تابع فلسفة الخلافة الإسلاميّة (قصّة البحث عن الشرعيّة) بنو أميّة ما لهم وما عليهم في 24 أبريل 2016 (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

قال معاوية: والله ما حملني على الخلافة إلا قول رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-: يا معاوية اٍن ملكت فأحسن!

تولى معاوية بن أبي سفيان إمارة المسلمين وكان من أكثر من ولي أمور المسلمين دراية وكفاية ودهاء وقدرة على إدارة شؤون الدولة، وكان عاشقا للسياسة والرياسة والملك. ولقد أصبحت فيما بعد “شعرة معاوية”ØŒ من مأثورات التراث الفكري والسياسي الإنساني، والتي يقول فيها معاوية: لو كانت بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت؛ فإذا شدوا أرخيت، وإذا أرخوا شددت! وقال أيضا لأحد عماله: إنه ينبغي ألا يسوس الناس سياسة واحدة، لا باللين فيمرحوا، ولا بالشدّة فيحمل الناس على المهالك، ولكن كن أنت للشدة والفظاظة والغلظة، وأنا للين والألفة والرحمة، حتى إذا خاف خائف وجد بابا يدخل فيه. لكن آفة توريث الملك قد تفشّت في الدولة الإسلامية، وأخذ آل البيت بالدعوة إلى الحق المقدس في تولي إمارة المسلمين وتقديس أئمة آل البيت، حتى تعدى التقديس في دولة الإسلام إلى أن ضم أيضا القيادات الدينية وشيوخ الطرق الصوفية، وذلك بالمخالفة الصريحة للإسلام عقيدة وقيما وأحكاما. دعا معاوية الناس إلي البيعة لولده يزيد، ليكون ولي عهده من بعده، فبايع له الناس في سائر الأقطار، إلا عبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عباس. كان معاوية لما صالح الحسن بن علي قد عهد له بالأمر من بعده، فلمّا مات الحسن قوي أمر يزيد عند معاوية، ورأى لذلك أنه أهل لولاية الأمر من بعده. وسريعا ما مضت الأيام، وجاءت سكرة الموت بالحق، وحضرت معاوية الوفاة، وكان يزيد ولده في الصيد، فأمر من حوله أن يبلّغوه بالوصية الآتية: أن يستوصي بأهل الحجاز خيرا، إذا سأله أهل العراق في كل يوم أن يعزل عنهم عاملا ويولي آخر فليفعل، فعزل واحد أحب من أن يسل عليك مئة ألف سيف، وأن يستوصي بأهل الشام، وأن يجعلهم أنصاره، وأن يعرف لهم حقهم. قال معاوية لولده يزيد: لست أخاف عليك من قريش إلا ثلاثة: الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير. أما ابن عمر فقد وقذته العبادة. وأما الحسين فرجل ضعيف، Ùˆ أرجو أن يكفيكه الله تعالي بمن قتل أباه وخذل أخاه، وإنّ له رحما ماسة وحقا عظيما وقرابة من محمد -صلى الله عليه، وسلم!- ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه، فإن قدرت عليه فاصفح عنه، فإنّي لو صاحبته عفوت عنه. وأما ابن الزبير فإنّه خبّ ضب، فإن شخص لك فانبذ إليه إلا أن يلتمس صلحا، فإن فعل فاقبل، واصفح عن دماء قومك ما استطعت.
لقد أخطأ أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان خطأين كبيرين جدا قد يصلان إلى حد الجريمة في حق الدولة الإسلامية:
الأول أنه عاند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، واستغلّ قضية مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان في تحريض المؤمنين على قتال بعضهم بعضًا. وهذا الأمر لا يعلم جزاءه إلا الله الذي لا تخفى عنه خافية.
