوية في مصر في العصور الأولى([91]). ويكتب جوناثان أوين عن “بعض المفاهيم التي كانت وراء تطور النظرية العربية النحوية”([92]).

ويناقش في هذا البحث بعض التحليلات المتعاقبة لبعض القضايا النحوية ويشير إلى أن تغير التحليلات يدل على تطور في النظرية النحوية. ومثل ذلك التحليلات المختلفة عند سيبويه والمبرد وابن الزجاج والجرجاني للإضافة؛ وتحليلات سيبويه والأخفش والمبرد للمنصوبات. ويرى أن المدارس النحوية العربية لا تختلف بين بصريين وكوفيين وبغداديين… إلخ مكانياً بل تختلف زمانياً، ونظرياً بين المتعاصرين. ويكتب رفائيل تالمون عن “الفراء المتفلسف: تفسير قول غامض منسوب لثعلب”([93]). ويناقش فيه المقولة التي ترى أن النحو العربي أقيم على أسس يونانية ويؤيد هذه المقولة برد بعض المصطلحات التي استعملها الفراء إلى أصولها اليونانية التي كانت معروفة للعرب في تلك الفترة.

ويكتب كيس فريستيغ عن “مصطلح “الاتساع” والمفاهيم المتعلقة به في النحو العربي وهل تدل على حرية المتكلم؟”([94]). ويقصد به استعمال هذا المصطلح في الوصف في النحو العربي. ويدل هذا المصطلح على حرية المتكلم في التصرف بالكلام مجازاً وتوسعاً في القواعد. ويكتب رونالد وولف عن “تحقيق كتاب الرد على النحاة لابن مضاء”([95]). ويرى أن هذا ليس كتاباً واحداً إنما هو مزيج من كتب أخرى لابن مضاء. وينتهي الكتاب بفهرسين أحدهما للأسماء التي ذكرت في الكتاب والآخر في 9 صفحات يحتوي على المصطلحات التي ذكرت. ويحتوي كل مقال على قائمة بالمراجع التي اعتمدها المؤلف وهي تعطي صورة واضحة للنشاط الواسع في هذا الميدان الحيوي.

ومن المبرزين في الإسهام بدراسة النحو العربي كذلك جوناثان أوين. فله عدد كبير من المقالات التي تناقش قضايا معينة في النظرية النحوية العربية. وسوف أقتصر هنا على عرض كتابين حديثين له في هذا الموضوع. والكتاب الأول هو “مقدمة للنظرية العربية النحوية في القرون الوسطى”. ويقع في 361 صفحة([96]). ويتكون من مقدمة وثمانية فصول وثلاثة ملاحق وقائمة بالمراجع وثلاثة فهارس. وفي المدخل الذي صدر به الكتاب يشير إلى أن الفكرة التي محتواها أن الممارسة اللسانية العربية يمكن أن تفهم حق الفهم من خلال المبادئ اللسانية العامة لم تبدأ إلا في أوائل السبعينات من القرن العشرين. كما يشير في المقدمة إلى أن كلمة “القرون الوسطى” التي تظهر في عنوان الكتاب يجب ألاّ يفهم منها الفهم المتعود عليه في الدراسات الغربية التي يمكن فيها أن تشير هذه العبارة إلى غموض المنهج وتعقيده. وذلك أن النظرية العربية النحوية في تلك الفترة تتشابه مع النظرية اللسانية المعاصرة في عدد من الأمور الأساسية، وهو ما يجعل مناقشتها أسهل بالنسبة للقارئ الغربي. ويشير كذلك إلى أنه يمكن البرهنة على أن أحد الأسباب التي أدت إلى عدم تقدير النظرية العربية حين اكتشفها الغربيون في القرن التاسع عشر عندما تكونت التقاليد الاستشراقية هو أنه لم يكن في الحضارة الأوروبية في تلك الفترة مثيل لها. ولم توضع هذه النظرية في منظور أحسن إلاّ مع التقاليد البنيوية التي أتى بها دي سوسير وبلوم فيلد وتشومسكي([97]).

ويتعرض في المقدمة([98]) إلى المعالم البارزة في تاريخ النحو العربي بدءاً من سيبويه ويشير إلى مصادر هذا النحو التي تتكونن من كتب النحو الوصفية مثل كتاب سيبويه والكتب المتخصصة في مواضيع معينة مثل كتاب المنصف لابن جني الذي يعالج الصرف وكتاب الزجاج “ما ينصرف وما لا ينصرف” الذي يعالج الممنوع من الصرف، وكتب أصول النحو مثل الإيضاح في علل النحو للزجاج والخصائص لابن جني، وكتب البلاغة مثل دلائل الإعجاز للجرجاني، وكتب اللغة والمعاجم، وكتب التفسير، وكتب أخرى ثانوية. ويبين هنا أنه سوف يقصر دراسته على الفترة الممتدة من المبرد إلى ابن عقيل وذلك بسبب تطور النظرية تطوراً محكماً من ناحية الأدوات الوصفية.

ويقول: إنه على العكس من النظرية اللسانية المعاصرة التي تكون فيها مبادئ الوصف والتفسير معلنة واضحة فإن هذه المبادئ في النحو العربي لم تكن تذكر علناً في كل حال. لكن هذا لا يمنع الباحث المدقق من العثور عليها لأنها وإن لم تكن معلنة فإنها منفذة فعلاً، وهي ليست أقل من حيث الدقة([99]).

وفي الفصل الثاني الذي عنونه بـ “البنية، والوظيفة، والفصيلة، والتعلق”([100]) يشير إلى الإطار الذي يحدد النحو العربي، فقدد وعى النحويون أن الكلام له بنى محددة ولهذه البنى وظائف.. وأظهر ما يكون ذلك في الدراسات الصرفية إذ نظر إلى كلمات اللغة كلها كأمثلة لموازين معينة.

وكذلك بحثهم عن الأصل لبعض الكلمات التي يخالف ظاهرها باطنها مثل الأفعال المعتلة ونظرتهم إليها على أنها مثل الكلمات غير المعتلة في خضوعها للموازين نفسها، كما أن نظرتهم إلى أن الجملة هي الوحدة الأساسية للتحليل النحوي قادتهم إلى دراسة المواضع التي تـقع فيها الكلمات التي تنتمي إلى فصائل معينة.

وقد قادهم البحث إلى فكرة “العامل” التي تظهر أنهم لم يكونوا ينظرون إلى الكلمات في الجملة على أنها نتيجة لتتابع عشوائي. فهذه الكلمات يحكم بعضها بعضاً. فوجود كلمات معينة يستدعي وجود كلمات أخرى. ووجود كلمات معينة يوجب إعراباً معيناً في كلمات تتبعها. وهذا مما يوضح نظرتهم إلى أن اللغة نتيجة لتركيب محكم. وعندما يقارن أوين هذه الأفكار بإحدى المدارس اللسانية لتحليل الجمل وهي مدرسة “نحو التعلق” dependency grammar يجد أن النظريتين تقولان الشيء نفسه. ويستمر في عقد مقارنات أخرى كلها تشير إلى هذه المتشابهات.

وفي الفصل الثالث الذي خصصه للصرف([101]) يناقش النظريات الصرفية العربية. وقد أشار إلى الاهتمام الواسع الذي أولتهه الدراسات العربية للصرف والأصوات. وأول ما يلاحظه أن النحو العربي فرق بين الصيغة ومعناها. كما يشير إلى تفريقهم بين الصوت والحرف. ويشير إلى انتباه النحويين إلى أن الكلمات العربية تعود إلى جذور ثلاثة في الغالب واختراعهم للميزان الصرفي الذي يعين الجذور الأصول في الكلمة والحروف المزيدة عليها التي تستعمل في تعيين معانٍ فرعية. ويبين أن بعض الدراسات الحديثة أشارت إلى مماثلة هذه النظرية لنظرية اللساني البريطاني فيرث. ويتوسع في عرض الدراسات الصرفية والمبادئ التي تحكمها ويعرض كثيراً من أوجه التحليل الذي جاءت به.

وفي الفصل الرابع “صيغ الكلمات” ([102]) يتكلم عن تصنيف العلماء العرب الكلمات إلى أسماء وأفعال وحروف والمبادئ التيي قادت إلى هذا التصنيف. كما عرض لكثير من المسائل المتعلقة بهذا التصنيف ومحاولة النحويين حل المشكلات التي تعترض عليه والخلافات بين المدارس النحوية في ذلك. ويعقب على بعض هذه المشاكل بقوله: “ليس المهم هنا أن نعين من انتصر على الآخر، بل المهم هو أن نبين أن النحويين العرب وعوا وجود هذه المشكلات والحالات غير الواضحة، وأنهم استعملوا مبادئ لسانية عامة لحلها” ([103]).

