تقديم:
تنطلق ورقتنا البØثية الموسومة بــــ” الدراسات اللغوية والبلاغية المعاصرة وأثرها ÙÙŠ تØقيق الاجتهاد” من مسلمة العلاقة القوية بين الاجتهاد ÙÙŠ علوم الشريعة وبين علوم الآلة الخادمة التي أبدع ÙÙŠ بنائها وتقعيدها علماء اللغة والنØÙˆ والصر٠والبلاغة وغيرها، وذلك عبر تاريخ طويل من العطاء العلمي الإبداعي، ثم جاءت عهود التقليد والاجترار والجمود التي ألقت بظلالها على المجال اللغوي والبلاغي ؛كما خيمت سØابتها على مجالات علمية ومعرÙية أخرى ÙÙŠ التراث الإسلامي.
وقد تجددت أسئلة الإبداع والنهضة والاجتهاد ÙÙŠ العلوم الشرعية والÙكر الإسلامي منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقدمت مشاريع Ùكرية متعددة ÙÙŠ بلدان العالم الإسلامي؛ لأجل ابتعاث ملكة الاجتهاد ÙÙŠ الأمة، بما ÙŠØÙظ لها مصالØها العاجلة والآجلة، ويØقق سيرها على هدى القرآن الكريم والسنة المطهرة. وإن كانت بعض المشاريع الÙكرية المتقنعة بلبوس الØداثة اتجهت إلى جعل “الاجتهاد” سلاØا Ùتاكا للقضاء على صلة الأمة بالأدلة الشرعية ووسائل الاجتهاد المقررة، عبر تقديم تصورات ونظريات هي أقرب إلى التراث الغربي منها إلى التراث الÙقهي والأصولي واللغوي الإسلامي.
ونظرا لدقة وخطورة هذه المرØلة الØضارية الØالية التي تجتازها أمتنا، Ùإننا نتطلع إلى إثارة سؤال التجديد ÙÙŠ النظر إلى “علوم الآلة” ومنزلتها من عملية الاجتهاد؛ التي تظل مطلبا عزيزا ÙÙŠ Øاضرنا ومستقبل ÙˆØدتنا وعزتنا وقوتنا.
نسعى -من خلال ورقتنا البØثية- إلى تقديم نموذج ÙŠØµØ·Ù„Ø Ø¹Ù„ÙŠÙ‡ “تØليل الخطاب”Ø› وهو Ø£Øد Ùروع الدراسات اللسانية والبلاغية المعاصرة، التي استعان بها ثلة من الباØثين ÙÙŠ مضمار مقاربة الخطاب القرآني خصوصا -والوØÙŠ عموما- بطرائق متنوعة وخلÙيات معرÙية متعددة. وقد بني هذا الاتجاه اللساني التداولي على أسس ومرجعيات معلومة، كما Ø£ØµØ¨Ø ÙŠØ¹ØªÙ…Ø¯ على Ù…Ùاهيم وطرائق Ù…Øددة.
إننا معنيون ÙÙŠ هذه الورقة البØثية بدراسة وتØليل إشكالية يمكن أن نصوغها ÙˆÙÙ‚ ما يلي:
• هل ثمة إمكانات لإÙادة المجتهدين ÙÙŠ علوم الشريعة من علوم اللغة المستجدة مثل التداولية ونظريات تØليل الخطاب؟
لقد اخترنا مقاربة هذه الإشكالية من خلال المØاور التالية:
• المرجعيات الثلاث للتØليل الØجاجي: يتضمن بيان المرجعيات البلاغية والمنطقية والتداولية.
• الاجتهاد وتØليل الخطاب.
• خاتمة: خلاصات البØØ«.
ومما يجدر التأكيد عليه أننا لم نشأ أن نقدم نماذج من الدراسات المعاصرة التي اشتغلت بالخطاب القرآني موظÙØ© آليات ووسائل تØليل الخطاب؛ لانصرا٠نظرنا هنا إلى بيان أهمية وضرورة الإÙادة من الدراسات اللغوية المعاصرة ÙÙŠ عملية الاجتهاد الشرعي (1)
• المرجعيات الثلاث للتØليل الØجاجي:
يبدو لنا اختيار روث أموسي Ruth Amossy صائباً Øينما عمل على تØديد الأسس التي انبنى عليها التØليل الØجاجي للخطاب(2)ØŒ والتي أسهمت -عبر تاريخ طويل- ÙÙŠ بلورة توجهاته، ومواضع اشتغاله، وطبيعة المقاربات المتخذة لمعالجة الظواهر والقضايا. تلك الأسس والمرجعيات التي أسهمت ÙÙŠ انبثاق وتطور التØليل الØجاجي هي – ÙÙŠ نظر أموسي Amossy- المتمثلة ÙÙŠ الأسس البلاغية والمنطقية والتداولية.
• المرجعية البلاغية للتØليل الØجاجي:
تطورت المÙاهيم والتصورات المسندة إلى الØجاج والبلاغة معاً ÙÙŠ Øضن المنظومات الÙلسÙية الأÙلاطونية والسÙسطائية والأرسطية، مع ما كان لهما من اتصال أو انÙصال عن إجراءات الجدل والبØØ« عن الØقيقة ومÙاهيم المØتمل والممكن والضروري وما إلى ذلك.
ÙÙÙŠ البلاغة الأرسطية كانت الأنواع الخطابية مشتقة من الأوضاع الØجاجية التي ينخرط Ùيها المتكلمون والمستمعون، Ùتجري بينهم تÙاعلات لغوية إما على سبيل الثناء والتعظيم أو الذم (يكون الخطاب ÙÙŠ هذه الØالة اØتÙالياً)ØŒ وإما على سبيل النظر ÙÙŠ دعوى قضائية (يكون الخطاب هنا قضائياً)ØŒ وإما على سبيل تØديد سياسة مستقبلية لمعالجة شؤون المدينة (ÙÙŠ هذه الØالة الأخيرة يكون الخطاب تشاورياً). ÙˆÙÙŠ الأنواع الخطابية المذكورة جميعاً كانت البلاغة Rhétorique Ùناً لغوياً موجهاً لإقناع جمهور معين خارج دائرة الØقيقة المطلقة.
لكن التاريخ المتØرك للبلاغة لم ÙŠØ³Ù…Ø Ù„Ù„ØªÙاعل الØجاجي أن يظل ÙÙŠ الصدارة Øيث يتلازم القول والاستدلال، ويبتعد المتخاصمون عن سياج الØقيقة الواØدة، ويتمسكون Ùقط بأسوار المØتمل والممكن؛ ذلك أن البلاغة Ù†Ùسها انكمشت- ÙÙŠ مرØلة لاØقة- ضمن دائرة الصور الأسلوبية لتقترب من المجال الأدبي الذي يرنو إلى قيمة الجمال لا إلى قيمة العقل.
إنها مرØلة انØدار النظرية الØجاجية ÙÙŠ Øضن البلاغة التي امتدت من نهاية الإمبراطورية الرومانية إلى أواسط القرن العشرين. Ùقد تØولت البلاغة إلى نظرية الصور الأسلوبيةfigures de styleوتقلص الجزء الØجاجي تدريجيا بÙعل تأثير Ø§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø Ø§Ù„Ù…ØªÙ†Ø§Ù…ÙŠ للبرهنة (ÙÙŠ العلوم الدقيقة والتجريبية) ÙˆÙلسÙØ© معينة للبداهة(3)
وبعد هذه المرØلة الثالثة -Øسب تبويب بروتون وغوتيي- عادت إلى البلاغة Ùعاليتها الØجاجية من خلال ما أنجزته “البلاغة الجديدة” لشايم بيرلمان وأولبريخت تيتيكاه، ÙتØول الاهتمام مجدداً إلى أنواع الØجج المستخدمة ÙÙŠ الخطاب، بناء على تقنيتي الوصل والÙصل. ÙˆÙÙŠ الوقت الذي Ø£Ù„Ø Ø¨ÙŠØ±Ù„Ù…Ø§Ù† على Øجاجية النوع الخطابي الاØتÙالي -من خلال إعادة النظر ÙÙŠ علاقته بمÙهوم الأدب- عمل على إبراز قوة الØجاج وتوسيع مجال اشتغاله(4).
• المرجعية المنطقية للتØليل الØجاجي:
تنتمي البلاغة الجديدة -كما هي نظريات الØجاج المعاصرة- إلى Øقل الÙلسÙØ©ØŒ Øيث تسعى إلى تقديم Ø¨Ø¯ÙŠÙ„ï€ Ù„Ù„Ù…Ù†Ø·Ù‚ الصوري. يميز بيرلمان – وهو وريث أرسطو بجدارة – ÙÙ† دÙع المتلقي Ù†ØÙˆ قبول أطروØØ© ÙÙŠ دائرة المØتمل عن المنطق، Øيث ينبغي للعمليات الصورية أن تقود إلى الØقيقة(5).
