الØمد لله ربّ العالمين!
ÙŠÙعد النبي إبراهيم نموذجا Ùريدا للطÙÙ„ والشاب والرجل العاقل المÙكر الباØØ« عن الØقيقة؛ لذا كان إمام العقلاء عبر التاريخ الإنساني كلّه، والله أعلم! لو استعرضنا سريعا تاريخ الأنبياء والنبوّات، نلاØظ أنّ جميع الانبياء جاءهم الوØÙŠ من السماء ليØقق التواصل بينهم وبينها ويعلمهم تÙاصيل المهمّة الموكلة إليهم، إلا النبي إبراهيم؛ Ùهو الذي بØØ« عن الطريق إلى السماء Øتى وجده وارتقى ÙÙŠ مراقي القرب Øتى وصل! وسمّي بالخليل، أي الذي تخلل Øب الله والإيمان به قلبه الشريÙØŒ وتخلل هو ونÙØ° بصÙاء روØÙ‡ ونقاء سريرته، إلى الØضرة العليّة، Ùاعتلى مكانه، وتبوأ مكانته، وذلك من خلال نواÙØ° العقل والÙكر المØدودة الضيّقة، والله أعلم! يقول الله: “إنّ إبراهيم كان أمّة”ØŒ والأمّة هي الجماعة من الناس الكثيرة العدد العظيمة الأثر، والتي تختص لنÙسها بخصائص Ù…Øددة، وتتميّز عن غيرها بصÙات معيّنة؛ Ùإذا هاجر إليهم غيرهم من الناس ذابوا وانصهروا Ùيهم واتصÙوا بصÙاتهم وتأثروا بهم. Ùكذلك النبي إبراهيم كان أمّة ÙˆØده، إذا جاءه الناس Ø£Ùرادا أو جماعات تأثروا به واتّبعوا منهجه، وكان لهم قدوة تÙقتدى ومثلا ÙŠÙØتذى وملّة تهدي إلى الله الØÙ‚. أو إنّ ايمانه بالله ÙˆØده كان يعدل إيمان أمّة، والله أعلم!
إبراهيم Ø·Ùلا
ÙÙŠ العراق نشأ النبي إبراهيم وسط أسرة عريقة ÙÙŠ الوثنيّة؛ إذ كان أبوه هو صانع الآلهة، لكنّه كان صاØب Ùكر متّقد وبصيرة ثاقبة وعقل ناقد Ùذّ. لم يستطع إبراهيم أن يقتنع بقداسة الأØجار التي تتØول إلى تماثيل ثمّ إلى آلهة! لم يستطع إبراهيم أن يقتنع بصواب الشعائر الوثنيّة التي يقدّمها الناس للأØجار التماثيل (الآلهة)Ø› Ùما القدرة الخارقة Ùيها لتØقق Ù†Ùعًا أو تدÙع ضرًّا، Øتى يندÙع الناس إلى عبادتها! وما طرق التواصل بين الØجارة الصمّاء والناس، Øتى تشعر بهم أو يشعروا بها! لا شيء! لم يقتنع إبراهيم بهذا العبث؛ Ùقرر أن يبØØ« عن ربّه بنÙسه وبمجهوده الÙردي. أخذ إبراهيم ÙŠØدد لنÙسه بنÙسه القواعد والشروط والمواصÙات التي يجب أن تتوÙر ÙÙŠ الإله ليستØÙ‚ العبادة، منها:
1) الكبر؛ Ùلا يمكن أن يكون الإله أصغر من غيره من الموجودات.
2) الØضور والدوام والبقاء والاستمرار؛ Ùلا يمكن أن يكون الإله غائبًا أو غاÙلًا أو جاهلًا.
3) القدرة المطلقة على تØقيق النÙع لغيره دون أن ÙŠØدّه Øد.
4) القدرة المطلقة على إلØاق الضر بخصومه وأعدائه، دون أن يمنعه Ø£Øد.
وأخذ ابراهيم يبØØ« عمّن تتØقّق Ùيه هذه الشروط، ومع الأس٠لم يجد من الموجودات التي من Øوله من تنطبق عليه، لكنّه كان مؤمنًا ومتأكّدًا من Ùكرة الألوهيّة، وبأنّه يجب أن يكون لهذا الكون الÙØ³ÙŠØ Ø¥Ù„Ù‡ØŒ وبأنّه لا يمكننا أن Ù†Ùترض مجرّد اÙتراض، أن هذا الوجود من Øولنا يسير هائمًا علي وجهه بغير قائد أو ضابط أو مهيمن، لا يمكن! والسؤال الآن: من هو الله؟ أين هو الله؟ وإلى هنا توق٠إبراهيم، وعند هذه النقطة تØديدا توقÙت جهود جميع الÙلاسÙØ© القدماء والمØدثين على السواء. لقد خطا الإنسان المÙكّر الخطوة الأولى ناØية الله؛ Ùكان له على الله أن يخطو تجاهه خطوة يكش٠بها عن Ù†Ùسه، ويعرّ٠الناس به، ولا يدعهم عرضة للهواجس والوساوس والخطأ والشطط. خاطب الله إبراهيم، وعرّÙÙ‡ Ù†Ùسه، لكن إبراهيم كان رجلا Ù…Ùكّرا عاقلا خبيرا؛ وما هكذا تسير الأمور، ولا بهذه السهولة تمضي الأØداث، لا يمكن!
