الدراسات اللغوية والبلاغية المعاصرة وأثرها في تحقيق الاجتهاد، لزكرياء السرتي

تقديم:

تنطلق ورقتنا البحثية الموسومة بــــ” الدراسات اللغوية والبلاغية المعاصرة وأثرها في تحقيق الاجتهاد” من مسلمة العلاقة القوية بين الاجتهاد في علوم الشريعة وبين علوم الآلة الخادمة التي أبدع في بنائها وتقعيدها علماء اللغة والنحو والصرف والبلاغة وغيرها، وذلك عبر تاريخ طويل من العطاء العلمي الإبداعي، ثم جاءت عهود التقليد والاجترار والجمود التي ألقت بظلالها على المجال اللغوي والبلاغي ؛كما خيمت سحابتها على مجالات علمية ومعرفية أخرى في التراث الإسلامي.

وقد تجددت أسئلة الإبداع والنهضة والاجتهاد في العلوم الشرعية والفكر الإسلامي منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقدمت مشاريع فكرية متعددة في بلدان العالم الإسلامي؛ لأجل ابتعاث ملكة الاجتهاد في الأمة، بما يحفظ لها مصالحها العاجلة والآجلة، ويحقق سيرها على هدى القرآن الكريم والسنة المطهرة. وإن كانت بعض المشاريع الفكرية المتقنعة بلبوس الحداثة اتجهت إلى جعل “الاجتهاد” سلاحا فتاكا للقضاء على صلة الأمة بالأدلة الشرعية ووسائل الاجتهاد المقررة، عبر تقديم تصورات ونظريات هي أقرب إلى التراث الغربي منها إلى التراث الفقهي والأصولي واللغوي الإسلامي.  

ونظرا لدقة وخطورة هذه المرحلة الحضارية الحالية التي تجتازها أمتنا، فإننا نتطلع إلى إثارة سؤال التجديد في النظر إلى “علوم الآلة” ومنزلتها من عملية الاجتهاد؛ التي تظل مطلبا عزيزا في حاضرنا ومستقبل وحدتنا وعزتنا وقوتنا.

https://shababtafahom.om/post/797/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%BA%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%BA%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B5%D8%B1%D8%A9-%D9%88%D8%A3%D8%AB%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%AF

نسعى -من خلال ورقتنا البحثية- إلى تقديم نموذج يصطلح عليه “تحليل الخطاب”Ø› وهو أحد فروع الدراسات اللسانية والبلاغية المعاصرة، التي استعان بها ثلة من الباحثين في مضمار مقاربة الخطاب القرآني خصوصا -والوحي عموما- بطرائق متنوعة وخلفيات معرفية متعددة. وقد بني هذا الاتجاه اللساني التداولي على أسس ومرجعيات معلومة، كما أصبح يعتمد على مفاهيم وطرائق محددة.

إننا معنيون في هذه الورقة البحثية بدراسة وتحليل إشكالية يمكن أن نصوغها وفق ما يلي:

• هل ثمة إمكانات لإفادة المجتهدين في علوم الشريعة من علوم اللغة المستجدة مثل التداولية ونظريات تحليل الخطاب؟

لقد اخترنا مقاربة هذه الإشكالية من خلال المحاور التالية:

• المرجعيات الثلاث للتحليل الحجاجي: يتضمن بيان المرجعيات البلاغية والمنطقية والتداولية.

•   Ø§Ù„اجتهاد وتحليل الخطاب.

• خاتمة: خلاصات البحث.

ومما يجدر التأكيد عليه أننا لم نشأ أن نقدم نماذج من الدراسات المعاصرة التي اشتغلت بالخطاب القرآني موظفة آليات ووسائل تحليل الخطاب؛ لانصراف نظرنا هنا إلى بيان أهمية وضرورة الإفادة من الدراسات اللغوية المعاصرة في عملية الاجتهاد الشرعي (1)

• المرجعيات الثلاث للتحليل الحجاجي:

يبدو لنا اختيار روث أموسي Ruth Amossy صائباً حينما عمل على تحديد الأسس التي انبنى عليها التحليل الحجاجي للخطاب(2)ØŒ والتي أسهمت -عبر تاريخ طويل- في بلورة توجهاته، ومواضع اشتغاله، وطبيعة المقاربات المتخذة لمعالجة الظواهر والقضايا. تلك الأسس والمرجعيات التي أسهمت في انبثاق وتطور التحليل الحجاجي هي – في نظر أموسي Amossy- المتمثلة في الأسس البلاغية والمنطقية والتداولية.

• المرجعية البلاغية للتحليل الحجاجي:

تطورت المفاهيم والتصورات المسندة إلى الحجاج والبلاغة معاً في حضن المنظومات الفلسفية الأفلاطونية والسفسطائية والأرسطية، مع ما كان لهما من اتصال أو انفصال عن إجراءات الجدل والبحث عن الحقيقة ومفاهيم المحتمل والممكن والضروري وما إلى ذلك.

ففي البلاغة الأرسطية كانت الأنواع الخطابية مشتقة من الأوضاع الحجاجية التي ينخرط فيها المتكلمون والمستمعون، فتجري بينهم تفاعلات لغوية إما على سبيل الثناء والتعظيم أو الذم (يكون الخطاب في هذه الحالة احتفالياً)، وإما على سبيل النظر في دعوى قضائية (يكون الخطاب هنا قضائياً)، وإما على سبيل تحديد سياسة مستقبلية لمعالجة شؤون المدينة (في هذه الحالة الأخيرة يكون الخطاب تشاورياً). وفي الأنواع الخطابية المذكورة جميعاً كانت البلاغة Rhétorique فناً لغوياً موجهاً لإقناع جمهور معين خارج دائرة الحقيقة المطلقة.

لكن التاريخ المتحرك للبلاغة لم يسمح للتفاعل الحجاجي أن يظل في الصدارة حيث يتلازم القول والاستدلال، ويبتعد المتخاصمون عن سياج الحقيقة الواحدة، ويتمسكون فقط بأسوار المحتمل والممكن؛ ذلك أن البلاغة نفسها انكمشت- في مرحلة لاحقة- ضمن دائرة الصور الأسلوبية لتقترب من المجال الأدبي الذي يرنو إلى قيمة الجمال لا إلى قيمة العقل.

