ترقب وقلق، للدكتور جمال بن زهران الحراصي

     سيطر الهدوء على بيت أحمد إلا من بعض المناوشات اللفظيّة التي يأتي بها محمود لأخته تقى المترقّبة لما ستؤول إليه نتيجة تصحيح اختباراتها للدبلوم العامّ، لقد تجمّعت الأسرة الصغيرة Ù€ ماعدا الأب Ù€ في الصالة الواسعة إلا محمودًا، فإنّه عاكف على جهاز الكمبيوتر في الصالة الأخرى يتابع أخبار العالم وخصوصًا الأخبار الرياضيّة مع استماعه لبعض الأناشيد الحماسيّة.

   كانت الأسرة كلّها قد تابعت عصر أمس تصحيح إجابات تقى عن أسئلة فرع المطالعة من اختبار اللغة العربيّة عبر موقع إلكترونيّ فعّلته الوزارة هذا العام؛ ليستطيع كلّ طالب وأسرته أنْ يتابع تصحيح اختباراته مباشرة بفضل شفرة إلكترونية ورسائل هاتفيّة نصيّة تنبّهه عند بدء سحب ورقة إجابته من المحتوى الإلكترونيّ العامّ، ليقوم الطالب بعدها بدخول الموقع وإدخال رقمه السريّ واسمه، ممّا يمكّنه من متابعة تصحيح إجاباته فقط.

   كانت وجوه المصحّحين لا تظهر على الشاشة، وإنّما تظهر أياديهم Ù€ التي تكون مرتعشة أحيانًا Ù€ وهي تمسك بزرّ التحكّم لتختار الدرجة التي يراها المصحِّح مناسبة للإجابة التي تظهر أمامه، وعندما انتهى المصحِّح الأول من تقدير درجات الطالبة تقى في فرع المطالعة، ظهر على الشاشة كلام مكتوب هو ” أنجز المصحّح الأوّل تقدير درجات فرع المطالعة، وبانتظار القيام بالمهمّة نفسها من المصحّح الآخر”ØŒ وعندما انتهى المصحّح الآخر من القيام بالمهمّة نفسها ظهر على الشاشة أيضًا كلام مكتوب هو: ” أنجز المصحّح الآخر تقدير درجات الطالبة في فرع المطالعة، ولأنّ هناك اختلافًا في تقدير درجة أحد الأسئلة بين المصحّحيْنِ، فإنّ تقدير درجة ذلك السؤال سيُحوّل إلى المحكِّم ليحسم الأمر”.

   كان هذا المشهد هو ما آلت إليه أحداث مساء الأمس، وقد تبيّن للأسرة أنّ إجابات تقى عن أسئلة فرع المطالعة قد صحّحها معلمون وليس معلمات؛ لأنّ مراكز التصحيح للمعلمات تعمل صباحًا، وليس مساءً، وهذا ما جعل محمودًا يستغلّ الفرصة ليثير قلق أخته، بأنْ ذكر لها أنّ المعلمين متشدّدون، ولن يرحموا من لا يأتي بإجابة نموذجيّة متكاملة، بينما أخذ الأب يطمئنها، ولكنّه أظهر تخوّفًا من التعب والإرهاق الذي سيصيب المصحّحين، وختم كلامه لها بأمل أن يكون المحكِّمون في قمّة تركيزهم؛ ليقوموا بتصويب أخطاء المصحّحين غير المقصودة.

     أظهرت تقى كثيرًا من الغضب على المصحّح الآخر لأسئلة فرع المطالعة؛ لأنّه قدّر لها درجة صفر للسؤال الرابع من أسئلة فرع المطالعة، بينما كان المصحّح الأول قد قدّر لها درجتين لذلك السؤال، لقد كان مجموع درجاتها في فرع المطالعة خمس عشرة درجة على حسب تقديرات المصحّح الأوّل، وهي درجة كاملة غير منقوصة، ولذا فهي ظلّت تترقّب يوم أمس أن يُحوَّل ذلك السؤال المختلف في تقدير درجته إلى المحكِّم، ولكنّ ذلك الأمر لمّا يتحقّق بعد.

