أحمد بخيت

في أول اجتماعات جماعة شعر كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1985 -وكنت في عامي الثالث- أنشدت قصيدة قَدامية ذَيَّلْتُها ببيتَيْ مقطع لامية عَبيد بن الأبرص “يَا دَارَ هِنْدٍ عَفَاهَا كُلُّ هَطَّالِ”ØŒ ثم رجعت إلى مقعدي وقد ضج الحاضرون بطرافة الإنشاد تصفيقا، ليليني شاب أسمر حديث عهد بالكلية -وإن تبين لي فيما بعد أنه أسنُّ مني- استسمحنا أن ينشدنا قصيدة قالها منذ عام -فيكون قد قالها في عامه الثانوي الثاني!- وأنشدها ثم رجع إلى مقعده وقد ضج قلبي بطرافة شعره تصفيقا، ليليه غيرنا. ثم دُعي إلى المنصة كلُّ من أنشد، واصطفوا أمام الحاضرين، ليُخيَّروا ويُختار منهم علانيةً من يكون مقررَ جماعة الشعر، فاختار كلٌّ من شاء، حتى إذا أدركني الاختيار آثرتُ على نفسي ذلك الشاب الأسمر! ثم ضرب الدهر ضرَبانه، فصرت معيدا بالكلية، وصار معيدا بكلية دار العلوم من جامعة الفيوم، ثم استقالها، ولكن بعد أن جمع بيننا فنُّ الشعر وعلمُه وأخونا الحبيب الدكتور مصطفى عراقي حسن -رحمه الله، وطيب ثراه!- الذي كان يفرح بنا وينشط معنا لذَرْعِ شوارع القاهرة ومحافلها ذهابا وإيابا؛ حتى تقاربنا كثيرا، بحيث صرنا نتناشد قصائدنا ونتناقدها، ويطلب مني بعقب صدور “لُبْنَى” كتابي الشعري الأول، صورة خاصة يقرنها بما ينوي أن يكتبه عنه، وينشدني قطعة من شعره -ضمَّنها فيما بعد “الليالي الأربع”ØŒ كتابه الشعري الصادر ٢٠٠٧، عن دار أُكْتُب المصرية- أُنكر منها شيئا؛ فيذهب بنِيَّتِه تلك إنكاري هذا! ثم أقلّب “الليالي الأربع”ØŒ فأجد هذه التعليقة المكتوبة في ٢٩/Ù¨/٢٠٠٨: “قف! منذ أسبوعين تماما اختتمت ليالي الصراع على لقب أمير الشعراء ذي المليون الدرهم الإماراتي وخاتم الإمارة وعباءتها، وكان (…) في معمعتها يعدو كأنه وحده إلا من شخوصٍ ينصفها أن تقدمه هي على أنفسها. كان كلما ظهر وجدت نسيمَ رضًا وبهجة وراحة يشملني أنا وأسرتي، نتعصب له بحقه، ونلهث له دفاعا عنه، ثم بعدما أخذ منا الفرح والانتصار مأخذه، أخره نظام الجائزة الجائر، وقدم عليه من لا يساوي الشعر الذي شَعَرَه! لقد اختير ثالثا بثلاثمئة ألف درهم، فتقدم يشير بإصبعه عندئذ إلى نفسه: أنا! غير مصدق أن أُبعد عن الأَوَّليَّة صعودًا من أسفل! عيني عليك، يا أخي، لم تُؤتَ مِن فنِّك، بل من عصبية القبلية التي استنفرها الشاب الموريتاني في أهله الطيبين وغيرهم، ثم التي أَنِفَتْ أن ينال اللقبَ أخيرا مصريٌّ كالذي ناله أولا”! ومطمئنا -إن شاء الله- أن لن يذهب بنيّتي شيء كلما نويتُ الكتابة، أكتب عن أخي الحبيب الأستاذ أحمد بخيت.

Related posts

Leave a Comment