كان المظنون- كما ذكرنا ÙÙŠ المقال السابق- أن ÙŠÙ†Ø¯Ø§Ø ØªÙŠØ§Ø± اليقظة اللغوية ÙÙŠ أوائل القرن التاسع عشر ويتسع ويتأصل ÙÙŠ التربة العربية لاستعادة أمجاد هذه اللغة وأهلها بعد طول خمول؛ بيد أن موجة التغريب الثانية التي دهمت العالم العربي والإسلامي مع الاØتلال الغربي له Øَجَّمت هذا التيار التأصيلي بشدة- وإن لم تستطع القضاء عليه نهائياً- ليدخل العالم العربي واللغة العربية ÙÙŠ طور آخر من تجÙي٠المنابع دينياً ولغوياً جعل من إضعا٠اللغة العربية وإبعادها عن التÙاعل المجتمعي هدÙاً أساساً لتنØية الدين بغرض السيطرة على مقاليد الأمور ÙÙŠ العالم العربي.
وكانت بريطانيا قد وضعت مخططها منذ اليوم الأول لاØتلالها على أساس القضاء على اللغة العربية عملاً بنصيØØ© مستر دوÙرين الذي كتب ÙÙŠ تقريره الموضوع سنة 1882Ù… لتنظيم الاØتلال ÙÙŠ مصر قائلاً:†إن الأمل ÙÙŠ Ù†Ø¬Ø§Ø ØªÙ‡Ø°ÙŠØ¨ العامة ÙÙŠ مصر لا يزال ضعيÙاً ما دام الصبيان لا يتعلمون اللغة العامية بدلاً من تعلمهم لغة القرآن الشري٠كما ÙŠÙعلون الآنâ€.([1])
وقد تكثÙت جهود الاØتلال الانجليزي لإضعا٠اللغة العربية وتهميشها ÙÙŠ كل مجالات الØياة الثقاÙية والتعليمية لتØتل مكانها اللغة الإنجليزية خاصة واللغات الأجنبية عامة، وجاء تعيين القس المÙنَصÙّر(دوجلاس دنلوب) مستشاراً لوزارة المعار٠المصرية ÙاتØةً أولية لتغريب التعليم وتنØية اللغة. وقد اتÙبعت أساليب خبيثة Ù„Øصار اللغة العربية وتهميشها ÙÙŠ العملية التعليمة ذاتها عن طريق زيادة عدد ساعات تدريس اللغة الإنجليزية ÙÙŠ المدارس على Øساب اللغة العربية التي كانت لغة التعليم ÙÙŠ المدارس المصرية قبل الاØتلال الانجليزي، وكان التلميذ يخير بين الانجليزية والÙرنسية والألمانية كلغة ثانية؛ Ùإن أراد إتقان اللغات التØÙ‚ بمدرسة الألسن التي أغلقها الاØتلال بعد ذلك ليجعل لغة التعليم كلها بإØدى اللغتين الانجليزية أو الÙرنسية، ويقل الاهتمام تدريجياً باللغة العربية.([2])
وتعددت بعد ذلك مظاهر التعدي على اللغة العربية ÙÙŠ المدارس الأميرية Ùصدر القرار الذي ألزم المعلمين ÙÙŠ مدرسة قلم الترجمة بإلقاء دروسهم باللغات الأجنبية وعدم إلزام طلاب الشهادة الثانوية باللغة العربية ÙÙŠ إجابة امتØاناتهم، بل وتم إقرار اللغات الأجنبية ÙÙŠ السنوات الأولى من المرØلة الابتدائية.([3])
زÙد على هذا Ù…Øاربة معلم اللغة العربية خاصة ÙÙŠ رزقه وتقليل راتبه والØØ· من شأنه إلى الØد الذي وصل Ùيه راتبه الشهري إلى أربعة جنيهات Ùقط، بينما أمثاله من مدرسي المواد الأخرى يتØصلون على اثني عشر جنيهاً شهرياً. وقد أثر هذا على وضعه الاجتماعي وعلى نظرة الناس له؛ Ùصار مثار سخرية بين أقرانه ومجتمعه ÙÙŠ هيئته وشكله وطريقة نطقه لكلمات اللغة العربية؛ لتنتقل السخرية- بعد ذلك- إلى اللغة العربية ذاتها ومصطلØاتها وشÙعرÙها.. هذا ÙÙŠ الوقت الذي كان دنلوب يساÙر Ùيه إلى إيطاليا كل صي٠ليجلب معه معلمين طليان اختارهم على عينه ليعملوا ÙÙŠ وزارة المعار٠المصرية كمعلمين وموجهين Øسب الخطة الموضوعة ÙÙŠ تØقير اللغة والهجوم على الإسلام، وغرس الأÙكار الغربية ÙÙŠ عقول الناشئة.
وقد كان لبعض المصريين الذين تولوا المناصب ÙÙŠ وزارة المعار٠أثناء Ùترة الاØتلال مواق٠مستغربة لا تصمد تبريراتها عند المناقشة؛ Ùعلي مبارك مثلاً يرÙع عام 1888 تقريراً إلى الخديوي عن Ø£Øوال التعليم يطالب Ùيه بتØويل لغة المواد الجاري تدريسها بالعربية إلى الإنجليزية أو الÙرنسية([4])ØŒ وسعد زغلول الذي تولى وزارة المعار٠عام 1906Ù…ØŒ يداÙع بشدة عن إقرار اللغة الإنجليزية لغة أساسية للتعليم، ثم يطالب بأن ØªØµØ¨Ø Ø§Ù„Ù„ØºØ© العربية لغة مصاØبة وغير أساسية، ورغم أن هذا كان تقدماً جيداً ÙÙŠ عهد سعد زغلول إلا أن المنتظر من أمثال سعد زغلول، وعلي مبارك، يختل٠بالطبع عن المنتظر من أجنبي Ù…Øتل مثل دنلوب، وقد اØتج سعد زغلول لموقÙÙ‡ هذا بالØجة التقليدية Ù†Ùسها بأن كتب العلم ومكتشÙاته ومصطلØاته كانت أجنبية كلها، Ùإذا أريد نقل العلم إلى البلاد وجب أولاً إيÙاد البعوث من شباب مصر إلى أوروبا لتلقي العلوم Ùيها، ولنقل هذه العلوم إلى اللغة العربية بعد ذلك.([5])
وعليه؛ Ùقد اعترض سعد زغلول بصÙته وزيراً للمعار٠على طلب الجمعية العمومية ÙÙŠ مارس 1907 بجعل التعليم ÙÙŠ المدارس الأميرية باللغة العربية، وقال ÙÙŠ خطبة رد Ùيها على وجهة نظر النواب ÙÙŠ التعليم باللغة العربية:†إن الØكومة لم تقرر التعليم باللغة الأجنبية لمØض رغبتها أو اتباعاً لشهوتها، ولكنها Ùعلت ذلك مراعاة لمصلØØ© الأمة.. إن مركز الأمة من الأمم الأخرى واØتلالها بالأجانب واشتباك Ø§Ù„Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø£Ø¬Ù†Ø¨ÙŠØ© Ø¨Ø§Ù„Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„ÙˆØ·Ù†ÙŠØ©Ø› كل ذلك أوجب التعليم باللغة الإنجليزية لكي يتقوى Ùيها التلاميذ كما ينبغي.. ÙˆÙÙŠ الØقيقة إذا Ùرضنا أن نجعل التعليم من الآن باللغة العربية Ùإننا نكون قد أسأنا إلى بلادنا وإلى أنÙسنا إساءة كبرى؛ لأنه لا ÙŠÙمكن للذين يتعلمون على هذا النØÙˆ أن يتوظÙوا ÙÙŠ الجمارك والبريد والمØاكم المختلطة ÙˆØ§Ù„Ù…ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø¹Ø¯ÙŠØ¯Ø© المختلطة التابعة للØكومةâ€.([6])
وهذه الØجج كما ثبت بعد ذلك أوهن من بيت العنكبوت؛ Ùليس من ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø£Ù…Ø© تهميش لغتها الأصلية وإØلال لغة المستعمر رغم وجود متخصصين ÙÙŠ الترجمة يمكنهم نقل وترجمة ما تشاء الأمة من الكتب والنظريات دون أن تتأثر بذلك اللغة الأصلية، ودون أن نمعن ÙÙŠ تهميشها والجناية عليها بهذه الØجة الاستعمارية المنشأ والغاية.
وقد تتابعت بعد ذلك وسائل الهجوم على اللغة العربية ÙÙŠ التعليم والثقاÙØ© والمجتمع ÙÙŠ كل قطر عربي Ù…ÙØتل، واستÙخدمت ذرائع كثيرة لهذا الهجوم كذرائع Ø¥ØµÙ„Ø§Ø Ø§Ù„Ù†ØÙˆ أو تجديده من خلال الاستغناء عن الإعراب والاكتÙاء بالبناء وتسكين أواخر الكلمات ÙÙŠ الكلام والكتابة؛ تسهيلاً على الناشئة والكÙتَّاب!! أو Øذ٠بعض أبواب النØÙˆ والصر٠التي رآها الداعون إلى هذا العبث صعبةً على الÙهم ومرهقة ÙÙŠ الاستخدام.. وغير بعيد عن النظر أن مثل هذه الدعوات Ù…ÙضØكةٌ ÙÙŠ ذاتها إن كان أصØابها مخلصي النية، واستعمارية ÙÙŠ أصلها إن كان أصØابها مدخولي النية.. وما أكثر الدخلاء والمدخولين!!