الثاني أنه رسّخ مبدأ توريث الحكم في التاريخ الإسلامي (إقرار نظام الحكم الملكي)، وذلك بعمله الدؤوب على توريث الملك لابنه يزيد بن معاوية، فحوّل اختيار الحاكم في الدولة الإسلامية القائم على مبدأ الشوري وانتقاء الأكفى والأقوى لإدارة شؤون الدولة، إلى ملكية وراثية، كما حوّل المال العام إلى غنيمة بيد الأمير يديرها كيف يشاء -ولا حول ولا قوه إلا بالله- لكن ما لا يمكن أن نتغافل عنه، أن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان كان داهية في السياسة والإدارة والحكم، ونجح في تطوير الدولة الإسلامية بما حقق لها زيادة في الرقعة، كما نجح في تحقيق الاستقرار والسلام داخليا، رحم الله أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان!
لم يكن ليزيد بن معاوية همّة منذ ولّي إلا بيعة من أَبَوْا على معاوية البيعة له، وكثرت الرسائل للإمام الحسين بن علي من أهل العراق يدعونه للقدوم إليهم ليبايعوه. أرسل الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل إلى العراق ليكشف له حقيقه الأمر، فخانه أهل العراق، وأسلموه لعبيد الله بن زياد والي يزيد بن معاوية على العراق فقتله. أرسل مسلم بن عقيل إلى الحسين قبل أن يموت أن لا يأتي العراق، وكذلك أشار على الحسين ناس كثيرون ألا يخرج إلى العراق، لكن الإمام الحسين -رضي الله عنه!- أصرّ على الخروج، وقال إني رأيت رسول الله أمرني بأمر وأنا ماض له. وذهب الإمام الحسين إلى العراق، فخذله أهلها، وأمره عبيد الله بن زياد بأن يبايع يزيد بن معاوية، فأبى إعطاء البيعة، فقتله ابن زياد، وبعث برأسه إلى يزيد! لقد أخطأ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية في أمرين قد يصلان إلى حد الجريمة في حق الدولة الإسلامية:
الأول أنه أخذ البيعة كملك عضوض متوارث، لا خلافة إسلاميّة، تختار الأفضل والأصلح لقيادة الأمّة، يتشاور فيها أهل الحل والعقد وكبار رجال الأمة.
الثاني أنه قتل الإمام الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة، ولم يكتف بحبسه أو عزله لاحتواء الموقف، كما أساء إلى المدينة المنوّرة وأهلها إساءة لن تنسى ولن تمحى.
ولقد أخطأ الإمام الحسين بن علي -رضي الله عنهما!- في أنه افترض لنفسه حقا مقدسا في تولي خلافة المسلمين، وهو أيضا اتخذ قراره بالمسير إلى العراق بناء على رؤيا منامية؛ فهو كيزيد بن معاوية، ولى نفسه دون إجماع أهل الرأي وأصحاب الشورى في الأمة. وترتب على هذا الخطأ أن هناك آخرين افترضوا لأنفسهم هذا الحق في الخلافة، وتفتّت الأمة وانقسمت، ولاحول ولا قوه إلا بالله!
لم يلبث يزيد بن معاوية كثيرا بعد مقتل الحسين بن علي، أن لحق إلي جوار ربه، ليقضي الله بينه وبين خصومه فيما كانوا فيه يختلفون! ثم ولي أمر المسلمين بعده ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وصعد المنبر، وقال: أيها الناس، إنّي قد وليّت أمركم وأنا ضعيف عنه، فإن أحببتم تركتها لرجل قوي كما تركها الصدّيق لعمر، وإن شئتم تركتها شورى كما تركها عمر بن الخطاب، وليس فيكم من هو صالح لذلك، وقد تركت لكم أمركم فولّوا عليكم من يصلح لكم! ثم نزل، فدخل بيته، فلم يخرج منه حتى مات! ولما دفن معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، حضر مروان بن الحكم بن أمية، فقال للناس: أتدرون من دفنتم؟ قالوا: نعم، معاوية بن يزيد، فقال مروان: هو أبو ليلى الذي قيل فيه:
إنّي أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
استقل عبد الله بن الزبير بن العوام بالحجاز، و بايعه أهل العراق ومصر فيما عدا الشام ففيها بنو أمية، وعلى الكوفة رجل يدعى المختار بن عبيد الله، يدعو إلى إمامة المهدي محمد بن الحنفية، ابن علي بن أبي طالب. استولى مروان بن الحكم على مصر، ثم جهّز جيشين أحدهما إلى المدينة، والآخر إلى العراق. ثم توفّي مروان، وتولى الأمر من بعده عبد الملك بن مروان بن الحكم، وكانت بيده الشام ومصر. استغل الروم الاقتتال الداخلي في الدولة الإسلامية، فهاجموا الشام، فصالحهم عبد الملك بن مروان على أن يدفع لهم في كل جمعة ألف دينار، خوفا منهم على الشام، ثم سار في جيش كبير لاستعادة العراق، وكان عليها مصعب بن الزبير.