إنها مرحلة انحدار النظرية الحجاجية في حضن البلاغة التي امتدت من نهاية الإمبراطورية الرومانية إلى أواسط القرن العشرين. فقد تحولت البلاغة إلى نظرية الصور الأسلوبيةfigures de styleوتقلص الجزء الحجاجي تدريجيا بفعل تأثير النجاح المتنامي للبرهنة (في العلوم الدقيقة والتجريبية) وفلسفة معينة للبداهة(3)

وبعد هذه المرحلة الثالثة -حسب تبويب بروتون وغوتيي- عادت إلى البلاغة فعاليتها الحجاجية من خلال ما أنجزته “البلاغة الجديدة” لشايم بيرلمان وأولبريخت تيتيكاه، فتحول الاهتمام مجدداً إلى أنواع الحجج المستخدمة في الخطاب، بناء على تقنيتي الوصل والفصل. وفي الوقت الذي ألح بيرلمان على حجاجية النوع الخطابي الاحتفالي -من خلال إعادة النظر في علاقته بمفهوم الأدب- عمل على إبراز قوة الحجاج وتوسيع مجال اشتغاله(4). 

• المرجعية المنطقية للتحليل الحجاجي:

تنتمي البلاغة الجديدة -كما هي نظريات الحجاج المعاصرة- إلى حقل الفلسفة، حيث تسعى إلى تقديم بديلللمنطق الصوري. يميز بيرلمان – وهو وريث أرسطو بجدارة – فن دفع المتلقي نحو قبول أطروحة في دائرة المحتمل عن المنطق، حيث ينبغي للعمليات الصورية أن تقود إلى الحقيقة(5).

لقد فرض الاهتمامُ المتجددُ – ضمن تيارات عديدة منها تيار البلاغة الجديدة وتيار التداولية المندمجة – بعملياتِ الاستدلالِ الحجاجي ومبادئه وتقنياته البحثَ عن تقابل واضح مع المنطق الصوري، الذي ظل مجالا لدراسة الإجراءات الاستدلالية البرهانية الموصلة إلى الحقيقة، بالنظر إلى ما لهذا النوع المنطقي من اتصال وثيق بالرياضيات خاصة.

فمع انطلاق عقد السبعينيات من القرن الماضي برز في أمريكا الشمالية اتجاه المنطق “غير الصوري” الذي اتخذ موضوعه – خلافاً للمنطق ذي الأصل الرياضياتي – من دراسة الاستدلال المستعمل في الحياة اليومية، عبر تطوير أدوات لا تسمح فقط بتحليل الحجج، لكن بتقييم هذه الحجج أيضاً(6) .   

ثم كانت لأعمال جان بليز غريز ومركزه(7) الأهمية البارزة في مضمار التعريف بالمنطق الطبيعي Logique naturelle وصلته بالحجاج وسائر العمليات العقلية والمفاهيم القريبة مثل الإقناع والاقتناع والتخطيط Schématisation. لقد سارت تلك الأعمال في اتجاه التمييز بين مجال الحجاج ومجال البرهان على أساس أن التسلسلات المنطلقة من المقدمات prémisses إلى النتيجة – حسب غزير– ليست ذات طبيعة واحدة في الحجاج والبرهان؛ فبينما تعمل التسلسلات البرهانية على تحويل نظام القضايا، تحول التسلسلات الحجاجية القيم المعرفية(8) .

انبنت هذه الرؤية على الفكرة الواضحة لدى غريز بأن الحجاج يتحدد بوصفه مجموع الاستراتيجيات الخطابية لخطيب “Ø£” يتوجه إلى مستمع “ب” لغاية أن يُعدل -بمعنى معين- حكم “ب” على وضعية “Ùˆ”.(9) بعبارات أخرى، على المتكلم أن يحمل شريكه على قبول ما هو معروض عليه، ليس فقط بثنيه عن تبني خطاب مضاد (بهذا المعنى “يقبل” ما عرض عليه)ØŒ لكن بدفعه أيضاً إلى إنتاج خطاب مُؤيِّد  pro-discours (حينئذ ينخرط فيما عرض عليه)(10) .

يشترك الطرفان المتحاوران في إقامة بناء ذهني على قاعدة المعارف والمعطيات المتداولة في المقام الاجتماعي الثقافي، المقبولة لديهما معاً بحكم الانتماء المشترك أو القدرة على توحيد الانتماءات تحت سماء المشترك الكوني. و« رغم أنه – في الحقيقة – ثمة بناء تشاركي، فالمتكلم هو في الواقع من يتحدث. ومن هنا يتوجب عليه إذاً أن يوجه خطابه بشكل تظهر فيه الموضوعات التي تساير اتجاه مشروعه، والتي تسمح باستدلال معين وتستبعد آخر. توجد إذاً مصفاة ضرورية للمسبقات الثقافية، تُدار بوساطة زوج من العمليات؛ 1- العمليات التي تبني الموضوعات على شكل فئات من العناصر الملائمة؛ 2- عمليات التعيين التي تسند إليها خصائص لازمة requises ، وتقيم بينها علاقات مناسبة لازمة ومناسبة وفقاً لهذا القصد»(11).

في هذا المنعطف من الدراسة نستطيع أن نتساءل عن الحدود المشتركة بين نظرية البلاغة الجديدة لشايم بيرلمان ونظرية المنطق الطبيعي لجان بليز غريز، وعن المبادئ والأسس التي توفرانها للتحليل الحجاجي الذي يسعى لمقاربة الخطابات والنصوص المختلفة. نعلم أن الغوص في تفاصيل النظريتين أمر لا تتسع له هذه الصفحات، وليس من جملة الرهان المعرفي لهذا البحث، ونعلم بالقدر ذاته أن تقديم بعض الملامح المساعدة على تصور الجواب عمل مطلوب في هذا السياق.

فإذا كان مستبعدا في كل الحالات أن يلتبس منطق غريز الطبيعي ببلاغة بيرلمان الجديدة؛ فإنه لا يتبقى من ذلك أقل من كون هاتين النظريتين المعاصرتين تطوران- بتواز- كثيراً من المبادئ المؤسسة للتحليل الحجاجي. خلافاً للمنطق غير الصوري تتقاسم النظريتان فعلاً الفكرة القائلة بأن الحجاج ليس استدلالاً مجرداً؛ لكنه خطاب يعرض في وضعية تواصل تتضمن على الأقل شريكين اثنين. إن الحجاج خطابي وحواري، يصوغ طرائق النظر والتفكير عبر مسارات تضع ضمن دائرة النقاش الصورة التي يشكلها شريكا التبادل بعضهما عن بعض، والمسبقات الثقافية (مقدمات منطقية، تمثلات..) التي يرتكز عليها التبادل(12).

يسعى بيرلمان -داخل إمبراطوريته البلاغية- إلى استرجاع الصلة بين البلاغة والمكون الحجاجي الذي سلبته منها فترة “انحدار النظرية الحجاجية في حضن البلاغة” كما أسلفنا الحديث والوصف، مستلهماً الإرث الأرسطي، وموسعاً دائرة التحليل الحجاجي نحو “الخطاب الاحتفالي” épidictique الذي أدرجه أرسطو ضمن المشروع السفسطائي.

