تابع فلسفة الخلافة الإسلاميّة (قصّة البحث عن الشرعيّة)، عصر من العبث، في 24 أبريل 2016 (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

أولا: العبث الفاطمي

استمرت الدعوة الفاطميّة سرًّا وجهرًا، واستطاع عبيد الله المهدي وهو رجل يدّعي أنه من أبناء الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله، أن ينشئ الدولة الفاطميّة في المغرب العربي، التي اتّسعت فيما بعد لتشمل المغرب العربي وشمال إفريقية ومصر والسودان والشام والحجاز. حكم العبيديّون (الفاطميّين)، مناطق نفوذهم بشرعيّة الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العلويّة الفاطميّة، منكرين أن الإمام الحسين استخلف الإمام محمد بن الحنفيّة أخاه من غير السيدة فاطمة بنت النبي محمد، وكانت العاصمة القيروان بتونس، ثم انتقلت إلى القاهرة بمصر. اعتمد الخلفاء الفاطميّون كالعباسيّين، على غير العرب في الجيش ودواوين الحكم، واعتمدوا على العبيد من الترك والديلم والزنج، وذلك لأن قيادة العبيد كانت أسهل من قيادة العرب، ولأن هؤلاء العبيد لا تربطهم أي علاقة بهذه الشعوب التي يديرون شؤونها، وليست بينهم أي عاطفة فيكون إخلاص العبيد المطلق لسادتهم (الحكّام). وعمل الخلفاء القرشيّون العلويّون الفاطميون من ثم كالعباسيّين، على تغيير الدين الإسلامي ونشر عقيدة التشيّع وتقديس الإمام علي وتكفير صحابة رسول الله إلاّ من آمن منهم بأحقية الإمام علي في خلافة رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- وذلك للتأكيد على حقهم المقدّس في قيادة الدولة الإسلامية، وانتهى بهم الأمر إلي تأليه أنفسهم! وانتشرت ملل الكفر والزندقة كالدرزيّة والعلويّة والإسماعيليّة والبهرة وما لا يعلمه إلا الله من فرق البغي والخروج. استطاع صلاح الدين الأيوبي (الكردي)، أن يقضي على الدولة الفاطميّة، وحكم الأيوبيّون مصر والأقاليم التابعة لها من خلال شرعيّة الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العباسيّة، وانقسمت الدولة الإسلاميّة إلى دويلات يحكمها عرب أو عجم، لكن الجميع كانوا يقرون بتبعيّتهم -ولو كانت شكليّة أو اسميّة- لشرعية الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العباسيّة. كثر العبيد بدواوين الدولة والحيش حتى تحوّلت الدولة الإسلاميّة إلى دولة العبيد، وانتهت الدولة الأيوبيّة، وتلتها الدولة المملوكيّة وحكم العبيد المماليك مصر وغيرها من خلال شرعية الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العباسيّة.
ثانيا: العبث العثماني
بعد اجتياح الأتراك العثمانيّين للعالم الاسلامي، استطاعوا أن ينتزعوا الخلافة من الخليفة القرشي العباسي محمد الثالث المتوكل على الله، وتنازل عن الخلافة الإسلامية لصالح السلطان العثماني سليم الأول، وانتقلت عاصمة الدولة الإسلامية من القاهرة إلى إستانبول. تقبّل العالم الإسلامي هذا التحول نتيجة ضعف وفساد الخلافة العبّاسيّة وعدم ثقة الناس فيها، وكذلك للإنجاز التاريخي للسلطان التركي العثماني، والمتمثل في فتح القسطنطينيّة، الذي كان من أعظم طموحات الشعوب الإسلامية وقتها، وما ورد فيه من أحاديث نبويّة تمتدح الأمير الفاتح للقسطنطينيّة وجيشه، وأصبحت الدولة التركية العثمانية تحكم المغرب العربي وشمال إفريقية ومصر والسودان والحجاز والشام والعراق والقسطنطينيّة وشرق أوروبا بشرعية الخلافة الإسلاميّة التركيّة العثمانيّة، وعاصمتها إستانبول. لقد كانت الدولة العثمانّية أشد إضاعة للإسلام وبلاء على المسلمين من سابقاتها؛ فقد كان الأتراك العثمانيون أهل غدر وخيانة وكبر واستعلاء كما هم التتار والمغول! كان الحكم التركي العثماني للأمة الإسلاميّة أشبه بالاحتلال الأجنبي منه بولاية الأمر، فقد كان الأتراك يحتقرون المسلمين والعرب، ويتكبّرون عليهم، ويسومونهم ألوانًا من العذاب، وأهملت الولايات، وأضعفت عن قصد منهم أو عن غير قصد، وأصبحت أكثر عرضة للاحتلال من أمم كانت تتربص بالشرق منذ آلاف السنين، وكانوا كذلك يحتقرون اللغة العربيّة، ولا يتكلمون بها، ولا يستخدمونها في دواوينهم، كما استحدث الأتراك العثمانيّون نظام الالتزام، وفيه يلتزم كل وال من ولاة أقاليم الدولة الإسلامية بأن يدفع للحاكم العثماني مبلغًا من المال ضرائب ثابتة القيمة، ثم يحصل بمعرفته ما يشاء من الضرائب من الناس؛ فكان الظلم، وكان القهر، وكان العسف، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم!
