الأربعاء الساعة السادسة صباØا. Ùقدنا الاتصال بهذه المنطقة! Ùقد تعطلت الأقمار الصناعية، ولا سبيل إلى التواصل مع المقيمين على هذه الجزيرة.
- ما العمل إذًا؟ Ùالتقرير دقيق وخطير…
- لا سبيل إلا أن نرسل إليهم رسالة بالطرق التقليدية، ينقلها Ø£Øد رجالنا ÙÙŠ أسرع وقت؛ Ùلابد من أن يتخذوا قرارهم ÙÙŠ غضون يومين من الآن.
- كم يستغرق ذلك من الوقت؟
- بالطائرة العمودية … عشر ساعات تقريبا.
- إذًا … لا ØÙ„ سوى ذلك… الآن … Ùورًا.
- الجو صØو، والشمس ساطعة، وظلال الأشجار ØªÙ…Ø±Ø Ø¹Ù„Ù‰ الروض النضير، وتأبى الظلال إلا أن تطاردَ كمثل٠القطÙÙ‘ خيوطَ الشمس على الأرض؛ لتÙبقيَها طائرةً ما بين أوراق الشجر، أو Øاطَّةً على أوراقه العليا …
الساعة الرابعة عصرا، وصلت الطائرة إلى الشاطئ… يقÙز الرجل إلى الخارج، أين عمدة الجزيرة؟ … Ùتتعثر قدمه المسرعة ببعض الØÙر، ويسقط على الأرض، يقوم مسرعا – كأن شيئا لم يكن – غاÙلا عما أصاب ثيابه …
- أهلا وسهلا ومرØبا بك ÙÙŠ جزيرتنا.
- أهلا بك … جئتكم برسالة ÙÙŠ غاية الأهمية … تÙضل سيادة العمدة!
- ما هذه الرسالة؟ … ÙŠÙتØها وقد ارتسم الÙضول باديا على تعبيرات وجهه، ويشرع ÙÙŠ قراءتها …
- أمامكم أقل من يومين … سيادة العمدة …
يختلس العمدة النظر إلى الرجل، ÙÙŠ أثناء قراءته الرسالة، ويقول ÙÙŠ Ù†Ùسه: ما هذا الأَسْوَد٠الذي جاءنا كالغراب الناعق؟ ألم يجدوا خيرا منه ليرسلوه إلينا؟ وما هذه القذارة على ثوبه؟ ألا ÙŠÙهمون ÙÙŠ تقاليد السÙراء والمبعوثين؟ كي٠يدخل شخص بهذه القذارة على عمدة؟
وما هذا الكلام الذي لا معنى له؟ من قال هذا الكلام؟ ثم يوجه كلامه إلى الرجل … سننظر ÙÙŠ الأمر.
- سيادة العمدة … نستطيع المساعدة، ونمد لكم يد العون، ÙˆÙÙŠ انتظار أوامركم …
- لا … لا … شكرا على أية Øال … سنتخذ التدابير الممكنة.
يستأذن الرجل ÙÙŠ الرØيل، وعلى وجهه سمات الارتياØØŒ كأنه قد Ùاز ÙÙŠ سباق٠عَدْوÙØŒ أو انتصر ÙÙŠ معركة ما كان ÙŠÙرجى منها غير٠الهزيمة … موجها ناظريه إلى السماء كأنه ÙŠÙشهدها، أو يشكرها، أو هما معا.
وقد شرد العمدة، ولم ينتبه إلى مغادرة الرجل، يقلب بصره ÙÙŠ الرسالة، ويرجع إليها البصر، كرَّات٠وكرَّات٠… ما هذا الهراء؟ من أين لهم بهذه المعلومات؟ لو كانت هذه المعلومات صØÙŠØØ©ØŒ لما غابت عنا Ù†Øن؛ ÙÙ†ØÙ† أولى منهم بمعرÙØ© هذه الأمور. لعلهم يريدون منا أن نترك أرضنا … لا … لن نمكنهم من ذلك. أو لعلهم ÙŠØسدوننا على ما Ù†ØÙ† Ùيه من نعمة، وأمن، ورخاء؛ Ùأرادوا أن تزول عنا أو أن نزول عنها.
