قراءة في سورة آل عمران، في 14 يونيو 2013 (مجديات أخي الحبيب الراحل المقدم مجدي صقر، رحمه الله، وطيب ثراه)!

الله ذات غيب اختص لذاته بكمال الجمال في الأسماء، والصفات. الألوهية هي القدرة والهيمنة والتعالي والإحاطة والعطاء والهبة، وأبرز مظاهرها الخلق؛ فبألوهيته –سبحانه، وتعالى!- خلق المخلوقات هبة منه وفضلا. الربوبية هي التنظيم والترتيب والعناية والرعاية، وأبرز مظاهرها رعاية الخالق للخلق وتقدير أرزاقهم وأقواتهم وشؤون حياتهم ورحمته بهم وعنايته. وكما كانت الألوهية ابتداء بعطاء كانت الربوبية رعاية واعتناء.


كانت امرأه عمران عقيما لا تلد، فنذرت لله -إن رزقها بولد- أن تهبه للمعبد خادما لله، فقالت: “ربّ إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني”ØŒ ففوجئت بأنها ولدت أنثى، فقالت: “رب إني وضعتها أنثى”. لقد خاطبت الله بقولها: “ربّ”ØŒ ظنا منها أن إنجاب الأبناء من أمور الرزق، وأن الله رزقها بابنتها؛ فقال الله: “والله أعلم بما وضعت”ØŒ أي إن الله بصفة الألوهية، خلق، وإنجاب الأبناء لا يعتبره من أمور الرزق التي تختص بها صفات الربوبية.
ومن قصة النبي زكريا نجده يتوسل إلى الله بصفات الربوبية، ليهبه ابنا صالحا، بقوله: “رب هب لي من لدنك ذرية طيبة”ØŒ فجاء التصحيح من الله على لسان الملائكة: “إن الله يبشرك بيحيى”Ø› فتعجب النبي زكريا من البشرى، وقال يسأل الله: “رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامراتي عاقر”. ولأن القضية ما زالت عند الله قضية هبة وخلق، قال الله: “كذلك الله يفعل ما يشاء”.
دعا النبي زكريا ربه قائلا: “رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي”ØŒ إن النبي زكريا كان يعاني من الكبر والضعف، وكان يريد من الله العناية والرعاية له عند كبره وحفظا للدين بعد وفاته؛ لذا كان النبي زكريا يسأل الله بصفاته الربوبية أن يهبه ابنا، فلما قال الله له: “إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى”ØŒ تعجب من أن يكون له ابن وهو في مثل سنه وامراته عاقر، قال: “رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا”Ø› فرد الله بقوله: “كذلك قال ربك هو علي هين”. لما كانت القضية عند الله هي كبر النبي زكريا Ùˆ مرض زوجته، أجابه بصفة الربوبية التي من خصائصها العناية والرعاية بالخلق، فأصلح زوجه، وعالجها، وشفاها، وبث فيه من القوة ما يعينه على إتيانها.
ومن قصه مريم ابنة عمران أنها تأتيها الملائكة تبشرها بابنها المسيح: “يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح بن مريم”Ø› فتتعجب مريم من ذلك، فتقول: “رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر”ØŒ ولأن القضية هنا هي قدرة الله على خلق إنسان من أنثى دون تلقيح ذكر نسب الفعل إلى “الله”ØŒ أي إلى صفات الألوهية، فيرد الله عليها بقوله: “كذلك الله يخلق ما يشاء”ØŒ تأكيدا لأن الله بألوهيته يخلق ما يشاء، وليس هذا مجال عطاءات ربوبيه.
Ùˆ عندما كانت مريم تصلي، وجاءها الملك رسول الله ليخبرها: “إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا”Ø› فتعجبت من ذلك، وقالت: “أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا”. إن القضية الآن هي قضية ربوبية؛ لقد خافت مريم من الفضيحة Ùˆ الإهانة، وأنها ستكون منبوذة من المجتمع، ولن ترعاها النساء من أهلها في حملها ووضعها صغيرها؛ فكان الجواب عليها بصفات الربوبية: “كذلك قال ربك هو علي هين”ØŒ أي إن ربها سوف يرعاها، ويعتني بها، وذلك بالآتي: “قد جعل ربك تحتك سريا”ØŒ “وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا”ØŒ “فكلي واشربي وقري عينا”. Ùˆ تكفل رب العالمين عنها بالرد على الخصوم والمتهِمين: “فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا”ØŒ “فأشارت إليه”.
ومن قصة النبي إبراهيم، عندما جاءت الملائكة تبشر سارة زوجه بأنها ستلد ابنا، تعجبت: “قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا”ØŒ “فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم”ØŒ لقد كانت المشكلة عند امرأة النبي إبراهيم هي عقمها وكبرها وكبر زوجها، فردت الملائكة عليها: “”كذلك قال ربك”ØŒ أي إن شفاءها وإعادة العافية لها ولزوجها من عطاءات الربوبية.
هذا و الله أعلم، ونعتذر إلى الله من الخطأ والزلل!

Related posts

Leave a Comment