طالبَ العلم .. Ø£ÙسÙØ Ù„Ø¯ÙŽÙ…Ø¹Ùƒ
http://saaid.net/Doat/mishari/5.htm
بسم الله الرØمن الرØيم
من القواعد العظيمة الأثر ÙÙŠ شريعة الله تعالى ما Ø§ØµØ·Ù„Ø Ø¹Ù„ÙŠÙ‡ الÙقهاء بقولهم: (الغÙنم٠بالغÙرم) .. وأصله قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان)ØŒ وهذه القاعدة تجسيدٌ لمعنى التلازم بين النماء والدرك، والÙائدة والخسارة ÙÙŠ الأØكام الÙقهية، ÙكلÙÙ‘ من كان معرَّضًا للخسارة Ùهو مستØقٌّ للربØØŒ والمبيع لما كان تلÙÙ‡ داخلًا ÙÙŠ ضمان المشتري Ùإن غلَّتَه ونماءَه تكون من ØظÙّه وغÙنمÙÙ‡.
ولا يكاد ينÙÙƒÙÙ‘ أمرٌ من أمور الدنيا والآخرة عن تسلÙّط متلازمة Ø§Ù„Ø±Ø¨Ø ÙˆØ§Ù„Ø®Ø³Ø§Ø±Ø© عليه، Ùالعبادة التي يسعى الناسك لتØصيل Øلاوتها ربما استØالت جØيمًا عليه Ùيما لو داخل العÙجب٠قلبه وسيطر عليه.
وكذلك العلم .. Ùإن Ù…ØصÙّلَه لما كان من أعلى الناس مقامًا ÙÙŠ الجنة لو استقام قلبÙÙ‡ وتجرَّد قصدÙه، Ùإنه معرَّضٌ لأن يكون مبتدأَ تسعير النار لو Ùسدت نيته.
والعامل بما علم لما كان مضاعَÙÙŽ الأجر باجتماع العلم والعمل Ù…Ùضَّلًا على العامل على جهل، Ùإنه مضاعَÙ٠الوزر بهجره العملَ بما عَلÙÙ…ÙŽ قاصرٌ عن رتبة الهاجر عن جهل، Ùقليل٠العلم من هذه الجهة أسلم٠من كثيره .. ولذلك قال أبو الدرداء رضي الله عنه:
(ويلٌ لمن لا يعلم ولا يعمل مرةً، وويلٌ لمن يعلم ولا يعمل سبعَ مرَّات)[1].
ومن جهة٠أخرى .. Ùإنَّ الطالبَ الساعيَ لنوال لذة العلم Ù„ÙيبلÙغَ به مدارجَ الإيمان ربَّما كان هذا العلم الذي يقصده من أكبر العوائق الصادَّة له عن ØµÙ„Ø§Ø Ù‚Ù„Ø¨Ù‡!
لماذا هذه التقدمة؟
إذا ÙÙŽÙ‚ÙÙ‡ طالب العلم Øقيقةَ ما يطلبه، ولأيÙÙ‘ شيء٠أعلى الله تعالى مقامَه = أيقن أنه إلى علم٠قليل٠يستØØ«ÙÙ‘ جوارØÙŽÙ‡ للعمل وقلبَه إلى القرب من الله تعالى Ø£Øوج٠منه إلى كثير٠يÙثقÙل٠جوارØÙŽÙ‡ ويÙبعÙد٠Ùؤادَه، وقد قال مالكٌ من قبل:
(لا Ø£ØبÙÙ‘ الكلامَ إلا Ùيما تØتَه عمل، لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام إلا Ùيما تØته عمل)[2].
ومدَّ Øبلًا إلى العلوÙÙ‘ Ùنقل عن القاسم بن Ù…Øمد أنه قال:
(أدركت٠الناسَ وما يعجبهم القول، إنما يعجبهم العمل)[3].
وهذا من تمام٠الÙقه عن الله، وكمال٠رعاية العلم، Ùالعلم إنما شَرÙ٠لشَرَÙ٠ثمرته العملية القائمة بالقلب والجوارØØŒ Ùإذا لم يؤد ثمرتَه المنوطةَ به انØÙ„ÙŽÙ‘ شرÙÙÙ‡ وارتÙع عنه ÙضلÙÙ‡.
بل زاد من تدقيق السل٠لهذه المقامات أنْ جعلوا من العلم٠مهربًا للعاطلين عن العمل!