لقد Ùرض الاهتمام٠المتجدد٠– ضمن تيارات عديدة منها تيار البلاغة الجديدة وتيار التداولية المندمجة – بعمليات٠الاستدلال٠الØجاجي ومبادئه وتقنياته البØØ«ÙŽ عن تقابل ÙˆØ§Ø¶Ø Ù…Ø¹ المنطق الصوري، الذي ظل مجالا لدراسة الإجراءات الاستدلالية البرهانية الموصلة إلى الØقيقة، بالنظر إلى ما لهذا النوع المنطقي من اتصال وثيق بالرياضيات خاصة.
Ùمع انطلاق عقد السبعينيات من القرن الماضي برز ÙÙŠ أمريكا الشمالية اتجاه المنطق “غير الصوري” الذي اتخذ موضوعه – خلاÙاً للمنطق ذي الأصل الرياضياتي – من دراسة الاستدلال المستعمل ÙÙŠ الØياة اليومية، عبر تطوير أدوات لا ØªØ³Ù…Ø Ùقط بتØليل الØجج، لكن بتقييم هذه الØجج أيضاً(6) .
ثم كانت لأعمال جان بليز غريز ومركزه(7) الأهمية البارزة ÙÙŠ مضمار التعري٠بالمنطق الطبيعي Logique naturelle وصلته بالØجاج وسائر العمليات العقلية والمÙاهيم القريبة مثل الإقناع والاقتناع والتخطيط Schématisation. لقد سارت تلك الأعمال ÙÙŠ اتجاه التمييز بين مجال الØجاج ومجال البرهان على أساس أن التسلسلات المنطلقة من المقدمات prémisses إلى النتيجة – Øسب غزير– ليست ذات طبيعة واØدة ÙÙŠ الØجاج والبرهان؛ Ùبينما تعمل التسلسلات البرهانية على تØويل نظام القضايا، تØول التسلسلات الØجاجية القيم المعرÙية(8) .
انبنت هذه الرؤية على الÙكرة الواضØØ© لدى غريز بأن الØجاج يتØدد بوصÙÙ‡ مجموع الاستراتيجيات الخطابية لخطيب “Ø£” يتوجه إلى مستمع “ب” لغاية أن ÙŠÙعدل -بمعنى معين- Øكم “ب” على وضعية “Ùˆ”.(9) بعبارات أخرى، على المتكلم أن ÙŠØمل شريكه على قبول ما هو معروض عليه، ليس Ùقط بثنيه عن تبني خطاب مضاد (بهذا المعنى “يقبل” ما عرض عليه)ØŒ لكن بدÙعه أيضاً إلى إنتاج خطاب Ù…ÙؤيّÙد pro-discours (Øينئذ ينخرط Ùيما عرض عليه)(10) .
يشترك الطرÙان المتØاوران ÙÙŠ إقامة بناء ذهني على قاعدة المعار٠والمعطيات المتداولة ÙÙŠ المقام الاجتماعي الثقاÙÙŠØŒ المقبولة لديهما معاً بØكم الانتماء المشترك أو القدرة على توØيد الانتماءات تØت سماء المشترك الكوني. و« رغم أنه – ÙÙŠ الØقيقة – ثمة بناء تشاركي، Ùالمتكلم هو ÙÙŠ الواقع من يتØدث. ومن هنا يتوجب عليه إذاً أن يوجه خطابه بشكل تظهر Ùيه الموضوعات التي تساير اتجاه مشروعه، والتي ØªØ³Ù…Ø Ø¨Ø§Ø³ØªØ¯Ù„Ø§Ù„ معين وتستبعد آخر. توجد إذاً مصÙاة ضرورية للمسبقات الثقاÙية، تÙدار بوساطة زوج من العمليات؛ 1- العمليات التي تبني الموضوعات على شكل Ùئات من العناصر الملائمة؛ 2- عمليات التعيين التي تسند إليها خصائص لازمة requises ØŒ وتقيم بينها علاقات مناسبة لازمة ومناسبة ÙˆÙقاً لهذا القصد»(11).
ÙÙŠ هذا المنعط٠من الدراسة نستطيع أن نتساءل عن الØدود المشتركة بين نظرية البلاغة الجديدة لشايم بيرلمان ونظرية المنطق الطبيعي لجان بليز غريز، وعن المبادئ والأسس التي توÙرانها للتØليل الØجاجي الذي يسعى لمقاربة الخطابات والنصوص المختلÙØ©. نعلم أن الغوص ÙÙŠ تÙاصيل النظريتين أمر لا تتسع له هذه الصÙØات، وليس من جملة الرهان المعرÙÙŠ لهذا البØØ«ØŒ ونعلم بالقدر ذاته أن تقديم بعض Ø§Ù„Ù…Ù„Ø§Ù…Ø Ø§Ù„Ù…Ø³Ø§Ø¹Ø¯Ø© على تصور الجواب عمل مطلوب ÙÙŠ هذا السياق.
Ùإذا كان مستبعدا ÙÙŠ كل الØالات أن يلتبس منطق غريز الطبيعي ببلاغة بيرلمان الجديدة؛ Ùإنه لا يتبقى من ذلك أقل من كون هاتين النظريتين المعاصرتين تطوران- بتواز- كثيراً من المبادئ المؤسسة للتØليل الØجاجي. خلاÙاً للمنطق غير الصوري تتقاسم النظريتان Ùعلاً الÙكرة القائلة بأن الØجاج ليس استدلالاً مجرداً؛ لكنه خطاب يعرض ÙÙŠ وضعية تواصل تتضمن على الأقل شريكين اثنين. إن الØجاج خطابي ÙˆØواري، يصوغ طرائق النظر والتÙكير عبر مسارات تضع ضمن دائرة النقاش الصورة التي يشكلها شريكا التبادل بعضهما عن بعض، والمسبقات الثقاÙية (مقدمات منطقية، تمثلات..) التي يرتكز عليها التبادل(12).
يسعى بيرلمان -داخل إمبراطوريته البلاغية- إلى استرجاع الصلة بين البلاغة والمكون الØجاجي الذي سلبته منها Ùترة “انØدار النظرية الØجاجية ÙÙŠ Øضن البلاغة” كما أسلÙنا الØديث والوصÙØŒ مستلهماً الإرث الأرسطي، وموسعاً دائرة التØليل الØجاجي Ù†ØÙˆ “الخطاب الاØتÙالي” épidictique الذي أدرجه أرسطو ضمن المشروع السÙسطائي.
وبالموازاة مع هذا المجهود العلمي يشتق جان بليز غريز طريقاً Ù†ØÙˆ تمييز Ù…Ùهوم “المنطق الطبيعي” ومجال اشتغاله وأصنا٠المبادئ والعمليات التي ينشئها ÙÙŠ الخطاب، بعيداً عن المنطق الصوري الذي اعتمد بالأساس على Ù…Ùهوم الØقيقة لا Ù…Ùهوم المØتمل.
لكن لا بيرلمان ولا غريز يضعان مع ذلك ÙÙŠ مركز اهتماماتهما الاشتغال الخطابي للتÙاعل الØجاجي؛ Ùنظرياتهما الØجاجية تتعلق بوضع اليد على العمليات المنطقية المنجزة ÙÙŠ اللغة الطبيعية التي تؤمن -مع انخراط الأذهان- معقولية ممكنة للØياة الاجتماعية. وهي تنتسب إلى Ø£ÙÙ‚ ÙلسÙÙŠ على الرغم من كونها تنشغل بالاستراتيجيات اللغوية أو العمليات المنطقية الخطابية(13) .
• المرجعية التداولية للتØليل الØجاجي:
ليس غريباً أن نعدّ التداوليات -بمختل٠Ùروعها- أساساً مهماً للتØليل الØجاجي، ÙˆÙر له زاداً غنياً من الوسائل والأدوات المعرÙية لمقاربة مختل٠الجوانب الكامنة ÙÙŠ الخطاب على تعدد أصناÙÙ‡ وأنواعه (خطاب سياسي، خطاب ديني، خطاب إعلامي…) بعد أن كانت الدراسات اللسانية البنيوية على وجه الخصوص تعك٠على اكتشا٠النظام اللغوي وكيÙية اشتغاله بعيداً عن الوظيÙØ© الكلامية والذوات المشاركة ÙÙŠ العملية التواصلية، ÙˆÙ…Ù„Ø§Ù…Ø Ø§Ù„Ù…Ù‚Ø§Ù… وشروطه المنغرسة أصالةً ÙÙŠ الإنتاج الكلامي.
