يحيى حقي للسيد شعبان جادو

لم تجرفه أوربا ممثلا في بطله إسماعيل ،مثلما جرفت الطيب صالح في بطله مصطفي سعيد !
هل كان زيت القنديل يصلح لفك تلك الشفرة ؟ ويعالج من رمد أصاب حبيبته بالعمى ؟

ممن تحب قراءة كتاباته النفس ،وتتخفف من أحمالها ،تلقي إليه مقادة الذهن وتستجمع شارد الفكر ،ذلكم الأديب السهل الليان ، عذب اللفظة ،حلو الملحة ،آت لك بما يجلب إليك المتعة الأدبية ، ولد يحيى حقي وفي دمه أصول تركية ، تعلوه حمرة وجه بادية ، امتاز بالطيبة مع الوقار ،والسلامة من ادعاء الكبر والتعالم ، عمل – رحمه الله – بالسلم الوظيفي فكان أحد الديبلوماسيين، عرف عدة لغات فنهل من معين الأدب شرقه وغربه، صحب الشيخ محمود شاكر فأغراه بسلامة التعبير وصحة البناء اللغوي ،تشعر حين تقرأ له ؛ أنك مع الجاحظ لكن في نسخة معصرنة ، تناول موضوعات الحياة اليومية في سهولة وقصد حتى تخاله أحد العوام ،يفترش أرصفة الشارع ، ويجوب الحارات والأزقة ، انظر إلى بعض كلماته :”أجابني الهمس قائلا: هل تريد أن تتخابث علي؟ أنت حياتك مضاعة في الفرتكة وقلة البركة من قبل أن تخرج من دارك.لاانك وأمثالك يبلغ بهم الطمع والحماقة وأفن الرأي أن يرسموا لحياتهم أهدافا”
تلك كتابة رجل غاص في عمق الحياة وكشف عن لغة بسيطة ولكنها مع ذلك تنشد الصواب وتقرب شراعها للناطقين بالعربية ، تناول موضوعات الحياة اليومية في تداخل وتشابك الطبقة الوسطى ،فتحتار أيكتب عن نفسه وهو الموسر ؟
كيف له ذلك القلم ومعاناته ؛ إلا أن يكون صاحب رسالة فريدة تبتغي الدفاع عن لغة القرآن الكريم ، قرأت له فما وجدت لفظا مستكرها ولا عجمة مستغلقة .
تمتاز مفرداته من غيره بالقصر فلا تطويل ولا تقعر ،مع بعض هنات تغتفر أنه يلزم التعريب كثيرا ، تخلو جمله من الروابط بينها فتكاد تقل حروف العطف قلة تشي بأنه يعتبر النص جملة واحدة !
صاحب قنديل أم هاشم تلكم الرواية الرائدة في فكرتها ولغتها وموضوعها ، كان الرجل يفك العلاقة بين الشرق بتدينه والغرب بماديته،تلمس فيها أثرا من صوفية مجنحة ،وعلاقات أسرية متينة مترابطة ، يقرب بينه وبين نجيب محفوظ الفهم لطبيعة المدينة التى هي أشبه بحارة !
لم تجرفه أوربا ممثلا في بطله إسماعيل ،مثلما جرفت الطيب صالح في بطله مصطفي سعيد !
هل كان زيت القنديل يصلح لفك تلك الشفرة ؟ ويعالج من رمد أصاب حبيبته بالعمى ؟
وعناوين أعماله تعبر بذاتها عن مجمل تصوره ،له : دماء وطين ،أم العواجز ،خليها على الله،فجر القصة المصرية، صح النوم، عنتر وجولييت، كناسة الدكان …
الرجل لا جفاء في تعبيراته وطيبة بادية في حكاياته!
ذلك الأديب الذي يجمع بين المتعة الأدبية والغاية النبيلة.

Related posts

Leave a Comment