لا … لن أمكنهم من مآربهم الخبيثة، أيظنون أننا بهذه السذاجة؟ ومن أدراني أن هذا القذر صادق Ùيما تزعم رسالته؟
وتدخل عليه ثلة من رجاله وخاصته… ما الأمر؟
- رسالة! يقولها مستهزئا … رسالة!
- ممن هذه الرسالة؟ وهل ثمة أمر خطير؟
- يهم العمدة بالرد … ثم يتردد ويصمت ثم يغمغم ويشرد … هل أخبرهم؟ أم أتريث ÙÙŠ الأمر؟
- اليوم يوم عيدنا، يوم Ø§Ù„Ù…Ø±Ø ÙˆØ§Ù„Ø§Ø³ØªÙ…ØªØ§Ø¹ … نرجو ألا ÙŠÙسد شيء ÙرØتنا، Ùالناس ينتظرون ÙÙŠ الخارج؛ لنبدأ ØÙلنا السعيد.
يخرج معهم العمدة، يتØرك بينهم ممسكا الرسالة بيده اليسرى، ÙˆÙكره شارد ÙÙŠ أعدائه، أعدائه هو، لكن لا يقال الأمر هكذا ÙÙŠ عالمنا، بل قل: هو شارد ÙÙŠ أعداء الجزيرة الذين لا يريدون لها استقرارًا، ولا يؤلون جهدا ÙÙŠ Ù…Øاولة زعزعة أمنها وتكدير سلمها…
الجمهور ÙÙŠ Øركة نشطة، يتأهبون للاØتÙال… Ùخرج العمدة ليدشن اØتÙالهم، Ùظن الناس أنه سيقرأ كلمته مما ÙÙŠ يده، لكنه بدأ كلمته وأنهاها، دون أن ينظر إلى ما ÙÙŠ يده، مما أثار إعجاب المعجبين: يا Ù„ÙصاØØ© العمدة! يا لبلاغته وإيجازه! بداهة، Ùطرة، طبعا لا تصنعا، Ùلا Øاجة له إلى الاستعانة بما كتبه له الكاتبون، أرأيتم! Ùهو الخطيب البليغ المÙوه.
عاد العمدة إلى مَلَئÙه٠وتساؤلاتهم عن الرسالة، وهو ما زال مترددا بين الكتمان والتصري؅ Øتى سقط ÙÙŠ شباك سمعه قول واØد منهم للآخر: خمÙّن ما ÙÙŠ هذه الرسالة! ما بها؟ خمن … خمن … خمن … ظلت الكلمة يتردد صداها ÙÙŠ عقل العمدة: خمن … خمن … خمن …
ولم لا؟ ماذا لو خمنوا؟ هذا يعطيني وقتا كاÙيا كي Ø£Ùكر ولا Ø£ØµØ±Ø Ø¨Ø´ÙŠØ¡ Øتى أستقر على رأي … وعندئذ وجَّه كلامه إلى السائل:
ماذا تقول؟ هل تستطيع أن تخمن؟ … Øقا؟ خمن إذًا!
وتركهم وذهب إلى مكتبه، وأشعل سيجارا … وسأل Ù†Ùسه: ما أنت Ùاعل؟ أتÙمزÙّق الرسالة وينتهي الأمر؟ أم تÙصرÙÙ‘Ø Ù„Ù‡Ù… بهذا الهراء؟ ماذا …ØŸ
ثم استدعى Øاجبه وقال له: استدع مستشاري الخاص Øالا! … …
يدخل عليه مستشاره مهرولا Ù…Øييا إياه، وبإشارة من يد العمدة يقعد عن يمينه … وها هي الرسالة ترتÙع بيده الأخرى، وتتوجه إلى المستشار … لاØظ المستشار علامات الانزعاج والقلق على العمدة، ÙˆÙطن بدهائه إلى عدم تصديقه لهذه الرسالة، Ùقال له: أظن سيادة العمدة أن هذه الأكاذيب ستنÙØ¶Ø Ø¨Ø¹Ø¯ أقل من يومين، وعندئذ سيتأكد الجميع من ØصاÙØ© رأيكم ودقة نظركم … وقد لاØظ انÙراجة بشاشة ÙÙŠ وجه العمدة ترØيبا بما قال … Ùتشجع قائلا: لن تخدعنا هذه الأكاذيب … وإن كان الأمر كما تزعم هذه الرسالة، Ùلماذا لم يأتك كبار المسئولين؟ Ùمقامك يستدعي هذا، لا أن يرسلوا إليك ذاك القميء؟ أو لعل هذا الزنجي كاذب، أو مدÙوع علينا من أعدائنا … كي يستولوا على الجزيرة دون مقاومة، أو لعلها مؤامرة من الداخل كي ينزعوا الملك منك.
