المهام الأساسية للأستاذ الجامعى هى إنتاج معار٠جديدة، ونقلها إلى طلابه، وإرشادهم وتوجيههم كى ينتجوا معار٠جديدة بأنÙسهم. ومن ثمَ، Ùإن الأدوار الأساسية لأستاذ الجامعة هى كونه باØثا، ومدرسا، وموجها. لكن هناك أدوارا أخرى متنوعة يقوم بها أساتذة الجامعات. منها دور الأستاذ الإدارى، سواء عَمÙÙ„ ÙÙ‰ المؤسسات الجامعية Ù†Ùسها (رئيس قسم، أو عميد، أو رئيس جامعة، أو غيرها)ØŒ أو ÙÙ‰ مؤسسات خارجها (الوزارات أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو غيرها). كما يقوم أساتذة الجامعات بأدوار مهنية مرتبطة بطبيعة عملهم، Ùأساتذة الهندسة، مثلا، يقومون بدور استشاريين هندسيين، وأساتذة الطب قد يؤسسون مستشÙيات خاصة، Ùيقومون بدور رجال الأعمال، وهلم جرا. علاوة على ذلك، قد يقوم أساتذة الجامعة بأدوار سياسية وأخرى أمنية، على Ù†ØÙˆ ما رأينا ÙÙ‰ Øالة الÙيلسو٠الألمانى مارتن هيدجر، الأستاذ بجامعة Ùرايبورج، الذى ساند نظام هتلر المستبد، Ùتعرضت سمعته ومكانته العلمية لأضرار هائلة، وعانى من نبذ المجتمع الأكاديمى له لسنوات طويلة من عمره بعد سقوط النازية. وهو المصير Ù†Ùسه الذى تعرض له قلة من أساتذة الجامعات الأمريكية ممن قَبÙلوا أن يشوا بزملائهم أثناء الØملة المكارثية على أصØاب الميول اليسارية ÙÙ‰ خمسينيات القرن الماضى.
https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=26112020&id=4cd42373-b842-47d7-9103-16e930f2dbe8
الأستاذ أبا
لكن هذه الأدوار المهنية والأكاديمية لا تغطى كل أدوار أساتذة الجامعات، لا سيما ÙÙ‰ عالمنا العربى. Ùهناك أدوار أخرى متنوعة، Ùرضتها ظرو٠هذه المجتمعات، أهمها الأدوار الاجتماعية. وهذا المقال مخصص لدور اجتماعى واØد هو الأستاذ الجامعى بوصÙÙ‡ أبا، وهو دور اجتماعى شائع ÙÙ‰ كثير من الجامعات، يقوم Ùيه الأستاذ بوظائ٠قريبة الصلة من تلك التى يقوم بها الأب؛ أى دعم الأبناء ورعايتهم Ù†Ùسيا ومعنويا وماديا. وبالطبع Ùإن هذا الدور ليس من صميم المهام الأكاديمية للأستاذ، بل نتاج تصور نبيل لعمل الأستاذ يدÙعه إلى التضØية بجزء كبير من وقته، وجهده، وماله لمساعدة طلابه، إدراكا منه أنه يقوم بدور مزدوج يجمع بين الأستاذ والأب. ÙˆÙÙ‰ الØقيقة Ùإن الجامعات العربية، خاصة ÙÙ‰ المجتمعات غير الغنية، تدين لهؤلاء الأساتذة / الآباء، بالكثير.
ترجع الأهمية الØاسمة لهؤلاء الأساتذة / الآباء إلى الظرو٠شديدة الصعوبة التى يعيشها طلاب الجامعات، وبخاصة ÙÙ‰ مراØÙ„ الدراسات العليا، Ùمعظمهم لا تتواÙر له الاØتياجات الأساسية لبØثه؛ سواء Ùيما يتعلق بالإشرا٠والتوجيه العلمى من المشرÙين عليه، ولا الإمكانيات المادية التى تساعده على الØصول على الكتب أو المواد التى تØتاجها بØوثه، ولا الدعم والإرشاد النÙسى الضرورى جدا على مدى Ùترة الدراسة Øتى لا يقع الطالب/Ø© Ùريسة القلق المزمن، أو اليأس، أو الانهيار، ولا الدعم الإدارى المؤسسى الذى ييسر على الطالب رØلته مع دواليب الموظÙين. نتيجة لذلك يشعر الطلاب أنهم غرقى ÙÙ‰ بØر، بلا معين أو دليل. ÙˆØين يجدون أستاذا يستمع إليهم، ويوجههم، ويذلل بعض الصعوبات لهم، ويدعمهم معنويا، ويساعدهم ماديا، Ùإنهم يتشبثون به، تشبث الغريق بلوØ٠خشبى، طلبا للنجاة.
