التفكك الأسري في الغرب (ألمانيا مثالا) لحسين أبو سبيع، صاغه بالفصحى محمود رفعت

يعانون هنا في ألمانيا مشكلةً اجتماعية شديدة التعقيد بالرغم من يُسر حلها، لأن حلها هو الدين، وهذا ما يُصرّ المجتمع الألماني على الهروب منه، إلى الآن على الأقل، ونقص المواليد هو أهم أعراض هذه المشكلة وأوضحها، لكنهم برغم الحضارة والتقدم يتغافلون عن المشكلة، ويهتمون فقط بعلاج هذا العَرَض، كمن يعالج السُّعال بشرب السوائل الدافئة دون أن يحاول علاج أسبابه الحقيقية التي أدت إليه بالرغم من أن هذا السعال قد يكون عرضا لمرض قاتل كالسرطان، وساعتها لن يكون البحث عن جذور المشكلة لحلها ضربًا من الرفاهية، بل سيكون خطوة أساسية لعلاجها.

https://www.facebook.com/antiatheismsociety/photos/a.354276615309307/789280411808923

وأصل هذه المشكلة بإيجاز هو أن الألمان بعد الحرب العالمية الثانية أصبحوا يخافون بشدة تكوينَ الأُسر وتحمّل مسؤولياتها، وهذا ما جعل أحد الأساتذة الذين درست عليهم اللغة الألمانية، وكان شيخا ذا سبعين عاما، يقول لي حين ذكر هذه الأزمة: أنا قمتُ بدوري في هذه الأزمة وأتيتُ بولد وبنت.
فقلتُ له: إن الحد الأدنى لاستمرار أي أمة هو أن ينجب كل زوجين طفلين ونصف، أي أن تنجب كل عشر أُسر عشرة أزواج وعشر زوجات، فينجبوا هم خمسة وعشرين طفلا، وليس عشرين فقط.
فقال: بعض أصحابي قد أتى بثلاثة أبناء وبعضهم أتى بأربعة
فقلتُ له: وولداك؟ كم أنجبا؟
فقال: هذا اختيارهم الشخصي ولا شأن لي بها.
وبرغم صحة إجابته، لكن يبدو أنهما لم يرزقا بأكثر من طفلين 😀
كان هذا الحوار بداية نقاشات كثيرة جدا مع ألمان وألمانيات كثيرات في العمل أو في غيره عن سبب عزوفهم جميعا عن الإنجاب، أو عن إنجاب أكثر من طفل واحد، برغم أن تكلفة تربية الطفل في ألمانيا أقل من دول أخرى كثيرة كأمريكا وبريطانيا، وسنعود لهذا فيما بعد.
كانت إجابة الذكور هي الخوف من الارتباط الدائم بامرأة واحدة قد تخونه فلا يعرف إن كان الطفل له أو لغيره.
وللعلم: هذا في ألمانيا أمر طبيعي ومنتشر؛ فإن آخر الإحصائيات تقول إن 19% من حالات الارتباط طويل المدى قد أصيبت بخيانة واحدة على الأقل من أحد الطرفين، وإن 59% ممن يفعلون ذلك يكررونه.
يعزف الألماني عن الزواج إذن خوفا من الخيانة وأن يُنسب له ولد ليس من صلبه، لكن الحقيقة أن الخيانة تقع هنا من الجميع ذكور وإناث، فكنتُ إذا قلتُ لهم ذلك يقول بعضهم: نعم، لكنني أحتاط حتى لا ينتج عن الخيانة طفل! (فهب أن غيرك أيضا يحتاط مثلك إن خانتك زوجتك معه 😀)
وكان بعضهم الآخر إذا قلتُ له إن الخيانة تقع هنا من الرجال والنساء يقول: هذه مشكلة أخرى؛ فإنها إن كانت زوجتي واكتشفت ذلك فستطلب الطلاق، وسأخسر خسارة مادية كبيرة، لكنها إن كانت صديقة فأقصى ما ستفعله أن تتركني وترحل، وهذا طبعا إن لم تكن تعتمد ماديًّا عليّ، فلمَ إذن أتزوج؟