وفي الفصل الخامس “العبارة الاسمية”([104]) يتكلم عن تحليل النحويين العرب لتراكيب يدخل فيها الاسم مثل الصفة والموصوفف والحال والمضاف والتوابع الأخرى. وعلى الرغم من عدم تطوير النحو العربي لمقولة تماثل “المركب الاسمى” في الدرس اللساني الحديث إلا أنه يمكن القول إن النحويين العرب كانوا واعين لها بصورة ضمنية.

وفي الفصل السادس “التعدية”([105]) يبين تحليل النحويين العرب للمفاعيل والوسائل التي يتعدى بها الفعل إليها. ويرى أنهه على الرغم من عدم وجود طريقة كاملة لمعالجة هذه القضية في النحو العربي إلاّ  أن النحويين العرب قدموا مادة ضخمة تتعلق بهذه القضية وتناولوها بشكل مضطرد.

وفي  الفصل السابع “الحذف”([106]) يعرض تقدير العلماء العرب تراكيب محذوفة في تحليلهم لبعض الجمل. وقد عرض للأدلةة التي اتخذها العرب للتدليل على وجود المحذوفات على مستوى أعلى من التجريد. ومن هذه الوسائل: السياق، والتراكيب، والاتساع، والمجاز. كما عرض لبعض المبادئ التي تحكم تقدير هذه التراكيب المحذوفة بحيث لا يكون تقديرها عشوائياً، كما تكلم عن بعض الخلافات حولها. ويقارن أوين بين سمات الحذف في النحو العربي والحذف في النحو التحويلي ويرى أن النحوين يتفقان في أن مسببات الحذف تركيبية أساساً. وذلك لوجود فكرة العامل في النحو العربي. ففي الجملة التالية:

زيداً ضربته.

يقدر أن (زيداً) منصوب بفعل محذوف يدل عليه الفعل المذكور. كما أن النحو التحويلي يرى أن جملة مثل:

Shave yourself

لابد أن يكون فيها فاعل الفعل المحذوف You وذلك لتفسير وجود الضمير على شكل Yourself بدلاً من أي شكل آخر. وعلى الرغم من هذا التشابه إلا أنه يبين أن هناك أربعة فروق بين النحو العربي والنحو التحويلي في مسألة الحذف. وأول هذه الفروق أن الحذف في النحو التحويلي هو نتيجة لكون الحذف لا يقع إلا إذا كان للمحذوف مثيل في النص. أما في النحو العربي فإن الحذف له سببان: السبب الأول تركيبي كما في الجملة المذكورة آنفاً، والسبب الثاني “مقامي” Pragmatic وذلك أن المحذوف يفهم من السياق. والفارق الثاني بين النحوين هو فرق في الاهتمام ففي الوقت الذي ينظر فيه النحو العربي إلى الحذف على أنه محاولة للوصول إلى معرفة المحذوف فإن النحو التحويلي يبدأ من الجمل الكاملة ويطبق عليها قواعد الحذف ليصل إلى الشكل الظاهري لها. والفرق الثالث هو في النحو التحويلي قواعد معينة للحذف أما في النحو العربي فإنه لم تحدد تلك القواعد بل لقد استندت تلك القواعد إلى المتكلم نفسه. والفرق الرابع هو أن النحو العربي كان ينظر إلى المعنى عندما يقترح الحذف وهذا ما لا نجده في النحو التحويلي.

ويعرض في الفصل الثامن لـ “الأصل في النظرية العربية”([107]) ويعني بالأصل أنه في حال وجود أشكال مختلفة للمورفيمم الواحد فإن واحداً منها يعد هو الأصل والأشكال الباقية فروع له. ويتبين عمل النحويين في هذه المسألة من اقتراحهم المقولات التالية:

أصل                     فرع

أخف                     أثقل

أقوى                     أضعف

أول                      بَعْد

الاسم                     الفعل

المفرد                    الجمع

المذكر           المؤنث

إلى آخر ذلك.

ويقارن في هذا الفصل أيضاً بين النحو العربي والنحو التحويلي من حيث أوجه التشابه والاختلاف في هذه المسألة وهو يرى عدم التشابه بين النحوين لأن النحو التحويلي يسعى لتحويل جمل إلى جمل أخرى وذلك ما لم يحصل في النحو العربي. وينتهي إلى أنه من المضلل أن نساوي بين النحوين على الرغم من وجود بعض التشابه.

وفي الفصل التاسع “التركيب، والدلالة، والمقامية”([108]) يدرس ما عمله النحويون والبلاغيون العرب من ربط للمعنى بالشكلل والعلاقة بينهما. ومن هؤلاء الذين اهتموا بهذه المسألة سيبويه والفارسي من النحويين والجرجاني من البلاغيين. ويعود مرة  أخرى في هذا الفصل للمقارنة بين النحو التحويلي والنحو العربي في مسألة دراسة المعنى. ويرى أنه لا تشابه بين النحوين وذلك لاختلاف الاهتمام واختلاف التحليل.

ويختتم الكتاب بسبع وأربعين صفحة تحتوي على 321 تعليقاً ضمنها مناقشات على جانب كبير من الأهمية. وتأتي بعد هذه القائمة قائمة تحوي أسماء النحويين والأماكن التي عاشوا فيها وتواريخ وفياتهم. ويتبع هذه القائمة تلخيص لقواعد النحو العربي ومبادئه. ويتبعها قائمة بالأقوال النحوية التي استشهد بها وبعدها قائمة بالمراجع. وبعدها ملحق بأسماء العلماء القدماء التي وردت في الكتاب. وتبعت بقائمة بأسماء العلماء المعاصرين. وبعدها ملحق بالمواضيع التي نوقشت. واختتمت الملاحق بملحق للمصطلحات النحوية العربية التي ذكرت.

ومن هذا العرض السريع للكتاب نرى مدى عمق المعالجة وسعة التناول. ومثل هذه الدراسات التي تنحو نحو التأطير المنهجي هي التي تنقص الدراسات العربية الحديثة إذ يتبين فيها المعنى الكلي والصورة الشاملة للنحو ومبادئه العاملة فيه. وهو يرتفع عن التفصيلات الدقيقة التي تمنع القارئ من رؤية المعالم البارزة المهمة لهذا الفكر العميق.

والكتاب الآخر لجوناثان أوين الذي سأعرضه هنا هو “النظرية العربية النحوية المبكرة: التنوع والتوحد”([109]) ويقع الكتاب فيي 295 صفحة ويتكون من مقدمة وعشرة فصول متبوعة بملحقينن وقائمة للمراجع وثلاثة ملاحق.

ويكاد يكون هذا الكتاب مكملاً للكتاب السابق وإن لم يكن ذلك الكتاب مهتماً بتاريخ الدراسات النحوية العربية غرضاً رئيسياً. فيهتم هذا الكتاب بمرحلة التأسيس التي يمثلها سيبويه والفراء خاصة بالإضافة إلى بعض النحويين الآخرين الذين لم يكن لهم الدور نفسه في التأسيس مثل الجرمي والمازني والسجستاني وقطرب. وعلى خلاف كثير من الكتب التي تؤرخ للنحو فلم يهتم أوين هنا بتفصيلات حياة النحويين بل كان جل الاهتمام منصباً على آرائهم ودراساتهم النحوية وإذا ذكر بعض تلك التفصيلات فإنما لعلاقتها بتلك الآراء.

وقد درس في المقدمة([110]) الآراء التي تصنف النحويين القدماء إلى مدرستي البصرة والكوفة وكذلك بغداد، وقد اقترح أن هذاا التصنيف لم يكن موجوداً في الفترة المبكرة وأكثر الاحتمال أنه يعود إلى مرحلة لاحقة عندما استقر النحو. ودرس كذلك البدايات الأولى للنحو وصلته بالقراءات ثم عرض تعريفاً بأبرز النحويين وأعمالهم التي عرفت عنهم مثل الخليل والكسائي وسيبويه والفراء والأخفش والمبرد وثعلب والزجاج وابن السراج.

وفي الفصل الثاني([111]) استكمل الصورة العامة للنحو فذكر ملاحظتين مهمتين هما: أن هناك كثيراً من القضايا المهمة التيي تشترك فيها المدارس النحوية المبكرة، والملاحظة الثانية أن النحو لم يتوقف تطوره عند ابن السراج. وقد مثل لذلك ببعض القضايا مثل فكرة العامل ودراسة الإضافة.

وفي الفصل الثالث “الفراء لسانياً”([112]) يتحدث عن منهج الفراء كما يتمثل في كتابه “معاني القرآن”. ويرى أن اهتمام الفراء كانن بالتطبيق وذلك على عكس سيبويه الذي كان التنظير همهُ الأول. لكن دراسة الفراء في كتابه معاني القرآن تعطي صورة مجملة عن آرائه النظرية. ومن تلك الآراء آراؤُه عن “الأصل” Ùˆ “الموضع” Ùˆ “القواعد الكلية للغة” Ùˆ”التتابع” Ùˆ”القياس”. وكذلك دراسته للمذكر والمؤنث. ويقارن بين عمل الفراء في “معاني القرآن” وعمل الزجاج الذي كتب كتاباً بالعنوان نفسه. وبدراسته لبعض آرائهما عن بعض الآيات، يرى أنه على الرغم من اختلاف المنهج والهدف وطريقة العرض فإن الفراء والزجاج يتبعان المبادئ نفسها وهذا ما يشير إلى أن منهج الفراء عموماً ليس مختلفاً عن منهج النحويين المعاصرين له. كما يشير ذلك إلى أن الخلاف بين البصريين والكوفيين لا يمكن أن يكون منهما مدرستين مختلفتين.