وبالموازاة مع هذا المجهود العلمي يشتق جان بليز غريز طريقاً نحو تمييز مفهوم “المنطق الطبيعي” ومجال اشتغاله وأصناف المبادئ والعمليات التي ينشئها في الخطاب، بعيداً عن المنطق الصوري الذي اعتمد بالأساس على مفهوم الحقيقة لا مفهوم المحتمل.

لكن لا بيرلمان ولا غريز يضعان مع ذلك في مركز اهتماماتهما الاشتغال الخطابي للتفاعل الحجاجي؛ فنظرياتهما الحجاجية تتعلق بوضع اليد على العمليات المنطقية المنجزة في اللغة الطبيعية التي تؤمن -مع انخراط الأذهان- معقولية ممكنة للحياة الاجتماعية. وهي تنتسب إلى أفق فلسفي على الرغم من كونها تنشغل بالاستراتيجيات اللغوية أو العمليات المنطقية الخطابية(13) .

• المرجعية التداولية للتحليل الحجاجي:

ليس غريباً أن نعدّ التداوليات -بمختلف فروعها- أساساً مهماً للتحليل الحجاجي، وفر له زاداً غنياً من الوسائل والأدوات المعرفية لمقاربة مختلف الجوانب الكامنة في الخطاب على تعدد أصنافه وأنواعه (خطاب سياسي، خطاب ديني، خطاب إعلامي…) بعد أن كانت الدراسات اللسانية البنيوية على وجه الخصوص تعكف على اكتشاف النظام اللغوي وكيفية اشتغاله بعيداً عن الوظيفة الكلامية والذوات المشاركة في العملية التواصلية، وملامح المقام وشروطه المنغرسة أصالةً في الإنتاج الكلامي.

ومن جملة التيارات التداولية المتميزة جماعة أمستردام التي كان من روادها فان إيميرين وروب غروتندرست؛ إذ أسسوا ما سمي بالتداولية الجدلية La pragma-dialectique. هكذا نجد دراسة للحجاج، وهي تريد أن تتحول إلى مدرسة، تتأسس على قاعدة مزدوجة من المنطق غير الصوري والتداولية اللسانية. من وجهة نظر التداولية تستلهم هذه المقاربة أساساً – كما قلنا- من الفلسفة التحليلية؛ حيث أخذت مفهوم فعل الكلام، ومن الأعمال المستندة إلى مبدأ التعاون الذي يرجع إلى غرايس(14).

 ÙˆÙŠØ¸Ù‡Ø± الحجاج – لدى هؤلاء – بوصفه نشاطاً لغوياً واجتماعياً للعقل يهدف إلى أن يرفع (أو ينقص)-في نظر المستمع أو القارئ- من شأن مقبولية وضع متنازع فيه، على أساس تقديم مجموعة من القضايا الموجهة لتسويغ (أو دحض) هذا الوضع أمام قاض ذي كفاءة عقلية(15).

لقد كانت أعمال الباحثين الهولانديين متجهة إلى بناء نظرية تستطيع بلورة مقاربة شبه منطقية quasi-logique، تفضي إلى نموذج معياري للأفعال الكلامية المنجزة أثناء مناقشة نقدية.

ومع تيار التداولية المندمجة لجان كلود أنسكومبر وأزفالد ديكرو انفتحت آفاق البحث اللساني لدراسة ظواهر ومفاهيم وقضايا جديدة (أو حتى قديمة)؛ وفقاً لأطر نظرية وإجراءات تطبيقية، تعيد النظر في مجموعة من المفاهيم والتصورات اللسانية القديمة والمعاصرة. وكانت مسألة العلاقة بين اللسانيات وتحليل النصوص من جملة ما أثارته أبحاث هذا التيار التداولي.

  في مفتتح الكتاب المشترك يتساءل ديكرو عن هذه العلاقة قائلا:(16) «هل يمكن للسانيات أن تكون مفيدة لتحليل النصوص؟ وهل يمكن لتحليل النصوص أن يكون مفيدا للسانيات؟» فاللسانيات التي بإمكانها إفادة تحليل النصوص هي -وهي فقط- لسانيات تستفيد من تحليل النصوص.

إنها علاقة نفعية متبادلة بين اللسانيات وتحليل النصوص، تقوم على تبادل المخرجات في كل منهما. وإذا كان اللساني ينشئ دلالة الجملة، فإن هذه الأخيرة ينبغي أن تحث تحليل النصوص على “تصور التغيرات المتعددة والممكنة للمعنى”. وتعد هذه الدعوة إلى الاكتشاف الدلالي أحد الإسهامات اللسانية الرئيسة لفائدة تحليل النصوص(17) .

من جهة أخرى كانت دراسة المكون البلاغي وأثره في تحديد معنى القول مسألة ذات أهمية بالغة لدى رواد هذا الإطار النظري، في مقابل المكون الدلالي الذي يسند إليه تحديد دلالة الجملة داخل اللغة. وقد شهدت هذه المسألة تطورا في المعالجة واستخلاص النتائج، وظهر مدى التقييد الذي يحيط بمفهوم البلاغة لدى هؤلاء، في ابتعاد واضح عما يشكل جوهر البلاغة الأرسطية؛ وهو دراسة وسائل الإقناع(18).

أتاحت أبحاث ديكرو وانسكومبر الفرصة لمقاربة الاشتغال الحجاجي للغة الذي يتجلى في تسلسل الأقوال على أساس استخدام بعضها حججاً لفائدة بعضها الآخر؛ فاللغة لا تخلو من توجيه للأقوال، في وضعية تواصلية معينة، نحو نتائج محددة. وفي الوقت ذاته سمحت تلك الأبحاث بدراسة مختلف العناصر والوسائل التي تدعم وتسهل تلك التسلسلات الخطابية؛ وهي الروابط المستعملة لتحقيق الربط بين الأقوال وتحديد الاتجاه الحجاجي، والعوامل المستخدمة لتقييد الإمكانات الدلالية الحجاجية، وأخيراً المبادئ الحجاجية les TopoÏ التي تُؤمِّن ضمنياً تلك التسلسلات.      

وعلى الرغم من أن معظم أبحاث ديكرو وأنسكومبر اتجهت لدراسة وتحليل الأقوال، مع تمييز هذه الأخيرة عن الجمل، والبحث في صياغة وتطبيق قوانين الخطاب (قانون النفي، قانون الخفض، قانون القلب…)Ø› فإنها لم تنخرط بشكل فعال في تأسيس “نظرية لتحليل الخطاب” تتلاءم مع المفاهيم والإجراءات والقواعد التي صيغت في إطارها، بسبب عدّها الحجاج خاصية جوهرية في اللغة قبل أن يكون نمطاً من أنماط الخطاب أو خطاطة متضمنة في ثناياه أو تقنيات للوصل والفصل.