إبراهيم يتØقق من الله
أراد ابراهيم أن يتأكّد من أنّ الّذي يخاطبه ويعرّÙÙ‡ Ù†Ùسه هو الله Ù†Ùسه، لا غيره. أراد أن يتØقّق من الله، عن طريق اختبار عملي وتجربة واقعيّة يشهدها بنÙسه. يعلم إبراهيم من قبل أن Ø¥Øياء الموتى مهمة صعبة أو مستØيلة، لا يستطيعها Ø£Øد من الإنس أو الجن ولا الملائكة؛ Ùقال لله: “أرني كي٠تØيي الموتى”ØŒ Ùسأله الله: “أو لم تؤمن”ØŒ Ùقال إبراهيم: “بلي ولكن ليطمئن قلبي”! كان إبراهيم يؤمن بØقيقة الألوهيّة وضرورتها للكون، لكنّه كان يريد أن يتأكّد من أن الذي يخاطبه هو الله Ù†Ùسه لا غيره؛ Ùاستجاب له الله، وقال له: “خذ أربعة من الطير”ØŒ وقطعها قطعًا صغيرة، ثم ضع على كل جبل قطعة منها، ثم ناد عليها، Ùستأتيك، ولكي تتأكد من صدق التجربة وأنّ الطير التي قطّعتها أنت بنÙسك هي التي أتت إليك، سأجعلها تأتي لك سعيا (على طبيعتها)! تأكّد النبي إبراهيم من Øقيقة اتصاله بالملأ الأعلى، لكنّه لم يكن يعلم أنّ ما أقدم عليه (الاشتراط على الله) Ùعل خطير، له تداعيات، وعليه تبعات جد خطيرة، يجب عليه أن يتØملها بصبر وثبات وقوّة، وإلا …! ويمكننا الجزم بأن Øياة النبي إبراهيم من Ù„Øظة اتصاله بالله، كانت تاريخًا من المØÙ† والمنØØŒ وكل المØÙ† التي تعرض لها النبي إبراهيم كانت تدور Øول معنى الترك، أي كان لزاما عليه أن يترك كل شيء لأجل الله، وأن يستغني بالله عن سواه، وذلك بأن يترك ارتباطه المادي بالأشياء (Ù†Ùسه وماله وأهله وولده)ØŒ مقابل ضمان استمرار اتصاله بالملأ الأعلى.
المØنة الأولى
(Ù…Øنة النبي إبراهيم ÙÙŠ Ù†Ùسه)
كان لزاما على النبي إبراهيم أن ÙŠØدد موقÙÙ‡ من قومه ولاسيما من آلهتهم المدّعاة، Ùقرر أن ÙŠØدث لهم صدمة قويّة، ÙŠÙŽØدÙØ« بها التÙات قوي وتركيز عال ÙÙŠ خطابه إليهم، Ùقرر أن يكسّر الآلهة، ليثبت لهم بالدليل العملي عدم ÙƒÙاية الأصنام لتكون آلهة. على أثر ذلك دار Øوار بينه وبين الناس، وكادوا أن يؤمنوا به وبدعوته، وأوشكوا أن يقتنعوا بÙساد اختيارهم للأصنام لتكون لهم آلهة، لكنّهم تمسّكوا أخيرا بنمط Øياتهم، ورÙضوا التغيير. كما دار Øوار جاد وقوي بين النبي إبراهيم والملك، إلا أنه رÙض دعوة إبراهيم، Ùˆ قرر أن يعاقبه على تكسيره الأصنام وتجرÙّئه عليها عقابا يناسب Øجم الصدمة التي Ùعلها بالناس والملك، Ùقرر أن يقيم Ù…Øرقة اØتÙالية عظيمة، ويلقيه Ùيها أو يتنازل إبراهيم عن دعوته ويعتذر للآلهة! وكان الملأ الأعلى يسمع ويرى. ثبت إبراهيم على الØÙ‚ØŒ وصبر على المØنة، ولم يقدّم أقل القليل من التنازلات Ù„ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Øماقة والباطل، وجاد بنÙسه، Ùˆ تركها تلقى مصيرها المؤلم من أجل الله؛ Ùجاءت المنØØ© ÙÙŠ اللØظات الأخيرة والوقت المناسب والتوقيت السليم! أمر الله النار والأØطاب التي ألقي Ùيها إبراهيم، أن تكون على غير طبيعتها المعهودة منها، أن ØªØµØ¨Ø Ø´ÙŠØ¦Ø§ مريØا لإبراهيم، ÙˆØدثا سعيدا لكل المسلمين من أتباعه Ùˆ من ذريّته Øتى قيام الساعة!