وفي الفصل الرابع “منهج سيبويه”([113]) يعرض المؤلف منهج سيبويه ويقارنه بمنهج المدرسة البنيوية الأمريكية في الثلاثيناتت والأربعينات من هذا القرن. ولم  يكن هذا المنهج معلناً في سيبويه لكن كتابه كان نتيجة لمنهج محدد يمكن اكتشافه. ومن وجوه هذا المنهج استعمال سيبويه لفكرة “التبادل” وهي التي استعملها لتحديد الوظيفة النحوية وتوزيع الكلمات واكتشاف أصح الأشكال للكلمة وتحديد المعنى. ثم ذهب يعطي أمثلة لذاك. كما استعمل سيبويه بعض الطرق المنهجية الأخرى مثل استعمال الدليل السلبي والتصنيف والتبادل القياسي واستعمال الأمثلة الممثلة لغيرها وكذلك الكلمات واستعمال الأصل وغير ذلك. ويقارن بين سيبويه وابن السراج من حيث المنهج، حيث يرى أن النحو بلغ عند ابن السراج مرحلة من النضج المنهجي كبيرة.

وفي الفصل الخامس “التوابع”([114]) يدرس هذه التركيبات ويطبق عليها مناهج النحويين الأوائل مثل سيبويه وابن السراج والفراء والأخفش والمبرد وثعلب وآخرين مما يدل على تطور في تحليل هذه التوابع وإن كان اللاحقون لم يزيدوا من حيث المادة اللغوية شيئاً على ما ذكره سيبويه.

وفي الفصل السادس “بين سيبويه والفراء من جهة والنحويين المتأخرين”([115]) يقارن بين النحويين السابقين واللاحقين وبينن الخطوط العامة التي تساعد على فهم تطور التنظير النحويي العربي.

وفي الفصل السابع “الفراء حلقة وصل”([116]) يدرس الفراء ممثلاً لحلقة تقع بين سيبويه وبين النحويين المتأخرين ويعدهه ممثلاً لتطور الدراسة النحوية مقارناً إياه ببعض النحويين الآخرين.

وفي الفصل الثامن “الفراء وفترة التنوع”([117]) يبين أن الفراء كان ذا فكر نحوي متميز ومن أهم ما يتميز به تفكيره استعمالهه مبادئ دلالية في مقابل المبادئ الشكلية التي يستعملها سيبويه.

وفي الفصل التاسع “نحويون غير بارزين”([118]) يدرس عدداً من النحويين غير البارزين مثل لغدة وابن كيسان وخلف الأحمر وثعلبب وابن الأنباري ويبين إسهاماتهم ومدى موافقتهم للنحويين الكبار واختلافهم عنهم.

وفي الفصل العاشر “تطور مدرستي البصرة والكوفة”([119]) يتحدث عن المبادئ التي اختلفت فيها المدرستان. والتطوراتت التي مرتا بها.

وفي الفصل الحادي عشر “التطور البنيوي للنظرية التركيبية العربية المبكرة”([120]) يعرض المبادئ التي كانت تؤطر النحوو العربي منذ أطواره المبكرة. ويمكن أن يعد هذا الفصل خلاصةة البحث كله إذ يعرض فيه المصطلحات التي استعملها النحويون المختلفون ويبين الأطوار التاريخية التي سلكتها هذه المصطلحات. وقد علل تسمية الفترة التي تسبق نهاية القرن الثالث الهجري بأنها فترة التنوع بثلاثة أسباب هي: (1) أن هذه الفترة شهدت مبادئ مستقلة واضحة مختلفة عن الفترات اللاحقة، (2) أن النحويين القدماء كانوا معروفين بكثرة الاختلاف فيما بينهم، (3) أن التفكير النحوي كان موجهاً إما لاتباع سيبويه أو الفراء.

وفي الملحق الأول يبين المواضع المتعلقة بالمسائل الصرفية الصوتية في كتابي الفراء والزجاج، ويبين المعاني المختلفة للكلمة “حرف” في كتب النحو وكذلك معاني المصطلحين المسند والمسند إليه عند الفراء، والمصطلح “الاشتغال”. ويبين مواضع التوابع الاسمية عند الأخفش، وبعض المصطلحات الأخرى التي استعملها الفراء، والمواضع التي ظهر فيها مصطلح “الإيقاع” في الجزء الأول من معاني القرآن للفراء، والمواضع التي أشار فيها ثعلب في مجالسه إلى البصريين والكوفيين، والمواضع التي أشار فيها الزجاج في الجزء الأول من كتابه معاني القرآن للبصريين والكوفيين وغيرهم. وهناك ملحق آخر يحوي الأقوال التي استشهد بها من كتب النحويين. وملحق أخير يحوي أسماء النحويين وأماكن حياتهم وتواريخ وفياتهم. وهناك قائمة بأسماء المراجع والمصادر وفهرس للصفحات التي ذُكر فيها النحويون في الكتاب، وفهرس للمصطلحات النحوية العربية، وفهرس للمواضيع التي نوقشت في الكتاب.

ويتبين من هذا العرض الموجز للكتاب أنه يضع بين أيدينا تاريخاً للنحو العربي يختلف عن ما تعودنا عليه من كتب تاريخ النحو التي لا تعطي اهتماماً كافياً لدراسة تطور النحو نفسه وتاريخه، بل تهتم بدلاً من ذلك بحياة النحويين وسرد القصص التي تروى عنهم. وتاريخ النحو في هذا الكتاب يعطي معنى للاختلافات التي نجدها بين النحويين ويرصد التطورات التي مر بها هذا النحو حتى استقر.

ولم تكن دراسة النحو العربي هي التي لفتت الانتباه فقط بل إن العروض كان موضوعاً للدراسة. ومن بين من درسوا العروض العربي اللساني الشهير موريس هاله([121]) وكذلك ألانن برنس([122]). لكن أكثر الدراسات الحديثة تفصيلاً هي دراسة جون مالنج التي ناقش فيها كثيراً من النقد الذي وجه إلى العروض العربي في الغرب، وبين أن نظرية الخليل محكمة جداً إذا نظر إليها على أنها تجريد يمكن أن يشتق منه البحور الستة عشر، كما يمكن أن تصاغ العلل والزحافات صياغة مشابهة لصياغة القواعد الصوتية والصرفية التي جاءت بها المدرسة التوليدية التحويلية([123]).

وليس بالإمكان – كما قدمت – عرض كل ما كتب في الفترة الأخيرة عن النحو العربي لكن المطلع على الكتابين اللذين عرضتهما سيفاجأ بعدد البحوث التي كتبت وسيفاجأ بتنوعها وعمقها حتى ليكاد يقول المرء إنه لم يترك جانب واحد في هذا النحو لم يدرس.

 

الموقف من اللغة العربية بصفتها لغة

سبق أن قدمت أن الدراسات الغربية عن اللغة العربية كانت قد اكتسبت سمعة سيئة عند العرب المحدثين نتيجة لكتابات بعض المفكرين الغربيين والمستشرقين، ذلك أن بعض المفكرين الغربيين في القرن التاسع عشر كانوا عنصريين في توجهاتهم الفكرية مما نتج عنه الاعتزاز بكل ما هو أوروبي والغض عن كل ما ليس أوروبياً. وقد عُوملت اللغات على أيدي هؤلاء معاملة تتسم بالزعم بأن اللغات غير الأوروبية قديمها وحديثها متخلف ولا يمكن أن تقارن باللغات الأوروبية في الجمال والإحكام والمنطقية. ومن الكتب التي تلخص تلك التوجهات وترصد تلك المقولات وتبين مدى إغراقها في العنصرية كتاب “لغات الجنة” الذي سبقت الإشارة إليه. وفيه عرض لآراء المفكرين الغربيين الذين عُرفت عنهم تلك المواقف غير العلمية من أمثال المستشرق الفرنسي رينان وغيره. ويتتبع تاريخ تلك التوجهات في أوروبة منذُ القديم حتى بزوغ فجر الدراسات اللسانية العلمية على يدي دي سوسير. وبذلك اندثرت تلك المقولات بحيث لا يعتقد أحد الآن بأفضلية لغة على لغة([124]). كما عرض إدوارد سعيد لتلك المقولات والقائلين بها مثل رينان وسلفستر دي ساسي وغيرهم وبيّن مدى الشطط الذي ارتكبه هؤلاء([125]).