ولتحقيق ذلك الغرض برزت في المجال اللساني العربي إسهامات وجهود علمية إضافية  سعت نحو تجاوز الدراسة الحجاجية للجمل والأقوال إلى اعتماد الدراسة التحليلية الحجاجية للنصوص والخطابات، وهو ما استدعى إقرار الباحث أبي بكر العزاوي بوجوب إعمال التعديل والتطوير في مفاهيم التحليل الحجاجي، سواء على مستوى بنائها النظري أو استخدامها الإجرائي:

«إن المفاهيم الموجودة حاليا والتي نعتمدها في بحوثنا وتطبيقاتنا انبثقت من دراسة الجمل والأقوال، وتطبيقها على الخطاب أو النص يقتضي تطويرها وإضافة مفاهيم أخرى، مثل الاستراتيجية الخطابية وتعالق الروابط والبرنامج الحجاجي»(19).

• الاجتهاد وتحليل الخطاب:

لقد كان انشغالنا في المحور السابق متجها إلى إدراك مصادر التحليل الحجاجي المتمثلة في ثلاث مرجعيات؛ هي المرجعية البلاغية والمرجعية المنطقية والمرجعية التداولية، التي أمدت “تحليل الخطاب” بوسائل وأدوات جديدة، وفتحت بين أيدي الباحثين سبلاً وآفاقاً واسعة لمقاربة النصوص والخطابات بدل الاكتفاء بدراسة الكلمات والجمل والأقوال.

لكن عمق وسعة مسألة الاجتهاد في نطاق الشريعة الإسلامية- بما تتضمن من ضبط الأصول والمسالك والطرق في التعامل مع الأدلة الشرعية، وفي تحري المقاصد الشرعية- يفرضان على الباحث الاحتراز أثناء استحضار التصورات والنظريات اللسانية والبلاغية المعاصرة بهدف تشغيلها وسبر إمكاناتها وآفاقها.

فلنرجع أولا إلى ما قرره علماء الأصول في مدوناتهم بشأن علوم العربية ومنزلتها من “الاجتهاد”.

إن علم العربية أحد العلوم التي يستمد منها علم أصول الفقه مادته، وإن أغلب مباحث علم الأصول ترجع إلى علم اللغة؛ وذلك” لتوقف معرفة دلالات الأدلة اللفظية -من الكتاب والسنة، وأقوال أهل الحل والعقد من الأمَّة- على معرفة موضوعاتها لغة، من جهة الحقيقة والمجاز، والعموم والخصوص، والإطلاق والتقييد، والحذف والإضمار، والمنطوق والمفهوم، والاقتضاء والإشارة، والتنبيه والإيماء، وغيره مما لا يُعرَف في غير علم العربية “(20).

وفي مثل هذا قال الفخر الرازي: “لما كان المرجع في معرفة شرعنا إلى القرآن الكريم والأخبار -وهما واردان بلغة العرب ونحوهم وتصريفهم-كان العلم بشرعنا موقوفاً على العلم بهذه الأمور “(21).

وقد اعتنى الأصوليون بدراسة دلالات الألفاظ وتخصيصها بمباحث مستقلة، تتضمن النظر فيها، وفي علاقتها بالمعنى، وتحديد القواعد والضوابط، وشروط إعمالها لغاية الاستنباط من نصوص الوحي وفق ما جرت عليه عادة العرب في كلامهم. وفي هذا الباب قال الجويني: ” اعلم أن معظم الكلام في الأصول يتعلق بالألفاظ والمعاني، أما المعاني فستأتي في كتاب القياس إن شاء الله، وأما الألفاظ فلا بد من الاعتناء بها، فإن الشريعة عربية”(22).

وقال الشاطبي:” لا بد في فهم الشريعة من اتِّباع معهود الأميين، وهم العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، فإن كان للعرب في لسانهم عُرفٌ مستمرٌ؛ فلا يصح العدول عنه في فهم الشريعة. وإن لم يكن ثَمَّ عُرفٌ فلا يصح أن يجرى في فهمها على ما لا تعرفه، وهذا جارٍ في المعاني والألفاظ والأساليب”(23).

ولأن محور الدرس الدلالي عند الأصوليين هو العلاقة بين اللفظ والمعنى؛ فقد قسَّموا دلالات الألفاظ بناءً على اختلاف جهة العلاقة بين اللفظ والمعنى، ووفقا لاعتبارات نوردها كما يلي:

Ø£-باعتبار وضع اللفظ للمعنى، ÙˆÙŠØ´Ù…Ù„ هذا التقسيم: العام والخاص، والأمر والنهي، والمطلق والمقيد، والمشترك، والمترادف.

ب-باعتبار كيفية دلالة اللفظ على المعنى، ÙˆÙŠØ´Ù…Ù„ هذا التقسيم عند الجمهور: المنطوق والمفهوم، وينقسم المنطوق إلى: منطوقٍ صريح وغير صريح، كما ينقسم المنطوق غير الصريح إلى ثلاثة أقسام: إشارة النص، واقتضاء النص، وإيماء النص.

وينقسم المفهوم إلى نوعين: مفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة، وينقسم مفهوم الموافقة إلى أوليٍّ ومساوٍ. ويتفرع مفهوم المخالفة إلى أنواع: مفهوم الصفة، ومفهوم الحصر، ومفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم العدد. أما عند الحنفية فدلالة اللفظ على المعنى أربعة أقسام: عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص.

ج-باعتبار ظهور المعنى وخفائه، ÙˆÙŠØ´Ù…Ù„ هذا التقسيم عند الجمهور: النص والظاهر، والمجمل والمتشابه، ويشمل عند الحنفية: الظاهر، والنصّ، والمفسّر، والمحكم، والخفيّ، والمُشكِل، والمجمل، والمتشابه.

د- باعتبار استعمال اللفظ في المعنى، ÙˆÙŠØ´Ù…Ù„ هذا التقسيم: الحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، ومعاني الحروف.

وتنكشف دراسة المدونات الأصولية عن بيان أوصاف المجتهدين ومنزلة علوم العربية من عملية الاجتهاد. وفي هذا الموضع قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في كتابه “الموافقات”: ” إِنَّمَا تَحْصُلُ دَرَجَةُ الِاجْتِهَادِ لِمَنِ اتَّصَفَ بِوَصْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فَهْمُ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ عَلَى كمالها. والثاني: التمكن مِنَ الِاسْتِنْبَاطِ بِنَاءً عَلَى فَهْمِهِ فِيهَا”(24).