المØنة الثانية
(Ù…Øنة النبي إبراهيم ÙÙŠ أهله)
بعد أن ألقي إبراهيم ÙÙŠ النار، ظل Ùيها زمنا Øتى هدأت، وظن الناس أنه قد هلك، Ùإذا به ÙŠÙاجئهم ويخرج من النار سالما، Ùآمن به خلق كثير، لكنّ الملك عاند وأصرّ على موقÙÙ‡ من عبادة التماثيل، وقرر أن يطرده هو ومن آمن به من العراق كلّها. هاجر إبراهيم ومن معه إلى سورية، وكانت تشاركه المعاناة زوجته المØبّة الجميلة سارة. ÙˆÙÙŠ سورية عانى الÙقر والقØØ·ØŒ Ùعاد إلى العراق طلبا للمعونة، لكن ملك العراق أبى أن يعطيه شيئا؛ Ùأمره الله أن يذهب إلى مصر ويطلب من ملكها المعونة، Ùذهب، لكن كان على مصر ملك شَبÙÙ‚ (Ù…Øب للنساء Ùˆ لا يكÙيه منهن القليل)ØŒ وكانت سارة امرأة إبراهيم Ùاتنة كأجمل ما تكون النساء، أمر الله إبراهيم ألا يذكر لأØد ÙÙŠ مصر أن سارة زوجته، وأخبرهم أنها أخته، وكان الله يختبر إبراهيم: هل يستطيع أن يترك لله، Øبّه لزوجته الجميلة وغيرته الشديدة عليها؟ طمع الملك ÙÙŠ سارة، لكن الملائكة كانت تØول بينه وبين ما يريد، وجاءت المنØØ©. أدرك الملك أنّ إبراهيم وأهله أسرة مقدّسة؛ Ùأعطى إبراهيم أموالا كثيرة جعلته واسع الثراء، Ùˆ أعطى سارة جارية مميّزة (هاجر). Øمل إبراهيم ذلك كلّه، وعاد إلى Ùلسطين.
المØنة الثالثة
(Ù…Øنة النبي إبراهيم ÙÙŠ ذريّته)
تزوّج النبي إبراهيم زوجته الجميلة سارة، وأØبها Øبّا جمّا، Ùˆ عاش معها زمنا طويلا، لكن لم يرزق منها الولد، وكان متشوقا لأن تكون له ذريّة، لكن تمضي الأيام دون جديد. أدركت سارة رغبة زوجها ÙÙŠ الإنجاب، وأرادت أن تØÙ„ المشكلة؛ Ùعرضت عليه أن يتزوّج من جاريتها المصريّة هاجر؛ لعلّ الله أن يرزقه منها بالولد؛ Ùكان. لم يضيّع النبي إبراهيم وقته، وتزوّج بهاجر، ÙØملت منه سريعا، وأنجبت له ابنه النبي إسماعيل، لكن لم يهنأ النبي إبراهيم بولده؛ إذ أمره الله أن ÙŠØمل زوجته وولده الرضيع ويسير بهما جنوبا عبر الصØراء، Øتى إذا وصل إلى واد غير ذي زرع (مكّة)ØŒ أمره أن يتركهما هناك، ولا يلتÙت إليهما! كان الله يختبر إبراهيم: هل يستطيع أن يترك لله ابنه الوØيد الرضيع وزوجته الضعيÙØ© وسط الصØراء، التي لا شيء بها يساعد يقيم الØياة، أو يشير اليها؟ وجاءت المنØØ©Ø› Ùقد تدÙÙ‚ الماء من بئر زمزم، من تØت قدم الطÙÙ„ الرضيع إسماعيل، Ùتجمّع ناس كثير Øول البئر، ونشأت Øياة، وازدهرت معها Øياة هاجر وابنها إسماعيل. لكن المØنة لم تكتمل بعد؛ Ùلما أن كبر إسماعيل ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ùتى ياÙعا تسرّ به النÙوس، أمر الله عبده ونبيّه إبراهيم بأضع٠طرق الاتصال بالملأ الأعلى (الرؤيا المناميّة)ØŒ أن ÙŠØ°Ø¨Ø Ø¨ÙŠØ¯Ù‡ ابنه (ÙˆØيده) إسماعيل! وهو اختبار آخر Ù…Øنة أخرى لإبراهيم ÙÙŠ ولده Ùلذة كبده؛ “ذلك هو البلاء المبين”! وجاءت المنØØ©Ø› Ùبعد أن عرض إبراهيم الأمر على ابنه وزوجته واÙÙ‚ الجميع على تنÙيذ الأمر الإلهي، وجاء إبراهيم بولده إسماعيل، وأضجعه، وبعد أن Ø£Øد السكين أخذ يذبØÙ‡ طاعة للأمر الإلهي، لكن السكّين لا تقطع! وأمر الله عبده ونبيّه إبراهيم بأن ÙŠØ°Ø¨Ø ÙƒØ¨Ø´Ø§ بدلا من ابنه، ليكون هذا Øدثا سعيدا لإبراهيم وذريّته من بعده، ولكل المسلمين من أتباعه Øتى قيام الساعة! بارك الله إبراهيم وآل إبراهيم، وأمر كل المؤمنين بالله عبر اختلا٠الزمان والمكان أن يصلوا ويباركوا إبراهيم وأهله.
