مرجعيّة النّقد الذّوقي:
يقدّم Ù…Øمود شاكر ÙÙŠ مشروعه النّقديّ الذّوقيّ معطيات٠توثّق العلاقة بين النّصّ والقارئ، وهي علاقة تتّسم بالجدليّة الّتي تتماهى Ùيها كينوناتهما، والّتي تتطلّب أن يوجد النّاقد٠بينه وبين النّصّ المدارات الّتي تتناصى Ùيها أدواتÙهما، وأدوات النّاقد هي المعطيات النّقديّة المتواÙرة بين يديه. والنّصّ لا يمكن أن يتØقّق له وجودٌ أو مصير بدون القارئ؛ لأنّ القارئ منتجٌ لما يرصد، ومن ثمّ Ùإنّه يعيد تشكيل النّّصّ ÙˆÙŽÙْقَ ما تنتهي إليه هذه العلاقة بينهما، إنّها علاقة تÙاعل وتØوّل، ومناÙسة واشتراك، واتّÙاق وتضادّ تذهب بالقارئ والنّصّ معًا كلّ مذهب، وتØقّق لهما كلّ سبل التّماهي والانÙØªØ§Ø Ø§Ù„Ø°Ù‘Ø§ØªÙŠÙ‘.
https://www.alukah.net/literature_language/0/40410/#_ftnref23
وكانت الانطلاقة الÙعليّة لتجربته هي التّكوين التّراثيّ الأوّل القائم على ما يسمّى بالموسوعيّة الثّقاÙيّة الممتزجة مع الذّوق، Ùقد عبّ من معين التّراث العربيّ كلّه، وقرأ كلّ ما وقع تØت يديه من إرث الأجداد القديم، يقول: “Ùأقدمت٠إقدام الشّابّ الجريء على قراءة كلّ ما يقع تØت يدي من كتب٠أسلاÙنا: Ù…ÙÙ† تÙسير لكتاب الله، إلى علوم القرآن على اختلاÙها، إلى دواوين Øديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وشروØها، إلى ما تÙرَّع عليه من كتب Ù…ØµØ·Ù„Ø Ø§Ù„Øديث وكتب الرّجال ÙˆØ§Ù„Ø¬Ø±Ø ÙˆØ§Ù„ØªÙ‘Ø¹Ø¯ÙŠÙ„ØŒ إلى كتب الÙقهاء ÙÙŠ الÙقه، إلى كتب أصول الÙقه وأصول الدّين (أي: علم الكلام)ØŒ وكتب الملل والنÙÙ‘ØÙ„ØŒ ثمّ كتب الأدب وكتب البلاغة، وكتب النّØÙˆ وكتب اللّغة، وكتب التّاريخ، وما شئت بعد ذلك من أبواب العلم. وعَمَدت٠ÙÙŠ رØلتي هذه الأقدم Ùالأقدم” [1].
وهي موسوعيّة شاملة، وقراءة متعمّقة ÙÙŠ كلّ ما تركه لنا التّراث، ثمّ إنّ هذه القراءة ليست قراءة عاديّة، بل عمّق مخرجات القراءة واتّجه إلى Ù…Ùاصل النّصوص الدّاخليّة واهمّ بامتداداتها العميقة، يقول: ” كلÙÙ‘ إرث آبائي وأجدادي، كنت٠أقرؤه على أنّه إبانةٌ منهم عن خَبايا أنÙسهم بلÙغتهم، على اختلا٠أنظارهم وأÙكارهم ومناهجهم. وشيئًا Ùشيئًا انÙØªØ Ù„ÙŠ الباب٠يومئذ٠على مصراعيه. Ùرأيت٠عجبًا من العجب، وعثرت٠يومئذ٠على Ùيض٠غزير٠مÙÙ† مساجلات Ø®Ùيّة٠كالهمس، ومساجلات ناطقة جَهيرة٠الصّوت، غيرَ أنّ جميعها إبانةٌ صادقة عن هذه الأنÙس والعقول”[2].
ثمّ إنّ هذا السّير الموازي للتّراث ÙÙŠ رؤيته لم يق٠عند Øدّ التّعامل الظّاهر الّذي يتّخذ من التّلقّي لمجرّد نهاية له، بل ÙŠØاول أن يكتش٠المتون الخÙيّة الّتي ÙŠØتويها النّصّ، وماذا ÙŠØمل النّصÙÙ‘ من ماهيّة صاØبه ودواخله. إنّه باختصار يمارس عليها سلطته المتولّدة من رØÙ… التّراث.
إنّ اللّØمة الوامقة بين القارئ والنّصّ هي طريقة شاكر ÙÙŠ النّقد، وهو يعتر٠بأنّ منهجه ذاك ليس بدعًا استØدثه من تلقاء Ù†Ùسه، إنّما هو طريق مستتبّ عند القدماء؛ لذا Ùإنه يقول: “أردت٠أن تقÙÙŽ بالدّليل الواضØØŒ على أنّ المنهج الّذي استطعت٠أن أمهّده Ù„Ùكري، كان نابعًا من صميم المناهج الخÙيّة الّتي سنّ لنا آباؤنا وأسلاÙÙنا Ø·ÙرÙقَها” [3]Ø› أي إنّ هناك كمًّا واÙرًا من المناهج الأدبيّة والÙكريّة الّتي أصّلها القدماء، لكنّها Ø®Ùيّة، بمعنى أنّهم أصّلوها استخدامًا إجرائيًّا، ولم يقنّنوها قواعدَ ونÙظÙمًا واضØØ© التّخطيط.