ثم بين -رحمه الله- “أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي كُلِّ عِلْمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاجْتِهَادُ عَلَى الْجُمْلَةِ؛ بَلِ الْأَمْرُ يَنْقَسِمُ: فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عِلْمٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَصَّلَ وَصْفُ الِاجْتِهَادِ بِكُنْهِهِ إِلَّا مِنْ طَرِيقِهِ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ حَقِيقَةً حَتَّى يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِيهِ؛ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْعُلُومِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ بِهِ مُعَيَّنًا فِيهِ وَلَكِنْ لَا يُخِلُّ التقليد فيه بحقيقة الِاجْتِهَادِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ مَطَالِبَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا”(25).

وذكر –بتوسعٍ- المطالب الثلاثة التي نوجزها كما يلي:

الْأَوَّلُ: “وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِي كُلِّ عِلْمٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الِاجْتِهَادُ عَلَى الْجُمْلَةِ” (26) .واستدل عليه بأمور.

الثَّانِي: “وَهُوَ فَرْضُ عِلْمٍ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عِلْمٌ لَا يَحْصُلُ الِاجْتِهَادُ فِي الشَّرِيعَةِ إِلَّا بِالِاجْتِهَادِ فيه، فهو بلا بُدٍّ مُضْطَرٌّ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا فُرِضَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ فِي الْعَادَةِ الْوُصُولُ إِلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ دُونَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَحْصِيلِهِ عَلَى تَمَامِهِ”(27). ورأى أبو إسحاق أن الأقرب في العلوم إلى أن يكون مندرجا في هذا الصنف عِلمُ اللغةِ العربيَّةِ، ولم يحصره في النَّحْو، وَلَا التصريف، وَلَا اللُّغَة، وَلَا عِلْم الْمَعَانِي، وَلَا غَيْر ذلك مِنْ أنواع العلوم المتعلِّقة باللسان؛ “بَلِ الْمُرَادُ جُمْلَةُ عِلْمِ اللِّسَانِ ألفاظاً أو معاني كيف تصورت، ما عدا علم الْغَرِيب، وَالتَّصْرِيفَ الْمُسَمَّى بِالْفِعْلِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالشِّعْرِ من حيث هو شعر كَالْعَرُوضِ وَالْقَافِيَةِ، فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُفْتَقَرٍ إِلَيْهِ هنا، وإن كَانَ الْعِلْمُ بِهِ كَمَالًا فِي الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ. وَبَيَانُ تَعَيُّنِ هَذَا الْعِلْمِ مَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْمَقَاصِدِ مِنْ أَنَّ الشَّرِيعَةَ عَرَبِيَّةٌ، وَإِذَا كَانَتْ عَرَبِيَّةً فَلَا يَفْهَمُهَا حَقَّ الْفَهْمِ إِلَّا مَنْ فَهِمَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةِ حَقَّ الْفَهْمِ؛ لِأَنَّهُمَا سِيَّانِ فِي النَّمَطِ مَا عَدَا وُجُوهَ الْإِعْجَازِ” (28)

الثَّالِثُ: “وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْعُلُومِ أَنْ يَكُونَ الْمُجْتَهِدُ عَالِمًا بِهَا؛ فَقَدْ مَرَّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ إِذَا بَنَى اجْتِهَادَهُ عَلَى التَّقْلِيدِ فِي بَعْضِ الْمُقَدِّمَاتِ السَّابِقَةِ عَلَيْهِ؛ فَذَلِكَ لا يضره في كونه مجتهدًا في عين مسألته”(29).

في هذا السياق – سياق دراسة مسألة الاجتهاد ومعرفة علوم العربية – فحص الشاطبي -رحمه الله- أقوال الأصوليين، ومنهم الغزالي والشافعي رحمهم الله تعالى، فكان في  Ø¢Ø±Ø§Ø¦Ù‡ من القوة في الاستدلال والوضوح في المعنى ما يجعلنا نتمسك بها ونتطلع عبرها إلى آفاق التطوير الدائم.

مساران علميان في كيفية التعامل مع مسألة الاجتهاد والدراسات اللغوية المعاصرة:

هناك مساران علميان على الأقل في كيفية التعامل مع مسألة الاجتهاد:

المسار الأول هو مسار النظر العلمي المقارن:

يمكن أن نرصد فيه نقط الالتقاء بين الدرس اللغوي الأصولي والنظريات اللسانية والبلاغية المعاصرة التي اشتغلت بتحليل النصوص، ودراسة المعنى، وبيان أثر السياق، ودلالة الاقتضاء الصريح والمضمر، ومعاني الحروف، والروابط والعوامل .. وذلك لمعرفة الإمكانات العلمية المتاحة لتطوير Ø§Ù„اجتهاد الأصولي، Ø£Ùˆ على الأقل فتح نوافذ للتفكير المنهجي في تطوير العلوم الإسلامية الخادمة للشريعة Ùˆ”تطبيق الشريعة” في العالم المعاصر.

وهنا وجب التنبيه -بخصوص المعرفة اللغوية- إلى ما قرره علماء الأصول، وقد أشرنا إلى جهبذهم، من كون حاجة المجتهدين شديدة إلى بلوغ درجة فهم العربية كما يفهما العربي، على أن الإمام الشاطبي رحمه الله لم يوافق على القول: “إن الأصوليين قد نفوا المبالغة في فهم العربية”ØŒ بل أكد “أَنَّهُ لَا غِنَى لِلْمُجْتَهِدِ فِي الشَّرِيعَةِ عَنْ بُلُوغِ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ فَهْمُ خِطَابِهَا لَهُ وَصْفًا غَيْرَ مُتَكَلَّفٍ ولا متوقف فيه في الغالب إِلَّا بِمِقْدَارِ تَوَقُّفِ الْفَطِنِ لِكَلَامِ اللَّبِيبِ” (30) .

ولما كان من الثابت “تحصيل علم العربية على تمامه” لتحقيق الاجتهاد في الشريعة في عصرنا وفي كل عصر؛ فإنه من الثابت أيضا التسليم بوجوب الاهتمام بعلوم اللغة العربية نحوا وصرفا وبلاغة وفقه لغة، تأليفا وتدريسا.