ومن الكتب التي صدرت حديثاً وتتصدى للمقولات الأوروبية القديمة عن اللغة العربية كتاب ديفد جستس “دلالات الشكل في اللغة العربية في مرآة اللغات الأوروبية”([126]). ويقع الكتاب في 432 صفحة ويتكون من مقدمة واثني عشر فصلاً في أربعة أبواب ويختتم بقائمة للمراجع وعدد من الفهارس. وفي المقدمة يقول: إن اللغة العربية عانت من الوصف بالغرابة والرمي بالصفات الجاهزة بالدرجة التي عانت منها اللغة الصينية وزاد الأمر سوءاً بفعل العوامل السياسية. ومن التوجهات التي تسهم في زيادة الأمر سوءاً ما نقله عن أحد الكتاب في مراجعة لكتاب جوناثان رابان “الجزيرة العربية: رحلة في خلال المنعرجات”ØŒ ونشرته جريدة النيويورك تايمز: “إن طبيعة لغة الجزيرة العربية، كما يقول المؤلف، منعرجات من الغموض حيث من الصعب أن تجد أي معنى حرفي (لأي كلمة)ØŒ وإنما كل ما هنالك إشارات رمزية. تلك هي اللغة التي تعبر فيها كلمة واحدة باختلاف ضئيل عن “الجماع” Ùˆ”الاشتراكية” فهل من الغريب إذن، كما يتساءل المؤلف – أن يكون من الصعب فهم العرب”. ويبين أن غرضه من الكتاب هو أن يكون مرآة متعاطفة مع اللغة العربية. فهو سيحاول أن يتفحص الاستراتيجيات والبنى التي تبدو مميزة للعربية وأن يزيل ما علق بها من غموض بتوضيح أن هذه المميزات تشبه ما يوجد في اللغات الأوروبية المعروفة.

وفي الفصل التمهيدي “تعريف اللغة المدروسة”([127]) يتكلم عن تاريخ اللغة العربية ويشير إلى أنها ليست شيئاً واحداً بلل هي مستويات مختلفة تمتد من الفصحى القديمة إلى اللهجات المعاصرة. وهي بذلك تشبه اللغات الكبرى.

وفي الفصل الأول “صعوبة العربية”([128]) يشير إلى وصف اللغة العربية بأنها من أصعب اللغات إذ تقارن بالصينية واليابانيةة والكورية وغير ذلك من اللغات. ويقول: إنه وجد العربية أصعب عند تعلمه لها من اللغات التي تعلمها من فصيلة اللغات الهندية الأوروبية، لكن هذه الصعوبة لا تعود إلى اللغة العربية بوصفها نظاماً لغوياً. فالعربية – في رأيه – لغة مطردة من جهة البنية وهناك عوامل كثيرة في هذا الاطراد تجعل تعلمها أسهل. ويشير في الوقت نفسه إلى بعض أوجه الصعوبة فيها مثل تعدد أشكال جمع الأسماء، لكنها في ذلك لا تختلف عن الألمانية أو اللاتينية. أما أسباب الصعوبة فهي ليست لغوية بحتة بل هي تاريخية وأسلوبية واجتماعية. ويفصل في الصعوبات التي تثار دائماً ويصف بعض الحلول لها.

وفي الفصل الثاني “الخطوط العامة للعربية”([129]) يعرض إلى بعض العيوب التي تنسب إلى العربية مثل الترادف والمشتركك اللفظي والفظاظة والخشونة. ويورد قولاً يكثر إيراده وتوصف به العربية فحواه “إن الكلمة في العربية تعني معناها، وضد ذلك المعنى، وشيئاً فاضحاً وشيئاً عن الجَمَل”. وهو لا ينكر وجود الترادف والمشترك اللفظي وغير ذلك لكنه يحصر هذه الصفات في اللغة العربية بصورتها التي توجد في القواميس، أما اللغة كما تستعمل فليس فيها شيء كثير من ذلك. ويقارن هذه الخصائص بمثيلاتها في اللغات الأوروبية. ويعرض لغير ذلك من هذه المزاعم التي تؤخذ على العربية مثل: إن المعنى العام للكلمات المشتقة من جذر واحدٍ واحدٌ فكأن هذه الكلمات المختلفة تقول الشيء نفسه، والسطحية والعنف والإطناب والازدواجية اللغوية والغموض والنقص التركيبي واللعب بالكلمات ووصفها بالتأخر واتصافها بالأصوات الحلقية القبيحة. وعندما يناقش هذه الصفات يوضح أن ما يصفه بعض الناس بهذه الصفات هي أمور موجودة في كثير من اللغات ومن بينها اللغات الأوروبية.

وفي الفصل الثالث “الربط بين الشكل والاستعمال”([130]) يعرض للزعم بأن اللغة العربية مرآة للعقلية العربية. وهذا الفصلل من أطرف الفصول وأجملها. ويبين فيه أن ما تعبر عنه العربية تعبر عنه اللغات الأخرى بشكل مشابه وبذلك ينتفي الزعم القائل إن شكل الكلمة يحدد معناها أو أن هذه اللغة تصور قصور العقلية العربية.

وفي الفصل الرابع “نحو التثنية وتثنية النحو”([131]) يعرض ظاهرة التثنية في العربية واتخاذ بعض الناس هذه الظاهرة دلالةة على وجود قواعد لا معنى لها. ويشير فيه إلى أن اللغات الأوروبية كانت فيها تاريخياً هذه الظاهرة كما أنها توجد في بعض اللغات الأخرى المعاصرة. ويبين أن العربية قد تستعمل التثنية إما لأغراض عميقة للتحديد أو وسيلة للجمال الأسلوبي أو لبعض الأغراض الأخرى. أما مفهوم التثنية فهو من المفاهيم التي بنيت اللغة عليها في مختلف وجوهها.

وفي الفصل الخامس “اعتباطية الإشارة”([132]) يدرس عدم الارتباط في العربية بين شكل الكلمة ومعناها وذلك على الرغمم من الحدود الصارمة على شكل الكلمات فيها.

وفي الفصل السادس “التراكم”([133]) يدرس اتصاف اللغة العربية بسعة قاموسها. لكن هذه السعة تعود إلى أن القواميسس العربية قد حوت كل الكلمات التي استعملت في خلال تاريخها من غير تمييز للمستعمل منها في فترة معينة من المستعمل في غير تلك الفترة. ويناقش ما ينسب إلى العربية من عدم قدرتها على الرغم من هذه السعة أن تعبر عن بعض الأمور. ويبرهن على أن هذه الظاهرة ليست مقصورة على العربية.

وفي الفصل السابع “الأضداد”([134]) يناقش ما ينسب إلى العربية من كون الكلمة تعني أحياناً الشيء وضده وذك مثلل “خائف” التي تعني الفاعل والمفعول، Ùˆ “باع” بمعنى “باع” Ùˆ”اشترى” إلى غير ذلك ويبين أن هذه الظاهرة موجودة في اللغات الأخرى. ومن ذلك في الإنجليزية rent التي تدل على “أجَّر” Ùˆ “استأجر”. ويعرض لهذه الظاهرة في التركيب أيضاً مثل دلالة “الواو” على العطف وعلى التخيير. وكما يؤكد، فإن مثل هذه الظاهرة موجودة وإن كان ذلك بنسب متفاوتة في اللغات كلها. فيجب ألا تؤخذ دلالة على شيء له علاقة “بعقل” المتكلمين لهذه اللغات. ويجب أن تفسر هذه الظاهرة تفسيراً لغوياً بوصفها نتيجة لتطورات لغوية أو للتوسع المجازي أو غير ذلك.

وفي الفصل الثامن “أسماء النوع”([135]) يتحدث عن استعمالات هذا التركيب الاسمي ويبين أسباب وجودها وأنها لا توحي بأيي مظهر من مظاهر النقص بل إن لها أسباباً لغوية مثل: إن إمكان وجود صيغة خاصة مرده لطواعية تركيـب الجـذور في العربية واتساعها، ولأن العربية لا تستعمل التركيب المزجي أو الإسنادي كثيراً فإن في هذه الصيغة تعويضاً عن ذلك ولعدم اختلاطها بغيرها.

وفي الفصل التاسع “شكل التركيب”([136]) يناقش التراكيب النحوية مستعملة استعمالاً طبيعياً. ويبين أن العربية مثلها مثلل اللغات الأخرى في استعمال تلك التراكيب.

وفي الفصل العاشر “الإطناب”([137]) يناقش ما يوصف بأنه إطناب لا حاجة له في العربية مثل “ليل أليل” ويبين أن أكثر هذاا الإطناب إنما هو لأغراض أسلوبية كما هو موجود في الآداب الأخرى.

وفي الفصل الحادي عشر “المخصصات”([138]) يناقش التوابع الاسمية مثل التمييز والحال ويبين وظيفتها في اللغة العربيةة ووجود ما يشبهها في اللغات الأخرى.