ومن جملة التيارات التداولية المتميزة جماعة أمستردام التي كان من روادها Ùان إيميرين وروب غروتندرست؛ إذ أسسوا ما سمي بالتداولية الجدلية La pragma-dialectique. هكذا نجد دراسة للØجاج، وهي تريد أن تتØول إلى مدرسة، تتأسس على قاعدة مزدوجة من المنطق غير الصوري والتداولية اللسانية. من وجهة نظر التداولية تستلهم هذه المقاربة أساساً – كما قلنا- من الÙلسÙØ© التØليلية؛ Øيث أخذت Ù…Ùهوم Ùعل الكلام، ومن الأعمال المستندة إلى مبدأ التعاون الذي يرجع إلى غرايس(14).
ويظهر الØجاج – لدى هؤلاء – بوصÙÙ‡ نشاطاً لغوياً واجتماعياً للعقل يهد٠إلى أن يرÙع (أو ينقص)-ÙÙŠ نظر المستمع أو القارئ- من شأن مقبولية وضع متنازع Ùيه، على أساس تقديم مجموعة من القضايا الموجهة لتسويغ (أو دØض) هذا الوضع أمام قاض ذي ÙƒÙاءة عقلية(15).
لقد كانت أعمال الباØثين الهولانديين متجهة إلى بناء نظرية تستطيع بلورة مقاربة شبه منطقية quasi-logiqueØŒ تÙضي إلى نموذج معياري للأÙعال الكلامية المنجزة أثناء مناقشة نقدية.
ومع تيار التداولية المندمجة لجان كلود أنسكومبر وأزÙالد ديكرو انÙتØت Ø¢Ùاق البØØ« اللساني لدراسة ظواهر ومÙاهيم وقضايا جديدة (أو Øتى قديمة)Ø› ÙˆÙقاً لأطر نظرية وإجراءات تطبيقية، تعيد النظر ÙÙŠ مجموعة من المÙاهيم والتصورات اللسانية القديمة والمعاصرة. وكانت مسألة العلاقة بين اللسانيات وتØليل النصوص من جملة ما أثارته أبØاث هذا التيار التداولي.
ÙÙŠ Ù…ÙØªØªØ Ø§Ù„ÙƒØªØ§Ø¨ المشترك يتساءل ديكرو عن هذه العلاقة قائلا:(16) «هل يمكن للسانيات أن تكون Ù…Ùيدة لتØليل النصوص؟ وهل يمكن لتØليل النصوص أن يكون Ù…Ùيدا للسانيات؟» Ùاللسانيات التي بإمكانها Ø¥Ùادة تØليل النصوص هي -وهي Ùقط- لسانيات تستÙيد من تØليل النصوص.
إنها علاقة Ù†Ùعية متبادلة بين اللسانيات وتØليل النصوص، تقوم على تبادل المخرجات ÙÙŠ كل منهما. وإذا كان اللساني ينشئ دلالة الجملة، Ùإن هذه الأخيرة ينبغي أن تØØ« تØليل النصوص على “تصور التغيرات المتعددة والممكنة للمعنى”. وتعد هذه الدعوة إلى الاكتشا٠الدلالي Ø£Øد الإسهامات اللسانية الرئيسة Ù„Ùائدة تØليل النصوص(17) .
من جهة أخرى كانت دراسة المكون البلاغي وأثره ÙÙŠ تØديد معنى القول مسألة ذات أهمية بالغة لدى رواد هذا الإطار النظري، ÙÙŠ مقابل المكون الدلالي الذي يسند إليه تØديد دلالة الجملة داخل اللغة. وقد شهدت هذه المسألة تطورا ÙÙŠ المعالجة واستخلاص النتائج، وظهر مدى التقييد الذي ÙŠØيط بمÙهوم البلاغة لدى هؤلاء، ÙÙŠ ابتعاد ÙˆØ§Ø¶Ø Ø¹Ù…Ø§ يشكل جوهر البلاغة الأرسطية؛ وهو دراسة وسائل الإقناع(18).
أتاØت أبØاث ديكرو وانسكومبر الÙرصة لمقاربة الاشتغال الØجاجي للغة الذي يتجلى ÙÙŠ تسلسل الأقوال على أساس استخدام بعضها Øججاً Ù„Ùائدة بعضها الآخر؛ Ùاللغة لا تخلو من توجيه للأقوال، ÙÙŠ وضعية تواصلية معينة، Ù†ØÙˆ نتائج Ù…Øددة. ÙˆÙÙŠ الوقت ذاته سمØت تلك الأبØاث بدراسة مختل٠العناصر والوسائل التي تدعم وتسهل تلك التسلسلات الخطابية؛ وهي الروابط المستعملة لتØقيق الربط بين الأقوال وتØديد الاتجاه الØجاجي، والعوامل المستخدمة لتقييد الإمكانات الدلالية الØجاجية، وأخيراً المبادئ الØجاجية les Topoà التي تÙؤمّÙÙ† ضمنياً تلك التسلسلات.
وعلى الرغم من أن معظم أبØاث ديكرو وأنسكومبر اتجهت لدراسة وتØليل الأقوال، مع تمييز هذه الأخيرة عن الجمل، والبØØ« ÙÙŠ صياغة وتطبيق قوانين الخطاب (قانون النÙÙŠØŒ قانون الخÙض، قانون القلب…)Ø› Ùإنها لم تنخرط بشكل Ùعال ÙÙŠ تأسيس “نظرية لتØليل الخطاب” تتلاءم مع المÙاهيم والإجراءات والقواعد التي صيغت ÙÙŠ إطارها، بسبب عدّها الØجاج خاصية جوهرية ÙÙŠ اللغة قبل أن يكون نمطاً من أنماط الخطاب أو خطاطة متضمنة ÙÙŠ ثناياه أو تقنيات للوصل والÙصل.
ولتØقيق ذلك الغرض برزت ÙÙŠ المجال اللساني العربي إسهامات وجهود علمية إضاÙية سعت Ù†ØÙˆ تجاوز الدراسة الØجاجية للجمل والأقوال إلى اعتماد الدراسة التØليلية الØجاجية للنصوص والخطابات، وهو ما استدعى إقرار الباØØ« أبي بكر العزاوي بوجوب إعمال التعديل والتطوير ÙÙŠ Ù…Ùاهيم التØليل الØجاجي، سواء على مستوى بنائها النظري أو استخدامها الإجرائي:
«إن المÙاهيم الموجودة Øاليا والتي نعتمدها ÙÙŠ بØوثنا وتطبيقاتنا انبثقت من دراسة الجمل والأقوال، وتطبيقها على الخطاب أو النص يقتضي تطويرها وإضاÙØ© Ù…Ùاهيم أخرى، مثل الاستراتيجية الخطابية وتعالق الروابط والبرنامج الØجاجي»(19).
• الاجتهاد وتØليل الخطاب:
لقد كان انشغالنا ÙÙŠ المØور السابق متجها إلى إدراك مصادر التØليل الØجاجي المتمثلة ÙÙŠ ثلاث مرجعيات؛ هي المرجعية البلاغية والمرجعية المنطقية والمرجعية التداولية، التي أمدت “تØليل الخطاب” بوسائل وأدوات جديدة، ÙˆÙتØت بين أيدي الباØثين سبلاً وآÙاقاً واسعة لمقاربة النصوص والخطابات بدل الاكتÙاء بدراسة الكلمات والجمل والأقوال.
لكن عمق وسعة مسألة الاجتهاد ÙÙŠ نطاق الشريعة الإسلامية- بما تتضمن من ضبط الأصول والمسالك والطرق ÙÙŠ التعامل مع الأدلة الشرعية، ÙˆÙÙŠ تØري المقاصد الشرعية- ÙŠÙرضان على الباØØ« الاØتراز أثناء استØضار التصورات والنظريات اللسانية والبلاغية المعاصرة بهد٠تشغيلها وسبر إمكاناتها وآÙاقها.
Ùلنرجع أولا إلى ما قرره علماء الأصول ÙÙŠ مدوناتهم بشأن علوم العربية ومنزلتها من “الاجتهاد”.
إن علم العربية Ø£Øد العلوم التي يستمد منها علم أصول الÙقه مادته، وإن أغلب مباØØ« علم الأصول ترجع إلى علم اللغة؛ وذلك” لتوق٠معرÙØ© دلالات الأدلة اللÙظية -من الكتاب والسنة، وأقوال أهل الØÙ„ والعقد من الأمَّة- على معرÙØ© موضوعاتها لغة، من جهة الØقيقة والمجاز، والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والØذ٠والإضمار، والمنطوق والمÙهوم، والاقتضاء والإشارة، والتنبيه والإيماء، وغيره مما لا ÙŠÙعرَ٠ÙÙŠ غير علم العربية “(20).