المسار الثاني هو مسار الاجتهاد العلمي والفكري العابر للتخصصات: 

يحتاج مجتهدو الشريعة إلى الاطلاع على عدد من العلوم والمعارف المتجددة في كل عصر. على أن العلم بها متفاوت كما أقر الإمام الشاطبي – رحمه الله – في قوله: “لَكِنَّ هَذِهِ الْمَعَارِفَ تَارَةً يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَالِمًا بِهَا مُجْتَهِدًا فِيهَا، وَتَارَةً يَكُونُ حَافِظًا لَهَا مُتَمَكِّنًا مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَقَاصِدِهَا غَيْرَ بَالِغٍ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فِيهَا، وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ حَافِظٍ وَلَا عَارِفٍ؛ إِلَّا أَنَّهُ عَالِمٌ بِغَايَتِهَا وَأَنَّ لَهُ افْتِقَارًا إِلَيْهَا فِي مَسْأَلَتِهِ الَّتِي يَجْتَهِدُ فِيهَا؛ فَهُوَ بِحَيْثُ إِذَا عَنَّتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ يَنْظُرُ فِيهَا زَاوَلَ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِتِلْكَ الْمَعَارِفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَسْأَلَتِهِ؛ فَلَا يَقْضِي فِيهَا إِلَّا بِمَشُورَتِهِمْ”(31).

ضمن هذا النوع من العلوم والتخصصات، يقع تصنيفنا للدراسات اللسانية والبلاغية، ولنظريات تحليل الخطاب عامة؛ لكونها علوما ومعارف مستجدة أثمرت جملة قيمة من الخلاصات والنتائج البحثية بناء على دراسة النصوص والخطابات بأنواعها (الإعلامية والدينية والسياسية والقانونية والفلسفية)، والكشف عن استراتيجيات الإقناع التي تتضمنها، والتقنيات الحجاجية التي تستعملها.

ولكوننا مقتنعين بضرورة الاجتهاد الجماعي نظرا وتطبيقا، خاصة في حاضر أمتنا الإسلامية؛ لما يتيحه من تظافر جهود علمية متنوعة؛ فإننا نرى ضرورة انفتاح علماء الشريعة على هذه النظريات والعلوم اللسانية التي أشرنا إلى بعضها في هذه الورقة البحثية.

وقد لا يكون مطلوبا من المجتهدين في إطار الفقه وأصوله أن يطلعوا على هذه النظريات المختلفة، ويكون مطلوبا تطوير العلاقات المؤسسية والعلمية والتكنولوجية لمشروع الاجتهاد الجماعي بما يتيح إفادتهم من الخبراء في مجال اللسانيات والبلاغة وتحليل الخطاب؛ لكشف طرق الإقناع وتقنياته في الخطابات السياسية والإعلامية والقانونية والدينية وغيرها. ونعتقد أن الاطلاع على نظريات تحليل الخطاب والنظريات اللسانية والبلاغية يفيد المجتهدين في باب تحقيق المناط وفي الفتوى وفقه النوازل.

يعدُّ تحقيقُ المناط العمودَ الفقري لعملية الاجتهاد، كما أن تنزيل الحكم وتطبيقه على الجزئيات والوقائع لا يتم إلا بعد التحقق من وجود المناط فيها. ويعدَّ الاجتهاد بتحقيق المناط ضروريا للشريعة الإسلامية؛ فهو الذي يكفل خلودها وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان، وذلك بتحقيق مناطات نصوصها العامة وقواعدها الكلية في الوقائع المعروضة. كما أن الحاجة إلى تحقيق المناط لا تقتصر على المجتهدين، بل تعم لتشمل القضاة والمفتين فضلا عن المكلفين العوام. وتزداد أهمية تحقيق المناط في أيامنا هذه مع تجدد المسائل وكثرة النوازل المفتقرة إلى اجتهاد وفق أدلة الشرع ومقاصده، وذلك من خلال تحقيق مناطات الأحكام فيها(32).

وفي الموسوعة الفقهية ما نصه: “حَقَّقَ الأَمْرَ: تَيَقَّنَهُ أَوْ جَعَلهُ ثَابِتًا لازِمًا. وَالمَنَاطُ: مَوْضِعُ التَّعْليقِ. وَمَنَاطُ الحُكْمِ عِنْدَ الأُصُوليِّينَ: عِلتُهُ وَسَبَبُهُ. وَتَحْقِيقُ المَنَاطِ عِنْدَ الأُصُوليِّينَ: هُوَ النَّظَرُ وَالاجْتِهَادُ فِي مَعْرِفَةِ وُجُودِ العِلةِ فِي آحَادِ الصُّوَرِ، بَعْدَ مَعْرِفَةِ تِلكَ العِلةِ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ اسْتِنْبَاطٍ، فَإِثْبَاتُ وُجُود العِلةِ فِي مَسْأَلةٍ مُعَيَّنَةٍ بِالنَّظَرِ وَالاجْتِهَادِ هُوَ تَحْقِيقُ المَنَاطِ. فَمِثَالُ مَا إذَا كَانَتْ العِلةُ مَعْرُوفَةً بِالنَّصِّ: جِهَةُ القِبْلةِ، فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ اسْتِقْبَالهَا، وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قوله تعالى: {وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } وَأَمَّا كَوْنُ جِهَةٍ مَا هِيَ جِهَةَ القِبْلةِ فِي حَالةِ الاشْتِبَاهِ فَمَظْنُونٌ بِالاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ فِي الأَمَارَاتِ.  وَمِثَالُ مَا إذَا كَانَتْ العِلةُ مَعْلُومَةً بِالإِجْمَاعِ: العَدَالةُ؛ فَإِنَّهَا مَنَاطُ وُجُوبِ قَبُول الشَّهَادَةِ، وَهِيَ مَعْلُومَةٌ بِالإِجْمَاعِ، وَأَمَّا كَوْنُ هَذَا الشَّخْصِ عَدْلاً فَمَظْنُونٌ بِالاجْتِهَادِ. وَمِثَالُ مَا إذَا كَانَتْ العِلةُ مَظْنُونَةً بِالاسْتِنْبَاطِ: الشِّدَّةُ المُطْرِبَةُ، فَإِنَّهَا مَنَاطُ تَحْرِيمِ الشُّرْبِ فِي الخَمْرِ، فَالنَّظَرُ فِي مَعْرِفَتِهَا فِي النَّبِيذِ هُوَ تَحْقِيقُ المَنَاطِ، وَسُمِّيَ تَحْقِيقَ المَنَاطِ؛ لأَنَّ المَنَاطَ وَهُوَ الوَصْفُ عُلمَ أَنَّهُ مَنَاطٌ، وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي تَحْقِيقِ وُجُودِهِ فِي الصُّورَةِ المُعَيَّنَة.

وتَحْقِيقُ المَنَاطِ مَسْلكٌ مِنْ مَسَالكِ العِلةِ، وَالأَخْذُ بِهِ مُتَّفَقٌ عَليْهِ. وَقَدْ يُعْتَبَرُ تَحْقِيقُ المَنَاطِ مِنْ قِيَاسِ العِلةِ. وَقَال الغَزَاليُّ: هَذَا النَّوْعُ مِنْ الاجْتِهَادِ لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ الأُمَّةِ، وَالقِيَاسُ مُخْتَلفٌ فِيهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا قِيَاسًا ØŸ وَتَحْقِيقُ المَنَاطِ يَحْتَاجُ إليْهِ المُجْتَهِدُ وَالقَاضِي وَالمُفْتِي فِي تَطْبِيقِ عِلةِ الحُكْمِ عَلى آحَادِ الوَقَائِعِ”(33).