- وماذا عن الملأ ممن يسألون عما ÙÙŠ الرسالة؟
- Ùكرتك عبقرية سيادة العمدة ÙÙŠ موضوع التخمين، Ùهذا ÙÙŠ الØقيقة عمل الÙلاسÙØ© … دعهم يتخيلون ويØدسون، Øتى ينتهي اليومان، بل واجعل لهم جائزة على Ø£Ùضل Øدس، وأدق تخمين، ونضرب عصÙورين بØجر واØد، نشغلهم عن Øقيقة الرسالة من ناØية، ÙÙ†ÙÙˆÙّت على أعدائنا خدعهم، ومن ناØية أخرى Ù†ÙوقÙع ÙÙŠ Ùخنا هذا مَنْ يقترب Øدسه من مضمون الرسالة، Ùهو إما جاسوس أو معارض لكم من أعداء الداخل، وبذلك نطهر الجزيرة من أمثال هؤلاء، ونستأصل شأÙتهم، ثم نكرÙّم صاØب Ø£Ùضل أكذوبة تصب ÙÙŠ صالØنا Ù†Øن، ثم نمزق الرسالة، ونستبدل بها ما يواÙÙ‚ مصالØنا. يهش العمدة ويبش من رجاØØ© عقل مستشاره ومÙكره، ثم يخرج على الملأ:    Â
ما رأيكم ÙÙŠ أن يخمن كل منكم ما بهذه الرسالة؟ Ùالتخمين عمل الÙلاسÙØ©ØŒ وتكون للمبدع جائزته ÙÙŠ منصب نائب العمدة، … ولنستمر ÙÙŠ اØتÙالنا وسمرنا، وأمامكم ست وثلاثون ساعة، لإعلان الÙائز.
- ما هذا الكلام سيادة العمدة؟ الرسالة ÙÙŠ يدك … اقرأها علينا وتنتهي المشكلة الآن. لماذا تهدر أوقاتنا؟ وتضيع Ùرصة الانتÙاع بما Ùيها إن كان خيرًا، أو تجنب ما Ùيها إن كان شرًّا؟
تغير وجه العمدة، ونظر إلى مستشاره، Ùلم يكن يتوقع ردا من هذا القبيل. وبنظرة إلى مستشاره ÙÙŽÙ‡ÙÙ…ÙŽ كل منهما الآخر … هذا أول Ù…ÙنْدَسÙÙ‘ بيننا … وأول من ستناله الجائزة الØقيقية التي لا يعلمها إلا أنا وأنت … هذا Ùيما بعد، أما الآن Ùكي٠نخرج من هذه الورطة التي ورطنا Ùيها ذاك الخبيث المجترئ؟ … لكن ورطة العمدة لم تدم إلا قليلا … Ùقد انبرى عدد غير قليل من مَلَئÙه٠بالتهكم على رأي القائل، وبالرد نيابة عن العمدة، قائلين:
إنها لمتعة من ناØية، وعبقرية من ناØية أخرى، ألا تَÙْتَØÙŽ رسالةً هي بين يديك، وتتركها مغلقة، ثم تخمن ما Ùيها، وهذا ما ÙŠÙعله الÙلاسÙØ©ØŒ ونØÙ† لسنا بأقل منهم، ÙÙكرة العمدة Ùكرة إبداعية ممتعة، بل Ù†ØÙ† بعقولنا لسنا بØاجة إلى التبعية إلا لها، ولنكن متبوعين لا تابعين. وإذا نجØنا ÙÙŠ ذلك Ùسنعلن موت الرسالة، Ùلتبق مغلقة، أو ممزقة، ولتبق عقولنا Ù…ÙتوØØ© أو هادية.