وتبدو مسألة إعجاز القرآن بالنّسبة إلى Ù…Øمود شاكر المرتكز المهمّ الّذي استند إليه، والمنطلق الأوّل الّذي أشر٠من خلاله على استجلاء مناØÙŠ النّصّ والدّخول ÙÙŠ عالمه، Ùهي مسألة – على Øدّ قوله – “تشمل بناء الإنسان العربيّ أو المسلم، من Øيث هو إنسان قادر على تذوّق الجمال ÙÙŠ الصّورة والÙكر جميعًا”[4]ØŒ وهذه المسألة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقضيّة أخرى وهي قضيّة الشّعر الجاهليّ، وللشّعر الجاهليّ عنده شؤون وشجون، Ùلقد رهن Øياته كلّها مداÙعًا عنه، وسائرًا ÙÙŠ Ù…Øيطه، وبانيًا Ùكره ونظراته ورؤاه ÙˆÙŽÙْق تصوّراته العميقة لثبوت وجوده، وأصالته، ومكانته ÙÙŠ العربيّة. Ùما هو Øقيقة الارتباط بين إعجاز القرآن والشّعر الجاهليّ ÙÙŠ نظره؟
إنّ الشّعر الجاهليّ هو أساس مشكلة إعجاز القرآن؛ لأنّ القرآن نزل معجزًا لقوم٠من المÙترض أنّهم ÙŠØÙˆÙون صÙات٠مميّزة، وهي أنّهم قادرون على التّمييز بين الØجاز الÙاصل بين كلامهم الّذي هو غاية ÙÙŠ البيان Ùيما تطيقه القوى، وبين القرآن الّذي يقطع هذه القوى ببيان ظاهر المباينة له من كلّ الوجوه. وهؤلاء القوم الّذين تمكّنت منهم هذه الصّÙات، وأصبØوا ÙÙŠ مكانة من البلاغة والÙصاØØ© عالية متينة، يبرز عندهم الشّعر بوصÙÙ‡ الأنموذج الأسمى ÙÙŠ البيان، وهو بالنّسبة إليهم ليس مجرّد شعر تÙروى Ùيه أخبارهم، وتوثّق أيّامهم ÙØسب، بل هو أكبر من ذلك، ودراسته يجب أن تتمّ بÙهم أعمق وأدقّ، Ùدراسة الشّعر الجاهليّ كما يقول: “تتميّز بالقدرة على البيان، وتجريد ضروب هذا (البيان) على اختلاÙها، واستخلاص الخصائص الّتي أتاØت للغتهم أن تكون معدنًا للسموّ، بالإبانة عن جوهر Ø¥Øساسهم، سموًّا يجعل للكلام Øياةً كنÙØ® Ø§Ù„Ø±Ù‘ÙˆØ ÙÙŠ الجسد القائم، وكقوّة الإبصار ÙÙŠ العين الجامدة، وكسجيّة النّطق ÙÙŠ البضعة المتلجلجة المسمّاة باللّسان”[5]. وهنا مكمن العلاقة، لكي Ù†Ùهم ماهيّة ذلك الإعجاز، ولكي نعر٠كي٠Øار العرب ÙÙŠ أن يأتوا بشيء مثله، ولكي ندرك سرّ ذلك السّموّ الإلهيّ، علينا ابتداءً أن نؤمن بمصداقيّة ذلك الشّعر الجاهليّ، وأنّه شعر موجودٌ يمثّل الأنموذج الأسمى ÙÙŠ الÙصاØØ©ØŒ وإلاّ بطلتْ قضيّة الإعجاز، وبطل تØدّي الله للعرب، ومن ثمّ Ùإنّ شاكرًا يرى أنّ مادّة الدّراسة الأولى هو ذلك الشّعر الجاهليّ؛ ” لأنّ القرآن نزل بلسان العرب، والّذين نزل عليهم ثمّ تØدّاهم وأعجزهم، هم أصØاب هذا الشّعر والمÙتونون به وببيانه”[6].
وهذا الÙهم هو الّذي ÙØªØ Ø¹Ù„Ù‰ شاكر أبوابًا من الصّراعات والمعارك الأدبيّة الّتي واجه Ùيها مجموعةً كبيرة ممّن Øاولوا أن يشكّكوا ÙÙŠ مسلّمات الشّعر الجاهليّ[7].
وليس من شأننا أن نبØØ« تاريخ المسألة عند شاكر، وكي٠Øلّلها وأصّل قوانينها، أو ظرو٠معاركه الأدبيّة، بل Ù†ØÙ† بصدد بيان تأثّره بقضيّة إعجاز القرآن – بوصÙها المرتكز عنده- وكي٠وظّ٠مشاكلَتَه للقضيّة ÙÙŠ إجرائه منهج التّذوّق، Ùانعكست على أعماله النّقديّة.
وكانت شخصيّة عبدالقاهر الجرجانيّ من الشّخصيّات الأولى الّتي ألقت بظلالها على Ùكر Ù…Øمود شاكر، وإعجابه به ÙÙŠ هذا السّياق جاء لميزة Ùيه، Ùعلى الرّغم من كونه “Ù†Øويًّا متكلّمًا، ولكنّه استودع قدرًا باهرًا من تذوّق البيان … وزادَه٠تذوÙّقÙه٠بصيرةً ÙÙŠ (النّØÙˆ)” [8]ØŒ وهذا جمع بين الÙنون Ùريد ÙÙŠ رأي شاكر، Ùهو الّذي Ø£ØªØ§Ø Ù„Ù‡ الانÙØªØ§Ø Ø¹Ù„Ù‰ Ø¢Ùاق هذه القضيّة، ووضع لمسات واضØات Ùيها.
إنّ Ùكرة النّظم عند الجرجانيّ تقوم على الأصول العامّة للنّØÙˆ العربيّ، وأساليب العربيّة، وهي: “أن تضع كلامك الوضع الّذي يقتضيه علم النّØو، وتعملَ على قوانينه وأصوله، وتعر٠مناهجه الّتي Ù†Ùهجتْ Ùلا تزيغَ عنها، وتØÙظَ الرّسوم الّتي رÙسÙمتْ لك، Ùلا تÙخلÙÙ‘ بشيء منها” [9].