ÙˆÙÙŠ مثل هذا قال الÙخر الرازي: “لما كان المرجع ÙÙŠ معرÙØ© شرعنا إلى القرآن الكريم والأخبار -وهما واردان بلغة العرب ونØوهم وتصريÙهم-كان العلم بشرعنا موقوÙاً على العلم بهذه الأمور “(21).
وقد اعتنى الأصوليون بدراسة دلالات الألÙاظ وتخصيصها بمباØØ« مستقلة، تتضمن النظر Ùيها، ÙˆÙÙŠ علاقتها بالمعنى، وتØديد القواعد والضوابط، وشروط إعمالها لغاية الاستنباط من نصوص الوØÙŠ ÙˆÙÙ‚ ما جرت عليه عادة العرب ÙÙŠ كلامهم. ÙˆÙÙŠ هذا الباب قال الجويني: ” اعلم أن معظم الكلام ÙÙŠ الأصول يتعلق بالألÙاظ والمعاني، أما المعاني Ùستأتي ÙÙŠ كتاب القياس إن شاء الله، وأما الألÙاظ Ùلا بد من الاعتناء بها، Ùإن الشريعة عربية”(22).
وقال الشاطبي:” لا بد ÙÙŠ Ùهم الشريعة من اتّÙباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، Ùإن كان للعرب ÙÙŠ لسانهم عÙرÙÙŒ مستمرٌ؛ Ùلا ÙŠØµØ Ø§Ù„Ø¹Ø¯ÙˆÙ„ عنه ÙÙŠ Ùهم الشريعة. وإن لم يكن ثَمَّ عÙرÙÙŒ Ùلا ÙŠØµØ Ø£Ù† يجرى ÙÙŠ Ùهمها على ما لا تعرÙه، وهذا جار٠ÙÙŠ المعاني والألÙاظ والأساليب”(23).
ولأن Ù…Øور الدرس الدلالي عند الأصوليين هو العلاقة بين اللÙظ والمعنى؛ Ùقد قسَّموا دلالات الألÙاظ بناءً على اختلا٠جهة العلاقة بين اللÙظ والمعنى، ووÙقا لاعتبارات نوردها كما يلي:
Ø£-باعتبار وضع اللÙظ للمعنى، ويشمل هذا التقسيم: العام والخاص، والأمر والنهي، والمطلق والمقيد، والمشترك، والمترادÙ.
ب-باعتبار كيÙية دلالة اللÙظ على المعنى، ويشمل هذا التقسيم عند الجمهور: المنطوق والمÙهوم، وينقسم المنطوق إلى: Ù…Ù†Ø·ÙˆÙ‚Ù ØµØ±ÙŠØ ÙˆØºÙŠØ± صريØØŒ كما ينقسم المنطوق غير Ø§Ù„ØµØ±ÙŠØ Ø¥Ù„Ù‰ ثلاثة أقسام: إشارة النص، واقتضاء النص، وإيماء النص.
وينقسم المÙهوم إلى نوعين: Ù…Ùهوم المواÙقة، ومÙهوم المخالÙØ©ØŒ وينقسم Ù…Ùهوم المواÙقة إلى أوليّ٠ومساوÙ. ويتÙرع Ù…Ùهوم المخالÙØ© إلى أنواع: Ù…Ùهوم الصÙØ©ØŒ ومÙهوم الØصر، ومÙهوم الشرط، ومÙهوم الغاية، ومÙهوم العدد. أما عند الØÙ†Ùية Ùدلالة اللÙظ على المعنى أربعة أقسام: عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص.
ج-باعتبار ظهور المعنى وخÙائه، ويشمل هذا التقسيم عند الجمهور: النص والظاهر، والمجمل والمتشابه، ويشمل عند الØÙ†Ùية: الظاهر، والنصّ، والمÙسّر، والمØكم، والخÙيّ، والمÙشكÙÙ„ØŒ والمجمل، والمتشابه.
د- باعتبار استعمال اللÙظ ÙÙŠ المعنى، ويشمل هذا التقسيم: الØقيقة والمجاز، ÙˆØ§Ù„ØµØ±ÙŠØ ÙˆØ§Ù„ÙƒÙ†Ø§ÙŠØ©ØŒ ومعاني الØروÙ.
وتنكش٠دراسة المدونات الأصولية عن بيان أوصا٠المجتهدين ومنزلة علوم العربية من عملية الاجتهاد. ÙˆÙÙŠ هذا الموضع قال الإمام أبو إسØاق الشاطبي رØمه الله ÙÙŠ كتابه “المواÙقات”: ” Ø¥Ùنَّمَا تَØْصÙل٠دَرَجَة٠الÙاجْتÙهَاد٠لÙمَن٠اتَّصَÙÙŽ بÙوَصْÙَيْنÙ: Ø£ÙŽØَدÙÙ‡Ùمَا: Ùَهْم٠مَقَاصÙد٠الشَّرÙيعَة٠عَلَى كمالها. والثاني: التمكن Ù…ÙÙ†ÙŽ الÙاسْتÙنْبَاط٠بÙنَاءً عَلَى ÙَهْمÙÙ‡Ù ÙÙيهَا”(24).
ثم بين -رØمه الله- “أَنَّه٠لَا يَلْزَم٠الْمÙجْتَهÙدَ ÙÙÙŠ الْأَØْكَام٠الشَّرْعÙيَّة٠أَنْ ÙŠÙŽÙƒÙونَ Ù…ÙجْتَهÙدًا ÙÙÙŠ ÙƒÙلّ٠عÙلْم٠يَتَعَلَّق٠بÙه٠الÙاجْتÙهَاد٠عَلَى الْجÙمْلَةÙØ› بَل٠الْأَمْر٠يَنْقَسÙÙ…Ù: ÙÙŽØ¥Ùنْ كَانَ ثَمَّ عÙلْمٌ لَا ÙŠÙمْكÙن٠أَنْ ÙŠÙØَصَّلَ وَصْÙ٠الÙاجْتÙهَاد٠بÙÙƒÙنْهÙه٠إÙلَّا Ù…Ùنْ طَرÙيقÙÙ‡ÙØ› Ùَلَا بÙدَّ أَنْ ÙŠÙŽÙƒÙونَ Ù…Ùنْ أَهْلÙÙ‡Ù ØÙŽÙ‚Ùيقَةً Øَتَّى ÙŠÙŽÙƒÙونَ Ù…ÙجْتَهÙدًا ÙÙيهÙØ› وَمَا سÙÙˆÙŽÙ‰ Ø°ÙŽÙ„ÙÙƒÙŽ Ù…ÙÙ†ÙŽ الْعÙÙ„Ùوم٠Ùَلَا يَلْزَم٠ذَلÙÙƒÙŽ ÙÙيهÙØŒ ÙˆÙŽØ¥Ùنْ كَانَ الْعÙلْم٠بÙÙ‡Ù Ù…Ùعَيَّنًا ÙÙيه٠وَلَكÙنْ لَا ÙŠÙØ®Ùلّ٠التقليد Ùيه بØقيقة الÙاجْتÙهَادÙØŒ ÙÙŽÙ‡ÙŽØ°Ùه٠ثَلَاثَة٠مَطَالÙبَ لَا بÙدَّ Ù…Ùنْ بَيَانÙهَا”(25).
وذكر –بتوسعÙ- المطالب الثلاثة التي نوجزها كما يلي:
الْأَوَّلÙ: “ÙˆÙŽÙ‡ÙÙˆÙŽ أَنَّه٠لَا يَلْزَم٠أَنْ ÙŠÙŽÙƒÙونَ Ù…ÙجْتَهÙدًا ÙÙÙŠ ÙƒÙلّ٠عÙلْم٠يَتَعَلَّق٠بÙه٠الÙاجْتÙهَاد٠عَلَى الْجÙمْلَةٔ (26) .واستدل عليه بأمور.