روي أن عبد الملك بن عمير قال: دخلت القصر بالكوفة (قصر الإمارة)، فإذا برأس الحسين بن علي -رضي الله عنهما!- على ترس بين يدي عبيد الله بن زياد وعبيد الله على السرير، ثم دخلت القصر بعد ذلك فرأيت رأس عبيد الله بن زياد على ترس بين يدي المختار والمختار علي السرير، ثم دخلت القصر بعد ذلك فرأيت رأس المختار على ترس بين يدي مصعب بن الزبير ومصعب على السرير، ثم دخلت القصر بعد حين فرأيت رأس مصعب بن الزبير على ترس بين يدي عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن مروان على السرير! ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال رجل صالح: إنّ الهلكة كل الهلكة أن تعمل السيئات في زمان البلاء؛ فاللهم، اجعلنا سعداء بما جاء به نبيّك، واجعل محمدًا -صلى الله عليه، وسلم!- شهيدا علينا بالإيمان، وقد سبقت لنا منك الحسنى، غير متطاول علينا الأمد، ولا قاسية قلوبنا، ولا قائلين ما ليس لنا بحق، ولا سائلين ما ليس لنا بعلم، اللّهم، آمين! قال رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-: إنّ الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه بغير حقه. قيل: ما أوتي أحد أفضل من العقل، وعقول الناس على قدر زمانهم! أرسل عبد الملك بن مروان الحجّاج بن يوسف الثقفي لإمارة العراق والبصرة والكوفة، فلمّا تولى دخل الكوفة على حين غفلة من أهلها يوم جمعة، فصعد المنبر، وأمسك عن الكلام طويلا، فتناول بعض الناس الحصى ليقذفوه، فكان أوّل ما تكلّم به، قال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق ومساوي الأخلاق، والله، إن أمركم ليهمّني قبل أن آتي إليكم، ولقد كنت أدعو الله أن يبتليكم بي، ولقد سقط مني البارحة سوطي الذي أؤدبكم به، فاتّخذت هذا مكانه -وأشار إلى سيفه- والله لآخذنّ صغيركم بكبيركم وحرّكم بعبدكم، ثم لأرصعنّكم رصع الحداد الحديدة والخباز العجينة! فلمّا سمعوا كلامه جعل الحصى يتساقط من أيديهم! وقال عن نفسه:
أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
أزال عبد الملك بن مروان خصمه اللّدود عبد الله بن الزبير عن مكة، واستقر ملكه على دولة الإسلام، وانطلق مسلمة بن عبد الملك ليفتح ما بقي من بلاد الروم، وتولى موسى بن نصير غزو بلاد المغرب جميعها، وانطلق قتيبة بن مسلم لفتح خراسان Ùˆ بلاد الترك، “وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد”ØŒ وحانت ساعة وفاة أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان. قيل إنّه لما احتضر عبد الملك بن مروان سمع غسّالا يغسل الثياب، قال: ما هذا؟ فقالوا: غسّال، فقال: يا ليتني كنت غسّالا أكسب ما أعيش به يوما بيوم ولم أل الخلافة؛ إنّ الملك عقيم! فلمّا بلغ ذلك سعيد بن المسيب -رضي الله عنه!- قال: الحمد لله الذي جعلهم عند موتهم يفرّون إلينا ولا نفرّ إليهم! قال عبد العزيز بن مروان: عجبا لمؤمن يؤمن أن الله يرزقه ويخلف عليه، كيف يحبس مالا عن عظيم أجر وحسن ثناء!