هش العمدة وبش مستشاره لهذا الكلام المتناغم مع آرائهما والذي بدا كأنه صادر عن اقتناع صاÙØŒ لا كَدَرَ Ùيه للعمدة أو لمستشاره.  Â
ÙØ£ÙØْكÙÙ…ÙŽ بذلك طيÙÙ‘ الرسالة وأطْلÙÙ‚ÙŽ العنان للعقول السارØØ© ÙÙŠ خيال الظنون، كلٌّ على قدر تØليقه، أو اقتدار ناظريه وتدقيقه.
بقي من الموعد المضروب أربع وثلاثون ساعة، انبرت Ùيها العقول وتبارت Ùيها الخيول، علها تنال الجائزة … ويا لها من جائزة لو كانوا يعلمون.
Ùمن قائل: هي قصيدة Ù…Ø¯Ø Ø§Ù„Ø¹Ù…Ø¯Ø©ØŒ أو قصيدة غزل ÙÙŠ زوج العمدة، Ø£ÙرÙيدَ لها التلØين، والغناء.
ومن قائل: هي قائمة بأسماء الØاصلين على جوائز الجزيرة التقديرية والتشجيعية، واللاÙت للنظر أن اسم صاØب هذا الرأي كان على رأس قائمة المكرمين، وكانت أسماء أعدائه خارجها.
وقائل: هي إعلام بزيادة الرواتب والمعاشات إلى ثلاثة أضعا٠ما هي عليه الآن.
وقائل: هي دليل على خيانة Ùلان للجزيرة، خيانة عظمى، وهذا قرار إعدامه.
وقائل: هذه الرسالة تأييد من قوة عظمى للعمدة، ومن أجل Øماية الجزيرة من أعدائها.
وقائل: هي إعلان وإعلام بموت ما يسمى قوة عظمى، أو خراÙØ© ما يسمى قوة عظمى، وإيذان ببعث الØرية التي تجعل من أنÙسنا Ù†ØÙ† قوة عظمى.
وبينما هم يقرءون ما كتبه المخمنون إذ دقت الساعة السادسة ØµØ¨Ø§Ø ÙŠÙˆÙ… الجمعة، إيذانا بانتهاء الموعد المضروب … ونظر العمدة إلى مستشاره وابتسم ابتسامة المنتصر، وهز المستشار رأسه تأكيدا …
يا لك من عبقري أيها العمدة … وتعالت الضØكات، وترددت أسماءٌ … هؤلاء … هؤلاء لا ينبغي تركهم يعبثون … وسيرون مع من يلعبون، وسيعلمون أينا أشد بأسا وأشد تنكيلا … خمور تÙسكب، وكؤوس تÙقرع، اØتÙاء واØتÙالا …
وإذا Ø¨Ø§Ù„Ø±ÙŠØ ØªØ¹ÙˆÙŠ من بعيد، وهاجت الأمواج كالجبال تتجه إلى الجزيرة كالقطارات المسرعة، وانخلعت الأشجار وطارت جبال الموج ØªÙƒØªØ³Ø ÙƒÙ„ شيء، لا تبقي ولا تذر، لا بشرًا ولا Øجرًا إلا أشلاءً ÙˆØطاما متناثرة تØت جبال الأمواه العاتية، ÙÙŠ ثوان معدودة صار كل شيء لا عينا ولا أثرًا. لا شيء سوى الأمواه، لا شيء Øيًّا، لا شيء … ثم هدأت Ø§Ù„Ø±ÙŠØ Ø«Ù… طال هدوؤها، ثم Ø·Ùت أشياء٠كثيرة على وجه الماء، بعيدا بعيدا، خشب وورق وجثث، من بينها ورقة كالقارب، ظهرÙها إلى الماء وصدرها إلى الشمس والهواء، وقد Ø®Ùطّ Ùيها:
“Ù†Øذركم – بناء على علمنا ودراساتنا المتقدمة – من تسونامي شديد السرعة والخطورة،
سيصل إلى جزيرتكم ÙÙŠ غضون يومين تقريبا، أو أقل،
وعليكم الابتعاد عن الجزيرة ÙÙŠ أسرع وقت …
… …. … القوة العظمى “.