أما سبب النساء للعزوف عن الزواج فكان مختلفًا، وهو أنها تخشى أن تجد نفسها أمًّا وحيدة إذا تركها زوجها حتى إن استطاعت أن تثبت أنه أبوه، وساعتها لن تتمكن الحكومة من فعل شيء له، وأقصى ما يمكن أن تفعله أن تقتطع من دخله جزءًا للأم.
وفي ألمانيا يسمح القانون لمن بلغ الرابعة عشرة بالدخول في علاقات جنسية لذلك تبدأ الفتيات بتعاطي حبوب منع الحمل من هذه السن، وأحيانا تعطي الأم بنتها هذه الحبوب حتى لا تحمل فتبتلى هي وأسرتها بتربية طفل لا يعرف أحد أباه.
ومسألة تربية الأم ابنها وحدها معروفة في ألمانيا باسم “alleinerziehende Mutter”ØŒ وترجمته الحرفية: الأم التي تربي وحدها.
وأكثر من 16% من الأولاد دون الثامنة عشرة هنا يعيشون مع أمهم فقط. (راجع الإحصاء الرسمي آخر المقال)
خُمس الأمهات في ألمانيا مربيات وحيدات، وانتبه إلى أننا تكلمنا عن الحالات التي يحدث فيها الحمل فقط، ولم نُشر إلى حالات الإجهاض.
الإجهاض هنا في ألمانيا مسموح به دون شروط حتى الأسبوع الرابع عشر، ويسمح به بعد الأسبوع الرابع عشر إذا ادعت الأم أن الحمل كان بسبب اغتصاب دون نظر إلى صدق روايتها أو كذبها، وحتى لو قبضوا على الجاني.
سنة 2018 فقط أكثر من مئة ألف عملية إجهاض، إي والله أكثر من مئة ألف!
وقيام المرأة وحدها بأعباء تربية طفلها ليس هو المشكلة الوحيدة التي تواجهها الأمهات الوحيدات في ألمانيا، بل تصاحبها مشكلات أخرى؛ فمَن هذا الذي سيُقبل على الزواج بأم معها طفلها في مجتمع ينفر فيه الرجال من الزواج من الأمهات وغير الأمهات؟ وينفرون فيه كذلك من تربية أبنائهم، فكيف يربون أبناء غيرهم؟ هذا بالإضافة إلى أنه من السيئ أن تكون الأم جاهلة بوالد ابنها.
وكذلك لن يكون من السهل أن تترك طفلها الصغير المحتاج إلى الرعاية لتعمل وتنفق عليه، لذلك تضطر نساء هنا كثيرات إلى الدخول في علاقات جنسية قصيرة لإشباع رغباتهن فقط، ويَقبلن بأعمال متدنية لا تحتاج إلى طموح وظيفي من أجل الإنفاق على طفلها حتى يتمكن على الأقل من الالتحاق بالمدرسة، ونتيجة لهذا كله تتجنب النساء بكل سبيل أن يكنّ أمهات وحيدات، ويتجنب الذكور كذلك الارتباط بأم وحيدة تستنزف أموالهم، فنتج عن هذا كله انخفاض أعداد المواليد فتدخلت الدولة، لكنها لم تفعل أكثر من تقديم بعض المسكّنات لا أكثر؛ فقدمت دعما ماليّا للأم المُعيلة، وجعلت لابنها الأولوية عند التقدم للحضانات، كما قررت أن تعطي دعما للأبوين من أجل عنايتهما بطفلهما، فإذا انفصلا ذهب الدعم المالي للمسؤول فيهما عن تربية الطفل، وهو الأم عادة، ولو قرر الأبوان شراء بيت تعطيهما الدولة 12 ألف يورو منحة عن كل طفل مقسمة على عشر سنين، في كل سنة 1200 يورو، وتعفيهم الدولة من الضرائب عن جزء من الدخل مقابل كل طفل إلى أن يبلغ الولد الثامنة عشرة، وتجعل الدولة الزواج سببا من أسباب تخفيض الشريحة الضريبية.