وذلك أن الØسنَ البصريَّ رØمه الله دخل المسجد يومًا، Ùقعد إلى جوار Øلقة يتكلمون، Ùأنصتَ Ù„Øديثهم .. ثم قال:
(والله٠ما هؤلاء إلا قومٌ ملÙّوا العبادة، ووجدوا الكلامَ أهونَ عليهم، وقلَّ ورعÙهم وتكلَّموا)[4].
Ùالبدء بÙرض القلب وواجب Ø§Ù„Ø±ÙˆØ Ùرض٠طالب العلم وواجبÙه، وتعرÙÙ‘Ù٠سلوك الطريق وقطع٠عقبات القلب من أجلÙÙ‘ أولوياته، ثم لينظر بعد ذلك Ùيما Ùيه ØµÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ø¹Ø¨Ø§Ø¯ØŒ وقد قال بعض السلÙ:
(ما تعلمت٠العلم إلا لنÙسي، وما تعلمتÙÙ‡ ليØتاج الناس إليَّ).
Ùعقَّب مالكٌ على هذا القول مسلسÙلًا هذا الصنيع كعادته ÙÙŠ ضبط معالم الأمر الأول، Ùقال:
(وكذلك كان الناس، لم يكونوا يتكلَّÙون هذه الأشياء ولا يسألون عنها)[5].
*****
طالبَ العلم .. لا يستخÙنَّك ÙƒÙŽÙ…ÙÙ‘ المسائل عن ÙƒÙŽÙŠÙ٠القلب، وخÙذْها من إمام الدنيا.
جرى ذكر معرو٠الكرخي ÙÙŠ مجلس الإمام Ø£Øمد، Ùقال Ø£Øد الجلوس عن معروÙ: (قصير العلم).
ويلÙÙ…ÙŽÙ‘ ذا القائل.. ربَّما كان Øديث العهد بمجلس Ø£Øمد!
انتهره Ø£Øمد وقال له: (أمسÙكْ) .. ولَكَأنَّما انسدلتْ أمام ناظرَي Ø£Øمدَ سيرة٠معروÙ٠وزهدÙÙ‡ وورعÙÙ‡ ÙˆÙَرَق٠قلبه من ربÙّه، Ùشقَّ عليه أن ÙŠÙلمَز ÙÙŠ مجلسه بقصر العلم وقد كان من شأنه ما كان.
ثم نطق بلسان الإمامة بعد تجربة٠طويلة٠مع العلم وأهله، تجربة٠Øدث عن طرÙ٠منها بقوله: (ساÙرت٠ÙÙŠ طلب العلم والسنة إلى الثغور، والشامات، والسواØÙ„ØŒ والمغرب، والجزائر، ومكة، والمدينة، والØجاز، واليمن، والعراقين جميعًا، وأرض Øوران، ÙˆÙارس، وخراسان، والجبال، والأطراÙ)[6] .. وبعد ذلك كلÙّه يقول:
(وهل ÙŠÙراد٠من العلم إلا ما وصل إليه معروÙ!)[7].
يا لله! ما قال رضي الله عنه: لم يكن قصير العلم، لعلمه أنَّ معروÙًا لم يكن واسع العلم بالمعنى الذي يقصده اللامز، لكن ما هكذا ÙŠÙقاس الرجال، ولا هكذا ÙŠÙعايَر٠العلم، Ùأراد أن يقذ٠ÙÙŠ روعه أن العلم لا ÙŠÙقوَّم٠بطول٠ولا Ù‚Ùصَر، ولا بضيق٠واتَّساع، بل بما قام بالقلب من الإيمان واليقين، Ùقال بهذا الÙقه تلك القَولةَ الخالدةَ الأسيÙØ©ÙŽ: (وهل ÙŠÙراد٠من العلم إلا ما وصل إليه معروÙ!).
وقد كان عَلَم٠الزهَّاد٠أبو Ù…ØÙوظ معروÙÙŒ الكرخيÙÙ‘ على دراية بØقيقة العلم، ولذا سجَّل خلاصة مطالعاته ÙÙŠ صØÙŠÙØ© الØياة بما انتهى إليه علمه من Ø£Øوال العلم وطلابه، Ùقال:
(إذا أراد الله بعبد٠شرًّا أغلق عنه باب العمل، ÙˆÙØªØ Ø¹Ù„ÙŠÙ‡ باب الجدل)[8].
