خرج والمفروض “يعد”

هكذا سمَّت معرضَها الخاص جدا، فَرَح حلّابة وأصدقاؤها، واحتشد لهم فيه كل ما يصف كُربة الغربة وكَرْب المتغربين في الخليج العربي، مشهودا ومرئيا ومقروءا ومسموعا، من التعبيرات والتشكيلات والتكوينات والتوثيقات الفنية والعُرفية. لقد فتحوا لنا صناديق ذكرياتهم الخاصة جدا، فشهدنا ورأينا وقرأنا وسمعنا ما لم يخطر لأحد ببالٍ أن يفتح إلا لأهله، ولسان حالهم يقول قول أستاذنا الحبيب الدكتور حسن الشافعي -أطال الله في النعمة بقاءه!-:
“هَذَا هُوَ السِّرُّ يَا مَنْ لِلسِّرِّ يَطْلُبُ حَمْلَا
قَدْ كُنْتَ خِلْوًا خَفِيفًا وَالْآنَ تَحْمِلُ ثِقْلَا
فَضَحْتُ نَفْسِي وَلَكِنْ بَعْضُ الْفَضِيحَةِ أَحْلَى
مِنْ كَتْمِ سِرٍّ عَزِيزٍ وَالْبَوْحُ حَانَ وَحَلَّا”!
ولقد أصرت علينا جميعا أن نزوره سُرى ابنتي الإعلامية الفنانة العنيدة؛ ففهمتُ رسالتها الكامنة في طوايا إصرارها!
نعم؛ لقد وُلدت في عُمان الحبيبة عام ألفين الميلادي، ووُلدت فيها أيضا رِهام أختها قبلها بعامين، ثم بهما وبسائر أسرتي أبتُ إلى مصر، ثم ذهبتُ وحدي وجئت مُدَّتَيْن، ثم في أثناء المُدة الرابعة تطلعت إلى صحبتهم، حتى تخيلت أن يتمكن طلاب الثانوية منهم بتفوقهم من أن ينضموا إلى طلاب جامعة السلطان قابوس، على ما تتيحه لأبناء أساتذتها المتفوقين. أما رهام فاستقرت في بيئتها الجديدة، وصالت، وجالت، وأما سرى فلم تستقر، وإن فاقت رهام! لقد بقيت تبكي مدرستها المصرية في جزيرة الروضة من القاهرة الباهرة، وتلح عليَّ أن أعيدهم، ثم أن أعيدها، لتعود معهم بعد تمام هذا العام الدراسي فقط، إلى ذكرياتها التي لم تكد تستحق اسمها!
سمعت سرى بهذا المعرض، وزارته، وتأثرت به كثيرا، وكأنما أرادت أن تنتقم بزيارته مني، وهي التي استشهدت لأثره ببكاء بعض زُوّاره، ولعلها قصدت نفسها فيهم أو دونهم! وقد أغناها عن ذلك ما سبق أن عشتُه في مثل سنها وحالها، وكنت في صحبة أبي -عفا الله عنه في الصالحين!- بالمنطقة السعودية الشمالية، طيب الله ذكراها بما أَجْدَتْ عليَّ من المقدرة على الانقطاع والدأب، حتى تحولت حالي السيئة حسنة، ولكن أين منها ومني هذا المعنى اللطيف!

Related posts

Leave a Comment