الإلقاء، لعبد الله الكعبي تلميذي العماني النجيب

تلك اللحظة ، قل لي كيف أنساها، إنها أشبه بزلزال يمر عليك وأنت تستحم؛ فلا مفر من الخروج حيا أو تبقى وأنت وقدرك.


المكبر الصوتي كلما اقتربتُ منه أحس برعشة ولكنها رعشة بريئة ، تصطف اللجنة قبالتك وهم مدهوشون من نصك الشعري ولا أعلم هل أطير فرحا أم قلقا ام أحاول تجميع عضلاتي المبعثرة …
أدنو وأتراجع والمكبر كفم أسد يريد التهامك وقلبك يرجف وقدماك تزلزلان أرضية المسرح ..
قالها أحدهم: عرف بنفسك وابدأ؛ أما التعريف فما أخفي عليك لم أستطع طيلة البارحة من إيجاد قاموس ومعجا لكلمة أنا حتى أتمكن من الإنجاز جيدا، لذلك زاد الطين بلة والرمق رمقا والرعشة رعشا.
المسرح مكتظ بالبشر وربما، وأنا أمام المكبر أراهم مخلوقات فضائية …فقد لمحت فيهم من يخرج لسانه ويده على أذنه. ولمحت المارد الجبار الذي أعتقه السندباد بينهم… تخيلت أني لو لم أعجبه الساعة لأمسكني بأصبع واحد وهو كفيل لجري لخارج القاعة بل العالم.
كل ثانية تمر أحسبها شهرا، لا تلمني الساعة؛ فأنا أصف لك هولا من أهوال يوم الإلقاء، فيشكل علي تحديد الزمن.
عظم الترقوة يحتاج للفة خفيفة، هل أنادي ذلك المارد ليفصله عن الجسد وربما يعيدها…قال لي سلطان وهو شاعر شعبي بصوت كله ثقة سوف تكسب الجميلات هذا المساء، سوف يحترق جوالك من المعجبين والمعجبات ولا تنسانا الله يخليك.
صدق في مسألة الحريق فأنا سأحترق وأحرق أعصابي الرقيقة وحبالي الصوتية مع أفكاري.
لكن وأنا أدخل المسابقة نصحني طيف حبيبتي كن يا حبيبي منفردا .
لا اريد تخييب ظنك فيّ يا… ولكن كيف لي أتحمل نظرات اللجنة الموقرة وهيبتهم وهيبة المذياع والكائنات التي تترصدك.
أغمضت عيني لعلي أرى سبع لحظات يأكلهن سبع أخريات.
في أسفل قدمك لا بد من وجود حل لتلك الحرارة والنار المشتعلة بين جلدة قدمك وأرضية المسرح … حر ونار جهنم . يا الله وأنا مستعد للجنة المسابقة، وهكذا النار الآن فكيف هي بالحساب…
اقترابك من فم السبع وأنيابه وأنت تدخل رأسك لتصرخ فيه قمة المخاطرة، ولا أعلم إذا (ناشينال جرافيك) انتبهوا لهذه الحادثة، ولكن هناك مصور يحمل كاميرا وهو يلاحق شفتيّ الهاربتين عن بعضهما، كم كانا ذا وئام. قل لي متى تستطيع خطف الشفة العلوية وهي تخرج ثناياك أو السفلية وهي تكشّر عن الناب… والمصيبة إذا كنت بأسنان وتقويم معدني …(باين إنها واقعة مربربة كما يدعي أحمد مكي) .
تعرف حينما يرسل لك الله فرجا في حال العسر…ما هي الا ثوان وتنطفي الكهرباء … الظلام خيم في القاعة ورجعت أشلائي المتناثرة إليّ ولكن قلبي لم يعد؛ فهو لا يبتعد عن حبيبتي مهما كان الزمن والثمن وربما السمن البلدي.
وقلت لنفسي هذه فرصتك أطلق القصيدة وجلجل وأرعد وأمطر فلسوف تصيبهم صاعقة من نصك أو ينهلون من فيضك…
وعزمت وقررت فترجع الكهرباء ومتحمسا مسكت المكبر الملعون وعصرته؛ فأنا قوي بما فيه الكفاية لأعصر وأهشم فم وفك ضبع متوحش اسمه مكبر الصوت وأخذني الحماس وجررته بقوة وأفرطت في حماسي فانْتُشل المكبر وانتُزع بيدي… فرحمته فنحن_ المسلمين_ رحومون لذا قلت: السلام عليكم … ولا أدري كيف سمعها الجميع (السسسسسسسس) ولم يسمعوا لام عليكم فتطايرت الضحكات تباعا، وأفرحني ذلك واندمجت معهم ووجدت ضالتي عليّ أن أكون مهرجا وساخرا وفكاهيا في الإلقاء، فنحن مكتوب علينا الحزن، هكذا كان يقول بن سميّع عن عائلتنا .
وضحكت معهم وما توقفت وقلت لهم إن السسسسسسس هذه وحدها نصا فكركروا، وبعدها ألقيت قصيدتي، فبدأ الكل ينصت وتخلخل صوتي بين عظام أقفاصهم الصدرية وهزز قلوبهم وكيانهم وكنت وإياهم شخصا واحدا، أنا ألقي وهم يسمعون ويتغنون ويتنفسون إلقائي…
ولكن فؤادي زاد من نبضاته وحركاته، وتقاذفت كالمنجنيق ذاكرتي، قبل دخولي القاعة حينما اصطدمت سيارة الطالب الجامعي الذي أقلني من المسكن إلى القاعة .
كدت ان أموت وهذا كان سبب رعشتي …
أما صرخاتي وإلقائي فكان الحذاء ضيقا؛ حتى أنني لم أكن أستطيع إلا الصراخ…

Related posts

Leave a Comment