قبل ÙˆÙاته بسنوات٠قلائل أعطى المرØوم العلاّمة والمØÙ‚Ùّق والناقد الأستاذ Ø¥Øسان عبّاس (1920- 2003Ù…) مخطوطةً تÙمثّل٠الجزء الثاني من سيرته «غربة الراعي» إلى مدير دار الشروق الأردنيّة ÙتØÙŠ البس، ولكنَّ الناشر اعتذر له بلباقة٠عن نشرها لكونها تشتمل٠على وقائعَ صريØØ© بأسماء شخصيات اعتبارية ذات ثقل ثقاÙيّ ممّا يسبب٠إشكاليات٠كبرى للمؤل٠والناشر معًا. وهكذا ظلَّ الجزء الثاني من سيرة Ø¥Øسان عبّاس «غربة الراعي» Øتى الآن غائبًا لم ÙŠÙنشر؛ Ùقد Ù†ÙØ´Ùرَ الجزء الأول Ùقط.
http://www.akhbar-alkhaleej.com/13434/article/420.html
كنت٠مع خمسة من زملائي وزميلاتي نمثل٠الدÙعة الأخيرة التي درّسها العلاّمة Ø¥Øسان عبّاس ÙÙŠ مرØلة السنة التØضيرية للدكتوراه بالجامعة الأردنية. الجدير بالذكر أن برنامج الدكتوراه هو على الطريقة الأمريكية مكوّن من دراسة مقررات تخصصية ثم امتØان شامل ثم إعداد الأطروØØ©. كان تدريسه لنا ÙÙŠ مكتب كبير يتسع لستة مقاعد، وأقولها بصدق: كنا Ù…Øظوظين Ùعلاً بتلقي العلم من هذه القامة الشامخة التي أعطت الكثير ÙÙŠ صمت وإخلاص، وبقي نتاجها العلميّ الرصين ÙÙŠ التألي٠والتØقيق شاهدًا على هذا العطاء الÙذّ. ÙˆØلقات الدرس عند أستاذنا كانت تجمع٠بين الصرامة الشديدة وتكليÙنا بكتابة مقاربة لنص من النصوص العبّاسية بعد أن يكون قرأ معنا النص وأرشدنا إلى Ùهم Ù…ÙاتيØÙ‡ النقدية وطريقة تÙكيكه، ولديّ ÙÙŠ مكتبتي الخاصة تعليقاته المكتوبة بخط يده الصغير والدقيق المنمنم على مقارباتي وهي تعليقات أعتز بها. كما كان الأستاذ ÙÙŠ Ø£Øيان أخرى يمنØنا استراØات٠جميلة ÙŠØدثنا Ùيها Øديث الذكريات عن Ù…Øطاته الأكاديمية ÙÙŠ الجامعة الأمريكية ببيروت وجامعة الخرطوم وغيرهما. ÙˆÙÙŠ مرة من المرات Øدّثنا عن قصة عشق صديقه العلاّمة المØÙ‚Ùّق Ù…Øمود شاكر لعاتكة الخزرجيّ الشاعرة العراقية طالبة دكتوراه الأدب العربيّ بجامعة السوربون الÙرنسية وتلميذة المستشرق الÙرنسيّ ريجيس بلاشير. وقد قدمت عاتكة إلى القاهرة كي تØقّق ديوان الشاعر العبّاسي العبّاس بن الأØن٠وأرشدوها إلى Ù…Øمود شاكر ومكتبته الكبيرة. والØكاية لها تÙاصيل كثيرة ولكنها انتهت إلى نهاية Øزينة جدًا: سÙر عاتكة المÙاجئ إلى Ùرنسا وانكسار قلب Ù…Øمود شاكر بعد رØيلها. ولعلّها نوع من شقاوة الطلبة وربَّما هو الÙضول الذي جعلنا ننبش ونسأل وندقق ونØقّق ونقارن بين روايات مختلÙØ© ومتضاربة وكلّها عن عاتكة الخزرجيّ وقصتها مع Ù…Øمود شاكر! والروايات عند أساتذتنا متعددة Ùهناك من يداÙع وهناك من ينÙÙŠØŒ والغريب أن بعضهم كان شاهد عيان على تلك القصة العجيبة! ونØÙ† نستمتع٠بهذا الاختلا٠وذلك التضارب، وكأننا نشارك ÙÙŠ نسج Ø£Øداث رواية مثيرة! ولا أزال٠أذكر تلك الدموع الصادقة التي كانت تنسكب من عيني أستاذنا وهو يقرأ لنا بعض قصائد أبي العلاء المعريّ ÙÙŠ الرثاء.. لقد كان ÙŠÙتقد أخاه بكر عبّاس الذي سبقه إلى الموت، وكأنَّه كذلك كان يرثي Ù†Ùسه ويشعر بزمن الموت القريب منه.. Ùبعد سنة