حكم الأمويّون الأمة الإسلامية بشرعية الخلافة الإسلاميّة العربيّة القرشيّة الأمويّة، وانتقلت العاصمة إلى دمشق. اعتمد الخلفاء الأمويّون على العنصر العربي في الجيش ودواوين الحكومة؛ فقد كان العنصر العربيّ مقتنعا بكفاية وقدرة الأموييّن على حكم الدولة الإسلاميّة، وكانت سوق الإسلام رائجة، وانتشر الإسلام في آفاق الدنيا، واتّسعت دولته. لم يرتض آل البيت بهذه الشرعيّة، وظلوا ينادون سرًّا بالرضا من آل علي، ويتوارثون الخلافة بينهم. بعد وفاة عبد الملك بن مروان بويع ابنه الوليد بن عبد الملك أميرا للمؤمنين، وولى ابن عمه وزوج أخته عمر بن عبد العزيز إمارة المدينة المنورة، فعمل على إكرام أهلها، وتنفيذ خطة الوليد بن عبد الملك في توسعة المسجد النبوي. وانطلق أخوه مسلمه بن عبد الملك بن مروان لفتح بلاد الروم، وافتتح حصونا كثيرة، كما انطلق قتيبة بن مسلم لفتح بلاد الترك، و افتتح مدينة بخارى وسمرقند وكاشغر من أرض الصين، كما انطلق موسى بن نصير لفتح بلاد المغرب، وبعد فتحها انطلق طارق بن زياد مولى موسى بن نصير لفتح الأندلس. كان الوليد بن عبد الملك بن مروان من أفضل خلفاء الدولة الأموية، بنى المسجد الأموي بدمشق، فلم يكن له نظير في الدنيا، وبنى صخرة بيت المقدس، وعقد عليها القبّة، وبنى مسجد النبي -صلى الله عليه، وسلم!- وأعطى الزمنى والمجذومين، وأعطى الفقراء وأمرهم ألا يسألوا الناس، و أعطى كل مُقعد خادما وكل ضرير قائدا، وكان يرسل بنيه في كل غزو إلي بلاد الروم، فتح الله به الهند والسند والأندلس، حتى دخلت جيوش المسلمين بلاد الصين. رحم الله الوليد بن عبد الملك؛ فقد كان من أفضل ملوك الاسلام وأنفعهم لدولته، والله أعلم!
قيل: الناس على دين ملوكهم. كانت همّة الوليد بن عبد الملك في البناء، وكان الناس كذلك؛ فكان الرجل يسأل الرجل: ماذا بنيت؟ ماذا عمّرت؟ وكانت همّة سليمان بن عبد الملك في النساء، وكان الناس كذلك؛ فكان الرجل يسأل الرجل: كم تزوّجت؟ ماذا عندك من السراري؟ وكانت همّة عمر بن عبد العزيز في قراءة القرآن وفي الصلاة والعبادة، وكان الناس كذلك؛ فكان الرجل يسأل الرجل: كم وردك ؟ كم تقرأ من القرآن كل يوم؟ ماذا صلّيت البارحة؟ الناس على دين ملوكهم !
بعد وفاة الوليد بن عبد الملك بويع أخوه سليمان بن عبد الملك أميرا للمؤمنين، وجهز سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة بن عبد الملك لغزو القسطنطينية، ولم يتمكنوا من ذلك، وأجهدوا جهدا شديدا، “وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد”ØŒ ومات أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك عن خمس وأربعين سنة، واستخلف من بعده ابن عمه الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، ومما قال الأمير سليمان بن عبد الملك في الحكمة: العاقل أحرص على إقامة لسانه منه على طلب معاشه. وسمع مرة الغناء في معسكره، فقال: إنّ الفرس ليصهل فتستودق له الرمكة، وإنّ الجمل ليهدر فتضّبع له الناقة، وإنّ التيس لينبّ فتستخذي له العنز، وإنّ الرجل ليغني فتشتاق له المرأة. ثم سأل عن أصل الغناء، فقيل له المدينة؛ فكتب إلي عامله أن يخصي بها من عنده من المغنيّن المخنّثين! رحم الله أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك!