ولا يخفى ما يمكن أن يتيحه هذا المصطلح العلمي من آفاق معرفية واسعة أمام الاجتهاد والمجتهدين في عصرنا، خاصة إذا وقفنا عند بعض مكامن الخلل الناجم من إعراض بعض علماء الشريعة عن “فهم” المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعرفية المؤثرة في مرحلة “ثورات الربيع العربي” وما تلاها.

كما أن تنزيل مرجعية الاجتهاد المعاصر على الواقع -وهي Ø§Ù„مرجعية الشرعية Ø§Ù„متصلة بمصادر الوحي الكريم (الكتاب والسنة)ØŒ وبما يُبنى عليها من معان وقواعد ومقاصد، والمرجعية اللغوية Ø§Ù„متصلة باللغة العربية وقواعدها وأساليبها وحقائقها ومعهود العرب في التخاطب، والمرجعية التزكوية Ø§Ù„تي تُعنى بالحالة التربوية للمجتهد ومدى تحليه بصفات التقوى والصلاح والورع، وبصفات المصداقية والأمانة والأخلاقية المهنية- يأخذ عدة مسالك، هي)34)

– مسلك استخلاص الفروع والأحكام والمعاني المختلفة والمتفرقة- (ظواهر النصوص وعموم الأدلة وكبريات التوجيهات والتعليمات وحقائق الإجماعات).

– مسلك القياس والتخريج والتنقيح والتحقيق (تخريج المناط وتنقيح المناط وتحقيق المناط).

– مسلك الاستقراء لتقرير الكليات (التقعيد، والتأصيل).

– مسلك ربط الجزئيات بالكليات (التكييف والتخريج والحمل).

– مسلك تحكيم الثابت في المتغير.

– مسلك ربط المقاصد بالوسائل (الوسائل لها أحكام المقاصد).

– مسلك مراعاة مآلات الأفعال (الذرائع سدا وفتحا).

– مسلك الموازنات والترجيحات والاختيارات.

– مسلك ملاحظة الفروق والقوادح والاستثناء من الأصل (قوادح القياس والاعتراضات على الأصول والاستثناء من القواعد).

– مسلك التحرير والتحقيق والتوثيق.

هذه المسالك العلمية المتعددة وجهات لتنزيل مرجعية الاجتهاد المعاصر على الواقع السياسي والحقوقي والاجتماعي والقانوني المحلي والعالمي، وهي في الوقت نفسه اختبار متجدد لكيفية تشغيل العقل المجتهد في معالجة المستجدات والنوازل.

كما تبرز أهمية مسالك تنقيح المناط والموازنات والترجيحات والاختيارات في مرجعية الاجتهاد كلها، بما تستند إليه من ضرورة استكمال “التصور” Ùˆ”الفهم” للموضوعات والإشكالات والمسائل، وهذا لا يتأتى دون فهم وإدراك دلالات ومقاصد الخطابات السياسية والدينية والإعلامية والقانونية، والوقوف عند بنياتها الحجاجية المتنوعة.

وبالرجوع إلى ما أنجزناه في المبحث الأول فإننا نستطيع أن نذكر بالإمكانيات المهمة التي يتيحها التحليل الحجاجي للنصوص والخطابات بمصادره البلاغية والمنطقية والتداولية، في مضمار فهم المجتهدين المعاصرين لمسالك الاستدلال والمحاجة والإقناع، ولطرق التأثير في الجمهور من أجل الانخراط في الأطاريح التي تتضمنها تلك الخطابات.

ذلك أن النظريتين المعاصرتين – منطق غريز الطبيعي، وبلاغة بيرلمان الجديدة – تطوران –بتواز- كثيراً من المبادئ المؤسسة للتحليل الحجاجي. خلافاً للمنطق غير الصوري تتقاسم النظريتان فعلاً الفكرة القائلة بأن الحجاج ليس استدلالاً مجرداً؛ لكنه خطاب يعرض في وضعية تواصل تتضمن على الأقل شريكين اثنين. إن الحجاج خطابي وحواري، يصوغ طرائق النظر والتفكير عبر مسارات تضع ضمن دائرة النقاش الصورة التي يشكلها شريكا التبادل بعضهما عن بعض، والمسبقات الثقافية (مقدمات منطقية، تمثلات..) التي يرتكز عليها التبادل(35).

يسعى بيرلمان -داخل إمبراطوريته البلاغية- إلى استرجاع الصلة بين البلاغة والمكون الحجاجي الذي سلبته منها فترة “انحدار النظرية الحجاجية في حضن البلاغة”ØŒ مستلهماً الإرث الأرسطي، وموسعاً دائرة التحليل الحجاجي نحو “الخطاب الاحتفالي” épidictique الذي أدرجه أرسطو ضمن المشروع السفسطائي.

ومعلوم ما أضافته المرجعية التداولية من آفاق واسعة للتحليل الحجاجي، بدءًا من اكتشاف النظام اللغوي وكيفية اشتغاله في ارتباط مع الوظيفة الكلامية والذوات المشاركة في العملية التواصلية وملامح المقام وشروطه المنغرسة أصالةً في الإنتاج الكلامي، ومرورا بما أتاحته أبحاث ديكرو وانسكومبر لمقاربة الاشتغال الحجاجي- للغة الذي يتجلى في تسلسل الأقوال على أساس استخدام بعضها حججا لفائدة بعضها الآخر؛ فاللغة لا تخلو من توجيه للأقوال، في وضعية تواصلية معينة، نحو نتائج محددة. وفي الوقت ذاته سمحت تلك الأبحاث بدراسة مختلف العناصر والوسائل التي تدعم وتسهل تلك التسلسلات الخطابية، وهي الروابط المستعملة لتحقيق الربط بين الأقوال وتحديد الاتجاه الحجاجي، والعوامل المستخدمة لتقييد الإمكانات الدلالية الحجاجية، وأخيراً المبادئ الحجاجية les TopoÏ التي تُؤمِّن ضمنياً تلك التسلسلات.

إن إغفال علماء الشريعة والمتخصصين في الفكر الإسلامي لمجال تحليل الخطاب وإمكاناته الاستدلالية الحجاجية، في مرحلة “ثورات واحتجاجات الربيع العربي” منع الإفادة من طرائق ومسالك مهمة نحو فهم الاستراتيجيات الحجاجية التي تبناها المشاركون في هذه التحولات التاريخية، سواء أكانوا من الشباب الثائر أو المؤسسات الأمنية والعسكرية أو البنيات السياسية والمدنية، أو حتى تلك التي تبناها الفاعلون المؤثرون من خارج السياق العربي.

