خطبة عائشة في أبي بكر وعمر، رضي الله عنهم أجمعين!

بَلَغَ عَائِشَةَ أَنَّ أَقْوَامًا يَتَنَاوَلُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَزْفَلَةٍ مِنْهُمْ، فَلَمَّا حَضَرُوا سَدَلَتْ أَسْتَارَهَا، ثُمَّ دَنَتْ، فَحَمِدَتِ اللَّهَ، وَصَلَّتْ عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ!- وَعَذَلَتْ، وَقَرَّعَتْ، ثُمَّ قَالَتْ:
“أَبِي، وَمَا أَبِيَهْ! وَاللَّهِ لَا تَعْطُوهُ الْأَيْدِي! ذَاكَ طَوْدٌ مُنِيفٌ، وَفَرْعٌ مَدِيدٌ. هَيْهَاتَ! كَذَبَتِ الظُّنُونُ! أَنْجَحَ إِذْ أَكْدَيْتُمْ، وَسَبَقَ إِذْ وَنَيْتُمْ، [سَبْقَ الْجَوَادِ إِذَا اسْتَوْلَى عَلَى الْأَمَدِ]! فَتَى قُرَيْشٍ نَاشِئًا، وَكَهْفُهَا كَهْلًا، يَفُكُّ عَانِيَهَا، وَيَرِيشُ مُمْلِقَهَا، وَيَرْأَبُ شَعْبَهَا، حَتَّى حَلِيَتْهُ قُلُوبُهَا، ثُمَّ اسْتَشْرَى فِي اللَّهِ، فَمَا بَرِحَتْ شَكِيمَتُهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ -تَعَالَى!- تَشْتَدُّ، حَتَّى اتَّخَذَ بِفِنَائِهِ مَسْجِدًا، يُحْيِي فِيهِ مَا أَمَاتَ الْمُبْطِلُونَ -وَكَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، غَزِيرَ الدَّمْعَةِ، وَقِيذَ الْجَوَانِحِ، شَجِيَّ النَّشِيجِ- فَتَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسْوَانُ مَكَّةَ وَوِلْدَانُهَا، يَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ -[اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ]- فَأَكْبَرَتْ ذَلِكَ رِجَالَاتُ قُرَيْشٍ فَحَنَتْ لَهُ قِسِيَّهَا، وَفَوَّقَتْ لَهُ سِهَامَهَا، وَانْتَبَلُوهُ غَرَضًا، فَمَا فَلُّوا لَهُ صَفَاةً، وَلَا قَصَفُوا لَهُ قَنَاةً، وَمَرَّ عَلَى سِيسَائِهِ، حَتَّى إِذَا ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ، وَأَلْقَى بَرْكَهُ، وَرَسَتْ أَوْتَادُهُ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِيهِ أَفْوَاجًا، وَمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ أَرْسَالًا وَأَشْتَاتًا، اخْتَارَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ، وَسَلَّمَ!- مَا عِنْدَهُ. فَلَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ نَصَبَ الشَّيْطَانُ رِوَاقَهُ، وَمَدَّ طُنُبَهُ، وَنَصَبَ حَبَائِلَهُ، فَظَنَّ رِجَالٌ أَنْ قَدْ تَحَقَّقَتْ أَطْمَاعُهُمْ، وَلَاتَ حِينَ الَّذِي يَرْجُونَ، وَأَنَّى وَالصِّدِّيقُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَقَامَ حَاسِرًا مُشَمِّرًا، فَجَمَعَ حَاشِيَتَهُ وَرَفَعَ قُطْرَيْهِ، فَرَدَّ نَشْرَ الْإِسْلَامِ عَلَى غَرِّهِ، وَلَمَّ شَعَثَهُ بِطِبِّهِ، وَأَقَامَ أَوَدَهُ بِثِقَافِهِ، فَدَقَّ النِّفَاقَ بِوَطْأَتِهِ، وَانْتَاشَ الدِّينَ فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا أَرَاحَ الْحَقَّ عَلَى أَهْلِهِ، وَقَرَّرَ الرُّؤوسَ عَلَى كَوَاهِلِهَا، ÙˆÙŽØ­ÙŽÙ‚ÙŽÙ†ÙŽ الدِّمَاءَ فِي أُهُبِهَا- أَتَتْهُ مَنِيَّتُهُ، فَسُدَّ ثَلْمُهُ بِنَظِيرِهِ فِي الرَّحْمَةِ، وَشَقِيقِهِ فِي السِّيرَةِ وَالْمَعْدَلَةِ، ذَاكَ ابْنُ الْخَطَّابِ -لِلَّهِ أُمٌّ حَمَلَتْ بِهِ، وَدَرَّتْ عَلَيْهِ؛ لَقَدْ أَوْحَدَتْ بِهِ!- فَفَنَّخَ الْكَفَرَةَ وَدَيَّخَهَا، وَشَرَّدَ الشِّرْكَ شَذَرَ مَذَرَ، وَبَعَجَ الْأَرْضَ وَبَخَعَهَا، فَقَاءَتْ أُكْلَهَا، وَلَفَظَتْ خَبِيئَهَا، تَرْأَمُهُ وَيَصْدِفُ عَنْهَا، وَتَصَدَّى لَهُ وَيَأْبَاهَا، ثُمَّ وَرِعَ فِيهَا، وَوَدَّعَهَا كَمَا صَحِبَهَا. فَأَرُونِي مَا تُرِيبُونَ، وَأَيَّ يَوْمٍ تَنْقِمُونَ: أَيَوْمَ إِقَامَتِهِ إِذْ عَدَلَ فِيكُمْ! أَمْ يَوْمَ ظَعْنِهِ وَقَدْ نَظَرَ لَكُمْ! أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ”!

Related posts

Leave a Comment