من استعراضنا لتاريخ النبي إبراهيم يمكن أن نستلخص منه النقاط المهمّة الآتية:
1) أنّه يجب على الإنسان الÙرد، أن يبØØ« عن الله بنÙسه، إن لم يكن أمامه خيار مقنع يجعله مطمئنًا إلى أنّ ما يعرض عليه هو الØÙ‚ الذي لا يقبل الشك.
2) أنّ قدرة الإنسان -مهما تعاظمت- سو٠تتوق٠عند نقطة Ù…Øددة؛ Ùمعظم الإنسانية متّÙقة على Øقيقة وجود الإله، لكنّهم مختلÙون ÙÙŠ تØديد من هو هذا الإله المستØÙ‚ للعبادة؛ Ùكل الÙلاسÙØ© والمÙكرين الباØثين ÙÙŠ الØقيقة الإلهية توقÙوا عند هذه النقطة: للكون إله، ولكن من هو؟ أين هو؟
3) للإنسان على الله أن يعلن عن Ù†Ùسه، وأن يقدّم له من العلامات والدلالات ما يكÙÙŠ لإقناعه بØقيقة Øقّه الإلهي. والذي تØقق Ùعلا بإرسال الله للأنبياء وتأييدهم بالمعجزات التي تؤكد صدق تبليغهم عن الله. ولأن الاسلام هو دين الله، ولأن Ù…Øمدًا هو نبي الله الخاتم، ولأن من مطلوبات الإيمان وجود معجزة يطمئن إليها العقل تثبت له صدق تبليغ النبي Ù…Øمد عن الله، ولأنّ الله يعلم كل ما سيطرأ على الإنسانيّة من تطور وتØوّل Øتى قيام الساعة، ولأنّ الله يعلم أن العلم سيكون لغة البشر ÙÙŠ نهاية الزمان- كان كلام الله (القرآن الكريم)ØŒ معجزه الله الدائمة الباقية المتألقة المتجدّدة بنÙسها، هو الطريق والطريقة، هو السبيل والوسيلة، هو خطوة الله إلى الناس، إلى كل من أراد الهدى، ولكل من سعى بجد ليعر٠ويتعرّ٠الله الØÙ‚.
4) أنّ الإيمان بالله الØÙ‚ØŒ يستلزم من المؤمنين الصبر على صعاب الØياة؛ Ùإن القاعدة التي تلازم الإيمان بالله، هي أنّ هذه الØياة الدنيا ما هي إلا جزء من مسيرة الإنسان وتاريخه ÙÙŠ هذا الوجود، وأنها دار بلاء واختبار.
إن كان الإسلام هو الاستسلام الكامل لأوامر الله القضائيّة والتشريعيّة، Ùإن النبي إبراهيم قد Øقّق الإسلام لله ÙÙŠ Ù†Ùسه وماله وأهله وولده، واجتاز الاختبار؛ Ùصار نموذجًا ÙŠÙØتذى، وقدوة تÙقتدى، وملّة تهدي إلى الله الØÙ‚ -والله أعلم!- Ùإلى Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ù…Ø¨Ø§Ø±Ùƒ إبراهيم، وعبر اختلا٠المكان والزمان، لك خالص Øبي وعظيم اØترامي، رØÙ… الله النبي إبراهيم!Â