ولهذا نجدد الدعوة إلى ضرورة تفعيل هذه الرؤية ضمن المسار الثاني؛ مسار الاجتهاد العلمي والفكري العابر للتخصصات، بما يسمح للمشاركين في عملية الاجتهاد الجماعي من فهم الاستراتيجيات والخطاطات الحجاجية، التي تعد عماد الخطابات الدينية والسياسية والقانونية والإعلامية المتداولة في الفضاء العمومي، وهي جزء فاعل في الواقع الذي يتعين تصوره وإدراكه لتنزيل الأحكام الشرعية وتحقيق المصالح والمقاصد الشرعية.   

• خاتمة:

إن من جملة الخلاصات التي ننتهي إليها في هذه الورقة البحثية ما يلي:

• يتعين التمييز في مجال المعارف والعلوم اللغوية بين نوعين اثنين لا ينزلان في درجة واحدة من عملية الاجتهاد، بل ينزلان في درجتين متفاوتتين؛ أما النوع الأول فهو علوم العربية التي لا يُفهم الخطاب الشرعي إلا بها. وأما النوع الثاني فهو مختلف العلوم والمعارف والنظريات المستجدة في المجال اللساني والتداولي والبلاغي العربي والأجنبي.

• إن الاجتهاد الجماعي جسر مهم لنقل الجهود العلمية والفكرية المتنوعة التي يبذلها علماء الشريعة والأكاديميون والمفكرون إلى مستوى من التكامل والانسجام، بما يخدم حاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها، ويحقق مصالحها الاستراتيجية ومطالبها المتجددة، ومنها الوحدة والعزة والقوة؛ وذلك لتقوى على القيام بواجبها الرسالي في العالمين. لهذا نرى ضرورة اطلاع؛ علماء الشريعة على النظريات والعلوم اللسانية الدلالية والتداولية، والبلاغية، والمنطقية التي أشرنا إلى بعضها في هذه الورقة البحثية. فإن لم يتيسر هذا الاطلاع، فلا أقل من تنظيم الحلقات النقاشية والندوات العلمية التي تفتح أبواب الفهم والإدراك لمجمل القضايا والإشكاليات المستجدة.

• لتحصيل ملكة فهم الشريعة على مقتضى سليقة العرب يجب الاهتمام بعلوم اللغة العربية: نحوا وصرفا وبلاغة وفقه لغة، تأليفا وتدريسا وتعميما، خاصة لوجود خطر العجمة، ولازدياد خطر التأثر بالنظريات والمناهج الغربية في دراسة الوحي بما ينزع صفة القدسية عن كلام رب العالمين، ويجعله بمنزلة النصوص والخطابات البشرية [1].

***

المصادر والمراجع:

المراجع والمصادر:

• قدمنا ورقة بحثية في موضوع: “التحليل الحجاجي للخطاب القرآني: نماذج وملاحظات” في الندوة الدولية: “الخطاب القرآني: البنية والفهم والاستنباط” المنعقدة يومي 19-20 نوفمبر 2013 بكلية الآداب سايس فاس، المغرب. وقد نشرت الورقة في كتاب “التحليل الحجاجي للخطاب”ØŒ بحوث محكمة، إشراف وتقديم: د. سعيد العوادي ود. أحمد قادم، دار كنوز المعرفة- الأردن 2016 .

• انظر: [  Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, p :7. ]

• انظر: [Philippe Breton, Gilles Gauthier : Histoire des théories de l’argumentation, p :10. ]

• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p :15. ]

• انظر: [ibid. p :16.]

• انظر: [ibid. p :17. ]

• مركز الأبحاث السيميولوجية التابع لجامعة نوشاتل Centre de Recherches sémiologiques de l’Université de Neuchâtel.  

• انظر: [Jean-Blaise Grize, Argumentation et Logique Naturelle, Convaincre et Persuader, p :264.]

• انظر: [Jean -Blaise Grize, Travaux du Centre de recherches sémiologiques, 7, P :3. ]

• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p :20. ]

• انظر: [Jean-Blaise Grize, Argumentation et Logique Naturelle, op. cit. p :265-266 ]

• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p :20-21. ]

• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p : 21.]

• انظر: [ibid. p :24..]

• انظر: [Eemeren Frans H. van, Grootendorst Rob,  Speech Acts in Argumentative Discussions, p :53..]

• انظر: [O. Ducrot (en collaboration), Les Mots Du Discours, op. cit. p: 7. ]

• انظر: [ibid. p 18.]

• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours,op. cit. p :25. ]

• الخطاب والحجاج، أبو بكر العزاوي، ص 28.

• الإحكام في أصول الأحكام، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي الآمدي، تحقيق: د. سيد الجميلي، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: 1، 1404، ج1 ص24.

• المحصول في علم أصول الفقه، فخر الدين محمد الرازي، تحقيق: طه جابر العلواني، جامعة الإمام محمد بن سعود، لجنة البحوث والتأليف والترجمة والنشر – الرياض، الطبعة: 1ØŒ (1399هـ/1979Ù…)ØŒ ج1 ص 275.

• البرهان في أصول الفقه، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني، تحقيق: صلاح بن محمد بن عويضة، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: 1، 1997، ج 1 ص 43.

• الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، الجزء الثاني، 82.

• الموافقات في أصول الشريعة، الشاطبي، الجزء الرابع، ص 105-106.

• المرجع السابق، ص 108-109.

• المرجع السابق، ص 109.

• المرجع السابق، ص 114.

• المرجع السابق، ص 114-115.

• المرجع السابق، ص 118.

• المرجع السابق، ص 118.

• المرجع السابق، ص 107-108.

• عصام صبحي صالح شرير، تحقيق المناط وأثره في اختلاف الفقهاء، رسالة ماجستير،كلية الشريعة والقانون، الجامعة الإسلامية بغزة، 2009.

• الموسوعة الفقهية، مجموعة من العلماء بإشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، مطبعة وزارة الأوقاف الكويتية، ج16 ص147.

• نور الدين الخادمي: المجتهد المعاصر وحقوق الإنسان، مجلة التسامح، العدد الرابع والعشرون، لسنة 1429هـ / 2008 م.

• انظر: [Ruth Amossy, L’argumentation dans le discours, op. cit. p :20-21. ]

[1]– وقد بينا أمثلة من ذلك في بحثنا: “التحليل الحجاجي للخطاب القرآني: نماذج وملاحظات”.

Related posts

Leave a Comment