الأساتذة / الآباء يشبهون واØات الصØراء؛ Ùهم قلة قليلة لكنهم شديدو التأثير والأهمية؛ إذ يأوى إليهم الطلاب ليجدوا ÙÙ‰ كنÙهم التÙهم، والمساندة، والاØترام، والعطاء. وقد عاينت٠الأثر الذى يتركه الواØد منهم ÙÙ‰ Øياة مئات الأشخاص. وكى Ù†Ùدرك قيمة هؤلاء الأساتذة/الآباء، سو٠ألقى بعض الضوء على مثال واØد، هو الراØÙ„ الدكتور سليمان العطار، المترجم الشهير، وأستاذ الأدب بجامعة القاهرة.
عرÙت٠دكتور العطار على مدى ربع قرن، أستاذا وزميلا ÙÙ‰ جامعة القاهرة. خلال هذا السنوات الطوال Ø¹Ø§ÙŠÙ†ØªÙ ÙƒÙŠÙ ÙŠÙ…Ù†Ø ÙˆÙ‚ØªÙ‡ وجهده وأÙكاره وماله لطلابه. Ùقد كان يذهب إلى الجامعة كل يوم تقريبا، ويقضى Ùيها من Ø§Ù„ØµØ¨Ø§Ø Ø¥Ù„Ù‰ المساء، ويلت٠Øوله دوما طلاب الليسانس والدراسات العليا من كل الأقسام، موزعا على الجميع عطايا روØÙ‡ ÙˆÙكره دون استثناء. ÙˆÙÙ‰ Øين اختار أساتذة ÙƒÙØ«Ùر الØÙاظ على تواصل رسمى مع طلابهم، Øرص دكتور العطار على تأسيس نمط مغاير يستند تØديدا إلى أستاذية أبوية، استمدت قوتها من سمتين مميزتين:
1. أبوة دون قيود
يتطلب البØØ« العلمى توÙر Øريات أكاديمية شبه مطلقة؛ ØªØªÙŠØ ÙˆÙ„Ø§Ø¯Ø© الأÙكار الأكثر إبداعا؛ أى الأكثر اختلاÙا مع الأÙكار المتداولة. ÙˆÙÙ‰ الØقيقة، Ùإن الأكاديميات العربية تعر٠أشكالا شتى من تقييد الØريات الأكاديمية. لكن أخطر أسباب تقييد الØريات الأكاديمية هو شيوع تصور خاطئ للأستاذ الأب. Ùكثير من الطلاب «يتØرجون» من نقد المساهمات العلمية لأساتذتهم، خوÙا من أن ÙŠÙنظر إلى هذا النقد على أنه شكل من أشكال «العقوق» و«نكران الجميل». ويظن هؤلاء أن ترديد نظريات أساتذتهم، وآرائهم، والدوران ÙÙ‰ Ùلك Ø£Ùكارهم، هو تعبير عن الولاء الصادق، غير مدركين أن هذه الممارسات تصيب البØØ« العلمى Ù†Ùسه ÙÙ‰ مقتل. على خلا٠هذه الأبوة الخانقة للبØØ« العلمى، كان الأستاذ العطار يتبنى تصورا للأستاذ الأب، يخلو من تقييد Øرية الØÙ‚ ÙÙ‰ الاختلاÙ. Ùقد كان ÙŠØÙز طلابه على الاختلا٠معه، ونقد رأيه، والتعبير عن Ø£Ùكارهم الخاصة، والدÙاع عنها، Øتى لو كانت تهدم على Ù†ØÙˆ جذرى ما يقدمه.
2. أبوة دون مقابل
يتعامل بعض الأساتذة مع أبوَتهم لطلابهم بوصÙها شكلا من المقايضة؛ إذ يقايضون الØماية التى يسبغونها على طلابهم، والدعم الذى يقدمونه لهم، بولاء الطلاب لهم، والانØياز إلى صÙهم. يتخذ هذا المسار منØÙ‰ خطرا ÙÙ‰ ظل أجواء الصراعات والتØزبات والشللية التى تنتشر ÙÙ‰ المؤسسات الجامعية العربية. ÙÙ‰ هذه الأجواء المسمومة، يجد بعض الطلاب أنÙسهم منخرطين ÙÙ‰ صراعات لا ناقة لهم Ùيها ولا جمل، إذا أرادوا أن ÙŠØظوا بدعم أساتذتهم. هذه الأبوة العصبية شديدة الخطورة على البØØ« العلمى، Ùهى تستنز٠قدرا هائلا من طاقة الباØثين، وتÙسد الأجواء المهنية التى يجب أن تظللهم، وتØÙˆÙÙ„ الجامعة إلى مؤسسة قَبَلية، تتØول Ùيها علاقات الأساتذة والطلاب إلى علاقات شيوخ وأتباع. ÙˆØين أنظر إلى الدرس الذى يقدمه دكتور العطار، رØمه الله، Ùإننى أدرك أن Ø£Øد أهم مصادر قوته أنه تلاÙÙ‰ عيوب قاتلة ÙÙ‰ مزج الأستاذية بالأبوة؛ لأنه لم يجعل الأبوة قيدا Øريريا خانقا Ù„Øرية البØØ« العلمى، ولا شكلا من أشكال الولاء الأعمى، والشللية المدمرة.