وظهرت أثناء ذلك عدة دعوات Øاولت صر٠الأديب العربي عن الاهتمام بالأصالة العربية المتكئة على تراث الأمة الخالص شعراً ونثراً، وكانت الØرب على اللغة العربية، والدعوة إلى كتابتها بالأØر٠اللاتينية، ومØاولة استبدالها بالعامية المØكية، هي البوابة الكبرى التي دخل منها دعاة التغريب عرباً وأجانب، مستغلين رغبةَ الاØتلال البريطاني ÙÙŠ القضاء على اللغة العربية من جهة، وتزايد الشعور بالنقص ÙÙŠ Ù†Ùس المثق٠العربي آنئذ٠من جهة أخرى.
ونادت هذه الدعوات أيضاً بالاهتمام بالآداب القومية الخاصة بكل Ù‚Ùطر؛ ÙÙŠÙعنى المصريون بالأدب المصري والعراقيون بالأدب العراقي والشاميون بالأدب الشامي، ثم Øاولت تÙتيت المÙتت وتجزئ المجزء بالتركيز على ما ÙŠÙسمى بالأدب الشعبي؛ لصر٠العرب عن الثقاÙØ© العربية وتقليل العناية بالماضي العربي الإسلامي شعراً ونثراً وتاريخاً وعلوماً. وساعد على انتشار هذه الدعوات ازدياد الهيمنة الثقاÙية الغربية على التعليم ووسائل الإعلام التي سيطر على الغالبية العظمى منها الأوربيون ثم المهاجرون الشوام الذين أسهموا بشكل كبير ÙÙŠ نقل الثقاÙØ© الأوروبية بخيرها وشرها إلى مصر وتثبيت دعائمها Ùيها.([7])
ثم شككت ÙÙŠ الشعر الجاهلي من Øيث هو قمة البلاغة والبيان العربيين وكونه شاهداً على إعجاز القرآن الكريم لأن الله جل وعلا تØدى العرب الذين أبدعوا هذا الشعر- الذي هو قمة بيانهم وبلاغتهم- أن يأتوا بسورة واØدة من مثله، Ùلما عجزوا عن ذلك رغم بلاغتهم ÙˆÙصاØتهم ومشابهة آيات القرآن لجنس كلامهم دل عجزÙهم على أن القرآن مغاير لكلام البشر، وأن Ù…Øمداً صلى الله عليه وسلم لم يبتدعه من ذاته؛ إذ لو قَدÙرَ على ذلك لقدروا عليه أيضاً؛ Ùهو واØدٌ منهم؛ لسانه لسانهم وبيانه بيانهم، Ùدل ذلك على صدق نبوة Ù…Øمد صلى الله عليه وسلم وتَلَقÙّيه هذا القرآن عن ربه جل وعلا؛ ولهذا أراد الاستشراق أن يشكك ÙÙŠ الشعر الجاهلي ليشكك ÙÙŠ القرآن، ويسقط نبوة Ù…Øمد.([8])
إلا أن أخطر وسائل الهجوم على اللغة العربية ÙÙŠ ذلك العصر تمثلت ÙÙŠ ثلاث دعوات جمعت الشر من أطراÙÙ‡ وأرادت ضرب القلب مباشرة بالدعوة إلى العامية ثم استبدال الØر٠اللاتيني بالØر٠العربي، ثم ضرب الأدب العربي من خلال تشتيته وتجزيئه قومياً ووطنياً وشعبياً
الدعوة إلى العامية:
ظهرت الدعوة إلى العامية واتخاذها لغة للكتابة بدلاً من العربية الÙصØÙ‰ لتدخل العربية ÙÙŠ Øلقة من أخطر Øلقات الغزو الÙكري المصاØب Ù„Øركة الزØ٠الاستعماري ÙˆØملات التبشير الموجهة إلى العالم الإسلامي، والتي بلغت ذروتها ÙÙŠ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي؛ لأن هذه الØلقة كانت متجهة إلى لغة الأمة ولسان قرآنها ÙˆØاÙظة تراثها وقوام ÙˆØدتها السياسية والÙكرية ÙÙŠ مختل٠أمصارها. وقد بدأ الاهتمام بتلك الدعوة ÙÙŠ أوروبا أولاً Øيث Ø£Ùدخلت اللهجات العامية ÙÙŠ المناهج الدراسية للمدارس والجامعات الأوربية، وتلا ذلك ظهور عدد من المؤلÙات لكتاب أوربيين تناولوا العامية المصرية بالدراسة، وكان أول هذه المؤلÙات كتاب الألماني ولهلم سبيتا (قواعد العربية العامية ÙÙŠ مصر)عام (1880Ù…)ØŒ ثم كتاب (العربية المØكية ÙÙŠ مصر) للقاضي الإنجليزي ولمور الذي صدر بالإنجليزية عام (1901Ù…)ØŒ ثم كانت مقالات وليم ولكوكس مهندس الري الإنجليزي الذي ÙˆÙد إلى مصر عام (1883Ù…) ÙÙŠ بداية عهد الاØتلال، وقد أيد دعوته بتآلي٠وترجمات ومØاضرات كثيرة كان منها Ù…Øاضرة ألقاها ÙÙŠ نادي الأزبكية عام (1893Ù…) بعنوان:(Ù„ÙÙ…ÙŽ لمْ توجد قوة الاختراع لدى المصريين الآن) ادعى Ùيها أن أهم عائق يعوق المصريين عن الاختراع والاكتشا٠هو استخدامهم للغة العربية الÙصØى، ولو كتبوا وألÙوا بالعامية لأعان ذلك على تنمية ملكة الابتكار اقتداء بالأمة الإنجليزية التي هجرت اللاتينية التي كانت لغة الكتابة والعلم يوما ما.([9])
ولم تلبث هذه الدعوة أن ترددت أصداؤها على صÙØات المجلات والصØÙØŒ ÙˆÙÙŠ مقدمتها مجلة المقتط٠المعروÙØ© بميولها الاستعمارية؛ وتÙاعل مع هذه الدعوة كثير من المؤيدين والمعارضين: أما المؤيدون Ùكان على رأسهم أسعد داغر، وأما المعارضون Ùقد كان منهم الشيخ خليل اليازجي والجمعية الأدبية الدمشقية، وقد استند المؤيدون على Ù†Ùس مبررات دعاة العامية الأجانب إضاÙØ© إلى Ù…Øاولتهم لنÙÙŠ ما يكتن٠هذه الدعوة من خطورة؛ Ùهم يؤكدون على أن الاعتماد على العامية على اختلا٠لهجاتها أمر صعب ولكنه ليس مستØيلاً، كما أنه لا خو٠منه على التراث العربي الذي يمكن نقله إلى العامية، أما عن الÙصØÙ‰ Ùيمكن الإبقاء عليها كلغة للعبادة أسوة بالنصارى من اللاتين والأروام الذين لا يزالون يقرؤون إنجيلهم باللاتينية، ولن يكون ثمة خو٠عليها من التلاشي.([10])
أما المعارضون Ùقد أكدوا على ما تمثله هذه الدعوة من خطورة الهدم للتصاني٠العربية بأسرها وضياع هذا التراث الÙكري الثمين، وأكد اليازجي على استØالة الاعتماد على اللهجات العامية لتباينها واختلا٠أوضاعها، وتساءل عن أي لهجة من اللهجات المØلية تكون هي الأنسب إذا أقررنا تلك الدعوة؟!ØŒ ثم لماذا تكل٠البØØ« عن لهجة جديدة نوØد عليها الألسنة والأقلام ولدينا لغتنا الÙصØÙ‰ التي تتواÙر Ùيها كل مقومات الوØدة والقوة والاستواء. ومن هنا بدأ اليازجي ÙÙŠ سوق أدلته ÙÙŠ الدÙاع عن الÙصØÙ‰ وتÙنيد آراء المهاجمين لها مؤكداً على أن الÙصØÙ‰ مستوÙاة القواعد Ù…Øكمة الأسلوب لها من السعة ÙÙŠ وجوه التعبير وكثرة المترادÙات ما يعين الكاتب على أن يجد للمعنى الواØد صنوÙاً من الجمل والعبارات، وإذا كان ثمة Ùجوة بين اللغة والمÙهوم Ùإن هذا يرد إلى المستخدمين للغة لا إلى اللغة Ù†Ùسها عندما يعمد هؤلاء إلى اختيار الغريب والاهتمام بتنسيق اللÙظ على Øساب المعنى، مؤكداً بعد ذلك أن الÙصØÙ‰ ÙÙŠ Øقيقتها لغة Ù…Ùهومة وواضØØ© ومستساغة للعامة والخاصة على السواء.([11])