Ùالقضيّة إذن قضيّة لغة، وما النّظم سوى استواء الإدراك الإنسانيّ على أصول وضوابط هذه اللّغة، بوصÙها المشغّل الأوّل للنّشاط الÙكريّ ÙÙŠ الأمّة، إذ يعوّل عبدالقاهر على ذلك الاستيعاب العميق لأصول اللّغة وتراكيبها ودلالاتها، ÙˆÙÙŠ ذلك يعرّض عبدالقاهر بمن يستهينون بعلم اللّغة، وبعلم البيان خاصّة، يقول: “وجملة الأمر أنه لا يرى النقص يدخل على صاØبه ÙÙŠ ذلك، إلاّ من جهة نقصه ÙÙŠ علم اللّغة، لا يعلم أنّ ههنا دقائقَ وأسرارًا طريق٠العلم بها الرّويّة٠والÙكر ولطائ٠مستقاها العقل، وخصائص٠معان٠ينÙرد بها قوم قد Ù‡ÙدÙوا إليها، ودÙÙ„Ùّوا عليها، وكÙش٠لهم عنها، ورÙÙعت الØجب بينهم وبينها، وأنّها السّبب ÙÙŠ أنْ عَرَضَت المزيّة ÙÙŠ الكلام ووجب أن ÙŠÙŽÙْضÙÙ„ÙŽ بعضÙÙ‡ بعضا، وأن يبعد الشَّأْو٠ÙÙŠ ذلك، وتمتدّ الغاية، ويعلو المرتقى، ويعزّ المطلب، Øتّى ينتهي الأمر إلى الإعجاز، وإلى أن يخرج من طوق البشر” [10]Ø› أيّ أنّ السّرّ الّذي جعل أولئك القوم ÙŠØارون ولا يملكون أن ÙŠÙجاروا القرآن هو علمهم الغزير بأسرار اللّغة، وإتقانهم سبر مغاور الكلام، وإØكامهم مشاكلة المعاني والمقاصد من وراء القول، كما ÙŠØªÙ‘Ø¶Ø Ù„Ù†Ø§ من نصّّ الجرجانيّ الآن٠وغيره من نصوصه المبثوثة ÙÙŠ كتبه أنّه قد ÙƒÙŽÙ„Ù٠بقضيّة الإØاطة بمعرÙØ© Øقيقة البيان وكنهه، ومظاهر إنشاء العقل له يقول عنه الدكتور Ù…Øمّد Ù…Øمّد أبو موسى أنّه رام “يتدسّس ويمدÙÙ‘ أصابعه إلى ما نسمّيه اليوم عمليّة الإبداع، ومن هذا كان يجتهد ÙÙŠ استكشا٠العنصر الّذي يكون Ùيه النّشاط العقليّ، وهذا العنصر لابدّ أن يكون قابلا للتّغيير، والتّبديل، والتّعديل، والتّØوير، وأن تكون إمكاناته ÙÙŠ هذا التّغيير والتّØوير والتّشكيل لا Øدود لها، لأنّه هو الّذي تعمل Ùيه ألسنة المتكلّمين جميعًا، عامّتهم وخاصّـتهم، ÙˆÙÙŠ أجيالهم المتلاØقة”[11].
ذلك هو الÙهم/الهمّ الّذي أخذ بعنان Ù…Øمود شاكر، والرّؤية الّتي استقرّت ÙÙŠ ذهنيّته العلميّة، وهو يقرأ بإعجاب واستقراء ذلك النّشاط الإبداعيّ عند عبدالقاهر، وكيÙيّة قراءته للنّصوص جميعها ÙˆÙÙ‚ ذلك الأÙÙ‚ اللّغويّ، وقد وق٠مØمود شاكر مليّا على قراءة عبدالقاهر لنصّ من نصوص سيبويه قال Ùيه: “وأمّا الÙعل Ùأمثلةٌ Ø£Ùخذتْ من Ù„Ùظ Ø£Øداث الأسماء، وبÙنيتْ لما مضى، وما يكون ولم يقع، وما هو كائنٌ لا ينقطع”[12]ØŒ يعلّق عبدالقاهر على هذه المقالة: “لا نعلم Ø£Øدا أتى ÙÙŠ معنى هذا الكلام بما يوازيه أو يدانيه، أو يقع قريبًا منه، ولا يقع ÙÙŠ الوهم أيضًا أنّ ذلك مستطاع. Ø£Ùلا ترى أنّه إنّما جاء ÙÙŠ معناه قولهم: ((والÙعل ينقسم بأقسام الزّمان، ماض٠وØاضر ومستقبل))ØŒ وليس يخÙÙ‰ ضع٠هذا وقصوره عنه. ومثل قوله: (( كأنّهم يقدّمون الّذي بيانه أهمّ لهم، وهم بشأنه أعنى، وإن كانا جميعًا يهمّانهم ويعنيانهم))”[13]. لقد وضع عبدالقاهر ÙÙŠ عبارة واØدة مبتسرة “وليس يخÙÙ‰ ضع٠هذا وقصوره عنه”ØŒ وضع كمّا هائلا من الإدراك اللّغويّ العميق لعبارة سيبويه المختصرة أيضًا، ÙˆÙŽØَدَّت٠المساÙØ© الÙارقة بين قوله وقول من جاء بعده، Ùما هو المستوى الدÙّلاليّ العميق لعبارة سيبويه؟، إنّه ÙÙŠ الواقع يريد أن يخلّص تعري٠الأÙعال ممّا قد يطرأ على أنواعها من تشابه ÙÙŠ الشّكل واللّÙظ، لكنّها لا تؤدّي الدÙّلالة Ù†Ùسها، أو ما يختل٠عنها ÙÙŠ الصّياغة ويؤدّي الدّلالة Ù†Ùسها، Ùمن الأÙعال الماضية ما لا يدلّ على وقوع ÙÙŠ الزّمن الماضي، لكنّه جاء بصيغة الماضي، كالدّعاء ÙÙŠ قولك: رØمه الله. وكذلك ÙÙŠ الأمر، الّذي عبّر عنه بقوله: “وما يكون ولم يقع” ØŒ Ùمن الأÙعال ما جاء على صيغة المضارع مثلا لكنّه يدلّ على الأمر؛ كقولك: لا تخرجْ. وكذلك ÙÙŠ قولنا: “قاتل النّÙس ÙŠÙقتل، والزّاني المÙØصن ÙŠÙرجم”ØŒ Ùهي ÙÙŠ زمن Ù…Ùبهم لم يكن ولم يقع، ولا يدلّ على ماض٠أو Øاضر أو مستقبل، إذ لم يقع الÙعل بعد وأمّا الزّمن الثّالث وهو ما عبّر عنه سيبويه بقوله: “وما هو كائن لم ينقطع”ØŒ كقولك: Ù…Øمّد يضرب ولده، Ùهو يدلّ على استمرار وعدم انقطاع بعد مضيّ الØال إلى الاستقبال، ويلØÙ‚ به ما جاء ÙÙŠ قوله تعالى: (وَكَانَ الله٠غَÙÙورًا رَØÙيمًا) Ùهو خبر عن مغÙرة كانت ولا أوّل لها، وهي كائنة أبدًا لا انقطاع لها [14].