فما إن ولي عمر بن عبد العزيز الإمارة، حتى عزل واليه على خراسان لأنه كان يأخذ الجزية ممن أسلم من الكفار وكان يقول لهم إنّما دخلتم الإسلام فرارا منها، فكتب إليه عمر: إنّ الله إنّما بعث محمد بن عبد الله -صلى الله عليه، وسلم!-داعيا، ولم يبعثه جابيا (أي جامع ضرائب)! لقد كان عمر بن عبد العزيز رجلا صالحا زاهدا، وكان يوسّع على عماله في النفقة، حتى يتفرغوا لأشغال المسلمين. ظهرت في خلافته بذور دعوة بني العباس بعد أن ادّعى العباسيّون أن الخلافة والولاية (السريّة)ØŒ انتقلت من الإمام عبد الله بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب أخي الإمامين الحسن والحسين من غير فاطمه بنت محمد رسول الله، إلى الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، وأنّ محمد بن عبد الله بن عباس بعث من جهته رجلا يقال له ميسره إلى العراق، Ùˆ أرسل طائفة أخرى إلى خراسان، وأمرهم بالدعاء له ولأهل بيته، “وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد”ØŒ مرض أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ومات. ومما قال الأمير عمر بن عبد العزير في الحكمة: من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وينفعه! من أكثر ذكر الموت اجتزأ من الدنيا باليسير! من لم يَعُدّ كلامه من عمله كثرت خطاياه! إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله هذا عبدي حقا! من عبد الله بغير علم كان ما يفسده أكثر مما يصلحه ! لمّا مات الحجاج بن يوسف الثقفي قال عنه عمر بن عبد العزيز: لم أحسد الحجاج إلا علي اثنتين: الأولى أنّه كان يعطي حفظة القرآن، والثانية أنّه حين حضرته الوفاة قال اللّهم اغفر لي؛ فإنّهم -أي أهل العراق- يقولون إنك لا تفعل! اللّهم رضّني بقضائك، وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت! رحم الله أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز!
تولى أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك بن مروان إمارة الدولة الإسلامية خلفا لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وما لبث أن توفي. تولى أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك بن مروان إمارة الدولة الإسلامية خلفا لأخيه يزيد بن عبد الملك، وفي إمارته فتحت مدينة فرغانةه وأرض الخزر واللّان ومدينة الصقالبة وقيسارية من بلاد الروم، وتوفّي في عهده أخوه مسلمة بن عبد الملك، الذي قيل عنه إنه كان نظير خالد بن الوليد في أيامه! كان أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك أشدّ بني أميه نظرًا ومتابعة لأصحابه وفحصا في دواوينه، “وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد”ØŒ مات أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك، ومات معه ملك بني أمية! بويع من بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان رجلا مجاهرا بالفواحش، ورماه بنو هاشم بالكفر والزندقة، فاجتمع الناس على خلعه أو قتله؛ فقتل! بويع يزيد بن الوليد بن عبد الملك خلفا للوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان يلقب بيزيد الناقص، لأنه نقص الناس في أعطياتهم، وثارت فتن كثيرة تطالب بدم الوليد بن يزيد، ومات يزيد بن الوليد، وكانت مدة ولايته ستة أشهر، وخلفه من بعده أخوه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك، وخرج عليه مروان (الحمار)ØŒ وقتله، وانتهت على يد مروان الحمار دولة بني أمية!
لم يستطع بنو أمية إيجاد آلية لانتقال السلطة السياسية بين حاكم وآخر تضمن اختيار الأكفأ والأصلح لحكم الدولة، لكنّهم اكتفوا بالتوريث كشرعية لانتقال السلطة، والتي تعثّرت ببعض الحكّام الفاسقين الفاسدين الذي أنهوا بأيديهم دولتهم قبل أن تنتهي على أيدي أعدائهم، لكن يمكننا القول بأنه كانت سوق الجهاد قائمة في دولة بني أمية، ليس لهم شغل إلا ذلك، حتى علت كلمة الإسلام، واتسعت دولته في مشارق الأرض ومغاربها، وبقي الإسلام عقيدة وشريعة على نفس النقاء الذي كان عليه أيام رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!-وخلفائه الراشدين من بعده.

Related posts

Leave a Comment