الثَّانÙÙŠ: “ÙˆÙŽÙ‡ÙÙˆÙŽ Ùَرْض٠عÙلْم٠تَتَوَقَّÙ٠صÙØَّة٠الÙاجْتÙهَاد٠عَلَيْهÙØŒ ÙÙŽØ¥Ùنْ كَانَ ثَمَّ عÙلْمٌ لَا ÙŠÙŽØْصÙل٠الÙاجْتÙهَاد٠ÙÙÙŠ الشَّرÙيعَة٠إÙلَّا بÙالÙاجْتÙهَاد٠Ùيه، Ùهو بلا بÙدّ٠مÙضْطَرٌّ Ø¥ÙلَيْهÙØ› Ù„Ùأَنَّه٠إÙذَا ÙÙرÙضَ ÙƒÙŽØ°ÙŽÙ„ÙÙƒÙŽ لَمْ ÙŠÙمْكÙنْ ÙÙÙŠ الْعَادَة٠الْوÙصÙول٠إÙÙ„ÙŽÙ‰ دَرَجَة٠الÙاجْتÙهَاد٠دÙونَهÙØŒ Ùَلَا بÙدَّ Ù…Ùنْ تَØْصÙيلÙه٠عَلَى تَمَامÙÙ‡Ù”(27). ورأى أبو إسØاق أن الأقرب ÙÙŠ العلوم إلى أن يكون مندرجا ÙÙŠ هذا الصن٠عÙلم٠اللغة٠العربيَّةÙØŒ ولم ÙŠØصره ÙÙŠ النَّØْو، وَلَا التصريÙØŒ وَلَا اللّÙغَة، وَلَا عÙلْم الْمَعَانÙÙŠØŒ وَلَا غَيْر ذلك Ù…Ùنْ أنواع العلوم المتعلّÙقة باللسان؛ “بَل٠الْمÙرَاد٠جÙمْلَة٠عÙلْم٠اللّÙسَان٠ألÙاظاً أو معاني كي٠تصورت، ما عدا علم الْغَرÙيب، وَالتَّصْرÙÙŠÙÙŽ الْمÙسَمَّى بÙالْÙÙعْلÙØŒ وَمَا يَتَعَلَّق٠بÙالشّÙعْر٠من Øيث هو شعر كَالْعَرÙوض٠وَالْقَاÙÙÙŠÙŽØ©ÙØŒ ÙÙŽØ¥Ùنَّ هَذَا غَيْر٠مÙÙْتَقَر٠إÙلَيْه٠هنا، وإن كَانَ الْعÙلْم٠بÙه٠كَمَالًا ÙÙÙŠ الْعÙلْم٠بÙالْعَرَبÙيَّةÙ. وَبَيَان٠تَعَيّÙن٠هَذَا الْعÙلْم٠مَا تَقَدَّمَ ÙÙÙŠ ÙƒÙتَاب٠الْمَقَاصÙد٠مÙنْ أَنَّ الشَّرÙيعَةَ عَرَبÙيَّةٌ، ÙˆÙŽØ¥Ùذَا كَانَتْ عَرَبÙيَّةً Ùَلَا ÙŠÙŽÙْهَمÙهَا Øَقَّ الْÙَهْم٠إÙلَّا مَنْ ÙÙŽÙ‡ÙÙ…ÙŽ اللّÙغَةَ الْعَرَبÙيَّة٠Øَقَّ الْÙَهْمÙØ› Ù„ÙأَنَّهÙمَا سÙيَّان٠ÙÙÙŠ النَّمَط٠مَا عَدَا ÙˆÙجÙوهَ الْإÙعْجَازٔ (28)
الثَّالÙØ«Ù: “ÙˆÙŽÙ‡ÙÙˆÙŽ أَنَّه٠لَا يَلْزَم٠ÙÙÙŠ غَيْر٠الْعَرَبÙيَّة٠مÙÙ†ÙŽ الْعÙÙ„Ùوم٠أَنْ ÙŠÙŽÙƒÙونَ الْمÙجْتَهÙد٠عَالÙمًا بÙهَا؛ Ùَقَدْ مَرَّ مَا يَدÙلّ٠عَلَيْهÙØ› ÙÙŽØ¥Ùنَّ الْمÙجْتَهÙدَ Ø¥Ùذَا بَنَى اجْتÙهَادَه٠عَلَى التَّقْلÙيد٠ÙÙÙŠ بَعْض٠الْمÙقَدّÙمَات٠السَّابÙقَة٠عَلَيْهÙØ› ÙÙŽØ°ÙŽÙ„ÙÙƒÙŽ لا يضره ÙÙŠ كونه مجتهدًا ÙÙŠ عين مسألته”(29).
ÙÙŠ هذا السياق – سياق دراسة مسألة الاجتهاد ومعرÙØ© علوم العربية – ÙØص الشاطبي -رØمه الله- أقوال الأصوليين، ومنهم الغزالي والشاÙعي رØمهم الله تعالى، Ùكان ÙÙŠ آرائه من القوة ÙÙŠ الاستدلال ÙˆØ§Ù„ÙˆØ¶ÙˆØ ÙÙŠ المعنى ما يجعلنا نتمسك بها ونتطلع عبرها إلى Ø¢Ùاق التطوير الدائم.
مساران علميان ÙÙŠ كيÙية التعامل مع مسألة الاجتهاد والدراسات اللغوية المعاصرة:
هناك مساران علميان على الأقل ÙÙŠ كيÙية التعامل مع مسألة الاجتهاد:
المسار الأول هو مسار النظر العلمي المقارن:
يمكن أن نرصد Ùيه نقط الالتقاء بين الدرس اللغوي الأصولي والنظريات اللسانية والبلاغية المعاصرة التي اشتغلت بتØليل النصوص، ودراسة المعنى، وبيان أثر السياق، ودلالة الاقتضاء Ø§Ù„ØµØ±ÙŠØ ÙˆØ§Ù„Ù…Ø¶Ù…Ø±ØŒ ومعاني الØروÙØŒ والروابط والعوامل .. وذلك لمعرÙØ© الإمكانات العلمية المتاØØ© لتطوير الاجتهاد الأصولي، أو على الأقل ÙØªØ Ù†ÙˆØ§ÙØ° للتÙكير المنهجي ÙÙŠ تطوير العلوم الإسلامية الخادمة للشريعة Ùˆ”تطبيق الشريعة” ÙÙŠ العالم المعاصر.
وهنا وجب التنبيه -بخصوص المعرÙØ© اللغوية- إلى ما قرره علماء الأصول، وقد أشرنا إلى جهبذهم، من كون Øاجة المجتهدين شديدة إلى بلوغ درجة Ùهم العربية كما ÙŠÙهما العربي، على أن الإمام الشاطبي رØمه الله لم يواÙÙ‚ على القول: “إن الأصوليين قد Ù†Ùوا المبالغة ÙÙŠ Ùهم العربية”ØŒ بل أكد “أَنَّه٠لَا غÙÙ†ÙŽÙ‰ Ù„ÙلْمÙجْتَهÙد٠ÙÙÙŠ الشَّرÙيعَة٠عَنْ بÙÙ„Ùوغ٠دَرَجَة٠الÙاجْتÙهَاد٠ÙÙÙŠ كَلَام٠الْعَرَبÙØŒ بÙØَيْث٠يَصÙير٠Ùَهْم٠خÙطَابÙهَا لَه٠وَصْÙًا غَيْرَ Ù…ÙتَكَلَّÙ٠ولا متوق٠Ùيه ÙÙŠ الغالب Ø¥Ùلَّا بÙÙ…Ùقْدَار٠تَوَقّÙÙ٠الْÙÙŽØ·ÙÙ†Ù Ù„Ùكَلَام٠اللَّبÙيبٔ (30) .
ولما كان من الثابت “تØصيل علم العربية على تمامه” لتØقيق الاجتهاد ÙÙŠ الشريعة ÙÙŠ عصرنا ÙˆÙÙŠ كل عصر؛ Ùإنه من الثابت أيضا التسليم بوجوب الاهتمام بعلوم اللغة العربية Ù†Øوا وصرÙا وبلاغة ÙˆÙقه لغة، تأليÙا وتدريسا.
