الحب زمن الكورونا، للدكتور السيد شعبان جادو

مؤكد أن الحياة صارت أكثر مللا، يتملكنا الخوف من هذا الوباء؛ نعلم أنه قد يفترسنا، ترى ماذا نفعل؟

هذه هي الأقلام والدفاتر، الكتب فوق بعضها، تبدو العيون في حالة ترقب. الراحلون إلى العالم الآخر على قارعة الطريق. ثمة أحلام مؤجلة وجب أن نسطرها، لاوقت لدي فاللحظات تتسرب؛ بالفعل كانت لنا مشاغبات؛ قفزات في الهواء، بنايات من رمال جرفها الآن ذلك العدو الذي يتربص بنا الدوائر، هل سنجني الثمار؟ لن تأتي قبل أوانها، هزائمنا المنسية باتت أشد إيلاما، تطاردنا الهواجس وتفزعنا طرقات الباب عند منتصف الليل. فالمؤجل دائما يثقل فكري ويعطل مسيرة حياتي، ترددت كثيرا في اتخاذ هذا القرار؛ أن أنتقل من هذا البيت، لقد رحلوا جميعا، لم يبق إلا أنا،الآخرون امتطوا قطار الليل،لم أشاهدهم،تحت ستار ظلمته تدثروا بها،تخفوا حتى لا تخبو شعلة عزيمتهم، حملوا أشياءهم، عيون تقرحت، نفوس أصابها الوجع،الرحلة مجهدة ولكن لا بد منها، هكذا أخبرت أولادي، لم تعد تلك البلدة لنا وطنا، غربان الوباء تحوم حولنا، الأبواب صارت لنا بوابة قبور لا نافذة حياة، هكذا رأيتها، تطارد اليمام وتبني قصورا للغربان. لم أحدد وجهة للسفر، كل ما في ذهني ما هو إلا بعض لهفة للتغيير، حب الحياة يدفعني للرحيل ولو كان ذلك في قطار الصحافة عند منتصف الليل، صوت في داخلي: بيت الأجداد، عبق الماضي الذى لملم بقاياه حين جاءت رياح الخماسين، جذوع الأشجار المحترقة تبكي في أسى، يجيب الصدى: حجة واهية ،وما نفع تلك الظلال الباهتة،هل ستعطيك الخبز؟ هذا زمن تموت فيه البراعم؛ تحت الأقدام الغليظة لا تجد النملة الحكيمة فرصة لتنذر قومها. إنه الطاعون الذي وجب الفرار منه هل يوما تمنحك الأحلام المغتالة في وضح النهار أملا في النجاة منه؟ سؤال يرن في أذني: ‘ماذا أحمل معي؟ أجيبه -لن أترك شيئا أندم على تركه، حتى قصاصات الأوراق سأحتفظ بها،الخيالات الحالمة ستصحبني،أغاني أمي حين كانت تدفأني من برد الشتاء سترافقني،آيات الله بصوت شيخي ستكون وردي، هي لن تتركني،وهل فعلت هذا إلا لأجلها؟ البيوت المتلاصقة تذرف دموع الوداع ثمة حنين يتماوج، تشتاق لهؤلاء الذين عطروها بأنفاسهم، في السابق كنت لا أقوى على البعد، تعود إلي رئتي حين أتنفس هواء الطرقات المتربة، أحببت منظر الدواب تسرح في جنباتها،أما اليوم صارت مثل علب الليل التى تزحف وتموج داخلها الخطيئة،يا لبشاعة الحاضر! ربما الحزن هو ما يسكن داخلي،أنا المصاب بالقروح، الأبنية كتل صماء ،نحن من يعطيها دفق المشاعر،الأشجار لا تطرب رقصا لي بل تلك عادتها،الظنون تستبد بي،لم كل هذا الألم؟ ليتني ما ارتحلت! الأبواب تصدر صريرا كأنما هو نشيج باك آلمه الفقد وآيسته أوبة من أحب،كلما أتى ليل استبد به الحنين وجدا لطلعة وجه المحبين، هيهات يأنس لتلك الأصوات التى تختلط بمكر الخيانة! صارت المواطن منافي،والصدور من وقع الحقد مرتعا، ما عادت بي حاجة للبقاء، حين يأتى القطار محملا بتلك الأجساد التى تكدست مثل أجولة القمح، سألحق بهم، لن أمتاز عنهم بشيء، أتخلص من لغتي، لا حاجة بي لتلك الكومة من الأوراق التى سعيت عمري لأنالها، اللصوص في القرية احتازوا النهر،لقد أحالوا النهر والجزيرة إلى علب إسمنتية لا نفع لها إلا أن تكون مدعاة لوجاهة مختلقة، تحاول أن تغطي عمالتها لذلك الشيطان . اليوم وجهتي للغد حتى يأتي ذلك الحلم منتشيا بثوبه الأرجواني،لن أبقى لأتجرع مرارة الحرمان، هناك عالم يسعى جاهدا ليدرك القمر في تمامه، سأمد يدي لأقبس بعض ضوئه، ولعلي أجد عنده هدى . الساعات تمضي في رتابة وتوجس فصافرة القطار واهنة، لم أتعود على هذا،كنت مثل جواد امريء القيس يسابق الريح، ما الذي دهاني؟ اعتلال جسد وكلل بصر، ووهن عزيمة، الشوق برح بي، لم يدع لي مخرجا، هل سأغادر تلك الأماكن وقد نصبت للحب ألف راية، تحت هذا الركام من الحقد تكمن عاطفة موارة! شيء واحد سأحرص على أن يكون معي؛ أول سطر خطته يدي ما يزال بتلك الورقة، رغم أنها صفراء، لكن بعض ذكرى هو ما يجعلها ذات قيمة.

Related posts

Leave a Comment