ودÙعت المعارضة الشديدة لهذه الدعوة إلى أن ينتقل دعاتها إلى مرØلة التطبيق Ùقامت مجلة الأزهر التي سيطر عليها الأجانب بنشر مقالات باللهجة العامية، وأعلنت عن مكاÙآت مالية لمن يكتب بها ويرسل كتابته للمجلة. وعلى إثر ذلك قامت طائÙØ© المعارضين بإصدار مجلة علمية باللغة الÙصØÙ‰ تÙنيداً لمزاعم القائلين بأن اللغة العربية ليست لغة العلم، مما دÙع ويلكوكس إلى اليأس من دعوته وتوقي٠مجلة الأزهر التي كان يشر٠على إصدارها بعد أن تبين له موق٠الرأي العام إزاء دعوته.([12])
ثم عادت الدعوة إلى الظهور مرة أخرى على يد عدد من المصريين تØت مسمى (تمصير اللغة) لمداعبة الØس الوطني الذي كان آخذاً ÙÙŠ التنامي آنذاك ضمن إطار الدعوة إلى القومية المصرية التي أثرت ÙÙŠ عقول كثير من المصريين وقلوبهم Øتى أدت ببعضهم إلى نوع من التعصب الممقوت والانطواء المذموم داخل Øدود مصر الجغراÙية؛ لينسØب التمصير على اللغة والأدب والÙÙ† بمختل٠أنواعه، ÙˆØمل لواء تلك الدعوة Ø£Øمد لطÙÙŠ السيد الذي خصص سبع مقالات على صÙØات الجريدة لهذا الشأن.([13])
وقد Ùطن التأصيليون إلى ما تنطوي عليه هذه الدعوة من Ù…Øاولة الارتقاء بالعامية إلى المستوى الكتابي للتقريب بينها وبين الÙصØÙ‰ وجعلها دعوة بديلة لإØياء العامية بعد Ùشل الأخيرة أو تعثرها، وكان مصطÙÙ‰ صادق الراÙعي من أشد التأصيليين المعارضين لهذه الدعوة كما نرى ذلك Ø¨ÙˆØ¶ÙˆØ ÙÙŠ مقاله: (تمصير اللغة)([14])ØŒ ثم بدا أن هذه الدعوة آخذة ÙÙŠ الانتشار Øين سيطرت اللغة السوقية (العامية) على Ø§Ù„Ù…Ø³Ø±Ø Ø§Ù„Ù‡Ø²Ù„ÙŠØŒ ثم انتقلت إلى Ø§Ù„Ù…Ø³Ø±Ø Ø§Ù„Ø¬Ø¯ÙŠ على يد Ùرقة (رمسيس المسرØية)ØŒ ولم تلبث أن ظهرت ÙÙŠ السينما Øيث لم يعد للعربية الÙصØÙ‰ وجود ÙÙŠ هذا الميدان، ولم يكن ذلك هو كل ما كسبته تلك الدعوة التي روج لها الإنجليز وعملاؤهم؛ بل إن الدعوة استطاعت أن تتسلل متلصصة إلى الØصن الذي قام Ù„Øماية اللغة العربية الÙصØÙ‰ (مجمع اللغة العربية)Ø› Ùظهرت ÙÙŠ مجلته الناطقة باسمه سلسلة من المقالات عن اللهجة العربية العامية كتبها عضو من أعضائه هو عيسى إسكندر المعلو٠الذي دعا Ùيها إلى توØيد لغة الخطاب ولغة الكتابة واستخدام العامية لغة للكتابة.([15])
الدعوة إلى استخدام الخط اللاتيني:
تطور الأمر بعد ذلك إلى الØد الذي دعوا Ùيه صراØةً إلى استخدام الخط اللاتيني ÙÙŠ كتابة العربية؛ لتنبت صلة العرب بلغتهم الÙصØى، وظهرت هذه الدعوة بدايةً ÙÙŠ كتاب سبيتا (قواعد العربية العامية ÙÙŠ مصر)Øيث قدم أول Ø§Ù‚ØªØ±Ø§Ø Ù„ÙƒØªØ§Ø¨Ø© العامية بØرو٠لاتينية، وخصص لذلك جزءاً كاملاً من كتابه تØدث Ùيه عن كيÙية نطق العامية بالØرو٠اللاتينية التي استنبطها لكتابتها، ثم جاء كارل Ùولرس الألماني عام (1895Ù…) Ùنهج نهج سبيتا واستنبط ØروÙاً لاتينية لكتابة العامية ودرس قواعدها وأورد كثيراً من نصوصها، ثم كان كتاب ولمور(اللغة العربية المØكية ÙÙŠ مصر) الذي أكد Ùيه على Ø§Ù‚ØªØ±Ø§Ø ØµØ§Øبيه Øتى ظهر كتاب (المقتضب ÙÙŠ عربية مصر) عام (1926Ù…) لمؤلÙيه: باول، وهو إنجليزي كان يعمل قاضياً بالمØاكم الأهلية بالقاهرة، وزميله (Ùيلوت) وكان أستاذاً للغات الشرقية ÙÙŠ جامعة كامبردج وجامعة كلكتا، وقد كان هذا الكتاب صورة عملية تطبيقية لكتابة العامية باللاتينية.([16])
وقد لاقت هذه الدعوة كسابقتها معارضة شديدة من جمهور الكتاب والمÙكرين، وسكنت الÙتنة Øيناً ثم عادت ليشتعل أوارها Øين قام مصطÙÙ‰ كمال أتاتورك بØمل الناس ÙÙŠ تركيا على كتابة اللغة التركية بØرو٠لاتينية بعد أن كانت تكتب بأبجدية عربية؛ Ùتجدد كلام الناس Ùيها وظهرت وقائع تلك المعركة على صÙØات مجلة الهلال أخذاً ورداً وقبولاً ومعارضة. وكان من المتورطين ÙÙŠ هذا الأمر الأب أنستاس الكرملي، ومØمد Ùريد وجدي اللذين لم ÙŠÙبديا معارضةً شديدة لهذه الدعوة.. والغريب أن المعارضة الشديدة جاءت من المستشرق الإيطالي كارل نللينو الذي عارض هذه الدعوة مستنداً إلى Øجج وأسانيد قوية.([17])
ثم عادت هذه الدعوة للظهور (ويا للغرابة!!) على يد عضو من أعضاء مجمع اللغة العربية هو عبد العزيز Ùهمي ÙÙŠ صورة مشروع تقدم به إلى مؤتمر المجمع ÙÙŠ 24 يناير عام (1944Ù…)ØŒ وقد أعرب عبد العزيز Ùهمي عن استيائه الشديد لجمود اللغة العربية الذي يق٠Øجر عثرة ÙÙŠ طريق تقدم الأمة ويخال٠قانون الطبيعة ÙÙŠ التطور، وما يعانيه أهل اللغة العربية المستكرهون- Øسب رأيه- على أن تكون العربية الÙصØÙ‰ لغة الكتابة مما يعد Ù…Øنة وكارثة Øائقة بأهل العربية، وبعد جهد وعناء طويل Ùإن تÙكيره لم يهده إلا إلى طريقة واØدة هي اتخاذ الØرو٠اللاتينية وما Ùيها من Øرو٠الØركات بدل ØروÙنا العربية كما Ùعلت تركيا، وأخذ يعدد مزايا استعمال الØرو٠اللاتينية من سهولة ÙÙŠ التعلم، وكونها لا تخل بشيء من نغمات الØرو٠العربية، وأنهى مقالته بقوله:†طريقة الØرو٠اللاتينية التي Ø£Ùقرها هي الوسيلة الوØيدة المتعينة لتخلية لغتنا الÙصØÙ‰ ÙÙŠ جلالها وجمالها على الوجه الواØد المتعين من أوجه النطق بكلماتهاâ€.([18])
وقد لقيت هذه المØاولة معارضة ضخمة من كتاب ومÙكرين كبار، أمثال: عبد الوهاب عزام، وإسعا٠النشاشيبي، وعباس Ù…Øمود العقاد، ومØمد كرد علي، ومØمود شاكر، وغيرهم.. وقد Øاول عبد العزيز Ùهمي التصدي لتلك الموجة المعارضة إلا أنه عجز عن ذلك بعد أن تصاعدت Øملة المعارضة ضده، وكانت مجلات(الرسالة، والمنار، والÙتØ) مسرØاً لتلك الآراء المعارضة المدعمة بالأدلة القوية التي ØªÙˆØ¶Ø Ù…Ø§ يؤديه هذا التØول من قطيعة بيننا وبين الÙصØÙ‰ لغة القرآن ÙˆØاÙظة التراث، وما يؤول إليه من نتيجة عكسية بزيادة صعوبة اللغة العربية التي تكون عندئذ أجهد لطالبها من اللغة الصينية.([19])
الهجوم على الأدب العربي:
ولأن الأدب هو التطبيق المثالي لجماليات اللغة (أية لغة)Ø› Ùإن الأدب العربي لم يسلم أيضاً من الهجوم الذي سعى إلى Ø¥Ùقاده خصائصه الجمالية لتبقى اللغة بعد أدبها مجرد قواعد جامدة كالقواعد الرياضية التي لا تنبئ عن Øس إنساني أو شعور بشري. والطاعن ÙÙŠ لغة قوم٠لا بد له أن يهتم ابتداءً بالطعن ÙÙŠ أدب هذه اللغة Øتى ÙŠÙسقط ÙÙŠ قلوب أهلها أهم ما ÙŠØبون لغتهم من أجله، وهو الأدب الذي يصور معاني شعورهم وخلجات Ù†Ùوسهم وأشواق أرواØهم وآمالهم وآلامهم، Ùإذا سقط هذا الأدب أو سÙÙÙّهَ ÙÙŠ Ù†Ùوسهم وعقولهم؛ لم يبق للغة التي تØمله قيمة ÙÙŠ ذاتها، ولا Ùضيلة ÙÙŠ Ù†Ùسها.