ثالثًا: العبث الإيراني
كانت إيران تابعة للدولة الإسلاميّة الكبرى، تدين بالإسلام على المذهب السنّي، وعقب تتويج إسماعيل الصفوي ملكا على إيران، أعلن المذهب الشيعي الاثنا عشري مذهبا رسميا للدولة، واستحضر علماء التشّيع من جبل لبنان في محاوله لإيجاد دين جديد وشرعيّة جديدة للحكم الجديد. اتخذ إسماعيل الصفوي مجموعة من الخطوات والإجراءات، من شأنها خلق فجوة دينية وعقديّة بين شعب إيران (فارس)، وباقي شعوب الأمة الإسلاميّة، منها:
1) أنه تم العبث بأذاة الصلاة الذي أقرّه رسول الله، وذلك بإضافة جملة “أشهد أن عليًّا وليّ الله”ØŒ إلي الأذان.
2) أنه تم عمل مجالس العزاء في عاشوراء (الشعائر الحسينية).
3) أنه أمر بسب الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، كما أمر بقتل علماء السنّة.
4) أنه جعل “قُم” مدينة مقدّسة للشيعة.
5) أنه أمر بتطوير المراقد المقدسة للأئمة من آل البيت وجعلها مزارات يقصدها الناس.
حكم الصفويّون إيران بشرعيّة الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العلويّة الفاطميّة الفارسيّة؛ فبدخول آخر الأئمة الاثني عشر السردابَ وتغيّبه عن ممارسه مهام الخلافة، يحكم حكام إيران (فارس) القوميون البلاد من خلال كونهم نوابا للخليفة المغيّب المهدي المنتظر خروجه من السرداب (البدروم)، لا بديلا عنه. وكانت عاصمة الدولة الصفوية الإيرانية مدينة تبريز، ولكن بمرور الوقت تحوّل الحكم في إيران إلى ملكيّة وراثيّه علمانيّة، وأصبح المذهب الشيعي لا يعدو كونه موروثًا ثقافيًّا وفلكلورًا خاصًّا بالشعب الإيراني. وبعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1980، وبدعم من أوروبة المعادية للإسلام حكم الإمام الخوميني مرشد الثورة الإيرانية إيران بشرعيّة الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العلويّة الفاطميّة الفارسيّة، وسعت الخلافة الإيرانيّة لنشر دعوتها وبسط نفوذها على العالم الإسلامي، لكن ظلّت العقيدة الشيعّية حبيسة المنتفعين بها.
رابعًا: العبث المصري
ظلّت مصر تحت سلطان الحكم العثماني مدة طويلة من الزمن، وسمة حالها التحول من سيئ إلى أسوأ. استطاع الفرنسيّون بقيادة نابليون بونابرت احتلال مصر والسودان، وحاولوا احتلال فلسطين، فانتشرت الفوضى، وزاد الانهيار. ثم جاء المنقذ، حكم محمد علي باشا مصر من خلال شرعية الخلافة الإسلامية التركية العثمانية، واتّسعت مملكته لتشمل مصر وبرقة والسودان والحجاز والشام، وكانت عاصمته القاهرة. عمل محمد علي على بناء مصر الحديثة، وكان أهم خطواته لتحقيق ذلك القضاء على المماليك وتطوير الزراعة وبناء جيش قوي حاول به أن يعيد الخلافة الإسلامية إلى مصر مرة أخرى، فحارب الخلافة التركية العثمانية، وكاد أن ينتصر عليها، لولا تحالف الخلافة التركيّة والإنجليز المسيحيّون البروتستانت، الذي قضى تماما على طموح محمد علي في الخلافة. وبعد ذلك احتل الإنجليز (الملائكة) مصر!
خامسًا: العبث المسيحي الأوروبي بدولة الإسلام
هاجم الإنجليز أرض الإسلام طمعًا في ثرواتها، وأدركوا أن قوه المسلمين والدولة الإسلامية تكمن في الثقافة والشريعة الإسلاميّة؛ فهي مصدر قوتهم وبها ساد السلام الاجتماعي بينهم رغم ظلم حكامهم، وبها تحول التتار من أعداء للمسلمين إلى قوة للإسلام تدافع عن أرضه وتنشره في أرض جديدة؛ فعملوا على إلغاء العمل بها، وحاولوا أن يختزلوا الإسلام في بعض شعائر وطرق صوفيّة. وأدرك الإنجليز أيضا أن قوّة الدولة الإسلامية تكمن في مصر، فكان الاحتلال الإنجليزي لمصر بمواطأة الخلافة التركيّة العثمانيّة. وبانهيار الخلافة التركية العثمانية حكم الإنجليز الخليج العربي ومصر والسودان، وحاولت إنجلترة عن طريق عملائها الدعوة لشرعيتها الفاسدة الخلافة المسيحية البروتستانتية الإنجليزية! كما سعى الإنجليز لإفساد ما تبقى من الإسلام عقيدة وشريعة والعمل على إخراجه من عقول وقلوب المسلمين في كل البلاد الإسلامية التي احتلوها في مشارق الأرض ومغاربها،
وذلك بنشر الفسوق والفجور والانحلال الأخلاقي، ونشر التلوث الثقافي في الدولة الإسلامية وإحلال الثقافة الأوروبية التافهة محل الثقافة الإسلامية العريقة. وبفشل معظم محاولات الاحتلال الإنجليزي في تغيير دين الشعوب الإسلامية إلى المسيحيّة أو إقناعها بشرعيتها في حكم الأمه الإسلامية، عمل الاحتلال على نشر فكرة القومية والعرقية والعنصرية والتعصب الديني، لتكون شرعيّة جديدة للحكم وبديلا عن الشرعيّة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة أو غيرها.