وهذه الحلول كلها كما رأيت إغراءات ماليه لاستمرار الحياة الزوجية ولإنجاب أطفال، لكنها لا تحل المشكلة الحقيقة التي يعرفها الجميع؛ فلم يحاولوا مثلا مواجهة مشكلة تسليع المرأة في الإعلانات وعلى أغلفة المجلات؛ فمن السهل أن تجد هنا في كل مكان مجلات إباحية معروضة للجميع، وحين انتبه لهذا أحد أعضاء البرلمان المتشددين كان أقصى ما طالب به أن توضع تلك المجلات على أرفف عالية حتى لا يراها الأطفال😏 وكذلك لا تجد علاجا لمشكلة الانفلات الأخلاقي المنتشر؛ فحين منعت مديرةُ مدرسة طالبة من الدخول لأن تنورتها قصيرة جدا غضب الجميع في ألمانيا وخارجها غيرةً على “ثقافة الجسد الحر” التي ينادون بها، والتي تعني أنه يحق للإنسان أن يصنع بجسده ما يشاء كأنه هو إله نفسه فلا رقيب عليه ولا حسيب، وكذلك لا تجد علاجا لمشكلة التفكك الأسري التي يعاني منها الآباء هنا دائما ففيمَ يعمل ويتعب وهو يعرف أن أبناءه حين يكبرون سيتركونه وقد لا يتصلون به أو يزورونه لأعوام طويلة؟ وكذلك لا تجد علاجا حقيقيا لمشكلة العلاقات العابرة، بل إنهم يرونها الآن مدعاة للفخر، وأنها دليل على أن الأنثى أو الذكر مرغوب فيه، وكان يجب أن يعدوا هذا منقصة ودليلا على أنه إنسان لا إخلاص له، ولا يتحمل المسؤولية، وكذلك لا تجد علاجا لمشكلة إدمان الخمور ولا لمشكلة البغاء، بل يسمح به قانونهم!
وقد لا تصدق أن أحد أسباب نفور الألمان من أي كلام عن أهمية الأسرة ودور الإنجاب في الحفاظ على المجتمع وبقائه، وأهمية التربية في الارتقاء بأخلاق المجتمع هو أن الحزب النازي كان يردده ويحض الألمان عليه، وأن هتلر قد أنشأ بنفسه مدارس للنساء لتعليمهن أصول التربية وبعض الحرف المهمة لهنّ داخل منازلهن كالخياطة والطبخ!
تخيل أن ينفر المسلمون من ركوب الخيل لأن أبا جهل كان يركبها! هذا هو بالضبط ما يفعله الألمان المتحضرون الآن؛ فهم على استعداد أن يجربوا كل شيء لحل مشكلتهم الاجتماعية العويصة إلا أن يجربوا الدين، لأن رغبات الفرد الآن هي أساس الملة التي يعتنقونها، ويتكبرون فلا يخضعون لله وأحكامه، ولا يحرصون على مجتمعهم ومصالحه، وهذا لأن “هتلر الشرير” كان يدعو إلى أن تهتم المرأة بالإنجاب والتربية 😏
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة!
الإحصائية الرسمية للمربيات الوحيدات:
https://www.bmfsfj.de/bmfsfj/themen/familie/chancen-und-teilhabe-fuer-familien/alleinerziehende
إحصاء عن نسب الخيانات في ألمانيا
https://www.welt.de/icon/article159717242/Wie-treu-die-Deutschen-wirklich-sind.html
إحصائية حالات الإجهاض في ألمانيا عام 2018
https://www.spiegel.de/gesundheit/sex/abtreibungen-zahl-in-deutschland-leicht-gesunken-a-1255342.html
ثقافة الأسرة في الفكر النازي
https://www.abendblatt.de/politik/deutschland/article107325314/Die-Familien-Ideologie-im-Dritten-Reich.html

Related posts

Leave a Comment