   صباح هذا اليوم كان المشهد نفسه تقريبًا يسيطر على بيت أحمد، فتقى هي أوّل من تسمّر أمام تلك الشاشة، وشرعت في فتح الموقع الإلكترونيّ للتصحيح قبل الموعد بنصف ساعة، أي في الساعة السابعة والنصف، فهي لا تعتمد على الرسائل النصيّة التي تخبرها بشروع أحد المصحّحين في تصحيح إجاباتها؛ لأنها  Ù„ا تثق كثيرًا في شركة الاتصالات، وتظنّ أنّ تلك الرسائل النصيّة ربّما تتأخر، والتحقت بها الأمّ وأبناؤها الثلاثة، بينما كان محمود كعادته في الصالة الأخرى المفتوحة على الصالة الكبرى، يستمع إلى بعض الأناشيد من جهاز الكمبيوتر، وبين فينة وأخرى يرسل رسائل هجوميّة إلى تقى بأنْ يقول لها: خلاص درجتين عادن طارن، يعني درجتي فرع المطالعة، وهي تردّ عليه: بعده شيء محكِّم هيرجّع لي حقّي، لأنّه ذاك المصحّح يمكن مرهق وما مركِّز.

    عند الساعة الثامنة صباحًا، وهو الوقت الرسميّ لبدء التصحيح الصباحيّ، ظهرت على الشاشة جملة: ” في انتظار قيام أحد المصحّحين أو المحكِّمين بتصحيح إجاباتك “ØŒ ظلّت هذه الجملة تتراقص على الشاشة بين ظهور واختفاء لمدّة نصف ساعة، ثمّ تغيّر المشهد، فظهرت يد تمسك بشدّة بزرّ التحكّم، وظهرت على شاشة جهاز التصحيح إجابة تقى عن السؤال الرابع من أسئلة فرع المطالعة، وظهرت عبارة أسفلها: ” قام محكِّم فرع المطالعة باختيار ورقة إجابتك لمراجعتها “ØŒ أخذت الأستاذة المحكِّمة تمرّر المؤشّر على إجابة تقى ذهابًا وإيابًا، وكأنّها تقرأها ببطء وتأني؛ لتستطيع التوفيق بين تقديرين متباعدين للدرجات، كانت تقى حينها في ترقّب وقلق، ماذا ستفعل هذه الأستاذة؟ وأيّ التقديرين ستختار؟ لماذا تأخرت؟ ماذا تنتظر إذن؟ هيّا.

    تحرّك المؤشّر إلى الجانب الأيمن من الجهاز، حيث المربّع الذي فيه الدرجات، واختار التقدير الأعلى منها، لقد حكمت الأستاذة المحكِّمة بأنّ إجابة الطالبة تقى صحيحة مكتملة، وتستحق درجتين كاملتين متّفقة في ذلك مع المصحّح الأول، وهكذا أصبحت درجات تقى مكتملة في فرع المطالعة.

   تنهّدت تقى بقوّة، وقالت: الحمد لله، بينما انطلق حمد كالصاروخ؛ ليخبر محمودًا بما حدث، وشرعت الأمّ تتصل بأحمد الموجود في متجره الخاصّ ببيع الجواهر؛ لتبشّره باكتمال درجات ابنتهما في فرع المطالعة.

   ترك محمود مكانه، والتحق بالجماعة في الصالة وهو يخاطب تقى قائلًا: هذا سؤال المطالعة وكنتي مجاوبة خطأ، ولكن ساعدوش، فكيف عاد بقيّة الفروع؟ أكيد هناك أخطاء كثيرة، فأجابته تقى بقوّة وثقة: هآي، أصلًا بقية الفروع أسئلتها واضحة ومجاوبة عليها كلّها إجابات نموذجية، وما أحد يستطيع ينقّص عليّ درجة واحدة.

Related posts

Leave a Comment