وفي الفصل الثاني عشر “التعدية والوصف”([139]) يدرس الطريقة التي تعبر بها العربية عن التعدية وذلك بصيغ خاصةة للأفعال ويرى أن اللغات الأخرى تعبر عن المعنى بأساليب خاصة بها.

ويختم كل فصل من هذه الفصول بعدد من الهوامش.

إن ما يميز هذا الكتاب هو الأسلوب الذي تغلب عليه السخرية والمفارقة حين يورد مأخذاً على العربية فيكشف بهذا الأسلوب مدى جهل القائلين بهذا المأخذ أو تحاملهم على الرغم من أن ما يأخذونه على اللغة العربية موجود في اللغات التي يعرفون. ويبين أن مصدر هذه المآخذ ليس إلا المواقف الجاهزة غير العلمية من اللغات التي لا يعرفها هؤلاء أو النية المبيتة التي مصدرها العداء  السياسي أو الحضاري لأهل هذه اللغة.

إن كتاب ديفد جستس يحتل مكاناً مميزاً بين الكتب التي تدعو إلى الموضوعية والدراسة العلمية للغة. وهو جدير بأن يقرأه المتخصصون من العرب وغيرهم وذلك لعمق المعالجة للمسائل التي تعرض لها وللمقارنة بين اللغات.

وبالإضافة إلى هذا الكتاب كثيراً ما نجد إشارات متعددة في كتابات الدارسين لبعض المواقف السلبية التي كانت سائدة في بعض الدراسات الغربية عن اللغة العربية. إذ يحاول هؤلاء الدارسون دفع التهم التي توجه إلى هذه اللغة. ومن ذلك ما يقوله مايكل بريم في مقدمة رسالته للدكتوراه: “… إن اللغة التي سأبحث فيها في هذه الرسالة هي لغة حية. فهي اللغة الأدبية التي توحد كل الدول العربية، وهي التي ما تزال مستعملة في المدارس والمحاضرات والإذاعة والصحف والتمثيل والوظائف الرسمية الأخرى. إن الزعم بأن هذا النوع الأدبي للعربية هو نوع مصنوع وسطحي إنما هو قول يدل على جهل قائله. بل إن الفروق التي تفصل بين اللغة الأدبية العربية عن النوعيات العامية المختلفة إنما هي فروق مبالغ فيها في الدراسات الماضية….”  إلى غير ذلك.

لقد ولى الزمن الذي كانت تروج فيه كتابات مثل كتابات شوبي([140]) ورافائيل بتاي([141]) مما يخرج على مقاييسس العلمية لاعتمادها على فرضيات مثل فرضية سابير وورف التيي أسيء تفسيرها واستعمالها في كثير من الأحيان وهي فرضية نقضتها البحوث اللاحقة([142]).

خاتمة

كان القصد من كتابة ما تقدم بيان أن كثيراً من المفاهيم الشائعة في الثقافة العربية المعاصرة عن الدراسة اللسانية المعاصرة المتعلقة باللغة العربية إنما هي نتيجة للجهل بالتقدم الذي يتحقق كل يوم في هذا المجال الحيوي. ولم أكن أهدف إلى كتابة عرض تفصيلي للأعمال المنجزة؛ بل إن ما قصدته هو التدليل بشكل موجز على هذا النشاط العلمي الذي يبدو أن كثيراً من المتخصصين في اللغة العربية في العالم العربي إما غير واعين به أو لا يقدرونه حق قدره.

وإلى جانب شك هؤلاء المتخصصين بما ينجز في الغرب عن اللغة العربية لارتباط هذه الدراسات في الضمير الجمعي العربي بدراسة اللهجات بدلاً من الفصحى، وبالدراسات الاستشراقية التي كانت في بعض الأحيان أداة في يد المستعمر، فإن هناك سبباً آخر جوهرياً هو القول بأن الأجانب لا يمكن أن يفهموا اللغة العربية مثل فهم أبنائها لها. وللرد على هذا القول ينبغي الإشارة إلى أن بعض الباحثين في هذه المجالات هم من العرب. وبالإضافة إلى هذه الحجة فإن القول بأن الأجانب أقل قدرة على فهم اللغة العربية من أبنائها هو قول ينقصه الدليل. أما الحقيقة فهي أن غير العربي يمكن أن يفهم تركيب اللغة العربية فهماً يتساوى مع فهم الناطقين بها إذا توافرت له أدوات البحث وكان جاداً. ويمكن أن يدلل على صدق هذه المقولة بأن أبرز علماء اللغة العربية لم يكونوا عرباً، بل لقد اتهم بعضهم بعدم إجادة اللغة العربية، وأول هؤلاء سيبويه([143]).

وإذا نظرنا في تاريخ اللغات الأخرى فإننا نجد أحياناً أن أوفى كتب النحو لبعض اللغات كتبها علماء لم يكونوا من أهل تلك اللغات. وأظهر مثال على ذلك أوتو جسبرسن الذي كتب عن نحو اللغة الإنجليزية وهو دانماركي الأصل واللغة. وعلى الرغم من ذلك فإن كتاباته عنها ما تزال تتمتع بمكانة عالية في الدراسات الإنجليزية([144]).

وهناك ملاحظة مهمة جداً هي أن الأجنبي في بعض الأحيان قد يكون أكثر قدرة على الفهم. وقد حدث هذا فعلاً في دراسة بعض المجتمعات. ومن ذلك ما يقوله ديل إيكلمان: “يعد الكتابان اللذان ألفهما باحثان أجنبيان عن المجتمع الأمريكي، في كثير من الجوانب، من أهم وأجود ما كتب في دراسة المجتمع الأمريكي وتأويل قيمه الأساسية. ونعني بهما كتاب الأرستقراطي الفرنسي الكسيس دوتوكفيل” الديمقراطية في أمريكا” الذي صدر في سنة 1835Ù…ØŒ وكتاب السويدي المعاصر كونار ميردال “مأزق أمريكا” الذي صدر سنة 1944Ù…. ويمكن للمرء أن يحاج في هذا الباب ويقول بما أن هذين الملاحظين، وإن كانا أجنبيين عن المجتمع الأمريكي، فإنهما كانا أكثر وعياً بالجوانب الأساسية والثابتة من الأمريكيين الذين يأخذون تلك الجوانب على أساس أنها بديهيات أو يكونون على وعي ضعيف بها”([145]).

وهذا يصح في فهم اللغة أيضاً. فلذلك يجب ألا يستخف بما يكتبه غير العرب عنها. وهذه ليست دعوة لأن يسلم بكل ما يكتبون لكنها دعوة إلي الاطلاع عليه وقراءته قراءة نقدية والاستفادة من الحوار معه.

كما يتبين من البحوث التي عرض جانب منها أن اللغة العربية لا تزال مجالاً بكراً للدراسة. فهناك قضايا كثيرة جداً في اللغة العربية الفصحى وفي اللهجات العربية لم تبحث أو لم تنل حظاً كافياً من البحث أو أنها في حاجة إلى إعادة التحليل. وهذه المسألة تدعو إلى التفاؤل إذ إن التحقيق من وجود هذه القضايا سيكون دافعاً إلى الانخراط بحماس في البحث اللساني في هذه اللغة. ومما له صلة بهذا الموضوع أن المقولة التي تردد عن النحو العربي ومفادها أنه لا يمكن الزيادة فيه على ما كتبه النحويون العرب القدماء ليست دقيقة تماماً. فقد كشفت الأبحاث التي عرضت – على الرغم من تقديرها لإسهامات النحويين القدماء – أن هناك جوانب عديدة ما تزال في حاجة إلى دراسة.

إن أول شروط النهضة باللسانيات في العالم العربي – في ظني – هو أن نفهم حق الفهم النحو العربي بمنطلقاته الفكرية وتقنياته وأطره النظرية ولا نستطيع أن نحقق هذا الفهم إذا اكتفينا بالنظر إليه من داخله فقط. إنني أظن – كما ذكر ذلك بعض الباحثين ممن أشير إليهم أعلاه – أن الدراسة اللسانية الحديثة قادرة على مدنا بالأدوات المنهجية والأطر النظرية التي نستطيع بها فهم النحو العربي فهماً دقيقاً. وتتعلق هذه النقطة بما يسمى أحياناً “إحياء التراث”. فإحياء التراث لا يعني في نظري إلا تفسيره تفسيراً يجعله معاصراً لنا. وهذا التفسير المعاصر ليس تكلفاً إذا ما تعلق الأمر بالنحو العربي – فقد بيَّن كثير من الأبحاث التي عرضت أن هناك أرضية مشتركة في المنطلقات والأهداف والتقنيات بين اللسانيات والنحو العربي. ولا يعني هذا أبداً أن نكتفي – كما يفعل بعض الباحثين العرب المعاصرين – بالمقارنات السطحية منطلقين منها إلى الفخر أو إلى تأكيد أسبقية العرب في هذا المجال، بل الهدف هو إقامة الصلة بين منجزات النحو المعاصرة والبناء على ذلك مسهمين في وصف اللغة العربية وصفاً وافياً ومطورين للنظرية اللسانية المعاصرة نفسها.

