حديث قعيد للسيد شعبان جادو

يوما قال لي أبي : “ابنة عمك تحمل همك”!
كم كانت تلك الكلمة من نور الله!

لأول مرة أمسك بالقلم وأكتب واصفا ØŒ ثمة مشاعر مختلطة وخيالات مجنحة مثل ذلك الطائر الخرافي الذى صورته لي يوما “أفلام الخيال العلمي” ØŒ حالة من الهذيان ØŒ الأشياء لها صور بشر،الحيوانات تقود الحافلات، إنها مشاهد من مزرعة الحيوانات؛ تلك الرواية التى كنت معجبا بها في فترة المطالعة الحرة وحلم المثالية الذى تلبسني يوما، كثيرا ما نعانق الخيال وجيوبنا مثقوبة ،لاضير أن في العمر متسعا.
جهدت طوال الليلة الماضية أن أطرد تلك الوساوس القهرية؛تأتي إلي كلما استعدت الأحداث التى مرت بي،في الحقيقة كنت مهتما بالآخرين منشغلا بهم، وجدت في بعض تلك الخيالات سلوى مما أعاني منه ، أما الآن فطيف جميل يسامرني وقت الملل،يباعد بيني وبين اليأس،في أحيان كثيرة أدير شريط الذكريات ، أسافر حيث الأماكن واللقاءات،أحمل هم غيري.
الشعور بالوحدة قاتل ؛إنه مثل شتاء بلدتي القارس ، يخلو من الدفء ، الحجرة هنا باردة لا تشعرك إلا بالموت المتدرج،أنا أعاني من الصمت يغتال من حياتي اللحظات الجميلة ، يترك ظله الباهت يخيم فوق الجدار الأبيض مثل كفن يرخي سدوله فوق الأبنية والأشجار،غامت الحكايات لم تعد تمطر، انتزعت منها البراءة التى ازدانت بها يوما!
ولأنني صاحب فكرة غريبة أو قل ألتمس للناس الحب والمثالية؛ المدينة الفاضلة تلك الخرافة التى سرقت مني أجمل سنوات عمري،لا أدري من أين أتت إلي؟
إنها مثل دبيب النمل يلتمس سبيله لاينحرف إلا ليتغلب على أية عقبة قد تعترضه ومن ثم يواصل مسيره، ولديه صبر يحسد عليه!
في لحظة لا أتذكرها ومضت مثل برق مفاجيء ؛التمست مصدره،لكنه يتأبى على من كان مفرطا في خياله،أمسكت بالقلم وهاهو حبره ينساب كالعطر يفوح في أردية موشاة ،أو مثل ورود تنثر في المكان!
تتعدد المساحات من الحيرة والقلق والملل، منذ أسبوعين لم أغادر هذا المكان، كنت ملء السمع والبصر،أترك في عالم الآخرين بالغ الأثر،كلمة حانية ، أو نصيحة ، وقد أنفق بعض ما لدي إن تيسر لي المال!
أعمل معلما ، وهل في عالم الناس أفضل من معلمهم الخير؟ ربما لم أحتط لهذا اليوم،لم أفكر فيه كل ما كان يشغلني أن أعطي الآخرين، ولأن الحياة لها آلامها ؛ أخذتني بعيدا حيث المقعد المتحرك؛ أصبت في حادث سيارة ، كان موتا محققا، مات معظم من كان معي ، وقدماي الآن مثل جذعين من خشب!
في حالات كثيرة أصاب باكتئاب شديد، لا أجد في حياتي تلك ما يسرني وجب علي أن أعتادها بكل آلامها، غير شرفة وحيدة أنظر من خلالها إلى الأفق البعيد وهو يمتد صباحا مثل لحظات البهجة التى كنت أعيشها، ولكنه ينحسر مساء مثل جسدي العليل!
المسافات التى أتحرك فيها ، البلاد والأماكن بالنسبة إلي وهم ، لايشغلني كثيرا أن أبقى هكذا بقية عمري، لكن بكل تأكيد ألتمس بعض شفاء؛ قد يأتي، فرحمة الله ستدركني يوما ما!
تبدأ تلك الهموم تنساب مثل خيط عنكبوت تحيط بفريستها لا تترك بها بابا للنجاة، الكتب تحيط بي ، لكنها باردة لا أجد ذلك البريق الساحر حيث كنت أقرأ بنهم ،ألتمس من خلالها الخفي من الأفكار.
المثالية ذلك الوهم المخادع ØŒ الذى أمسك بخناقي شغلني عن طفل وديع وزوجة حانية، يا للحسرة المطبقة على صدري ØŒ رفضت أن أتزوجها، يوما قال لي أبي : “ابنة عمك تحمل همك”!
كم كانت تلك الكلمة من نور الله!
كنت منشغلا عنها، نمت مثل أعواد الرمان التى تحيط ببيتنا، كم هي الآن رائعة !
ترتدي الحياء؛ لم تتعلق بتلك الترهات ، كنت مثل طائر يغرد في غير عشه يعطي الآخرين عمره وفكره ولكنه يتجاهل القلوب المحيطة به، كل تلك الأفكار الجديدة والواقعية هي من أثر عزلتي ، الآن ترجع الأشياء القديمة، التى توارت خلف الأبواب المنسية، اليوم موعد مغادرة المشفى ، كنت أشبه بميت يتعلق بالحياة عبر أنبوب مرغما !
لم يكن ما كنت أراه طيفها ، كانت تأتي تجلس جواري ، تحيطني بدفء غريب ، الحياة دبت إلى قلبي ؛ تلك مفارقة ؛ يموت الساقان ويحيا القلب !
اليوم أشعر بالحنين إليها، هل ستأتي؟
لا أريد عطفها !
قاتل الله الحاجة والمرض، استعذت بالله من الشيطان ؛ إنه يتربص بي يحاول جاهدا أن ينفث سمومه ؛ يغتال لحظة الأمل؟
بالباب قادم ، أتكون هي؟
هل سيتسع قلبها لمثلي؟
رفضتها يوم كنت مزهوا بعافيتي ؛ مثل طاووس يختال في مشيته، أقر أنني لم أكن غير متعال عليها ، أخذتني نشوة من غرور، لم أعتد أن أرى نفسي مقيدا، من يعيد إلي تلك اللحظات التى مضت مثل سراب بقيعة؟
ما أسرع الأيام تتركني وحيدا، أبي ليتني قبلت كلمته التى كانت من نور الله!
المرء تقتله الوحدة التى لا يحتسب لها، يرميه الوهم بعيدا حيث الغياب القسري،يتعود أن يبقى رهين مرضه وقيده،سأقص عليها أجمل الحكايات،الإنسان منا يمتلك التفاصيل لكل الأحداث بكل أبعادها!
يعاود الباب دقاته، في هذه المرة انفتح عن وجه مثل البدر ، تحمل بين يديها باقات من ورود بيضاء ، إنها ترتدي ذلك الثوب المغطى بشارات العرس !

Related posts

Leave a Comment