وهكذا أعمل عبدالقاهر منهجه وطريقته ÙÙŠ استشÙا٠أسرار الكلام، وخبايا البيان، Øتّى على كلام Ù†ØويÙÙ‘ علميÙÙ‘ مقنّن، وليس كلامًا بلاغيًّا أو Øديثا Ùيه خيال أو صورة أدبيّة، Ùهو يعدÙÙ‘ أيّ كلام٠مصقول تابعًا للبلاغة، وداخلا ÙÙŠ المكوّنات البيانيّة، وهذا ما جعله ينÙØ° إلى جوهر هذه العبارة، ويتنبّأ أنّه لن يقول Ø£Øدٌ عبارةً Ø£Øكم منها وأوثق؛ لأنّها بلغت Øدّا رÙيعًا ÙÙŠ التّعبير البشريّ، وكان يؤصل Ù„Ùكرة سبر طرائق البيان ومعادنه الّتي تÙضي ÙÙŠ نهاية الأمر إلى معرÙØ© مراتب الكلام لتتبيّن بعد ذلك أقصى المراتب البشريّة ÙصاØةً وبلاغة، ما لا يدخل ÙÙŠ طاقة Ø£Øد أن يأتي بأسمى منه.
وبناء على تلك المÙاهيم، Ùإن Ù…Øمود شاكر يخلص إلى ضرورة جعل مسألة إعجاز القرآن مرتكزًا ومنطلقًا للدّخول إلى عوالم أرØب ÙÙŠ سياقات اللّغة المختلÙØ©ØŒ يقول: “Ùعسى أن يكون قد Øان الØÙين للنّظر ÙÙŠ إعجاز القرآن نظرًا جديدا، ولا يتيسّر للنّاس إلاّ بعد أن يتمّ تØليل٠اللّغة تØليلا دقيقًا قائمًا على Øصْر الوجوه المختلÙØ© لكلّ ØرÙ٠من Øرو٠المعاني، وتصاري٠اللّغة. لأنّ هذه الØرو٠وهذه التّصاريÙØŒ تؤثّر ÙÙŠ المعاني، وتوثّر ÙÙŠ الأساليب، وتØدّد الÙروق الدّقيقة بين عبارة وعبارة وأثرها ÙÙŠ النّÙس الإنسانيّة، وأثر النّÙس الإنسانيّة Ùيها، ÙˆÙÙŠ دلالاتها” [15].
ومن ثمّ Ùإنّ الأÙØ·Ùر المصنّÙØ© لعمليّة التّذوّق عند Ù…Øمود شاكر ÙÙŠ جميع تجلّياتها وأنساقها اللّغويّة، تكمن ÙÙŠ اØتواء الكلام النّاتج من عمق الكلام، الّذي تنبع معرÙته من ذلك الاشتباك المتداخل مع أصول هذه اللّغة، وسعة عباراتها، ودقّة Ù…Ùاهيمها اللّغويّة، وسياقات ألÙاظها الدÙّلاليّة، ثمّ روابط تلك الألÙاظ، وتناسقها، وترتيبها، وكيÙيّتها، وما يقع Ùيها من اختيار، وكلّ العلاقات الّتي تسوّغ ضمّ الألÙاظ، ووضعها الموضع الّذي Ø£Ùريد لها، Ù„Ùتعبّر عن المعنى المراد، وهذا كلّه ÙŠØتاج إلى عقل ÙØ°ÙÙ‘ØŒ وذوق مدرّب، ÙˆØاسّة لغويّة رصينة، تتعامل مع اللّغة بأناة وصبر ومجاهدة، Ùتميّز دقائق الألÙاظ، وتتبيّن Ø®Ùايا العلائق، وتØدّد مواضع السموّ من عدمه.
التّأمّل واØتمال التّأويل:
كان تأثّر Ù…Øمود شاكر بالمÙاهيم النّقديّة الّتي أسّسها عبدالقاهر الجرجاني هو الّذي Øداه لإنتاج ما أسماه منهجَ التّذوّق، والجرجانيّ ÙÙŠ تØليله للعمليّة النّقديّة كان المؤطّر المباشر لنظريّة التّاويل الّتي تلقي بظلالها على غالب الامتدادات النّقديّة، والملتصقة بالنّصّ قراءة ÙˆÙهمًا، والمتسلّلة إلى مكامنه ومÙاصله العميقة من مختلÙ٠طرائقه.
ÙˆÙÙŠ رؤيتنا Ùإنّه من المهمّ أن نشتغل ÙÙŠ مسألة الممارسة النّقديّة لمØمود شاكر ÙÙŠ ضوء نظريّة التّأويل ضمن سياقاتها التّراثيّة.