ويعني هذا أن الفصل الحاد بين النحويين واللسانيين في الثقافة العربية يجب أن يحل محله الاتصال لخير الفريقين. ومن مقتضيات هذه الصلة أن ينخرط دارس اللسانيات المعاصرة في قراءة النحو العربي قراءة قصدها الأول فهم هذا النحو ومن بعد ذلك نقده وتمحيصه. أما النحوي فيجب عليه الاطلاع على منهجيات اللسانيات الحديثة إذ سيكون قادراً نتيجة لذلك على الإسهام فيها بما يعرفه معرفة حقة من منهجيات النحو.

وهذه الدعوة للاتصال بين الفريقين قصدها إزالة الجفاء بين الفريقين وتوحيد الجهود بقصد تحقيق نهضة لغوية ليست غريبة على الثقافة العربية. وعلى الرغم مما يشاع في الجو الثقافي العام من ضعف الصلة بين النحو واللسانيات إلا أن الواقع يؤكد أن نشاط النحوي ودارس اللسانيات واحد في الأساس. فالنحوي ودارس اللسانيات كلاهما لابد لهما من جمع المادة اللغوية ولا بد له من وصفها ولا بد له من تفسيرها. وعند هذه النقطة يتوقف دارس اللسانيات ويستمر دارس النحو في جعل القواعد التي توصل إليها موضوعاً للتطبيق في تعليمه الناس اللغة.

وخلاصة القول أن واحداً من معوقات النهضة العلمية اللغوية في الثقافة العربية المعاصرة هو شيوع بعض المقولات التي لا تستند إلى حقائق. وذلك مثل أن النظريات اللسانية المعاصرة لا يصلح تطبيقها على اللغة العربية لأن هذه النظريات أقيمت على لغات غربية. وأن الدراسة في اللسانية المعاصرة قصدها فيما يتعلق باللغة العربية تقعيد اللهجات وإحلالها محل اللغة الفصحى، أو أن الدراسة اللسانية المعاصرة تريد أن تكون بديلاً للنحو العربي بعد إزاحته من مركز الصدارة في الدراسة العربية. إن شيوع هذه المقولات يمكن أن يوصف بأنه نتيجة لما يسميه تشومسكي “مشكلة أورويل” نسبة إلى الروائي الإنجليزي الشهير مؤلف رواية (1984). ويعني بذلك أن كثيراً من المقولات في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية تقوم على أسس يمكن بقليل من البحث التأكد من عدم صحتها، وعلى الرغم من ذلك تبقى سائدة من غير أي تساؤل([146]).

ولذلك فإنه لا يسع المتخصص في النحو العربي في هذا العصر أن يتجاهل التقدم الذي ينجز في اللسانيات، كما أنه لا غنى له عن الاطلاع على ما يكتب باللغات الأخرى عن الدراسات العربية. وبدلاً من القطيعة بينه وبين المتخصصين في هذه المجالات فإنه ينبغي عليه أن يسعى إلى الاطلاع على ذلك والاستفادة منه والحوار معه.

([1]) عبدالسلام المسدي. اللسانيات وأسسها المعرفية. (تونس: الدار التونسية للنشر، 1986، ص ص(20-11)

([2]) عبدالقادر الفاسي الفهري “اللسانيات العربية: نماذج للحصيلة ونماذج للآفاق” في : تقدم اللسانيات في الأقطار العربية. تحرير عبدالقادر الفاسي الفهري (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 991) ص ص(40-11).

([3]) Kees Versteegh , “ Modern Approches to the History of Arabic” في: تقدم اللسانيات في الأقطار العربية، ص ص(216-199).

([4]) حمزة قبلان المزيني، مراجعات لسانية. (الرياض: النادي الأدبي، 1410هـ).

([5])  Maurice Olender. The Languages of Paradise: Race, Religion, and Philology in the Ninteenth Century.

Translated from French by Arthur Goldhammer (Cambridge, MA:

Harvard University press, 1992.)

([6]) عبدالسلام المسدي، المرجع نفسه؛ وكيس فرستيغ، المرجع نفسه.

([7]) كيس فريستيغ، المرجع نفسه؛ وJ.K. Chambers and Peter Trudgill. Dialectology.

(Cambridge: Cambridge University Press, 1980) PP. 15 – 23.

([8]) كيس فريستيغ، المرجع نفسه؛ وحمزة قبلان المزيني، “التحيز اللغوي: مظاهره وأسبابه” ستنشر قريباً في مجلة فصول.

([9]) Roman Jalobson, “Mufaxxama: The Emphatic  Phonemes in Arabic” in Salman AL – Ani (ed) Readings in Arabic Linguistics (Bloomington: Indiana University  Linguistic Club, 1978) PP 269 – 283.

([10]) Joseph H Greenberg, “The Patterning of Root Morphemes in Semitic, “in Salman  Al  -  Ani> reading…., PP. 431 – 456.

([11]) Joseph H.Greenberg, Ibid, P.432.

([12]) Zellig S. Harris, “The Phonemes of Moroccon Arabic, “in Salman Al – Ani, PP.      247 – 267

([13]) Harris, P.265.

([14])    J.R. Firth, “ Sounds and Prosodies,” in Eric P. Hamp, Fred W. Householder, and Robert Austerlitz. Readings in Linguistics II (Chicago: The University of   Chicago, 1996) PP. 175 – 191

([15]) Fred Householder, “Preface, “in Salman Al – Ani Reading, P. Viii

([16]) Michael B. Brame. Arabic phonology: Implications for Phonological Theory and    Historical Semitic.

Dissertation, MIT, 1970                                                                                             Ph.D.

([17]) Noam Chomsky and Morris Halle. The Sound Pattern of  English. (New York: Harper and Row, 1968).

([18]) Michael Brame, Arabic Phonology….., P. vii

([19])            John Joseph McCarthy, III. Formal Problems in semitic Phonology and Morphology. Ph.D. Dissertation, MIT, 1979.

([20])     John J. McCarthy, “ A Note on the accentuation of Damascene of  Arabic, “ Studies in the Linguistic  Science (1980), 10.2.

John J.Mc Carthy,“A Prosodic  Acount of Arabic Broken Plurals” Current Trends      in African Linguistics I (ed)By L. Dihoff,(Dordrecht:Foris, 1983) PP. 289- 263

  1. McCarthy and A. Prince. “Foot and Word In prosodic morphology: The Arabic Broken Plural, “Natural Language and Linguistic Theory 8 (1990) PP. 109 – 183.

([21])   Alan Prince, “Planes and Copying, “ Linguistics of Rhythmic Organization”, in Papers from Chicago Linguistic Society, vol,2, (1990) PP. 355 – 398

([22])Mushira Eid, “Arabic Linguistics: The Current Scene “in Perspectives on Arabic  Linguistes I. ED By Mushira Eid, (Amsterdam /  Philadelphia: John

Benjamins Publishing co., 1990) PP. 3 – 37

([23])  Charles A. Ferguson, “ Come  forth with a Surah Like it: Arabic as a measure of Arab Society,” in M. Eid , PP. 39 – 51

([24]) Charles A. Ferguson, “Diglossia”, “Reprinted in Pier Paolo Giglioli (eds)               Language and Social Context. (London : Penguin Books , 1972)PP. 232 – 251

([25]) M. Eid and J. Mc Carthy “ Introduction”,  in M. Eid and  J. McCarthy                    Perspectives  on  Arabic Linguistics. (Amesterdam II/  Philadelphia: John   Benjamins Publishing Co. 1990) PP. xii –

([26])J. McCarthy and A. Prince, “Prosodic Morphology and Templatic Morphology, “in Meid and J. McCarthy, PP. 1-54.

([27])       John Moore, “Double Verbs in Modern Standard Arabic”, in M. Eid and J.  McCarthy,PP. 55-93.

([28])               Robert R. Ratcliffe, “Arabic Broken Plurals: Arguments for two folds classification of Morphology,”  in m. Eid and J. McCarthy , PP. 94-119.

([29]) Samir Farwaneh, “Well – Formed Associations in Arabic: Rules or condition?” in M. Eid and J. McCarthy PP. 120- 142.

([30])        C. Douglas Johnson, “Levantine Cyclogenesis”, in M. Eid and J. McCarthy, PP.143- 166.

([31])   Mahasen Hasan Abu – Mansur, “Epenthesis, Gemination and Syllable Structure”, in M. Eid and J. McCarthy, PP. 167-191

([32])     John C. Eisele, “ Aspectual Classification of verbs in Cairene Arabic”, in M Eid and J. McCarthy, PP. 192 – 233.