المسار الثاني هو مسار الاجتهاد العلمي والÙكري العابر للتخصصات:
ÙŠØتاج مجتهدو الشريعة إلى الاطلاع على عدد من العلوم والمعار٠المتجددة ÙÙŠ كل عصر. على أن العلم بها متÙاوت كما أقر الإمام الشاطبي – رØمه الله – ÙÙŠ قوله: “Ù„ÙŽÙƒÙنَّ Ù‡ÙŽØ°Ùه٠الْمَعَارÙÙÙŽ تَارَةً ÙŠÙŽÙƒÙون٠الْإÙنْسَان٠عَالÙمًا بÙهَا Ù…ÙجْتَهÙدًا ÙÙيهَا، وَتَارَةً ÙŠÙŽÙƒÙون٠ØَاÙÙظًا لَهَا Ù…ÙتَمَكّÙنًا Ù…ÙÙ†ÙŽ الÙاطّÙلَاع٠عَلَى مَقَاصÙدÙهَا غَيْرَ بَالÙغ٠رÙتْبَةَ الÙاجْتÙهَاد٠ÙÙيهَا، وَتَارَةً ÙŠÙŽÙƒÙون٠غَيْرَ ØَاÙÙظ٠وَلَا عَارÙÙÙØ› Ø¥Ùلَّا أَنَّه٠عَالÙÙ…ÙŒ بÙغَايَتÙهَا وَأَنَّ لَه٠اÙْتÙقَارًا Ø¥Ùلَيْهَا ÙÙÙŠ مَسْأَلَتÙه٠الَّتÙÙŠ يَجْتَهÙد٠ÙÙيهَا؛ ÙÙŽÙ‡ÙÙˆÙŽ بÙØَيْث٠إÙذَا عَنَّتْ لَه٠مَسْأَلَةٌ يَنْظÙر٠ÙÙيهَا زَاوَلَ أَهْلَ الْمَعْرÙÙَة٠بÙتÙلْكَ الْمَعَارÙÙ٠الْمÙتَعَلّÙقَة٠بÙمَسْأَلَتÙÙ‡ÙØ› Ùَلَا يَقْضÙÙŠ ÙÙيهَا Ø¥Ùلَّا بÙÙ…ÙŽØ´ÙورَتÙÙ‡Ùمْ”(31).
ضمن هذا النوع من العلوم والتخصصات، يقع تصنيÙنا للدراسات اللسانية والبلاغية، ولنظريات تØليل الخطاب عامة؛ لكونها علوما ومعار٠مستجدة أثمرت جملة قيمة من الخلاصات والنتائج البØثية بناء على دراسة النصوص والخطابات بأنواعها (الإعلامية والدينية والسياسية والقانونية والÙلسÙية)ØŒ والكش٠عن استراتيجيات الإقناع التي تتضمنها، والتقنيات الØجاجية التي تستعملها.
ولكوننا مقتنعين بضرورة الاجتهاد الجماعي نظرا وتطبيقا، خاصة ÙÙŠ Øاضر أمتنا الإسلامية؛ لما يتيØÙ‡ من تظاÙر جهود علمية متنوعة؛ Ùإننا نرى ضرورة انÙØªØ§Ø Ø¹Ù„Ù…Ø§Ø¡ الشريعة على هذه النظريات والعلوم اللسانية التي أشرنا إلى بعضها ÙÙŠ هذه الورقة البØثية.
وقد لا يكون مطلوبا من المجتهدين ÙÙŠ إطار الÙقه وأصوله أن يطلعوا على هذه النظريات المختلÙØ©ØŒ ويكون مطلوبا تطوير العلاقات المؤسسية والعلمية والتكنولوجية لمشروع الاجتهاد الجماعي بما ÙŠØªÙŠØ Ø¥Ùادتهم من الخبراء ÙÙŠ مجال اللسانيات والبلاغة وتØليل الخطاب؛ لكش٠طرق الإقناع وتقنياته ÙÙŠ الخطابات السياسية والإعلامية والقانونية والدينية وغيرها. ونعتقد أن الاطلاع على نظريات تØليل الخطاب والنظريات اللسانية والبلاغية ÙŠÙيد المجتهدين ÙÙŠ باب تØقيق المناط ÙˆÙÙŠ الÙتوى ÙˆÙقه النوازل.
يعدّ٠تØقيق٠المناط العمودَ الÙقري لعملية الاجتهاد، كما أن تنزيل الØكم وتطبيقه على الجزئيات والوقائع لا يتم إلا بعد التØقق من وجود المناط Ùيها. ويعدَّ الاجتهاد بتØقيق المناط ضروريا للشريعة الإسلامية؛ Ùهو الذي يكÙÙ„ خلودها وصلاØيتها للتطبيق ÙÙŠ كل زمان ومكان، وذلك بتØقيق مناطات نصوصها العامة وقواعدها الكلية ÙÙŠ الوقائع المعروضة. كما أن الØاجة إلى تØقيق المناط لا تقتصر على المجتهدين، بل تعم لتشمل القضاة والمÙتين Ùضلا عن المكلÙين العوام. وتزداد أهمية تØقيق المناط ÙÙŠ أيامنا هذه مع تجدد المسائل وكثرة النوازل المÙتقرة إلى اجتهاد ÙˆÙÙ‚ أدلة الشرع ومقاصده، وذلك من خلال تØقيق مناطات الأØكام Ùيها(32).
ÙˆÙÙŠ الموسوعة الÙقهية ما نصه: “Øَقَّقَ الأَمْرَ: تَيَقَّنَه٠أَوْ جَعَله٠ثَابÙتًا لازÙمًا. وَالمَنَاطÙ: مَوْضÙع٠التَّعْليقÙ. وَمَنَاط٠الØÙكْم٠عÙنْدَ الأÙصÙوليّÙينَ: عÙلتÙه٠وَسَبَبÙÙ‡Ù. وَتَØْقÙيق٠المَنَاط٠عÙنْدَ الأÙصÙوليّÙينَ: Ù‡ÙÙˆÙŽ النَّظَر٠وَالاجْتÙهَاد٠ÙÙÙŠ مَعْرÙÙÙŽØ©Ù ÙˆÙجÙود٠العÙلة٠ÙÙÙŠ Ø¢Øَاد٠الصّÙوَرÙØŒ بَعْدَ مَعْرÙÙَة٠تÙلكَ العÙلة٠بÙنَصّ٠أَوْ إجْمَاع٠أَوْ اسْتÙنْبَاطÙØŒ ÙÙŽØ¥Ùثْبَات٠وÙجÙود العÙلة٠ÙÙÙŠ مَسْأَلة٠مÙعَيَّنَة٠بÙالنَّظَر٠وَالاجْتÙهَاد٠هÙÙˆÙŽ تَØْقÙيق٠المَنَاطÙ. ÙÙŽÙ…Ùثَال٠مَا إذَا كَانَتْ العÙلة٠مَعْرÙÙˆÙَةً بÙالنَّصّÙ: جÙهَة٠القÙبْلةÙØŒ ÙÙŽØ¥Ùنَّهَا مَنَاط٠وÙجÙوب٠اسْتÙقْبَالهَا، ÙˆÙŽÙ‡ÙÙŠÙŽ مَعْرÙÙˆÙÙŽØ©ÙŒ بÙالنَّصّÙØŒ ÙˆÙŽÙ‡ÙÙˆÙŽ قوله تعالى: {ÙˆÙŽØَيْثÙمَا ÙƒÙنْتÙمْ ÙَوَلّÙوا ÙˆÙجÙوهَكÙمْ شَطْرَه٠} وَأَمَّا كَوْن٠جÙهَة٠مَا Ù‡ÙÙŠÙŽ جÙÙ‡ÙŽØ©ÙŽ القÙبْلة٠ÙÙÙŠ Øَالة٠الاشْتÙبَاه٠ÙَمَظْنÙونٌ بÙالاجْتÙهَاد٠وَالنَّظَر٠ÙÙÙŠ الأَمَارَاتÙ. ÙˆÙŽÙ…Ùثَال٠مَا إذَا كَانَتْ العÙلة٠مَعْلÙومَةً بÙالإÙجْمَاعÙ: العَدَالةÙØ› ÙÙŽØ¥Ùنَّهَا مَنَاط٠وÙجÙوب٠قَبÙول الشَّهَادَةÙØŒ ÙˆÙŽÙ‡ÙÙŠÙŽ مَعْلÙومَةٌ بÙالإÙجْمَاعÙØŒ وَأَمَّا كَوْن٠هَذَا الشَّخْص٠عَدْلاً ÙَمَظْنÙونٌ بÙالاجْتÙهَادÙ. ÙˆÙŽÙ…Ùثَال٠مَا إذَا كَانَتْ العÙلة٠مَظْنÙونَةً بÙالاسْتÙنْبَاطÙ: الشّÙدَّة٠المÙطْرÙبَةÙØŒ ÙÙŽØ¥Ùنَّهَا مَنَاط٠تَØْرÙيم٠الشّÙرْب٠ÙÙÙŠ الخَمْرÙØŒ Ùَالنَّظَر٠ÙÙÙŠ مَعْرÙÙَتÙهَا ÙÙÙŠ النَّبÙيذ٠هÙÙˆÙŽ تَØْقÙيق٠المَنَاطÙØŒ وَسÙمّÙÙŠÙŽ تَØْقÙيقَ المَنَاطÙØ› لأَنَّ المَنَاطَ ÙˆÙŽÙ‡ÙÙˆÙŽ الوَصْÙ٠عÙلمَ أَنَّه٠مَنَاطٌ، وَبَقÙÙŠÙŽ النَّظَر٠ÙÙÙŠ تَØْقÙيق٠وÙجÙودÙÙ‡Ù ÙÙÙŠ الصّÙورَة٠المÙعَيَّنَة.