وبهذا الÙقه بلغ أنْ قال Ùيه إمام الدنيا Ø£Øمد بن Øنبل ما قال، Ùعلم٠الطالب إن لم يتØرَّك بالعمل تØرَّكَ بالجدل والتباهي، ولا Ø¢ÙØ©ÙŽ أمØق٠بالعلم وبركته من أن يكون Ù…Øلًّا للتباهي والجدل.
ثم يأتي ابن الجوزي ليقرÙّرَ أن العلم ÙˆØدَه قاصرٌ عن Ø¥ØµÙ„Ø§Ø Ù‚Ù„Ø¨ الطالب، ÙيقيÙّد خاطرÙÙ‡ أن (الاشتغالَ بالÙقه وسماعَ الØديث لا يكاد يكÙÙŠ ÙÙŠ ØµÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ù‚Ù„Ø¨ إلا أن ÙŠÙمزَجَ بالرقائق والنظر ÙÙŠ سير الصالØين)!
ولا تعجلْ باللائمة عليه، Ùليس مجرَّدَ خاطر٠عابر٠سَنَØÙŽ له وقيَّده، بل الشأن كما قال:
(وما أخبرتÙÙƒ بهذا إلا بعد معالجة وذوق).
ويبيÙّن كي٠لا يكون ذلك كاÙيًا ÙÙŠ ØµÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ù‚Ù„Ø¨ØŒ بل يتعجب أصلًا ÙÙŠ تØÙ‚Ùّق٠صلاØÙ‡ معه! Ùيقول:
(لأني وجدت المØدثين وطلاب الØديث همة Ø£Øدهم ÙÙŠ الØديث العالي وتكثير الأجزاء.
وجمهور الÙقهاء ÙÙŠ علوم الجدل وما ÙŠÙغالَب٠به الخصم.
وكي٠يَرÙÙ‚ÙÙ‘ القلب مع هذه الأشياء؟)[9].
كي٠يرقÙÙ‘ قلب طالب العلم وهو لا يشÙع إلى علمه بالمسائل النظرية العلمَ بأØوال قلبه وما به صلاØÙه، وهو إن اقتصر على النظريÙÙ‘ من العلم Ùإنه بذلك قد نال علمًا .. لكن Ù„ÙÙŠÙوقنْ أن مثالَه (مثال٠من اقتصر من سلوك طريق الØج على علم خرز الرواية والخÙØŒ ولا شك ÙÙŠ أنه لو لم يكنْ لتعطَّلَ الØج، ولكن المقتصر عليه ليس من الØج ÙÙŠ شيء)[10]ØŒ ÙÙ€ (ÙÙŠ الناس من Øَصَل له العلم، وغَÙÙŽÙ„ عن العمل بمقتضاه، وكأنَّه ما Øصَّل شيئًا)[11].
*****
إن ْكان لطالب العلم همٌّ Ùليجمعه أولًا ÙÙŠ همÙÙ‘ ØµÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ù‚Ù„Ø¨ØŒ وليبلÙغْ تÙكيرْه ÙÙŠ ذلك مبلغَ أنÙاسه، Ùإنه معيار صØØ© طلبه واستقامة قصده .. Ùيا ضيعةَ العمر إن كان العلم مجلبةً لقسوة٠ينأى بها الطالب عن مدارج الخائÙين!
أبو بكر القÙال المروزي، جوهرة شاÙعية خراسان وإمامهم، لم يكن ÙÙŠ زمانه Ø£Ùقه منه، ولا يكون بعده كما يقرر الÙقيه ناصر العÙمَري، وكان ÙŠÙقال عنه: Ù…ÙŽÙ„ÙŽÙƒÙŒ ÙÙŠ صورة إنسان!
تعلَّق بالعلم، وأجراه منه مجرى دمه، Ùلم يكن له اشتغالٌ بغيره، وزاد على ذلك أنه كان على Ùقه٠تامÙÙ‘ بØقيقة العلم .. وخÙذْها من سيرته.
تصدَّر كغيره من أئمة العلم لإÙادة طلاب العلم، والجلوس لتÙقيههم، غير أنَّ له Øالًا قليلةَ التØÙ‚Ùّق ÙÙŠ غيره، Ùقد كان ÙÙŠ سياق درسه وهو ÙŠØ´Ø±Ø Ù…Ø³Ø§Ø¦Ù„ العلم ويقيÙّد عنه طلابÙÙ‡ Ùوائدَه يتوقَّ٠.. يتوقَّÙ٠لسانه عن الكلام، وتتولى عيناه مهمة المواصلة، لكن المواصلة Øينئذ٠تكون بالدموع!