والنّصّ هو المدار الّذي بÙنيت عليه الØضارة العربيّة الإسلاميّة العريقة، ولن Ù†Ùبعد النّجعة لو قلنا إنّ النّصّ كان البؤرة الØضاريّة الّتي تَمَرْكَزَ بناء٠الأمّة عليها ÙÙŠ إنتاج المعرÙØ©ØŒ وبالطّبع Ùإنّنا نقصد هنا النّصّ (القرآنيّ) على وجه التّØديد، ذلك النّصّ الّذي Ø£Ùنزل على أمّة٠تغلغلت قبل نزوله ÙÙŠ منظومات الØضارة لدى الأمم، لكنّه بوصÙÙ‡ النّصّ الدّستورَ للإسلام، قد أدخل العقل العربيّ ÙÙŠ مكوّنات٠Øضاريّة٠جديدة غاية ÙÙŠ الإشراق، Øتّى شكّل للأمّة العربيّة نهضتها المØوريّة الشّاملة الّتي نقلت العرب من عصر إلى عصر، ويأتي هذا الاستخلاص – كما يعبّر نجيب Ù…Øمّد البهبيتيّ – إثر ” متابعة واعية ناظرة ÙاØصة لمقوّمات هذا الدّين ودوره ÙÙŠ الوجود، ولمنزلته ÙÙŠ تطوّر الÙكر الاعتقاديّ عند الإنسان، ولقيامه بهذا الدّور لأنّه جاء بØÙ‚ÙÙ‘ØŒ الثّمرة النّاضجة التّامّة للتّطوّر النّÙسيّ الØضاريّ العريق لأمّة بلّت ÙÙŠ تقلّب الأØداث عليها كلّ خطوات التّطوّر الاعتقاديّ، وتنقّلت معارجÙها إلى الكمال المهيّئ لتكييÙها Ù„Øمل هذه الأمانة وتأديتها إلى النّاس كاÙّة. ونؤمن كذلك بأنّها لو لم تكن لغتÙها تابَعَتْهَا ÙÙŠ هذا النّموّ الØضاريّ ما بلغت من الكÙاية والقدرة والمنزلة الّتي أهّلتها للتّعبير الأمين عن المعاني القرآنيّة”[16].
والقارئ ÙŠØاول أن يقتØÙ… عالم النّصّ انطلاقا من رؤى Ù…Øكومة بعناصر التّجربة الأدبيّة الّتي تØدّد Ø£Ùقَها من خلال خبراته الّتي اكتسبها من قراءته للأجناس الموازية للنصّ، وما يتولّد عنها من دراية عامّة.
أمّا الØديث عن التّأويل ÙÙŠ المنظور الأدبيّ Ùإنّنا سنتّكئ على الأطروØات الّتي قدّمها عبدالقاهر الجرجانيّ؛ لأنّه يعدّ من أكثر النّقّاد الّذين Ø£Ùادوا النّقد الØديث ÙÙŠ الدّرس التّأويليّ الأدبيّ، أض٠إلى ذلك أنّه كان الموسّع الأوّل Ù„Ùكرة Ù…Øمود شاكر عن التّذوّق، وأنّه نبّه Ù†Ùسه إليه، وعمّق عنده الرّؤية[17].
لقد اهتمّ عبدالقاهر بإبراز النّواØÙŠ البلاغيّة ÙÙŠ كلام العرب، من Øيث إنّ البلاغة سبرٌ للأساليب الأدبيّة وطرائقها عند العرب، وهي Øينئذ تعمد إلى إدراك معاني الأساليب والجمل والألÙاظ، ودلالاتها الواسعة، وإيØاءاتها الممتدّة، ممّا ÙŠÙØدث علاقة وثيقة بينها وبين ظاهرة التّأويل، بل نجد تداخلا كبيرًا بينهما وبين التّّذوّق الّذي ينصبّ على مواجهة النّصوص واستيعاب المراد من أساليبها، وهو الذي نلمسه عند Ù…Øمود شاكر ÙÙŠ سياق نقداته الإجرائيّة.
إنّنا عندما نقول: “Ùلان كثير الرّماد”ØŒ Ùهذا الكلام -بلاغيًّا -كناية عن (الكرم)ØŒ والتّأويل ÙÙŠ واقع الأمر يقوم بمثل هذا العمل ÙÙŠ صر٠ألÙاظ العبارات الأولى عن معناها الظّاهر إلى المعنى المقصود. إنّ التّوصّل إلى المعنى المراد ÙÙŠ المجازات ÙÙŠ نظر Ù…Øمود شاكر يكون بالتّذوّق الكامل للأسلوب، الّذي يستمدّ قوامه من اللّغة Ù†Ùسها وما قام بها من Ùعاليّات الجملة، من Øيث اللّÙظ المÙرد، وأØكامه الإعرابيّة، والاستناد إلى وجوه البلاغة Ùيه، وتلك القدرة على إثارة المعاني، وتدÙÙ‚ Ø¢Ùاقها، وجريانها ÙÙŠ مضامين اللّغة، والاتّساق Ø§Ù„ÙˆØ§Ø¶Ø Ø¨ÙŠÙ† المعاني وانتظام الكلام وتشكيله، كلّ ذلك هو أصل البلاغة، ومادّة النّقد الأدبيّ الّتي نهجها Ù…Øمود شاكر.
وهذا ما Ùعله عبد القاهر عندما درس نظم الكلام، Ùقد استطاع تØليلَ الألÙاظ والجمل والتّراكيب، وجعلها تكش٠اللّثام عن أسرار المعاني القائمة ÙÙŠ ضمير منشئها.
لقد درس الجرجانيّ ÙÙŠ هذا السّياق صورَ المعاني الّتي يؤدّيها الكلام، وهي دراسة تصبّ بالدّرجة الأولى ÙÙŠ العلاقة بين المتكلّم والمخاطب، Ùنجده يقسّم الكلام إلى ضربين، “ضرب تصل منه إلى الغرض بدلالة اللّÙظ ÙˆØده، وذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثلا بالخروج على الØقيقة Ùقلت: خرج زيد” [18]ØŒ وهذا ما أشار إليه بلÙظة (المعنى) مجرّدة، أي المعنى المباشر الّذي توØيه الجملة عبر الصّيغ المباشرة الّتي تØملها دÙلالاتها، أو كما يعبّر هو: “المÙهوم من ظاهر اللّÙظ والّذي تصل إليه بغير واسطة” [19]ØŒ إنّه ÙŠÙÙ„Ù…Ø Ø¥Ù„Ù‰ لغة التّواصل العاديّة الّتي لا تØمل ÙÙŠ مضامينها سوى ما تØمله الألÙاظ من معان معجميّة، دون التÙا٠Øول النّسق المباشر للمعنى.