وتَØْقÙيق٠المَنَاط٠مَسْلكٌ Ù…Ùنْ مَسَالك٠العÙلةÙØŒ وَالأَخْذ٠بÙÙ‡Ù Ù…ÙتَّÙÙŽÙ‚ÙŒ عَليْهÙ. وَقَدْ ÙŠÙعْتَبَر٠تَØْقÙيق٠المَنَاط٠مÙنْ Ù‚Ùيَاس٠العÙلةÙ. وَقَال الغَزَاليّÙ: هَذَا النَّوْع٠مÙنْ الاجْتÙهَاد٠لا Ø®ÙلاÙÙŽ ÙÙيه٠بَيْنَ الأÙمَّةÙØŒ وَالقÙيَاس٠مÙخْتَلÙÙŒ ÙÙيهÙØŒ ÙَكَيْÙÙŽ ÙŠÙŽÙƒÙون٠هَذَا Ù‚Ùيَاسًا ØŸ وَتَØْقÙيق٠المَنَاط٠يَØْتَاج٠إليْه٠المÙجْتَهÙد٠وَالقَاضÙÙŠ وَالمÙÙْتÙÙŠ ÙÙÙŠ تَطْبÙيق٠عÙلة٠الØÙكْم٠عَلى Ø¢Øَاد٠الوَقَائÙعٔ(33).
ولا يخÙÙ‰ ما يمكن أن يتيØÙ‡ هذا Ø§Ù„Ù…ØµØ·Ù„Ø Ø§Ù„Ø¹Ù„Ù…ÙŠ من Ø¢Ùاق معرÙية واسعة أمام الاجتهاد والمجتهدين ÙÙŠ عصرنا، خاصة إذا وقÙنا عند بعض مكامن الخلل الناجم من إعراض بعض علماء الشريعة عن “Ùهم” المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرÙية المؤثرة ÙÙŠ مرØلة “ثورات الربيع العربي” وما تلاها.
كما أن تنزيل مرجعية الاجتهاد المعاصر على الواقع -وهي المرجعية الشرعية المتصلة بمصادر الوØÙŠ الكريم (الكتاب والسنة)ØŒ وبما ÙŠÙبنى عليها من معان وقواعد ومقاصد، والمرجعية اللغوية المتصلة باللغة العربية وقواعدها وأساليبها ÙˆØقائقها ومعهود العرب ÙÙŠ التخاطب، والمرجعية التزكوية التي تÙعنى بالØالة التربوية للمجتهد ومدى تØليه بصÙات التقوى ÙˆØ§Ù„ØµÙ„Ø§Ø ÙˆØ§Ù„ÙˆØ±Ø¹ØŒ وبصÙات المصداقية والأمانة والأخلاقية المهنية- يأخذ عدة مسالك، هي)34)
– مسلك استخلاص الÙروع والأØكام والمعاني المختلÙØ© والمتÙرقة- (ظواهر النصوص وعموم الأدلة وكبريات التوجيهات والتعليمات ÙˆØقائق الإجماعات).
– مسلك القياس والتخريج ÙˆØ§Ù„ØªÙ†Ù‚ÙŠØ ÙˆØ§Ù„ØªØقيق (تخريج المناط ÙˆØªÙ†Ù‚ÙŠØ Ø§Ù„Ù…Ù†Ø§Ø· وتØقيق المناط).
– مسلك الاستقراء لتقرير الكليات (التقعيد، والتأصيل).
– مسلك ربط الجزئيات بالكليات (التكيي٠والتخريج والØمل).
– مسلك تØكيم الثابت ÙÙŠ المتغير.
– مسلك ربط المقاصد بالوسائل (الوسائل لها Ø£Øكام المقاصد).
– مسلك مراعاة مآلات الأÙعال (الذرائع سدا ÙˆÙتØا).
– مسلك الموازنات والترجيØات والاختيارات.
– مسلك ملاØظة الÙروق ÙˆØ§Ù„Ù‚ÙˆØ§Ø¯Ø ÙˆØ§Ù„Ø§Ø³ØªØ«Ù†Ø§Ø¡ من الأصل (Ù‚ÙˆØ§Ø¯Ø Ø§Ù„Ù‚ÙŠØ§Ø³ والاعتراضات على الأصول والاستثناء من القواعد).
– مسلك التØرير والتØقيق والتوثيق.
هذه المسالك العلمية المتعددة وجهات لتنزيل مرجعية الاجتهاد المعاصر على الواقع السياسي والØقوقي والاجتماعي والقانوني المØلي والعالمي، وهي ÙÙŠ الوقت Ù†Ùسه اختبار متجدد لكيÙية تشغيل العقل المجتهد ÙÙŠ معالجة المستجدات والنوازل.
كما تبرز أهمية مسالك ØªÙ†Ù‚ÙŠØ Ø§Ù„Ù…Ù†Ø§Ø· والموازنات والترجيØات والاختيارات ÙÙŠ مرجعية الاجتهاد كلها، بما تستند إليه من ضرورة استكمال “التصور” Ùˆ”الÙهم” للموضوعات والإشكالات والمسائل، وهذا لا يتأتى دون Ùهم وإدراك دلالات ومقاصد الخطابات السياسية والدينية والإعلامية والقانونية، والوقو٠عند بنياتها الØجاجية المتنوعة.
وبالرجوع إلى ما أنجزناه ÙÙŠ المبØØ« الأول Ùإننا نستطيع أن نذكر بالإمكانيات المهمة التي يتيØها التØليل الØجاجي للنصوص والخطابات بمصادره البلاغية والمنطقية والتداولية، ÙÙŠ مضمار Ùهم المجتهدين المعاصرين لمسالك الاستدلال والمØاجة والإقناع، ولطرق التأثير ÙÙŠ الجمهور من أجل الانخراط ÙÙŠ Ø§Ù„Ø£Ø·Ø§Ø±ÙŠØ Ø§Ù„ØªÙŠ تتضمنها تلك الخطابات.
ذلك أن النظريتين المعاصرتين – منطق غريز الطبيعي، وبلاغة بيرلمان الجديدة – تطوران –بتواز- كثيراً من المبادئ المؤسسة للتØليل الØجاجي. خلاÙاً للمنطق غير الصوري تتقاسم النظريتان Ùعلاً الÙكرة القائلة بأن الØجاج ليس استدلالاً مجرداً؛ لكنه خطاب يعرض ÙÙŠ وضعية تواصل تتضمن على الأقل شريكين اثنين. إن الØجاج خطابي ÙˆØواري، يصوغ طرائق النظر والتÙكير عبر مسارات تضع ضمن دائرة النقاش الصورة التي يشكلها شريكا التبادل بعضهما عن بعض، والمسبقات الثقاÙية (مقدمات منطقية، تمثلات..) التي يرتكز عليها التبادل(35).
يسعى بيرلمان -داخل إمبراطوريته البلاغية- إلى استرجاع الصلة بين البلاغة والمكون الØجاجي الذي سلبته منها Ùترة “انØدار النظرية الØجاجية ÙÙŠ Øضن البلاغة”ØŒ مستلهماً الإرث الأرسطي، وموسعاً دائرة التØليل الØجاجي Ù†ØÙˆ “الخطاب الاØتÙالي” épidictique الذي أدرجه أرسطو ضمن المشروع السÙسطائي.
ومعلوم ما أضاÙته المرجعية التداولية من Ø¢Ùاق واسعة للتØليل الØجاجي، بدءًا من اكتشا٠النظام اللغوي وكيÙية اشتغاله ÙÙŠ ارتباط مع الوظيÙØ© الكلامية والذوات المشاركة ÙÙŠ العملية التواصلية ÙˆÙ…Ù„Ø§Ù…Ø Ø§Ù„Ù…Ù‚Ø§Ù… وشروطه المنغرسة أصالةً ÙÙŠ الإنتاج الكلامي، ومرورا بما أتاØته أبØاث ديكرو وانسكومبر لمقاربة الاشتغال الØجاجي- للغة الذي يتجلى ÙÙŠ تسلسل الأقوال على أساس استخدام بعضها Øججا Ù„Ùائدة بعضها الآخر؛ Ùاللغة لا تخلو من توجيه للأقوال، ÙÙŠ وضعية تواصلية معينة، Ù†ØÙˆ نتائج Ù…Øددة. ÙˆÙÙŠ الوقت ذاته سمØت تلك الأبØاث بدراسة مختل٠العناصر والوسائل التي تدعم وتسهل تلك التسلسلات الخطابية، وهي الروابط المستعملة لتØقيق الربط بين الأقوال وتØديد الاتجاه الØجاجي، والعوامل المستخدمة لتقييد الإمكانات الدلالية الØجاجية، وأخيراً المبادئ الØجاجية les Topoà التي تÙؤمّÙÙ† ضمنياً تلك التسلسلات.
