باعة النقد، للدكتور السيد شعبان جادو

إن يكن عجب فهو من الذين امتهنوا الكتابة عن هذا أو عن تلك يخرجون خبء النص كأنهم يفكون طلاسم الأساطير الأولى ظانين أنهم أتوا بما لم يستطعه الأوائل، بلغ بهؤلاء أن ارتزقوا بالنقد في عصر كل شيء فيه يخضع لحسابات السوق والمعاملات المالية. وما كان الفن إلا دربة ومهارة لا شفاعة عند ذوي القربى، يكتب أحدهم نصا أشبه بخليط مما يخطه الصبيان فترى أحدهم ينبري ويحشد مفرداته المخاتلة وقوالبه المسكوكة التي توضع عند مداخل الأبنية مما يخدع المارين بأن ثمة طعاما وماهو إلا رغيف متسول من كل صنف وعلى أي شكل، تنظره فتراه مديحا يتراقص، أعجب من هذه التي تملأ الصحف بقصص عن ثيابها وزركشة ألوانها وبراعة حاجبيها ونعومة خديها ما يشعرك بأنك أمام مرآة لا في محضر نصوص سردية تحتاج دقة وحسن تأتي لمآلات النصوص ودلالاتها، وقد نتساءل هل يعود نقد العقاد أو المازني سيرة ومنهجا أم ترانا نتباكى على ماض تولى؟ ونعود إلى هذا الذي يدعي الشعر يراقص خيال المآتة ويذهلك منه صور مستهلكة وأبيات يدعي جدتها وأنه أتى بالتراكيب المبهرة والأخيلة المدهشة، ومنهم صنف يقلدون ولايجددون في صورة عقيمة لمنجز الآخر، ومانزال نبحث مع أعلام النقد المنهجي عن نظرية نقدية عربية، وهذه مقولة تحتاج تدقيقا فالفن لاقومية له غير قواعد عامة. وحين راجعت مقولات من يدعون النقد وجدتهم يتكففون الناس ويسألونهم بعض مال يملأون به جراب الحاوي ويعودون وقد انتفخوا رياء. وفي الصحف والمجلات مقالات تنشر أي شيء يسود بياضها حتى يستكتبوا من قصرت به مادته أو جامل في تعليق أو مقالة. هذه صورة من آفات الحياة الأدبية لاتقتصر على الصحف بل تتعداها إلى أروقة الجامعات ومحافل النوادي الأدبية، يراك أحدهم تابعه فيعمي على مقولتك ويحظر رأيك إلا أن تكيل له المدحة رواء وطلاء لا متابعة ومناقدة ومثاقفة، لعل الزمن يجود بآخرين يمسكون بمبضع الجراح في رتقة الصائغ وقد استوعب واستفرغ الجهد حسبة للفن لا كذبة بلقاء فوق منبر يعتليه ألف زياد! يستدعي المشهد الأمناء الذين يقدمون عطاء متميزا لايريدون عرض الأدنى. وثالثة الأثافي من احتوشوا الدرس فوق مقاعدهم الوثيرة بالجامعة يحسبونها قصرا عليهم، يمسكون بمفاتيح من صنع أيديهم فيحلون لهذا الإبداع ويحرمون بغير دليل ولا مذهب غير المرايا مقعرة كانت أو محدبة. هل بتنا في منافي بجزر منعزلة في بحر الظلمات يغشانا موج من فوقه سحاب؟ أم ترانا نقرع الأجراس محذرين من غثاء يلف ويعمي ويصم؟ تلك مقالة عساها تجد ممن يرجون للنقد رصانة وللإبداع تميزا.

Related posts

Leave a Comment