وكان الشعر جوهر النشاط الأدبي عند العرب، ÙŠØتل أسمى مكانة وينزل من القلوب أعظم منزل، هو ديوانهم وسجل Ù…Ùاخرهم وعلمهم الذي ليس لهم علم Ø£ØµØ Ù…Ù†Ù‡ØŒ Øوى اللغة وألÙاظها، واتسع للمعاني وأساليبها، وقوم عوج الألسنة ورقق قسوة القلوب، وهو من Øيث اØتوائه على غالب اللغة ÙÙهم به غريب القرآن، ÙˆÙÙسر به مشكله، وكثيرٌ من متشابهه، Ùلو لم يكن للشعر ÙÙŠ ذاته قيمة لكانت هذه الميزة قيمة كبرى له من Øيث هو دليل على الإعجاز اللغوي والبياني ÙÙŠ القرآن الكريم وراÙد من رواÙد تÙسيره وإيضاØÙ‡ ØŒ وقد كان ابن عباس _ رضي الله عنهما _ يقول :†إذا سألتموني عن غريب القرآن Ùالتمسوه ÙÙŠ الشعر Ùإن الشعر ديوان العرب.â€([20])
وقد تنبه الاستشراق إلى خطورة تيار التأصيل الأول الذي عمل على عودة Ø§Ù„Ø±ÙˆØ Ø¥Ù„Ù‰ الأدب العربي شعره ونثره- وشعره على وجه الخصوص- Øين نهض البارودي ورÙاقه وتلاميذه من أمثال: شوقي، ÙˆØاÙظ، ومطران، وإسماعيل صبري، وغيرهم، بمهمة Ø¥Øياء الأصالة العربية ÙÙŠ الشعر العربي وبعثه وتجديده؛ Ùكان لا بد من إجهاض هذه النهضة أو التشويش عليها أو التقليل من قيمة منجزاتها التي ربطت الأدب العربي الØديث بينابيعه العربية الأولى وأعادت تأصيل النقد والبلاغة ضمن السياق الأوسع للنظرية العربية ÙÙŠ النقد والبلاغة.
وشهدت هذه الÙترة عودة طلاب البعثات الذين لم يتلقوا من العلم العربي إلا أقله، والذين ثبت ÙÙŠ عقولهم وقلوبهم أن أوروبا لم تØقق نهضتها إلا بعد أن استغنت عن قديمها ونقدته وشككت Ùيه، وأن أعلام أوروبا وأسماءها اللامعة لم يصلوا إلى المكانة الرÙيعة التي وصلوا إليها إلا بالثورة على القديم ومØاولة طمسه وإلغائه، وأن أمثال بيكون، وكانت، وجان جاك روسو، وديكارت، ÙˆÙولتير، وعشرات الأسماء غيرهم من رواد النهضة الأوربية ÙÙŠ شتى المجالات؛ لم تÙخلد أسماؤهم إلا بعد أن ارتÙعوا عن بيئتهم الاجتماعية والأدبية والثقاÙية ورÙضوا ما كان سائداً Ùيها وهدموه ليØلوا مكانه علماً ÙˆÙكراً وأدباً جديداً.. وكان لتضخم الشعور بالذات ÙÙŠ Ù†Ùوس طلاب البعثات هؤلاء، والذي نتج عن Ø¥Øساسهم بأنهم Ø£Ùضل من غيرهم وأعلى من مجتمعهم لتلقيهم العلوم ÙÙŠ بلاد الØضارة والتقدم؛ أكبر الأثر ÙÙŠ أن يتمنى كل واØد منهم أن يكون بيكون العرب وديكارت العرب ÙˆÙولتير العرب؛ Ùكان أن بدأ هؤلاء الشباب الأØداث- مدÙوعين برغبات أنÙسهم أو بتلميØات أساتذتهم المستشرقين- ÙÙŠ التشبه بهذه الأسماء الأوربية وتقليد أعمالها واستيراد مناهجها غير عابئين باختلا٠البيئات وتباين الظروÙ.
وسمى هؤلاء أنÙسهم بالمجددين ØŒ وأخذوا يكاثرون من سموهم المØاÙظين بما عرÙوا من آداب الغرب ÙˆÙنونه المستØدثة، ويسخرون من جهل المØاÙظين بها، ويرمونهم بالجمود والكسل؛ Ùسخر طه Øسين ÙÙŠ مقال له عن ديكارت نشره ÙÙŠ (السياسة) الأسبوعية من شيوخ المØاÙظين قائلاً:†إنهم ÙŠÙعَرÙÙ‘Ùون الأدب بأنه الأخذ من كل٠بطرÙÙØŒ ومع ذلك Ùهم لا يأخذون من كل شيء بطرÙÙØŒ وإنما يعنون الأدب العربي القديم ÙˆØده Øين يقولون كل شيء.. وهم بعد يجهلون (ديكارت) Ùلا يرون ذلك جهلاً، ويجهلون تاريخ مصر القديم والØديث Ùلا يرون ذلك جهلاً، ويجهلون كل ما عدا بيئات العرب والشام والعراق ÙÙŠ العصور الأولى والأندلس ÙÙŠ بعض عصورها الإسلامية.. كما هاجم شوقي ÙÙŠ مقال آخر منتقصاً من قدره ناعياً عليه تقصيره ÙÙŠ الأخذ بالأدب الÙرنسي الجديد والÙلسÙØ© الÙرنسية الجديدة، مما دÙع سامي الجريديني إلى أن يتساءل: هل ÙŠØµØ Ù„Ø´Ø§Ø¹Ø± عربي أن يتخذ الأدب الÙرنسي معياراً لشعره؟! وهل يجوز لناقد Ùرنسي مثلاً أن ينتقص من شعر بودلير لأنه لم يتثق٠بالثقاÙØ© الإنجليزية الممثلة ÙÙŠ كبلنج ÙˆÙÙŠ برناردشو؟ ثم يبين أنه لا ينبغي أن ÙŠÙطلب من الشاعر إلا أن يكون على Øظ من الثقاÙØ© العامة، وألا يطالب بعد ذلك ÙÙŠ الإغراق ÙÙŠ التخصص.([21])
وكان سلامة موسى من أشد أصØاب هذه النزعة غلواً وتطرÙاً، وهو يعر٠الأدب العربي ابتداءً بقوله:†هو أدب كان يؤلÙÙ‡ الكتاب والشعراء لأجل الخلÙاء والأمراء والÙقهاء لأن جميع هؤلاء كانوا (الدولة)ØŒ ولم يكن للشعب وجود ÙÙŠ أذهان الكتاب، ولم يكن هناك قراء يمكن أن يعتمد عليهم ÙÙŠ مكاÙأة المؤلÙين، وكان أدب الخلÙاء والأمراء نوادر وقصصاً وأشعاراً تسلي وتذهب بالسأم.. وكان أدب الخلÙاء Ø£Øياناً تواريخ تؤيد دولتهم وتثبت Øقوقهم ÙÙŠ تبوّء الØكم، وكان أدب الÙقهاء شروØاً وتعقيبات على الدين والمذاهب، ولما ظهرت الدولة الÙاطمية ÙÙŠ مصر وظهرت الدولة المستقلة ÙÙŠ المغرب والأندلس؛ ظهر أدب يكاد يكون شعبياً ÙÙŠ قصص الرØلات، بل صار شعبياً خالصاً ÙÙŠ كتاب أل٠ليلة وليلة مثلاً، ولكن الشعوب كانت لا تزال ÙÙŠ التراب Ùلم يرتÙع هذا الأدب عن الترابâ€.([22]).. وهكذا ÙŠØكم سلامة موسى على تاريخ الأدب العربي القديم بالÙشل ÙÙŠ بداية عرضه التاريخي، ابتداءً بأهداÙÙ‡ وغاياته التي يتوجه إليها، وانتهاء بسماته وخصائصه؛ Ùالأدب العربي القديم كما يقول:†كان على الدوام أسلوبياً تقليدياً ولم يك ابتكارياً مستقبلياً، وعبارة (قال Ùلان) ثم عبارة (السل٠الصالØ) كلتاهما تدل على أن الأديب العربي القديم كان ينشد الØكمة خلÙÙ‡ لا أمامه، وعندما نقرأ البيان والتبيين للجاØظ أو أشعار المتنبي أو الكامل للمبرد Ù†Øس أننا إزاء أدباء إما يعيشون ÙÙŠ بلاط Ø£Øد الأمراء، وإما يستندون ÙÙŠ Øياتهم الذهنية إلى تقاليد لغوية وأدبية ودينية وسياسية تمت إلى بلاط Ø£Øد الأمراء.â€([23])ØŒ وهذه تعد Ø£Øد أهم مثالب الأدب العربي ÙÙŠ رأي سلامة موسى†وهي نزعته إلى القديم واØترامه للسل٠بما يكاد يبلغ Øد العبادة.. وخصلة أخرى ÙÙŠ الأدب العربي هي الإغراق ÙÙŠ الصنعة وهذه الخصلة بØكم ما ذكرناه آنÙاً من اØترام القديم لا تزال Øية بين أدبائنا.â€([24])ØŒ وهذا الأدب- كما يرى سلامة موسى- ÙÙŠ مجمله:†ينأى عن القيم والأوزان الإنسانية العصرية؛ إذ هو أدب التر٠الذهني.. وهو أدب التسلية للملوك والأمراء، وهو أدب اللذة الجنسية السوية والشاذة، وهو أدب المنازعات الØربية أو المناقشات الدينية، وليس أدب الشعب الذي يكاÙØ Ù…Ù† أجل الØرية والاستقلال، وليس أدب الإنسانية الذي ÙŠØمل همومها ويعبر عنها بالقصة والشعر والمقال، وليس هو الأدب الذي يدعونا إلى اØترام المرأة ÙˆØبهاâ€.([25])