([33]) Mahmoud Al – Batal, “Connectives as Cohesive Elements in Modern Expository    Arabic Text”,  in M. Eid and J. McCarthy, PP.234-268

([34])    Dilwort B. Parkinson, “Orthographic Variation in Modern Standard Arabic: The Case of the Hamza”,  in M. Eid and J. McCarthy  , PP.269 – 295.

([35]) Adel I. Twaissi, “Foreigner Talks in Arabic:  Evidence for the Universality of      Language Simplification”,  in M. Eid and J. McCarthy, PP. 296 – 326

([36]) J. McCarthy, “Linear order in Phonological Representation, “Linguistic In`quiry, 20.1 (1989) PP. 71 – 99

([37])  A. Prince, “ Planes and Copying, “Linguistic Inquiry, 18.2 (1987) PP. 491 – 509

([38]) Bernard Comprie, “On the Importance of Arabic  for General Linguistic Theory”, in Bernard Comprie and M. Eid (eds.) Perspectives on Arabic  Linguistics III (Amesterdam Philadelphia: John Benjamins Publishing CO., 1991)  PP. 3-30.

([39]) B. Comprie, Ibid, PP. 3-4

([40]) Mushira Eid, “Verbless Sentences in Arabic and and Hebrew,”  In B. Comprie and M. Eid, p. 31-61.

([41])             John McCarthy, “Semitic Gutturals and Distinctive feature Theory”, in  B. Comprie and M. Eid, PP. 63-91

([42]) Awwad Ahmad Al – Ahmadi Al – Harbi, “Arabic Loanwords in Acehnese”, in B. Comprie and  M. Eid, PP. 93 – 117

([43]) Abdel Gawad T. Mahmoud, “ A Contrastive Study  of Middle and Unaccusative Constructions in Arabic and English”,  in B. Comprie and M. Eid, PP. 119 – 134

([44])Mahasen Hasan Abu – Mansour, “Epenthesis in Makkan Arabic: Unsyllabified     consonants Vs. Degenerate syllables”, in B. Comprie and M. Eid, PP 137 – 154.

([45]) Kenneth R. Beesley, “Computer Analysis of Arabic Morphology: A Two – Level Approach with Detours”,  in B. Comprie and M. Eid 155 – 172.

([46]) El – Abas Ben Mamoun, “Causative in Moroccon Arabic”, in B. Comprie and M. Eid PP. 173 – 195.

([47]) Keith Walters, “Women, Men, and Linguistic Variations In The Arab World”,  in B. Comprie and M. Eid, PP. 199 – 229

([48]) Abdel – Rahman Abu – Melhim, “Code – switching And Linguistic Accomodation In Arabic”,  in Arabic,” In B. Comprie and M. Eid, PP. 232-250

([49])    Sabah Safi – Stagni, “Agrammatism In Arabic B. Comprie and M. Eid, PP. 250- 270

([50])    Ellen Broselow, “Parametric Variation in Arabic Dialect Phonology, “ in Ellen Broselow – low, Mushira Eid and John McCarthy (eds) Perspectives on  Arabic Linguistics IV (Amesterdam- Philadelphia:  John  Benjamins  Publisheing Co., 1992) PP. 7- 45

([51]) Mahasen Hasan Abu – Mansour, “Closed Syllable Shortening And  Morphological   Levels”,  in Broselow,Eid  and  McCarthy PP. 47 – 75.

([52]) David Testen, “Extra – Arabic Affiliations  of K – Yemeni”, Broselow, Eid and       McCarth, PP. 77- 89.

([53])        Farida Abu – Haidar, “ Shifting Boundaries: The Effect of Standard Arabic on Dialect convergence in Baghdad”,  in Broselow, Eid, and McCarthy, PP. 91 – 106

([54])        Mushira Eid, “ Pronouns, Questions and Agreement”,  in Broselow, Eid, and McCarthy PP. 107- 141.

([55])          John C. Eisele, “Egyptain Arabic Auxiliaries And The Category of Aux”, in Broselow Eid , and Mc Carthy, PP. 143 – 165.

([56])Niloofar Haeri, “Synchronic Variation In  Cairene Arabic: The Case of                   Palatalization”, in Broselow, Eid and McCarthy, PP. 169 – 180.

([57])Keith Walters, “A sociolinguistic Description of (u:) in Korba Arabic : Defining    Linguistic  Variables in Contact Situation and Relic Area”, in Broselow, Eid and   McCarthy, PP. 181 – 217

([58])   Ahmad Atawneh, “Code – Mixing In Arabic – English Bilinguals”, in Broselow, Eid and McCarthy, PP. 219 – 241.

([59]) R. Kirk and Osama Shabaneh. “Variable  Agreement and Non – Human Plurals In Classical  and Modern Standard Arabic”,  In Broselow, Eid and McCarthy, PP 245 – 262.

([60]) Karin C. Ryding, “Morphosentactic Analysis In Al – Jumal Fil L- Nahw: Discourse Structure And Metalanguage”,  In Broselow, Eid, and McCarthy, PP. 263-277

([61]) نقلاً عن Kees Versteegh في كتابه:

Greek Elements In Arabic Linguistic Thinking (Leiden Brill, 1977) PP. Vii – Viii.

(62)   David Peterson, “Some Explanatory Methods of  the Arab Grammarians”, in Paul M. Peranteau, Judith  N. Levi, and Gloria C. Phrase (eds.) Papers from the 8th Regional  Meeting of Chicago Linguistic Society, 1972) 502 – 515.

([63]) David Peterson, “Some Explanntory…..” P 513

([64]) Michael G. Carter. Astudy of Sibawaihi’s Principales of Grammaticat  Analysis. Ph.D. Dissertation, Oxford University, 1968.

([65]) Michael G. Carter. “Twenty Dirhams in the Kitab of Sibawaih”, Bulletin of  School of  Oriental  And African School, 35 (1972), PP 485 – 496

([66])       Studies.Michael G. Carter, “Les Origions de la Grammaire Arabe”, Revue des Etudes  Islamique, 40 (1972)                                                               )  PP. 69 97.

([67]) Michael G. Carter, “An Arabic Grammarian of theEighth Century A.D”, Journal of Americal Oriental Socity, 93 (1973) PP. 146 – 157.

([68]) Michael G. Carter, “Sarf et Khilaf: Contribution a la Grammaire Arabe”, Arabica, 20 (1973) PP. 292 – 304.

([69]) Michael G. Carter. Arabic Linguistics. (AmesterdamL Philadelphia: John Benjamins Publishing Co., 1981).

([70]) Michael G. Carter, “The Use Of Proper Names as a testing Device in Sibawaih’s  Kitab”, In Versteegh, Koerner, and Niederehe (eds.) The History of Linguistics in   the Middle East. (Amesterdam/ Philadelphia: John Benjamins Publishing Co.,   1983) PP. 109 – 120.

([71]) Michael G. Carter, “When did the Arabic Word Nahw First Come to Denote Grammar”, Language and Communication 5 (1985) PP. 265 – 272.

([72]) Michael G. Carter, “The term Sabab in Arabic grammar,” Zeitshrift Fur arabische Lin- gutik, 15 (1985) PP. 53 – 66.

([73]) Kees Versteegh and Michael G. Carter. Studies in the History of Arabic Grammar II. (Amesterdam/ Philadelphia: John Benjamins Publishing Co., 1990).

([74]) Georgine Ayoub, “De ce Qui”  Ne DIT Pas Dans Le Livre De Sibawayh: La Notion De TAMTIL, in versteegh and Carter, PP. 1-15”

([75]) Ramzi Baalbaki, “LRAB and BINA from Linguistic Reality To Grammatical Theory”, in Versteegh and Carter, 17-33.

([76]) Monique P.L.M Bernards. “The Basran Grammarian Bu Umar Al – Garmi: His Posi tion Between Sibawayh And Murbarrad”, Versteegh and Carter, PP. 35-47

([77]) Hans – Hinrich Biesterfeldt, “IBN Farighun’s Chapter on Arabic Grammar in His Compendum of The Sciences”, in  Vertstegh and Carter, PP. 49 – 56.

([78])Hartmut Bobzin, “Guilaume Postel (1510 – 1581) Und Die Terminologyie Der Arabischen  National Grammatik”,  In Versteegh and Carter, PP. 57 – 71

([79])Michael G. Carter, “Qadi Qadi, QAD : Which one is the Odd Man Out?” in    Versteegh and Carter, PP. 3 – 90

([80]) Janusz Danecki, “The Phonetical Theory of Mubarrad”, in Versteegh and Carter, PP. 91 – 99.