أمّا الضّرب الآخر Ùهو ما أسماه (معنى المعنى) وهو ” أن تعقل من اللّÙظ معنى، ثمّ ÙŠÙÙضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر”[20]. Ùˆ(معنى المعنى) هو ما نجده ÙÙŠ الاستخدامات المجازيّة والاستعاريّة الّتي تأخذ ÙÙŠ الاتّساع كلّما توسّعت دائرة المجاز والاستخدام، إنّه تÙريق دقيق بين أسلوبَيْ الطّرØØŒ أو بين الطّريقة الّتي تÙوصل المعنى إلى المستمع، ÙˆÙÙŠ ذلك الضّرب الثّاني يكمن وص٠نظريّة التّأويل، Øيث استمدّ الجرجانيّ هذا التّقسيم من خلال دراسته لدلالات التّركيب، واتّصاله بالأنساق الأدبيّة الّتي تØكم أساليب العرب ÙÙŠ سبك العبارة، ومن ثمّ Ùإنّ الدّرس الّنقديّ الأدبيّ يق٠عند هذه الرّكيزة المتعمّقة ÙÙŠ إدراك الأساليب البلاغيّة الّتي تعين كثيرًا على التّذوّق الأدبيّ، وتساعد ÙÙŠ Ùهم النّصّ وتأويله بما يواÙÙ‚ مقتضاه.
وهذا الإدراك لتلك الأساليب تØكمه الخبرات والمعار٠السّابقة والّتي لا يمكن إغÙالها ÙÙŠ أثناء عمليّة تأويل النّصوص، وهي من أهمّ آليّات التّأويل، إضاÙØ© إلى القواعد الّتي يتمØور Øولها الÙهم السّليم Ù„Øركة النّصّ، ومن هنا كان مشروع عبدالقاهر المساوقةَ بين إدراك معاني الكلام وبين ارتباط ذلك كلّه بالنّظام النّØويّ له، وتعليق Ø¥Ùهام النّصّ ÙˆÙهمه على علاقته بأساسيّات اللّغة وقوانينها.
والمستقرئ لطريقة Ù…Øمود شاكر ÙÙŠ النّقد نجده يعطي النّظام اللّغويّ مكانة عليا، على أساس أنّ إنّ لغة النّصّ هي الأداة الرّئيسة الّتي يستخدمها الشّاعر للتّعبير عن Ùكره، وبقدر تمكّنه من استخدامها،يكون إبداعه وتÙوّقه، ومن ثمّ Ùإنّ الدّقّة والإØكام المنتَجان من خلال الخبرة وسعة الاطّلاع،يجب أن يكون لهما Øضور بارز ÙÙŠ الصّياغة الشّعريّة، وربّما تكون هي الأهمّ ÙÙŠ رأي شاكر، “وأجهل٠النّاس من يظنّ أنّ جمال الأنغام المتسرّبة من ألÙاظ الشّعر وألØانه المركّبة، دانية٠القطو٠لكلّ كاتب وناقد. Ùإنّ اللّغة، هي قمّة٠البراعات الإنسانيّة وأشرÙها، وهي أبعد منالا ممّا يتصوّره المرء٠بأوّل خاطر، Ùما ظنّك إذا كانت اللّغة عندئذ٠لغةَ ((شعر)) أو ((كلام Ù…Ùبين))! عندئذ تعي الألسنة عن الإبانة عن مكنون أسرارها، وتÙقصّر Ù‡Ùمم٠ألÙاظ٠النّقّاد٠أØيانًا كثيرة عن بلوغ Ø°Ùراها المÙشْمَخÙرَّة”[21].
ومن المهمّ أن ندرك أنّ الجرجانيّ قد أسّس ÙÙŠ دراسة البلاغة Ù…Ùاهيم رائدة، وأدخل البلاغة ÙÙŠ سياقات خلاّقة، قد لا ترقى إليها أطروØات المعاني والبيان والبديع الّتي قد اقتصرت عليها كثير من الدّراسات من بعده، لقد أقام Ùكرته ÙÙŠ البلاغة على أنساق التّواصل الأدبيّ برمّتها، ولم يضع اللّÙظة إلاّ ÙÙŠ موضعها الّذي تستØقّ، ÙÙŠ Øين ركّز أكثر ما ركّز على المعاني، وجعلها القائدة إلى تَنَاسÙب٠الألÙاظ معها، Ùدار ÙÙŠ أطر النّظم، والبÙنى الدّلاليّة، والأنماط الكلاميّة، ليØلّل عمليّات التّواصل الخطابيّة، وليÙكّ Ø´Ùرات النّصوص، ويجعل من إبهامها Ù…ÙتاØًا لتأويلها، ويكتش٠العلاقة بين القارئ والنّصّ، وليعطي Øضورًا Ùاعلا للمتلقّي.
والممارسة النّقديّة ÙÙŠ الØيّز التّراثيّ تتّسم بهذا الإجراء ÙÙŠ Ù…Øاولة إدراك الترابط بين صاØب النّصّ والمتلّقي وطÙرÙق٠التّواصل الأدبيّ بينهما، يقول الجاØظ “… لأّن مدار الأمر على البيان والتّبيÙّن، وعلى الإÙهام والتّÙÙ‡Ùّم، وكلّما كان اللّسان أبينَ كان Ø£Øمدَ، كما أنّه كلّما كان القلب٠أشدَّ استبانة كان Ø£Øمدَ. والمÙÙ‡Ùم٠لك والمتÙÙ‡Ùّم٠عنك شريكان ÙÙŠ الÙضل، إلاَّ أن المÙÙÙ‡ÙÙ… Ø£Ùضل من المتÙÙŽÙ‡Ùّم، وكذلك المعلÙّم والمتعلÙّم”[22]ØŒ وتلك لمØØ© رشيقة للعلاقة الجدليّة بين القارئ والمتلقّي، ووص٠دقيق يدلّ على عمق التّواصل النّصيّ ÙÙŠ التّراث، واستجلاء النّصّ Ù„Ùظا وأسلوبًا وآليّات٠موصلةً، وذلك كان من أثر الظّاهرة القرآنيّة ÙÙŠ بناء المكوّنات العقليّة والتّØليليّة عند العرب، وتأسيس Ù…Ùاهيم اللّغة على Ù†ØÙˆ غير مسبوق.