أما الأدب الأوربي- والإنجليزي خاصة- Ùهو ÙÙŠ نظر سلامة موسى†أدب الØياة الذي ينتقد المعايش والغايات ويجعلها موضوعه سواء ÙÙŠ القصة أم المقالة ØŒ وهو لذلك يتصل بأنواع النشاط البشري كله.. Ùالأديب الإنجليزي يتصل بالØياة ويتأثر بها ويؤثر Ùيها، وهو ينتقد أسلوب العيش أكثر مما ينتقد أسلوب الكتابة؛ Ùللأديب رأيه ÙÙŠ العلم والصناعة والاقتصاد والتعليم والصØاÙØ©ØŒ بل ÙˆÙÙŠ الأدباء الإنجليز مثل برناردشو من ينتقد النظريات الطبية ومنهم من يدعو إلى الإيمان بدين جديدâ€.([26])
وشغ٠الناس ÙÙŠ هذه الÙترة بالكلام عن أدباء الغرب ومÙكري الغرب وسياسة الغرب، Øتى Ø£ØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø¹Ù„Ù… بآدابهم هو ÙˆØده آية التبØر ÙÙŠ الثقاÙØ©ØŒ ÙˆØ£ØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø§Ø³ØªØ´Ù‡Ø§Ø¯ بالقول المنسوب لأØد الغربيين هو Ùصل الخطاب، وهو الØجة المسكتة التي ينقطع بها جدل المختصمين، وأوشك الأمر أن يبلغ بالناس Øد المرض Øتى لقد ضاق به بعض دعاة الجديد أنÙسهم، وهو Ù…Øمد عبدالله عنان الذي قال:†شغ٠Ùريق من كتابنا الأØداث بالكتابة ÙÙŠ الأدب الغربي وأطواره ومناØيه شغÙاً يملك عليهم كل شيء، وترى لهم ÙÙŠ كل يوم Øديثاً عن( الدرامة) Ùˆ(الرمانتسزم) Ùˆ(المذهب الواقعي)ØŒ أو عن برناردشو، وأوسكار وايلد، وترجنيÙØŒ ودستويÙسكي، وإبسن، وهكذا ÙÙŠ سلسلة ØاÙلة لا تنتهي من موضوعات الأدب الغربي وأقطابه ÙÙŠ كل عصر وأمة.. وهؤلاء الذين يطربهم رنين الأسماء الغربية والموضوعات الغربية، ويقÙون أوقاتهم على درسها وتناولها، هم أقل الناس تزوداً بآداب اللغة التي يخرجون بها مباØثهم، ويزعمون أنهم ÙŠØاولون Ø¥Øياءها وتجديدها بما يكتبون عن الدرامة وعن الرومانتسزم.. وهم أكثر الناس جهلاً بما يموج به تراث العربية من كنوز البيان والأدب، وبما يغص به ثبت كتَّابها ومÙكريها من الأساتذة ÙÙŠ كثير من Ùنون التÙكير والأدب، ÙˆÙيها أسماء أوÙر رنيناً وأØÙ‚ بالدرس من كثير ممن يشغ٠اليوم كتابنا الÙتيان بدرس شخصياتهم واستيعاب آثارهم.â€ØŒ ثم يختم عنان مقاله بأن يطلب تØرير Øياتنا وأدبنا من النزعة الجديدة التي تريد أن تقطع Øاضر مصر عن ماضيها وأن تجعل دراسة مصر مقصورة على هذا العهد الأخير، والتي ترمي إلى صبغ تاريخ هذا العصر بصبغة معينة يوØÙ‰ بها اليوم إلى أقلام مصرية وغربية، وتÙرض اليوم على طلبة المدارس.([27])
ولعل خير وصÙÙ ÙˆÙص٠به هؤلاء النÙر الذين زعموا التجديد ÙÙŠ هذا العصر هو وص٠المنÙلوطي لأØدهم ÙÙŠ مقدمة نظراته بقوله:†أعجمي يظن أن اللغة العربية Øرو٠وكلمات وهو لا يعر٠منها غيرها؛ Ùينطق بشيء هو أشبه الأشياء بما يترجمه المترجمون من اللغات الأعجمية ترجمة ØرÙية، Ùإن نعيت على غرابة أسلوبه واستعجامه والتواءه على الÙهم؛ كان مبلغ ما ÙŠÙ†Ø¶Ø Ø¨Ù‡ Ù†Ùسه أن المعاني العصرية والخيالات الØديثة لا يستطاع إلباسها الأكسية البدوية والأردية العربية، كأنما هو يظن أن المعاني والخواطر خطط وأقسام وأنصبة وسهام، هذا للشرق وهذا للغرب وهذا للعرب وهذا للعجم، أما الØقيقة التي لا ريب Ùيها Ùهي أن الرجل لا ينتزع تلك المعاني من قرارة Ù†Ùسه ولا يصور Ùيها صورة عقله؛ وإنما هو مترجم قد عثر بتلك المعاني ÙÙŠ اللغة الأعجمية التي يعرÙها.. Ùلما أراد أن ÙŠÙضي بها إلى العرب وكان غير مضطلع بلغتهم ولا متمكن من أساليبهم عجز عن أن ينزع عنها أثوابها اللاصقة بها؛ Ùنقلها إليهم كما هي، إلا ما كان من تبديل Øر٠بØر٠أو Ù„Ùظ آخرâ€.([28]) وطغت موجة التÙرنج الأدبي والتأثر بمقاييس النقد الأوربي Øتى استØكمت، وَخَÙَتَ ÙÙŠ العقد الثالث من القرن العشرين صوت الشعر الأصيل، وتندر كثير من الكتاب والأدباء بمن استمسك من الشعراء بعمود الشعر، وبمن استمسك من الأدباء بطرائق العرب ÙÙŠ النثر، وأعلن لويس عوض نعي الشعر العمودي ÙÙŠ سرور٠لم يستطع إخÙاء معالمه وشماتة٠لم ÙŠÙ†Ø¬Ø ÙÙŠ ÙƒØ¨Ø Ù…Ø¸Ø§Ù‡Ø±Ù‡Ø§ قائلاً ÙÙŠ كتابه (بلوتولاند وقصائد أخرى):†لقد مات الشعر العربي، مات عام1933Ù…ØŒ مات بموت Ø£Øمد شوقي، مات ميتة الأبد، مات!!.â€([29])ØŒ ومن الملاØظ أنه أهدى كتابه هذا إلى كريستوÙر سكيÙØŒ سنة 1947Ù…ØŒ وسكي٠هذا كان أستاذاً ÙÙŠ كلية الآداب بجامعة القاهرة وجاسوساً Ù…ØترÙاً ÙÙŠ وزارة الاستعمار البريطانية، ومبشراً ثقاÙياً شديد الصÙاقة سيء الأدب ماكراً خبيثاً خسيس الطباع .([30])
وسعد لويس وأمثاله بانØدار الشعر الأصيل بعد موت شوقي ÙˆØاÙظ، وصعود موجات أخرى مما سÙمي بالشعر الØر الذي ساعد ÙÙŠ البعد عن منابع الأصالة والتأصيل، وبدأت القصص والروايات والمسرØيات تنشط ÙÙŠ غياب الشعر، وكثر القصاصون والمسرØيون، ووجد دعاة التجديد مجالاً جديداً لإعادة الدعوة إلى العامية واللغة المتوسطة إلى صدارة المشهد الأدبي، واستغلت القصة ÙÙŠ إذاعة تقاليد الغرب وعاداته وأÙكاره وقيمه، ولم تلبث- كما يقول Ù…Øمد Ù…Øمد Øسين- أن طغت على سائر Ùنون الأدب Øتى أخملت الشعر أو كادت، ورØبت بها الصØ٠على اختلا٠ألوانها، وجعل لها الكثير منها باباً من أبوابها الثابتة استجابة لرغبات الجمهور الذين أقبلوا عليها إقبالا شديداً لاسيما بعد أن هجر الناس اللغة الÙصØÙ‰ إلى لغة الأسواق التي لا يتميز Ùيها عالم من جاهل.. وتجرأ على كتابة القصة القادرون وغير القادرين، والناضجون من أصØاب المواهب والتاÙهون من الأغرار والجهال، واندس بين هؤلاء كثير من مرضى النÙوس وذوي الأهواء وممن ينقلون ويترجمون أسوأ ما قرؤوا من قصص الغرب الرخيصة المبتذلة؛ Øتى أصبØت القصة أشد خطورة من الكوكايين والØشيش والأÙيون، وصارت من أبشع وسائل الإÙساد والغواية والهدم، بعد أن انتقل ميدانها إلى الخيالة والسينما.([31])
وإذا كانت الوسائل التي اصطنعها القوم لضرب اللسان العربي Ùشلت ÙÙŠ ميادين كثيرة؛ Ùإنها ÙÙŠ ميدان تغريب الأدب Ø£Øرزت نجاØاً لا يستهان به، وكانت قضيتا (الأدب القومي) Ùˆ(الشعر الجاهلي) من أشد ما ابتلي به الأدب العربي ÙÙŠ تلك الÙترة، وقد تدثرتا- ككل الدعوات الهدامة ÙÙŠ ذلك العصر- بشعارات براقة خادعة، وتلÙعتا ببعض إيجابياتهما القليلة الملتبسة لستر سلبياتهما الكثيرة الواضØØ©.