إن إغÙال علماء الشريعة والمتخصصين ÙÙŠ الÙكر الإسلامي لمجال تØليل الخطاب وإمكاناته الاستدلالية الØجاجية، ÙÙŠ مرØلة “ثورات واØتجاجات الربيع العربي” منع الإÙادة من طرائق ومسالك مهمة Ù†ØÙˆ Ùهم الاستراتيجيات الØجاجية التي تبناها المشاركون ÙÙŠ هذه التØولات التاريخية، سواء أكانوا من الشباب الثائر أو المؤسسات الأمنية والعسكرية أو البنيات السياسية والمدنية، أو Øتى تلك التي تبناها الÙاعلون المؤثرون من خارج السياق العربي.
ولهذا نجدد الدعوة إلى ضرورة تÙعيل هذه الرؤية ضمن المسار الثاني؛ مسار الاجتهاد العلمي والÙكري العابر للتخصصات، بما ÙŠØ³Ù…Ø Ù„Ù„Ù…Ø´Ø§Ø±ÙƒÙŠÙ† ÙÙŠ عملية الاجتهاد الجماعي من Ùهم الاستراتيجيات والخطاطات الØجاجية، التي تعد عماد الخطابات الدينية والسياسية والقانونية والإعلامية المتداولة ÙÙŠ الÙضاء العمومي، وهي جزء Ùاعل ÙÙŠ الواقع الذي يتعين تصوره وإدراكه لتنزيل الأØكام الشرعية وتØقيق Ø§Ù„Ù…ØµØ§Ù„Ø ÙˆØ§Ù„Ù…Ù‚Ø§ØµØ¯ الشرعية.
• خاتمة:
إن من جملة الخلاصات التي ننتهي إليها ÙÙŠ هذه الورقة البØثية ما يلي:
• يتعين التمييز ÙÙŠ مجال المعار٠والعلوم اللغوية بين نوعين اثنين لا ينزلان ÙÙŠ درجة واØدة من عملية الاجتهاد، بل ينزلان ÙÙŠ درجتين متÙاوتتين؛ أما النوع الأول Ùهو علوم العربية التي لا ÙŠÙÙهم الخطاب الشرعي إلا بها. وأما النوع الثاني Ùهو مختل٠العلوم والمعار٠والنظريات المستجدة ÙÙŠ المجال اللساني والتداولي والبلاغي العربي والأجنبي.
• إن الاجتهاد الجماعي جسر مهم لنقل الجهود العلمية والÙكرية المتنوعة التي يبذلها علماء الشريعة والأكاديميون والمÙكرون إلى مستوى من التكامل والانسجام، بما يخدم Øاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها، ويØقق مصالØها الاستراتيجية ومطالبها المتجددة، ومنها الوØدة والعزة والقوة؛ وذلك لتقوى على القيام بواجبها الرسالي ÙÙŠ العالمين. لهذا نرى ضرورة اطلاع؛ علماء الشريعة على النظريات والعلوم اللسانية الدلالية والتداولية، والبلاغية، والمنطقية التي أشرنا إلى بعضها ÙÙŠ هذه الورقة البØثية. Ùإن لم يتيسر هذا الاطلاع، Ùلا أقل من تنظيم الØلقات النقاشية والندوات العلمية التي تÙØªØ Ø£Ø¨ÙˆØ§Ø¨ الÙهم والإدراك لمجمل القضايا والإشكاليات المستجدة.
• لتØصيل ملكة Ùهم الشريعة على مقتضى سليقة العرب يجب الاهتمام بعلوم اللغة العربية: Ù†Øوا وصرÙا وبلاغة ÙˆÙقه لغة، تأليÙا وتدريسا وتعميما، خاصة لوجود خطر العجمة، ولازدياد خطر التأثر بالنظريات والمناهج الغربية ÙÙŠ دراسة الوØÙŠ بما ينزع صÙØ© القدسية عن كلام رب العالمين، ويجعله بمنزلة النصوص والخطابات البشرية [1].
***
المصادر والمراجع:
المراجع والمصادر:
• قدمنا ورقة بØثية ÙÙŠ موضوع: “التØليل الØجاجي للخطاب القرآني: نماذج وملاØظات” ÙÙŠ الندوة الدولية: “الخطاب القرآني: البنية والÙهم والاستنباط” المنعقدة يومي 19-20 نوÙمبر 2013 بكلية الآداب سايس Ùاس، المغرب. وقد نشرت الورقة ÙÙŠ كتاب “التØليل الØجاجي للخطاب”ØŒ بØوث Ù…Øكمة، إشرا٠وتقديم: د. سعيد العوادي ود. Ø£Øمد قادم، دار كنوز المعرÙØ©- الأردن 2016 .
• انظر: [ Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, p :7. ]
• انظر: [Philippe Breton, Gilles Gauthier : Histoire des théories de l’argumentation, p :10. ]
• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p :15. ]
• انظر: [ibid. p :16.]
• انظر: [ibid. p :17. ]
• مركز الأبØاث السيميولوجية التابع لجامعة نوشاتل Centre de Recherches sémiologiques de l’Université de Neuchâtel.
• انظر: [Jean-Blaise Grize, Argumentation et Logique Naturelle, Convaincre et Persuader, p :264.]
• انظر: [Jean -Blaise Grize, Travaux du Centre de recherches sémiologiques, 7, P :3. ]
• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p :20. ]
• انظر: [Jean-Blaise Grize, Argumentation et Logique Naturelle, op. cit. p :265-266 ]
• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p :20-21. ]
• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p : 21.]
• انظر: [ibid. p :24..]
• انظر: [Eemeren Frans H. van, Grootendorst Rob, Speech Acts in Argumentative Discussions, p :53..]
• انظر: [O. Ducrot (en collaboration), Les Mots Du Discours, op. cit. p: 7. ]
• انظر: [ibid. p 18.]
• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours,op. cit. p :25. ]
• الخطاب والØجاج، أبو بكر العزاوي، ص 28.
• الإØكام ÙÙŠ أصول الأØكام، أبو الØسن سيد الدين علي بن أبي علي بن Ù…Øمد بن سالم الثعلبي الآمدي، تØقيق: د. سيد الجميلي، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: 1ØŒ 1404ØŒ ج1 ص24.
• المØصول ÙÙŠ علم أصول الÙقه، Ùخر الدين Ù…Øمد الرازي، تØقيق: طه جابر العلواني، جامعة الإمام Ù…Øمد بن سعود، لجنة البØوث والتألي٠والترجمة والنشر – الرياض، الطبعة: 1ØŒ (1399هـ/1979Ù…)ØŒ ج1 ص 275.
• البرهان ÙÙŠ أصول الÙقه، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوس٠بن Ù…Øمد الجويني، تØقيق: ØµÙ„Ø§Ø Ø¨Ù† Ù…Øمد بن عويضة، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: 1ØŒ 1997ØŒ ج 1 ص 43.
• المواÙقات ÙÙŠ أصول الشريعة، أبو إسØاق إبراهيم بن موسى بن Ù…Øمد اللخمي الشاطبي، دار المعرÙØ© للطباعة والنشر، بيروت، الجزء الثاني، 82.
• المواÙقات ÙÙŠ أصول الشريعة، الشاطبي، الجزء الرابع، ص 105-106.
• المرجع السابق، ص 108-109.
• المرجع السابق، ص 109.
• المرجع السابق، ص 114.
• المرجع السابق، ص 114-115.
• المرجع السابق، ص 118.
• المرجع السابق، ص 118.
• المرجع السابق، ص 107-108.
• عصام صبØÙŠ ØµØ§Ù„Ø Ø´Ø±ÙŠØ±ØŒ تØقيق المناط وأثره ÙÙŠ اختلا٠الÙقهاء، رسالة ماجستير،كلية الشريعة والقانون، الجامعة الإسلامية بغزة، 2009.
• الموسوعة الÙقهية، مجموعة من العلماء بإشرا٠وزارة الأوقا٠والشؤون الإسلامية بالكويت، مطبعة وزارة الأوقا٠الكويتية، ج16 ص147.
• نور الدين الخادمي: المجتهد المعاصر ÙˆØقوق الإنسان، مجلة التسامØØŒ العدد الرابع والعشرون، لسنة 1429هـ / 2008 Ù….
• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p :20-21. ]
[1]– وقد بينا أمثلة من ذلك ÙÙŠ بØثنا: “التØليل الØجاجي للخطاب القرآني: نماذج وملاØظات”.