فلسفة النبي يوسف، (الجمال رجلا)، في 24 أبريل 2016، (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

الحمد لله رب العالمين!

لا يمكننا أن نذكر النبي يوسف الصدّيق إلا ونذكر معه أو بعده مباشرة النبي موسي -عليهما الصلاة والسلام!- فكلاهما عاش حياته نقيض الآخر! ولد النبي يوسف في وسط مبغض وكاره له؛ فقد كان أحب أبناء أبيه إليه والأثير لدى والديه، فلقد ملأ الله قلبه معرفة وطمأنينة وسكينة وجمالا، فجمال شكله وحسن خلقه وسمو روحه وبهاء النبوة الذي يعلوه، جعلت إخوته يكرهونه ويغارون منه ويحقدون عليه، ويسعون لقتله، واتفقوا فيما بينهم في نهاية أمرهم معه على إلقائه في جب (بئر)، في الصحراء؛ فهم لا يطيقون مجرد رؤيته! صادف أن مر بعض السيّارة بجانب البئر، وبينما هم يردون الماء إذ وجدوا النبي يوسف خارجًا في الدلو َمع الماء، فاستبشروا، وجعلوه في رحالهم سلعة وبضاعة يبيعونها في السوق! ذهب رجل من مصر إلى السوق، فوجد الغلام معروضًا للبيع، فأحبه كثيرا، واشتراه، وذهب به إلى بيته، وأوصى امرأته بحسن معاملته وإكرامه، لأنه كان ينوي أن يتبنّاه -فليس له ولد له- فانشرح قلبها للغلام الجميل. عاش النبي يوسف في منزل المصري معززا مكرما مشمولا بمحبه وعطف وحنو أهل البيت جميعا. كبر النبي يوسف وازداد مع الأيام قوّة وفتوّة وجمالا، فافتتنت به امرأه صاحب البيت، وأمرته بالفاحشة، فأنقذه الله من الفتنة، وعصمه من الفاحشة، ولم تزل به المرأة صاحبة البيت ونساء الحي معها يدعونه إلى الفاحشة وهو يأبى.
لقد كان الصدّيق يوسف رجلا جميلا محبوبا من كل من عرفه وصاحبه، وكان قلبه الشريف مملوءا بالحب والخير والنماء لكل الناس، حتي إنه لما اشتد وله النساء به Ùˆ رغبتهم فيه دعا ربّه قائلا: “رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني اليه”Ø› فبرغم اشتداد المحنة عليه لم يجد في ذهنه الشريف إلا كلمة الحب يدعو الله بها، فقال: “السجن أحبّ إليّ”ØŒ وكأنّ الصدّيق يوسف أدخل نفسه بنفسه السجن! واستثمر طوال بقائه في السجن في التأمل والعبادة وفي التقرب إلى الله؛ فوهبه علومًا كثيرة، منها -Ùˆ الله أعلم!- علم تفسير الأحلام، وقراءة المستقبل، وعلم إدارة الأزمات، … وغيرها. خرج الصدّيق يوسف من السجن، وأظهر الله للناس براءته وأمانته وورعه وعفته ونقاء سريرته، وكان علي عرش مصر وقتها رجل حكيم خبير. تحاور الملك هو والنبي يوسف، فأدرك حكمته وخبرته وكفايته في الإدارة وحل المشكلات؛ فعيّنه رئيس وزراء مصر. سامح الصدّيق كل من أحبوه وأضلّهم وأفسدهم هذا الحب، وسامح أيضا كل من كرهوه وأضلتّهم وأفسدتهم هذه الكراهية. قال الله: “فلمّا بلغ أشدّه آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين”ØŒ أي لمّا بلغ من السن والعافية والقوة والفتوة واستواء الهيئة، وأصبح شابا قويا حسن الخلق يبهج النفوس.
والحكم هو وضع الحكمة موضع التطبيق، ولو كان قسرا أو جبرا. والحكمة هي معرفه الخير، والخير هو الجمال، والجمال هو الكمال، والكمال هو وضع الأمور والأشياء في مكانها وزمانها وحجمها وقدرها وغايتها ومناسبتها. والعلم هو معرفة خصائص الأشياء واستخداماتها، وكذلك معرفة المآلات والإشارات. لقد وهب الله الصدّيق يوسف الحكمة والعلم والمكانة والحكم، وذلك بإدارته لشؤون سيده، ثم إدارة شؤون مصر كلها.
كان الصدّيق رجلا جميلا محسنا محبّا لنفسه ولغيره. كان جميلا محسنا في سكونه وهو في الجب (البئر)، مطمئن النفس ينتظر قضاء الله. كان جميلا محسنا في بيت سيده، حفظ ماله، وصان عرضه. كان جميلا محسنا وهو في سجنه ومع رفقائه فيه، بذل لهم نصحه وعلمه. كان جميلا محسنا مع أخوته، حتى إنه أخبرهم بنيتهم وبتدبيرهم له ثم عفا عنهم وصفح وأبى أن يعاتبهم عن إساءتهم إليه. كان جميلا محسنا على مصر وأهلها، بذل لهم علمه ونصحه وبركته؛ فأنقذهم من البلاء قبل أن يحل بهم. لقد مرت مصر في حياة النبي يوسف بأزمة شديدة خانقه، سببها الجفاف وانقطاع المطر في منابع النيل، فاستطاع بما علّمه الله أن يتجاوز بمصر وشعبها جميع الأزمات التي مرت بها. وعانى قومه بنو إسرائيل من الجوع والجفاف، فاستقدمهم إلى مصر لينعموا معه بالوفرة والمكانة. تربّى النبي يوسف وعاش وسط العبيد والفقراء والبسطاء والمحتاجين، فاكتسب أخلاق اللّين والبساطة والمودة والقناعة والرضا بالقليل، كما اكتسب مهارة التدبير والتقدير ومعرفة قيمة الأشياء.
كان النبي يوسف فوق ذلك كلّه رجلا عبقريّا عميق الفكرة واسع الحيلة. عندما أراد أن يستقدم قومه إلى مصر وخيرها دعاهم للإيمان بالله والدخول في الدين، ونسب الدين الجديد إلى مَلِك مصر إعلاء لقدره ومكانته، ولم ينسب الدين لنفسه، قال الله: “ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله”. عانى النبي يوسف من الأخطاء التي ارتكبها الآخرون في حقه ومن أقرب المقرّبين إليه، فعرف ألم الظلم، وأدرك النتائج الكارثية للتهور والاندفاع وسوء التقدير.
لقد كان الرجل الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم النبي يوسف الصدّيق -رحمه الله!- نعمة ورحمة وبركة عمّت مصر أرضا وشعبا، كما عمّت قومه بني إسرائيل، فعاشت مصر معه وبعده سلاما دام مئات السنين -والله أعلم!- فإلى روح النبي يوسف، وعبر آلاف السنين التي تفصل بيني وبينك، إني أحبك -أيها الرجل العظيم- فليرحمك الله! فاللهم، إني أسالك بمكانة مصر عندك، أن تنّزل علينا من بركات الصديّق يوسف ما تعظم به شأن مصر بين الأمم، حفظ الله مصر والمصريين!

Related posts

Leave a Comment