الدعوة إلى الأدب القومي :
كان أكثر ما يؤرق الدوائر الاستشراقية آنذاك هو ÙˆØدة الأدب العربي النابع من ÙˆØدة لسانه الذي يظل وجوده عامل ربط بين مختل٠الشعوب الناطقة بالعربية، وكما اجتهدت هذه الدوائر ÙÙŠ الدعوة إلى Ø¥Øلال العامية Ù…ØÙ„ العربية؛ اجتهدوا أيضاً ÙÙŠ الدعوة إلى Ø¥Øلال الأدب القومي (الإقليمي) Ù…ØÙ„ الأدب العربي؛ لتÙعنى مصر بالأدب المصري، ويÙعنى العراق بالأدب العراقي، ويÙعني الشام بالأدب الشامي.
وقد كانت هذه الهجمة على ÙˆØدة الأدب العربي أثراً من آثار الدعوة إلى القومية التي أريد بها ضرب الوØدة الإسلامية، ثم تمخضت عن دعوات إقليمية ضيقة، أو دعوات عرقية بائدة سابقة على الإسلام، وضاربة بجذورها ÙÙŠ عمق الزمن كالÙرعونية والآشورية والÙينيقية، وغيرها من الأعراق والØضارات البائدة. وقد تعاظم هذا المد القومي الإقليمي إلى الØد الذي ظهرت من خلاله الدعوة لإقامة الÙنون على أساس Ùرعوني، وتزعمت صØÙŠÙØ© السياسة الأسبوعية هذا الاتجاه، وأعان عليه رئيس تØريرها Ù…Øمد Øسين هيكل ÙÙŠ شطر كبير من Øياته؛ Ùلم يكد عدد من أعداد السياسة يخلو من Øديث عن الÙراعنة ÙˆØضارتهم وثقاÙتهم، والدعوة إلى أن تقوم نهضتنا الØديثة على أساس من بعث المجد الÙرعوني القديم، مثلما قامت النهضة الأوروبية الØديثة على بعث المجد اليوناني واللاتيني القديم.([32])
ÙˆÙˆØ§Ø¶Ø Ø£Ù† هذا التردي كان ناتجاً عن التخبط ÙÙŠ البØØ« عن ذات يركن إليها العربي الذي قصÙته مداÙع الهجمة التغريبية الأولى، وأثرت Ùيه أيما تأثير البعثات٠العلمية التي شككته ÙÙŠ أصله وعرقه، وخدعته عن Ù†Ùسه وتاريخه، وأسقطت ÙÙŠ ذاته قيمتها وأهميتها، ÙˆØقرت إليه تراثه وأمجاده؛ Ùارتد يبØØ«- صادقاً أو مقلداً- عن ذاته ÙÙŠ Øضارات قديمة بائدة لم يعد يربطه بها رابط معنوي أو روØÙŠØŒ ولم يبق من آثارها سوى تماثيل وأبنية جامدة شاء الله أن توجد Ùوق أرضه وتØت سمائه؛ ليتغاÙÙ„- بÙعل القص٠الÙكري المستمر- عن الروابط العميقة المتجذرة ÙÙŠ ذاته وروØÙ‡ التي تربطه بالØضارة العربية وتراثها الإسلامي الخالد.
وهذه (الغÙلة) هي البديل الذي Ù†Ùضله لكلمة (الخيانة) أو (العمالة) الÙكرية التي راج استخدامهما ÙÙŠ وصم هؤلاء المرددين لهذه الدعوات الاستشراقية المنشأ الاستعمارية الهدÙØŒ وإن كان تكرر وجود أسماء بعينها ÙÙŠ كل دعوة هدامة يقربنا أكثر وأكثر من كلمتي (الخيانة والعمالة) الÙكرية عند الØديث عن هذه الأسماء؛ لأنه لا ÙŠÙقبل عقلاً أن يظل الغاÙÙ„ غاÙلاً أبداً، وألا تظهر غÙلته إلا ÙÙŠ دعوات الهدم والإلغاء والإقصاء وتØطيم الثوابت.
وبين الغÙلة والتغاÙÙ„ØŒ وبين البØØ« عن الذات والجهل بالذات، وبين الشعور الطاغي بالوطنية الجديدة والجهل بالمآلات القبيØØ© لهذه الوطنية؛ سارت Øملة (صØÙŠÙØ© السياسة) التي تبنت الدعوة إلى خلق أدب قومي له طابع مصري مستقل عن آداب الشعوب الشرقية الأخرى الناطقة بالضاد، ونشرت بياناً وقع عليه جماعة من شباب الأدباء ممن يتبنون هذه الدعوة ويطالبون بإنشاء مدرسة أدبية جديدة تØمل طرازاً أدبياً قومياً خاصاً، وهؤلاء الشبان هم: Ù…Øمد زكى عبدالقادر، Ù…Øمد الأسمر، Ù…Øمود عزت موسى، Ù…Øمد أمين Øسونة، زكريا عبده، معاوية Ù…Øمد نور.([33])
وقد شعر هؤلاء الأدباء- على Øد قول جابر عصÙور- بالØاجة إلى ضرورة الإعلان عن دعوتهم إلى (خلق الأدب القومي) الوطني المستقل عن أدب الشعوب الشرقية الناطقة بلغة الضاد ØŒ مؤكدين على عدم ضرورة ارتباط الأدب المصري بغيره من آداب الدول الإسلامية أو العربية التي كانت قد أخذت تجمعها تسمية (الرابطة الشرقية)ØŒ ومشددين على أن استقلال الأدب المصري ÙÙŠ هذا السياق يأتي تأكيداً لخصوصيته التي تستند إلى تاريخ طويل متعامد على مكان متعين، تÙرض خصوصية كليهما رÙض تقليد التراث العربي القديم، والكتابة ÙÙŠ المدى الذي ØªØ³Ù…Ø Ø¨Ù‡ تقاليده التي أنتجت أمثال مصطÙÙ‰ صادق الراÙعي، ومصطÙÙ‰ لطÙÙŠ المنÙلوطي، ورÙض تقليد الأدب الغربي ÙÙŠ الكتابة، وما يلزم عن هذا التقليد من اقتباس أو تمصير أو تعريب، مع عدم الامتناع عن الإÙادة من أدب الشرق أو الغرب ÙÙŠ Øدود الرؤية الجديدة للواقع المصري الجديد. كما يتبع هذه الÙكرة ما يلزم عنها من ضرورة تجديد اللغة العربية وأساليبها تجديداً جذرياً بما يؤكد طابعها المØلى، ولا يعنى ذلك الدعوة إلى استخدام العامية وإلغاء الÙصØى؛ وإنما تأكيد الÙصØÙ‰ التي تنبني على خصائص Ù…Øلية.