إنّ مؤشّرات التّعاطي النّصيّ ÙÙŠ Øيّز النّقد تشير إلى تداخل نسق التّذوّق مع نسق التّأويل، خاصّة ÙÙŠ Øيّز الدّرس البلاغيّ، إذ التّذوّق نوع من التّÙاعل مع النّصّ من أجل الوصول إلى تقدير ØÙكْمÙيّ باستخدام مقاييس جماليّة وقيميّة، والنّقد ÙÙŠ صورته النّهائيّة يصل إلى الانÙØªØ§Ø Ø¹Ù„Ù‰ Ø¢Ùاق النّصّ، بل إنتاج Ø¢Ùاق جديدة له عبر طبيعة تأويليّة بØتة.
من ثمّ Ùإنّا نستطيع أن نتلمّس العلاقة الغائرة بين (التّذوّق) كمنهج سار عليه Ù…Øمود شاكر وبين نظريّة التّأويل ÙÙŠ سياقها التّراثيّ، وليكن المنطلق لهذا الاÙتراض ذلك التّأسيس الثّقاÙيّ التّراثيّ الّذي أشرنا إليه، إذ ينبثق مشروع Ù…Øمود شاكر من رØÙ… التّراث، ومن رؤاه المنعكسة على جميع قراءاته للنّصوص، وكانت شموليّة التّلقّي عنده، وسعة القراءة، المشكّلَ الأوّل لمنهجه، وهو ÙÙŠ معرض وص٠طريقته، ÙˆØ´Ø±Ø Ù…Ù†Ù‡Ø¬Ù‡ ÙÙŠ التّذوّق أشار إشارات عدّة إلى أنّه لا يبتدع هذه الطّريقة ابتداعًا منه، ولم يبتكر أصولها، إنّما – كما يقول-: “سبقني بها أعلام من أصØاب هذه اللّغة وهذا العلم، ÙÙŠ مباØثهم ومساجلاتهم ومثاقÙاتهم وما يتضمّنه كلامهم من النّقد والاØتجاج بالرّأي. وكلّ ما وقÙت٠عليه من ذلك، كان Ø®Ùيًّا ÙاستشÙÙتÙه، ودÙينا Ùاستنبطته، ومشتّتًا ÙجمعتÙه، ومÙكّكًا Ùلاءمت٠بين أوصاله، Øتّى استطعت٠بعد لأَي٠أن أمهّد Ù„Ùكري طريقًا لاØبًا Ù…Ùستتبًّا يسير Ùيه، أي صيّرتÙÙ‡ ((منهجًا)) التزمت٠به Ùيما أقرأ وما أكتب” [23]. Ùهي Ùكرة لم تأت من Ùراغ، إنّما تكوّنت جرّاء الالتØام بالموروث التّراثيّ الواÙر الّذي أعاد تشكيل Ù†Ùسه ÙÙŠ ذهنه.
وقد أدرك شاكر أنّ التّأويل يشكّل بؤرةً مركزيّة ÙÙŠ مضمار العمل الØضاريّ الإسلاميّ، وأنّ النّصّ يتوقّ٠ÙÙŠ Ø·Ø±Ø Ù…Ø¹Ø·ÙŠØ§ØªÙ‡ على الآليّة الذّهنيّة التّأويليّة الّتي ØªØªÙŠØ Ù„Ù‡ الانÙØªØ§Ø Ø¹Ù„Ù‰ مستويات رØبة، وأنّ مدار النّصّ هي تلك اللّÙظة الّتي يمكنها أن تضلّل القارئ إذا لم يصل إلى غاية معناها ودلالاتها الّتي يمليها السّياق، ومن ثمّ Ùإنّه يجب اتّخاذ الØذر والØيطة عند التّعامل معها، “Ùإنّ Ùيها من القوّة الغامضة ما يجعلها قادرة قدرةً مطلقة على تضليل المتكلّم والسّامع جميعًا، وهي الّتي ØªØªÙŠØ Ù„Ùكرة ((التّأويل)) (أعني تأويل اللّÙظ المÙرد والمركّب، وإخراجه من معنى ظاهر إلى معنى باطن) = أن تسيطر سيطرة كاملة على العقل Ø£Øيانًا” [24].
وهذه اللّÙظة تتدسّس ÙÙŠ ثنايا كلّ كلام ØŒ Ùيكون كلّ كلام Ù€ مهما كان Ù€ ÙŠØµÙ„Ø Ø£Ù† ÙŠÙجرى عليه هذا التّذوّق، Øتّى لو خلا من الصّور البيانيّة، وهذه هي عين النّظرة الّتي ذهب إليها عبد القاهر Ù†Ùسه، Øيث إنّنا Ù†Ùترض أنّه يطبّق قاعدةَ (معنى المعنى) Øتّى ÙÙŠ الكلام الّذي يخلو من الصّور البيانيّة إذا ما Øمل مواصÙات٠طرØه، وإن كان قد ØµØ±Ù‘Ø Ø£Ù†Ù‘ Ùكرة (معنى المعنى) Ù…Øصورة ÙÙŠ الكلام الّذي ÙŠØوي صورًا بيانيّة Ùقط، وإنّما جاء اÙتراضنا السّابق بالنّظر إلى ناØيتين:
الأولى: التّداخل بين النّظم، بوصÙÙ‡ نظريّة تطبّق على الكلام بأشكاله وأنساقه المختلÙØ©ØŒ وبين Ùكرة (معنى المعنى) الّتي تقرّر وجود معنى آخر خل٠المعنى الظّاهر، أي Ùكرة التّأويل بعينها.