من انتهاء الÙصل الدراسي وانتهاء تدريسه لنا مقرر «دراسات معمّقة ÙÙŠ الأدب العبّاسيّ» تدهورت Øالته الصØية وبعدها Ùارق الØياة.. رØمه الله رØمة واسعة وأسكن روØÙ‡ الطيبة جنان الÙردوس. كان أستاذنا المرØوم صادقًا صريØًا لا يجامل٠ولا يداهن٠وخاصة ÙÙŠ العلم مهما كانت صراØته ستجر عليه ويلات ومصائب.. كان بسيطًا غير متكلÙØŒ وسأقولها بصراØØ© لكلّ من أصابه داء العظمة بسبب اللقب العلميّ «دكتور» ÙانتÙØ® وظنَّ أنه من صÙوة البشر.. أستاذي Ø¥Øسان عبّاس وهو البروÙيسور اللامع المعرو٠ÙÙŠ الجامعات العربية والغربية وأستاذ الشر٠بالجامعة الأردنيّة لم يكن ÙŠØمل Øقيبة جلدية Ùاخرة يضع Ùيها كتبه.. كان ÙŠØمل كيسًا بلاستيكيًا صغيرًا يضع Ùيه أوراقه ويسير بكل تواضع متأملاً ÙÙŠ أروقة كلية الآداب بالجامعة الأردنيّة.. كانت لديه شقتان صغيرتان: شقة لسكنه هو وأسرته والشقة الأخرى كانت مجلسه الثقاÙÙŠ ومكتبته العامرة.. ولقد انتقلت هذه المكتبة بعد ÙˆÙاته إلى مكتبة جامعة ÙيلادلÙيا بجرش. لم يخل٠ثروة مالية.. خلّ٠ثروة علمية وهبها لأجيال العربية وهذا هو الإرث الخالد.
نشر Ø¥Øسان عبّاس سيرته الذاتية سنة 1996Ø› أي ÙÙŠ Ø£Ùخريات Øياته بعد عقود طويلة قضاها ÙÙŠ التدريس الأكاديميّ والبØثيّ الرصين، وبعد أن أنجز كتابًا صغيرًا تØدَّث Ùيه عن Ù…Ùهوم السيرة الذاتية وتمثّل Ùيه بعمق أدبيات هذا النوع السرديّ الصعب والإشكاليّ. إذن السيرة الذاتية لإØسان عبّاس اختزلت المراØÙ„ المÙصلية من Øياته العلمية الزاخرة. وتدرجت هذه السيرة الذاتية المهمة بدءًا من الطÙولة وانتهاءً إلى مرØلة الشيخوخة. ÙˆÙÙŠ Ø·Ùولة السارد هناك نوعان من الرموز «رموز الخوÙ» و«رموز الطمأنينة» بين خوÙÙ‡ من الموت والأرق الذي أصابه بسبب دقات ساعة مجهولة وبين الÙرØØ© الكبيرة الغامرة التي انتابته عندما Øضر مجلس الراوي الذي كان يروي التغريبة الهلالية. أمَّا المدرسة Ùقد مثَّلت للطÙÙ„ Ø¥Øسان مصدرًا كبيرًا للÙØ±Ø ÙˆØ§Ù„Ø·Ù…Ø£Ù†ÙŠÙ†Ø© «أدخلت المدرسة إلى Ù†Ùسي ابتهاجًا لم يكن لها به عهد، بما ÙˆÙّرته من تنوع، Ùإلى جانب ØÙ„ ألغاز الدروس، وازدياد منسوب الثقاÙØ©ØŒ عوّضتني عن الألعاب الريÙية الخشنة ألعابًا لم أكن أعرÙها». وتمثل «الشجرة» رمزًا أساسيًا ÙÙŠ غربة الراعي من تأويلاتها الخاصة بالخصب ÙÙŠ الطÙولة إلى تØوّلها إلى رمز مجسّد للقسوة والجدب والخيانة ÙÙŠ شيخوخته. لقد طلب Ø£Øد معلمي المدرسة الابتدائية من Ø¥Øسان وزملائه أن يقوم كل واØد منهم بزراعة شجرة يمنØها اسمه. يقول Ø¥Øسان عبّاس «وقد كانت هذه العلاقة من أقوى العوامل التي Øبّبت إلينا المدرسة. وعندما كنت أعود إلى القرية من بعد كان أول شيء أقوم به هو الذهاب إلى المدرسة للاطمئنان على الشجرة التي غرستها. صØÙŠØ Ø£Ù†Ù‡Ø§ أصبØت لشخص آخر، ولكن Øنيني إليها لم يكن يقل عن Øنيني إلى البيت والأسرة وأصدقاء القرية». وللØديث صلة قادمة…
أستاذة السرديات والنقد الأدبيّ الØديث بكلية الآداب جامعة البØرين
dheyaalkaabi@gmail.com