وعلى هذا النØÙˆ يمضي جابر عصÙور مداÙعاً عن هذه الدعوة وأصØابها، ومستعيناً ÙÙŠ دÙاعه بما كتبه الشيخ أمين الخولي عن (مصر ÙÙŠ تاريخ البلاغة العربية)ØŒ مستغلاً تزامن نشاط هذه الدعوة مع صدور كتاب الخولي الذي لم يقصد من ورائه ما قصده دعاة القومية ÙÙŠ الأدب؛ وإنما كان مقصده رÙض تقسيم تاريخ الأدب العربي الإسلامي إلى عصور زمنية مجاراة لمؤرخي الأدب من الغربيين، والدعوة إلى ضرورة الربط بين المنظور الزمني والمنظور البيئي أو الإقليمي؛ خصوصاً بعدما رأى ما قرره العلم من أثر٠للبيئة ينازع ÙÙŠ قوته ما للوراثة من تأثير؛ Ùالرأي الصائب عند الخولي: أن يَعدÙÙ„ مؤرخو الأدب عن توزيع دراسة الأدب العربي الإسلامي على عصور زمنية ÙØسب، وأن يقدروا الأثر القوي لكل بيئة نما Ùيها أدب عربي، وأن يتتبعوا هذا الأثر بالدرس المستقل، وأن يدرسوا العربية ÙÙŠ المواطن المختلÙØ© التي نزلتها موطناً موطناً؛ Ùيكون أساس التقسيم هو اختلا٠البيئة وتغايرها ووØدة المؤثرات المادية والمعنوية Ùيها، Øتى لو لم يتطابق ذلك مع التقسيم السياسي المتعار٠عليه للأقطار والبلدان، Ùليس هناك تطابق Øتمي بين أثر البيئة (المادي والمعنوي) وأثر السياسة؛ ولذلك لا بد من Ø¥Ùراد كل بيئة بدرس خاص Ø£Ùقياً ورأسياً.
ومن المعلوم أن جذور هذا الرأي الذي رآه أمين الخولي موجودةٌ عند العرب القدماء ومعتبرةٌ أيضاً.. Ùقد تØدث النقاد القدماء عن شعراء القرى وشعراء البادية ÙˆÙرقوا بينهما، بل وتØدثوا عن شعراء الكوÙØ© والبصرة وأدبائهما ÙˆÙرقوا بينهما لما للبيئتين من خصائص مختلÙØ© عن الأخرى، وقد قَسَّمَ أبو منصور الثعالبي ÙÙŠ كتابه (يتيمة الدهر) الشعراء Øسب أقاليمهم؛ Ùجعل قسماً لشعراء الشام ومصر والموصل، وقسماً لشعراء العراق والديلم، وقسماً لشعراء Ùارس وجرجان وطبرستان، وقسماً لشعراء خراسان وما وراء النهر. ولم يقصد العرب القدماء الدعوة إلى الإقليمية بتلك التقسيمات، كما لم يقصد الخولي ذلك أيضاً، وإنما قصدوا وقصد ØªÙˆØ¶ÙŠØ Ø£Ø«Ø± البيئة ÙÙŠ شعر الشاعر ونثر الناثر ونقد الناقد، وهذا لا مشاØØ© Ùيه، أما غرض أصØاب دعوة الإقليمية ÙÙŠ الأدب Ùقد انصب على تمصير الأدب كما انصب غرض غيرهم على تمصير اللغة، وقصدوا (Ùرعنة) الأدب كما قصدوا (Ùرعنة) اللغة، ونØÙ† لا نعر٠كي٠يكون الأدب Ùرعونياً مصرياً، أو آشورياً عراقياً، أو Ùينيقياً شامياً، وهو عربي اللسان والأساليب والمقاييس.
ثم إن مصر ذاتها ليست ÙˆØدة واØدة؛ Ùشمالها وجنوبها يختلÙان ÙÙŠ العادات والتقاليد والتأثيرات عن بعضهما، كما تختل٠بلدان الشام مجتمعة قبل التÙريق بينها، Ùلبنان وسوريا ÙˆÙلسطين والأردن بينها من الÙروق ما يمكن أن يتمØÙ„ بها المتمØلون صÙات وتأثيرات خاصة لشعراء وأدباء كل بلد منها، بما يجعل لكل بلد خصائص ذاتية مختلÙØ© عن الأخرى رغم اتØادهم ÙÙŠ الإقليم واتÙاقهم ÙÙŠ معظم الخصائص.
وهذا ما واجهه جابر عصÙور Øين تØدث عن (معاوية Ù…Øمد نور) السوداني الوØيد بين الموقعين المصريين على بيان الدعوة إلى الأدب القومي، ومعلوم أن السودان ومصر كانتا آنذاك بلداً واØداً، أما الآن Ùهما بلدان مختلÙان- بØسب الÙكرة القومية الوطنية الضيقة- ولكي يخرج جابر عصÙور من هذا المأزق قال:†ويلÙت الانتباه ÙÙŠ هذه الأسماء أولاً، أنها مصرية المولد والمربى Ùيما عدا معاوية Ù…Øمد نور (1909-1941) السوداني المنتسب إلى ÙˆØدة (وادي النيل) الواصلة بين مصر والسودان تاريخياً.â€([34]) ØŒ وهذا تمØÙ„ غريب وتبرير أغرب بعد أن انÙصل السودان عن مصر، ولو لم ينÙصل السودان عن مصر- بÙعل الاستعمار والتغريب أيضاً- لما Ø£Ù„Ù…Ø Ø¬Ø§Ø¨Ø± عصÙور إلى ÙˆØدة وادي النيل التي تشترك Ùيها مع مصر والسودان كينيا وأثيوبيا وأوغندا وغيرها، Ùهل ÙŠØµØ Ø£Ù† ندخل أدب هذه الدول ضمن الأدب المصري والسوداني لمجرد أن هذه الدول اشتركت ÙÙŠ ÙˆØدة وادي النيل تاريخياً، وهل سيظهر إذا انÙصل شمال مصر عن جنوبها مثلاً- ما دمنا نتمØÙ„ الأعذار بعد كل انÙصال- أدبٌ صعيدي، وأدب قاهري، وأدب دلتاوي، كما يريد دعاة القومية أن ÙŠØµØ¨Ø Ø§Ù„Ø£Ø¯Ø¨ ÙÙŠ بلاد الشام أدباً سورياً، وأدباً لبنانياً، وأدباً أردنياً، وأدباً Ùلسطينياً.