مصير الخلافة الإسلامية
بانهيار الخلافة الإسلاميّة في إستانبول حاول ملك مصر أن ينصب نفسه خليفة للمسلمين، لكن الفكرة لم تلق نجاحا. وفي مصر أيضا بدعم من المخابرات الإنجليزيّة حاول الداعية الإصلاحي حسن البنا أن يعيد الثقافة الإسلامية لأذهان المصريين ويحارب الثقافة الأوربية التي طغت على مصر وبخاصة القاهرة والإسكندرية بعد سنوات طويلة من الاحتلال الانجليزي البروتستانتي. لم تقتصر دعوة حسن البنا على إحياء الثقافة الإسلاميّة، لكنّه نصّب نفسه خليفة للمسلمين، وأخذ البيعة من أتباعه، Ùˆ لكونه مجهول النسب ولاستهجان الفكرة من عموم العلماء والمثقّفين والمفكرين في مصر، قام بتعديل اللقب من خليفة المسلمين إلى “المرشد العام”ØŒ وانتشرت دعوته في كثير من البلاد الإسلامية والأوروبية. استطاع جمال عبد الناصر أن يحكم مصر، وعمل على نشر القومية العربية، وأهمل فكرة الخلافة، وأصبحت شرعيّة الحكم من خلال انتخاب رئيس قومي محلّي. وبعد قيام ثورة يناير 2011 حاول أتباع حسن البنا أن يؤسسوا لشرعيّة الخلافة الإسلاميّة السنيّة المصريّة برئاسة المرشد العام أو عامله على مصر، لكن لم يقتنع الشعب المصري بهم، ولفظهم! Ùˆ الآن يبدو واضحا الصراع بين كل من مصر وتركية وإيران، على الخلافة الإسلاميّة وقيادة العالم الإسلامي. إيران تسعى جاهدة إلى انتزاع الخلافة الإسلامية من خلال نشر هرطقة المذهب الشيعي الذي يدّعي أحقيّة الإمام الفارسي في زعامة الأمة الإسلاميّة. تركية تسعى جاهدة إلى استرداد مكانتها المسلوبة من خلال مجموعة من التصرفات الساذجة التي يقدمها قادتها وباستخدام عملائها في مصر وسورية لإقناع العالم الإسلامي بكفايتها وأحقيتها في قيادته بعد أن طردتها أوروبة المسيحيّة من حساباتها. مصر (أرض الخلافتين)ØŒ تسعى جاهدة إلى “خساره” مكانتها الأصيلة وحقها التاريخي في الخلافة الإسلاميّة، الذي كان الجهلاء الذين حكموها بعد محمد علي يفرّطون فيه، باستثناء الرئيس السادات الذي حاول تحقيق هذا الحلم (استعادة الخلافة الإسلاميّة)ØŒ لكن كانت يد العملاء أسرع فتم اغتياله!
دعائم الحق المصري في الخلافة الإسلامية
1) مصر حاضنة أهل البيت علماء وأعلامًا، وبها كانت دولة آل البيت -إن جاز أن نسمّيها بذلك- الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة العلويّة الفاطميّة.
2) القاهرة عاصمة الخلافتين العبّاسيّة والفاطميّة.
3) لمصر إلى الآن ريادة العالم الإسلامي في العلم والفقه والفكر الإسلامي، بأزهرها الشريف وعلمائها الأفذاذ؛ فشيخ الأزهر هو شيخ الاسلام بلا منازع.
4) لمصر تاريخ طويل في الدفاع الحقيقي عن الإسلام وأهله ضد أعدائه، ابتداء من التتار والمغول، ومرورا بالفرنجة والصليبيّن، وانتهاء بالإنجليز وبني إسرائيل.
5) حينما امتدح رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- مصر، لم يمتدح زرعها ولا شجرها ولا مدرها ولا فيضان نهرها، لكنه امتدح جندها؛ فهي كنانه الله في أرضه، وفي رباط إلى يوم القيامة.
و مما تقدّم أدّعي أن لجيش مصر حقا تاريخيا وإرثا مستحقا في اعتلاء الخلافة الإسلامية، والله أعلى وأعلم!

Related posts

Leave a Comment