([81]) Kinga Devenyi, “On Farra”s Linguistic Methods In His Work Maani Al Quran”,  In Versteegh and Carter, PP. 101 – 110

([82]) Joseph Dichy, “Grammatologie De L’ ARAB: Les Sens Du Mot Harf Ou Le Labyrinthe D’une Evidence”,  In Versteegh and Carter, PP 111-128

([83]) Everhard Ditters, “Arabic Corpus Linguistics In Past and Present”, In versteegh and Carter , PP. 129-141

([84]) Boujema El – Akhdar, “ Le Patrimoine  Linguistique Arabe Ancien :  Problems De Relecture,”  in Versteegh and Carter, PP. 143 – 149

([85]) Abdelali Elamrani – Jamal, “Verbe, Copule, Nom Derive (Fil, Kalima, Ism Mustagg) Dans Les Commontaires Arabes Du Peri Hermeneias D’ Aristote (avec un texte inedit d’Ibn Rusd) , In Versteegh and Carter, PP. 151 – 164

([86]) Rosalind Gwynne, “ The A Fortiori  Argument in Fiqh, Nahw, and Kalam,” In VerSteegh and Carter, PP. 165 – 177.

([87]) Genevieve Humbert “Remarques Sur les Editions Du Kitab De Sibawayhi Et Leur Base Manuscrite,” in Versteegh and Carter, PP. 179 – 194

([88]) Pierre larcher, “Elements Pragmatiques Dans La Theorie Grammatical Arabe Post – classique”, in Versteegh and Carter PP. 195 – 214.

([89])Vivien Law, “Indian Influence on Early Arab Phonetics – or Coinsidence?”  in  Versteegh and Carter, PP. 215 – 227.

([90]) Ahmad Moutawakil, “LA Notion D’ Actes De Language Dans La Pensee Linguistique Arab Ancienne”,  In Versteegh and Carter, PP. 229 – 238.

([91]) Ahmad Mokhtar Omar, “Grammatical Studies In Muslim Egypt”, Versteegh and Carter PP, 239 – 251.

([92]) Johnathan Owens, “Themes In The Development of Arabic Grammatical Theory” in Versteegh and Carter PP. 253 – 263.

([93]) Rafael Talmon, “The Philosophizing Farra”,  An Interpretation of An Obsecure Saying Attributed to the Grammarian , Tha’ lab, In Versteegh and Carter, PP. 265 – 279.

([94]) Kees Versteegh “Freedom of the Speaker? The Term Ittisa ‘ And Related Notions In Arabic Grammar”, in Versteegh and Carter, PP 281 – 293.

([95]) Ronald G. Wolfe, “Ibn Mada, Al – Qurtubi’s Kitab Ar – radd’ Ala N- NuhaT: An Historical Misnomer”,  In Versteegh and Carter, PP 295 – 304

([96]) Jonathan Owens. The Foundations of Grammar: An Introduction to Medieval Arabic Grammatical Theory. Amsterdam/ Philadelphia: John Benjamins Publishing Co. 1988).

([97]) Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. P.L

([98]) Jonathan Owen. The Foundations of Grammar. P.l – 30

([99]) Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. P. 23

([100]) Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. “Structure, Function, Class, and Dependence”,  PP. 31 – 88

([101])       Jonathan Owens. The Foundations of Grammar  “Morphology,”  PP. 89-124.

([102]) Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. “Word Class”, PP. 125 – 147

([103]) Jonathan Owens. The Foundations of Grammar P. 147.

([104]) Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. “ The Noun Phrase”, PP. 148-  160

([105])     Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. “ Transitivity, “ PP. 167 – 185

([106]) Jonathan Owens. The  Foundation of Grammar. “ Ellipsis”, PP. 186 – 198

([107]) Jonathan Owens. The Foundations of Grammar. “Markedness  In Arabic Theory”, PP. 199 – 226.

([108]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory. “Syntax, Semantics, and Pragmatic”, PP. 227 – 264.

([109]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: Heterogeneity and standardization  (Amsterdam/ Philadelphia : John Benjamins Publishing Co.  1990)

([110]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory. “ Introduction”, PP 1 -12

([111]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory. “Two General Points”,  PP. 13- 17.

([112]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical  Theory “ Farra ‘ As Linguist”, PP. 19-33

([113]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: “Sibawayh’s methodology”, PP. 36 -54

([114]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: “Noun Complementation”,  PP. 55-102

([115]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: “Sibawayh and Farra Vs. Later Grammarians”,  PP 103 – 126

 ([116])         Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: “Farra As Transitional                                                                                                        Figure”,  PP 127 – 156.

([117]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: “ Farra And The Period                                                                            of  Heterogeneity” PP. 157 – 177

([118])  Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: “Minor Writers”,  PP.                                                                                                                                                      179 – 202.

([119])    Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: “The Development of                                                                      The Basran And Kufan Schools”,  PP.203 – 219.

([120]) Jonathan Owens. Early Arabic Grammatical Theory: “The Structural                                                                          Development of Early Arabic Syntactic Theory” 221 – 243

([121]) Morris Halle “on The Metrics of pre – Islamic Arabic Poetry”,  Quarterly Progress Report of the Research Laboratoy of Electronics, 83 (Cambridge, , MA, : MIT Press, 1966) 83 , PP.113-116.

([122]) Alan Prince, “ Metrical Forme, “ In Paul Kiparsky and Gilbert Youmans (eds.) Phonet ics And Phonology: Rhythm And Meters, 1. (New York: Academic Press,                                                                                                    Inc, 1989) PP. 45 – 80

([123]) Joan Maling. The Theory Of Classical Arabic Meter. Ph. D.Dissertation, MIT,                                                                                                   Cam Bridge, MA, 1973.

وقد نشرت كاملة في مجلة الأبحاث التي تصدر عن الجامعة الأمريكية، العدد 26 (1973 – 1988) ص ص 29 – 106.

([124]) حمزة بن قبلان المزيني “التحيز اللغوي… “.

([125]) Edward W. Said. Orientalism. (New York: Pantheon Books , 1978).

([126]) David Justice. The Semantics of Form In Arabic, In  The Mirror of European Languages (Amesterdam Philadelphia : John Benjamins Publishing CO. 1987.

([127])       David Justice. The Semantics of form In Arabic, “ Defintion of the Language                                                                                                       of Study”,  PP. 11 – 15.

([128])    David  Justice. The Semantics of form In Arabic, “ The Difficulty of Arabic”,                                                                                                            PP 17 – 31.

([129]) David Justice. The Semantics of form In Arabic, “Thumbnail Sketches of             Arabic”, PP. 33 – 52.

([130])David Justice. The Semantics of form in Arabic, “The Form  – use Connection”,                      PP. 53 – 96.

([131]) David Justice. The  Semantics of form In Arabic, “The  Grammar of Duality And the Duality of Grammar”,  PP 97 – 152.

([132]) David Justice. The Semantics of form In Arabic. “L’Arbitrarie  Du Signe”, 153 – 174.

([133]) David Justice. the Semantics of form in Arabic, “Accumulation”,  PP 175 – 193

([134])   David Justice. The Semantics of form In Arabic, “Enantiosemantics”, PP. 175- 215

([135]) David Justice. The Semantics of form In Arabic, “ Nouns of Manner”, PP. 217 – 234.

([136]) David Justice. The Semantics of form In Arabic, “ The shape of syntax”, PP.235 – 276.

([137]) David Justice. The Semantics of form In Arabic, “ Pleonasm,” PP 277 – 287.

([138]) David Justice. The Semantics of form In Arabic, “ Specivication”, PP. 289 – 361.

([139])David Justice. The  Semantics of form Arabic, “ Causatives and Ascriptives”, PP. 363 – 409.

([140]) E. Shouby, “ The Influence of the Arabic Language on the Psychology of the Arabs”, The Middle East Journal,Vol 5  (1951).

([141]) Raphael Patai. The Arab Mind. 2nd Edition (New York: Charles Scribner’s Sons, 1976).

انظر خاصة الفصل الذي عنوانه: ” Under the Spell of Language, ص ص 41 – 72.

([142]) حمزة قبلان المزيني “التحيز اللغوي….”.

([143]) أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي الأندلسي. طبقات النحويين واللغويين، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الثانية دار المعارف 1984 ص 66.

([144])     انظر مثلاً:James D. McCawley, “ Review of,” Otto Jesperson: Facets of his Life

and Work. Edited by Arne Juul and Hans F. Nielsen. (Amesterdam/  Philadilphia: John Benjamins Publishing Co. 1989) Languag, Vol.67, No.1 (1991) PP. 117-120       وكذلك:Julia S. Faalk, “ Otto Jesperson, Leonard Bloomfield, And American Structural  Linguistics”, Language, Vol, 68, no 3 (1992) PP. 465 – 491.

([145]) ديل إيكلمان. الإسلام في المغرب. ترجمة محمد أعفيف. (الدار البيضاء: دار توبقال، 1989م) ج1، ص11.

([146]) Noam Chomsky. Knowledge of Language: Its Nature, Origin , and use. (New York: Praeger, 1986) P. xxiii

وتدليله على هذه المشكلة ببعض الظواهر السياسية في الكتاب نفسه، ص ص267 – 287.

Related posts

Leave a Comment