بيد أن أخطر تطور Øدث لهذه الدعوة هو ذلك التطبيق العملي الذي تمثل ÙÙŠ ذلك الكرسي الذي Ø®Ùصص لها ÙÙŠ كلية الآداب بجامعة Ùؤاد الأول (القاهرة لاØقاً)Ø› Ùقد أوعز Ù…Øمد Øسين هيكل بعد أن Ø£ØµØ¨Ø ÙˆØ²ÙŠØ±Ø§Ù‹ للمعار٠ÙÙŠ وزارة Ù…Øمد Ù…Øمود باشا إلى صديقه طه Øسين عميد كلية الأدب العربي أن يتقدم Ø¨Ù…Ù‚ØªØ±Ø Ù„Ù„Ø¬Ø§Ù…Ø¹Ø© يطلب Ùيه تخصيص كرسي٠ÙÙŠ (قسم اللغة العربية) بكلية الآداب باسم (الأدب المصري)ØŒ وقام هيكل- استجابة لهذا الطلب الذي أوعز هو به- بإعداد مذكرة لإنشاء الكرسي، ليصدر ÙÙŠ الخامس والعشرين من أبريل سنة 1939Ù… (أي بعد إعداد المذكرة بيومين) مرسوم ملكي من Ùاروق الأول ملك مصر والسودان إلى Ù…Øمد Ù…Øمود باشا رئيس مجلس الوزراء بإنشاء كرسي٠خاص (للأدب المصري ÙÙŠ العهد الإسلامي) بكلية الآداب بالجامعة المصرية، وتم إبلاغ الجامعة بالمرسوم الملكي لتنÙيذه، وتقرر نتيجة ذلك نقل صديق هيكل وطه Øسين: Ø£Øمد أمين من كرسي الأدب العربي إلى كرسي الأدب المصري!!ØŒ وترقية عبد الوهاب عزّام الأستاذ المساعد إلى أستاذ للأدب العربي!! Ù„ÙŠØµØ¨Ø Ø£Øمد أمين الذي كان متعاطÙاً مع دعوة الاهتمام بالأدب القومي منذ البداية أول أستاذ يشغل كرسي الأدب المصري.([35])
ورغم أننا Ù†Øسن الظن ببعض الأسماء التي Øملت لواء هذه الدعوة، وننظر إلى جهودهم Ùيها من خلال سياق Ø£Øداث عصرهم الذي ماج بدعوات الوطنية والقومية، ونجد لهم بعض العذر ÙÙŠ انسياقهم وراء الآثار القومية والوطنية الجارÙØ© لثورة 1919Ù…ØŒ ونقدر لهم كثيراً من Ø£Ùكارهم التي جاءت ÙÙŠ مؤلÙاتهم الإسلامية والعربية التي تعيدنا إلى Ø¥Øسان الظن بهم ÙÙŠ غرضهم من هذه الدعوة التي لم يريدوا بها غير تقوية Ø±ÙˆØ Ø§Ù„ÙˆØ·Ù†ÙŠØ© ÙÙŠ Ù†Ùوس الناشئة لمØاربة الاستعمار والاØتلال، وإظهار ما لمصر من قيمة وأهمية- كما Ùعل Ø£Øمد شوقي ÙˆØاÙظ إبراهيم ÙÙŠ شعرهما الذي يمجد الØضارة الÙرعونية، دون أن يكون مقصدهم Ùصل مصر عن Ù…Øيطها العربي- إلا أن ذلك كله لا يشÙع لهم سنهم سنة سيئة ÙÙŠ تاريخ الأدب العربي الØديث والمعاصر أدت إلى خلخلة كثير من المÙاهيم الأدبية؛ بل وأدت إلى ظهور ما سمي بالأدب الشعبي أو الÙولكلور الذي انتقلت إلينا عدواه بÙعل Øبنا لتقليد الأجنبي تقليداً أعمى ÙÙŠ الخير والشر، Øتى†أننا أصبØنا لا Ù†Ùعجب بأثر٠من آثارنا أو عادة من عاداتنا Øتى نسمع تقريظ الأجنبي لها ÙÙ†Ùقرظها تبعًا له، أو نرى اهتمامه بها وعنايته بدراستها Ùندرسها اقتداء بهâ€.([36])
وقد كان هذا اللون من الأدب الشعبي عاملاً من عوامل التجزئة والتÙريق اهتم به الاستعمار والاستشراق من خلال اهتمامهما بعلم الآثار وعلم المجتمعات وأنماط السلوك، بيد أنه لم يجد له صدى ÙÙŠ الوسط الثقاÙÙŠ آنذاك Ùاقتصر على أوساط العامة والسذج، Ù…Øاولاً رد عادتنا وتقاليدنا إلى أصول قديمة قبل ظهور الإسلام، ليتماهى بذلك مع أغراض دعوات الÙرعونية والآشورية والÙينيقية التي أراد المØركون لها ÙÙŠ الخÙاء صر٠العرب عن الثقاÙØ© العربية القديمة، وتقليل العناية بالماضي العربي الإسلامي شعرÙÙ‡ ونثرÙÙ‡ وتاريخÙÙ‡ وعلومÙه، بÙزَعْم أنها قد أصبØت شيئاً قديماً لا يلائم Øياتنا ولا يتصل بها.
****
إن هذا الإصرار العجيب من الغرب (باستعماريه ومبشريه ومستشرقيه) على مهاجمة اللغة العربية وآدابها يدل دلالة واضØØ© على أن القوم عرÙوا جيداً أن هذه اللغة هي السد المنيع الذي يق٠شامخاً صلباً ÙÙŠ مواجهة كاÙØ© دعواتهم التغريبية الهدامة، والذي إن سقط Ùإن ما وراءه أهون سقوطاً منه.
وقد أدت هذه الهجمات التغريبية إلى ظهور تيار تأصيلي ÙÙŠ الثقاÙØ© والأدب العربيين رَدَّ غائلة هذه الهجمات ووق٠ÙÙŠ وجهها وأظهر عوارها وخبثها.. وهذا ما سنعرÙÙ‡ ÙÙŠ المقال القادم إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] Ù€ اللغة العربية بين Øماتها وخصومها Ù€ أنور الجندي Ù€ ص89.
[2]Ù€ الهلال:â€Ø§Ù„مدارس الأميرية المصرية واللغة العربيةâ€ØŒ عدد1 أبريل 1907ØŒ ص 403:401.
[3]Ù€ دور التعليم المصري ÙÙŠ النضال الوطني زمن الاØتلال البريطاني Ù€ سعيد إسماعيل علي Ù€ ص99ØŒ105.
[4] المرجع السابق ـ ص98،99.
[5]ـ المرجع سابق ـ ص 112.
[6] Ù€ اللغة العربية بين Øماتها وخصومها Ù€ أنور الجندي Ù€ ص72ØŒ73.
[7]Ù€ الاتجاهات الوطنية ÙÙŠ الأدب المعاصر Ù€ Ù…Øمد Ù…Øمد Øسين Ù€ دار الرسالة Ù€ مكة 1992Ù… Ù€ Ø·9Ù€ ج2 Ù€ ص360Ù€ 380.
[8]Ù€ انظر : مقدمة Ù…Øمود شاكر لكتاب : الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي Ù€ ترجمة : عبد الصبور شاهين Ù€ الاتØاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية 1983Ù… Ù€ Ø· 3 .
[9]Ù€ تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها ÙÙŠ مصر Ù€ Ù†Ùوسة زكريا Ù€ دار المعار٠ـ القاهرة Ù€ 1980Ù… Ù€ ص10Ù€ 11.
[10]ـ المقتط٠ـ باب المناظرة والمراسلة ـ مستقبل اللغة العربية ـ ج8 من السنة السادسة1882م ـ ص494 .
[11]Ù€ اللغة العربية ÙˆØ§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø Ù€ خليل اليازجي Ù€ المقتط٠ج7 Ù€ السنة السادسة 1881Ù… .
[12]Ù€ الصراع بين القديم والجديد Ù€ Ù…Øمد الكتاني Ù€ ج2Ù€ ص761Ù€ 762.
[13]Ù€ Ø£Øمد لطÙÙŠ السيد Ù€ الجريدة :أعداد 6ØŒ20ØŒ23ØŒ27ØŒ30 أبريل ØŒ1ØŒ4،مايو 1913.
[14]Ù€ تمصير اللغة Ù€ مجلة البيان 1912Ù… Ù€ وانظر بتوسع: تØت راية القرآن Ù€ مصطÙÙ‰ صادق الراÙعي.
[15]Ù€ الاتجاهات الوطنية Ù€ Ù…Øمد Ù…Øمد Øسين Ù€ ج2Ù€ ص362 .
[16]Ù€ تاريخ الدعوة إلى العامية Ù€ Ù†Ùوسة زكريا Ù€ ص30.
[17]Ù€ الهلال Ù€ هل ينبغي تغيير الØرو٠العربية ØŸ آراء ثلاثة من علماء العربية Ù€ عدد 1أغسطس سنة 1932ØŒ ص1389Ù€ 1385.
[18]ـ المعارك الأدبية ـ أنور الجندي ـ ص90ـ93.
[19]ـ المرجع السابق ـ ص 96ـ 102.
[20]Ù€ الإتقان ÙÙŠ علوم القرآن Ù€ جلال الدين السيوطي Ù€ القاهرة 1368هـ Ù€ ج1Ù€ 119.
[21]Ù€ الاتجاهات الوطنية Ù€ Ù…Øمد Ù…Øمد Øسين Ù€ ج2Ù€274.
[22]ـ الأدب للشعب ـ سلامة موسى ـ سلامة موسى للنشر والتوزيع ـ القاهرة1956م ـ ص9ـ 10.
[23]ـ المرجع السابق ـ ص28.
[24]ـ اليوم والغد ـ سلامة موسى ـ ص68.
[25]ـ الأدب للشعب ـ سلامة موسى ـ ص57 ـ 58.
[26]ـ المرجع السابق ـ ص6.
[27]Ù€ الأدب القومي يغمط Øقه Ù€ Ù…Øمد عبدالله عنان Ù€ ملØÙ‚ السياسة الأدبي Ù€ ع24 Ù€ Ùبراير1932Ù… Ù€
[28]Ù€ النظرات Ù€ مصطÙÙ‰ لطÙÙŠ المنÙلوطي Ù€ طبعة مصر1926Ù… Ù€ ج1Ù€ ص12.
[29]ـ بلوتولاند وقصائد أخرى ـ لويس عوض ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة1989م – ص9.
[30]Ù€ أباطيل وأسمار Ù€ Ù…Øمود شاكر Ù€ ص8 .
[31]Ù€ الاتجاهات الوطنية Ù€ Ù…Øمد Ù…Øمد Øسين Ù€ ص 354Ù€355 .
[32]Ù€ السياسة الأسبوعية Ù€ ع27 نوÙمبر 1926Ù… Ù€ ( مصر الØديثة وتاريخها القديم ) بقلم رئيس التØرير Ù…Øمد Øسين هيكل.
[33]ـ السياسة الأسبوعية ـ ع28 ـ يونيه 1930م .
[34]Ù€ الدعوة إلى خلق أدب وطني وتجديد اللغة Ù€ جابر عصÙور Ù€ جريدة الشروق الالكترونية Ù€ 9يوليو Ù€ 2009Ù… .
[35]ـ المرجع السابق ( نت )
[36]Ù€ الإسلام والØضارة الغربية Ù€ Ù…Øمد Ù…Øمد Øسين Ù€ ص257.