لا موعظةَ تمهÙّد لهذه الدموع، لا موقÙÙŽ يستدعيها، لا مشهدَ يستدرÙّها .. ولكنه قلب العالم Øين يرتاض على خشية ربه Ùتأتيه الدموع٠على غير ميعاد.
ينقل القاضي Øسين للعالمين هذا الموق٠المتكرر المدهش، Ùيقول عنه:
(كان ÙÙŠ كثير من الأوقات يقع عليه البكاء ÙÙŠ الدرس).
وإذا ناله ذلك أطرق برأسه متÙÙƒÙّرًا، متأمÙّلًا، وطلابÙÙ‡ ما بين مشارك٠بالدمع ومراقب٠بالعين، ثم تأتي ختمة الإطراق، ÙيرÙع رأسه، ويستقبل بوجهه طلابَه، وعيناه تÙيض٠من الدَّمع، ثم يقول:
(ما أغÙَلَنا عما ÙŠÙراد٠بنا!)[12].
ما الذي قام ÙÙŠ قلبك أبا بكر Øتى قلتَ ما قلت ØŸ
ما الذي أيقظ علمك بالخشية وجعل منه علمًا لا كالذي نطلبه ؟
أي غÙلة تلك التي أنبتت زÙرة الأسى وأنت تتعبد الله ÙÙŠ مجلس علم ØŸ!
أين السبيل أبا بكر لهذا الإطراق وذلك الدَّمع ؟
كثيرٌ من الØقائق Ù…ÙرÙÙ‘ المذاق، لكن لا بدَّ من تجرÙّعه: علمٌ لا يوصل٠إلى الله تعالى، ولا يوجب٠رقَّةَ القلب، ولا ÙŠÙجرÙÙŠ دمعَ العين من خشية الله تعالى = إن لم يَضÙرَّ ÙÙŠ الآخرة لم ينÙعْ، وليس هو بالعلم الذي جاءت النصوص بالØØ«ÙÙ‘ عليه، ولا بالذي نال أهله درجة الوراثة من أنبياء الله ورسله.
يستطيل الزمان على طالب العلم والقلب٠هو القلب، إن لم يتأخَّر عما كان عليه!
لم تجر على وجنتيه دمعةٌ Øين نظره ÙÙŠ مسألة من مسائل العلم، ولا اقشعرَّ بدنه Øين قلَّب النظر ÙÙŠ نصوص الوØÙŠ Ù…Øاولًا الاهتداء بدلائل القلب قبل دلائل اللسان.
يتذكَّر٠ذلك، ويتلمَّظ٠من Ùرط Øسرته، ÙيستØØ«ÙÙ‘ ذهنه لتأويلات٠مهدÙّئة، من جنس أن العلم ÙÙŠ Øد ذاته عمل، والÙضل للمتعدÙّي، (ولولا Ù†ÙŽÙَر)ØŒ (وكلٌّ ميسَّر)ØŒ “وكلانا على خير” .. Ùيأتي بها وبأشباهها مكشوÙØ© Ù…ÙضوØØ©ØŒ يَقنَع٠بها عقلÙÙ‡ ويستØÙŠ من قبولها ÙؤادÙه، والشأن كما قال الله: (إنَّما يخشى اللهَ من عباده العلماء) .. Ùإن لم تخشَ الله Ùانظر ÙÙŠ هذا العلم الذي تطلبه، أيÙÙ‘ علم٠هو؟ Ùليس هو بالذي سأل نبيÙّنا المزيدَ منه، ولا الذي بشَّر بأن الØيتان تستغÙر لمعلÙّمه، ولا الذي من سلك سبيله سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة.
طالبَ العلم .. Ø£ÙسÙØ Ù„Ø¯ÙŽÙ…Ø¹Ùƒ
—————————————-
[1] جامع بيان العلم ÙˆÙضله لابن عبدالبر (2: 11).
[2] جامع بيان العلم ÙˆÙضله (2: 189).
[3] جامع بيان العلم ÙˆÙضله (2: 17).
[4] Øلية الأولياء لأبي نعيم (2: 156-157).
[5] المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (1: 273)
[6] طبقات الØنابلة لابن أبي يعلى (1: 109).
[7] سير أعلام النبلاء للذهبي (9: 340).
[8] سير أعلام النبلاء للذهبي (9: 340).
[9] صيد الخاطر لابن الجوزي (228).
[10] Ø¥Øياء علوم الدين للغزالي (6: 655).
[11] صيد الخاطر (385).
[12] سير أعلام النبلاء للذهبي (17: 407).