الثّانية: التÙاته إلى أيّ كلام مصقول على أنّه بلاغة، سواء Øمل صورا بيانيّة أم لا، ممّا يوصلنا إلى نتيجة وهي أنّه يتعامل مع أيّ كلام تعامله مع الكلام الّذي ÙŠØوي (معنى المعنى)ØŒ أي إنّه يبØØ« عن المعنى الآخر من خلÙه، Ùهو إجرائيًّا ÙŠÙترض معنى المعنى ÙÙŠ كلّ ما يقرأ[25]ØŒ وممّا يعضّد هذه الÙكرة قول Ù…Øمود شاكر: “ÙÙˆÙقت٠على كلام Ù†Ùيس جدًّا كتبَه الإمام الجرجانيّ الكبير، هو Ø£ÙˆØ¶Ø Ù…Ø§ قرأتÙÙ‡ قطّ، ÙÙŠ إجراء التّذوّق على كلّ كلام، ÙÙŠ كلÙÙ‘ علم، مهما ظننتَ أنّه أبعد علم٠من إجراء التّذوّق عليه”[26].
إنّ الترابط عند شاكر بين النّقد الذّوقيّ والتّأويل يشكّل عنده انÙرادا ÙÙŠ الØكم، Øيث إنّ Ø£Øدا من النّقّاد لم يق٠عند المسألة بذلك الجزم الصّارم إجرائيًّا؛ إذ لا يعدو Ù…ØµØ·Ù„Ø Ø§Ù„ØªÙ‘Ø°ÙˆÙ‘Ù‚ عند النّقّاد تلك الصّورة الأولى من النّقد القائم على الخواطر والهوى دون اØتياط أو استقصاء أو تعليل[27] وتعليلأ، وذلك ÙÙŠ شتى أطواره، منذ أن كان ÙÙŠ البدايات الأولى القيمة المعيارية الوØيدة لتقييم النّصوص، Øتى وصوله إلى كونه قيمة نسبيّة للØكم على النّصوص، ÙÙŠ Øين ÙŠØتاج الذّوق بعد ذلك إلى تقنين وتأطير، ÙˆØتّى ÙÙŠ السّياق التّأويليّ كانت أطروØات الباØثين تجعل من التّذّوق أداةً مهمّة لا غنى عنها ÙÙŠ ممارسة التّأويل.
ÙˆÙÙŠ الواقع Ùإنّ شاكر ÙÙŠ كان يختزل بطريقته نواØÙŠ النّصّ كلÙّها، ÙˆÙÙŠ نظرنا أنّ ما Ùعله كان استخداما أرØب Ù„Ù…ØµØ·Ù„Ø Ø§Ù„ØªÙ‘Ø°ÙˆÙ‘Ù‚ØŒ واجتهادا ÙÙŠ Ù…Øاولة استغلال المصطلØات التّراثيّة ووضعها ÙÙŠ مضامين نقديّة Øديثة، ثمّ إنّه توسّع ÙÙŠ وص٠ذلك التّذوّق ليصل به إلى Øالة من العمق الدÙّلاليّ المتعلّق بوص٠الكلام، ÙˆÙلسÙته، وطرائق إنتاجه، وسبل استقباله، وغور الØقيقة الكامنة من ورائه.
ويبقى السؤال: هل استطاع Ù…Øمود شاكر Ùعلا، وهو يتوسّم طريقة القدماء ÙÙŠ النّقد أن يستشÙ٠الخÙاء الملتÙÙ‘ Øول التّأويل، ويستنبط دÙينه، ويجمع مشتّته، ويلائم بين أوصاله المÙكّكة، Øتّى صيّره منهجًا قائمًا بذاته كما يزعم؟.
إنّه من الصّعوبة بمكان أن نعتقد أنّه قد Øلّ إشكاليّة التّذوّق/ التّأويل، بل لعلّه زاد ÙÙŠ عمق الإشكاليّة عندما وص٠ذلك الغموض الّذي يكتن٠عمليّة التّذوّق ÙÙŠ كثير من كتاباته[28]ØŒ لكنّه ÙÙŠ الوقت Ù†Ùسه كان صادقًا تمام الصّدق بما وص٠طريقته، Ùلقد استطاع أن يقدّم لنا الآليّات المنتجة للقراءة التّأويليّة، ويجعل منها طريقًا لاØبًا مستتبًا كما يقول، وذلك على المستوى الإجرائيّ ÙÙŠ القراءة ÙˆØسب، وقد نعتر٠له بÙضل Ø¥Øيائه للأصول الدّاعمة للتّذوّق، وأنّه أعاد صياغة مرجعيّات التّأويل، وساهم ÙÙŠ بناء سياقات النّصّ التّراثيّ، Ùدمج طريقة القدماء ÙÙŠ الوعي النّقديّ المعاصر، وكش٠عن المخزون الÙكريّ العميق الّذي اكتن٠أذهانهم وهم ينتجون سلاسل المعرÙØ© المختلÙØ©ØŒ كما Øاور القدماء، ÙˆÙتش عقولهم، ووضع Ù†Ùسه موضع كلّ واØد منهم، Øتّى تراه وهو يتØدّث عن Ø£Øدهم كأنّ بينهما من الخلّة والصّداقة ما صاغ الدّهر٠Ùيه أيّامَه.
إنّ شاكرًا يدرك أنّه لم يقدّم منهجًا علميًّا مقعّدًا يجمع شتات القضيّة، بل لعلّه قصد ألاّ يجعل للمسألة نهاية ÙÙŠ الØكم، وهو بذلك رÙع من شأن التّذوّق، وشدّد ÙÙŠ خطورته، وأعطانا Ù…Ù„Ø§Ù…Ø Ø·Ø±ÙŠÙ‚ØªÙ‡ØŒ ثمّ وضعنا ÙÙŠ المدارات التّأسيسيّة الّتي تأصّل Ù„Ùكرة قراءة النّصّ، وأنّه نسق دائم الإنتاج، ودائم التّخلّق، ودائم التّØرّك، ÙˆÙاعليّته متولّدة من ذاتيّته النّصيّة، وأثبت أنّ قراءة القدماء للنّصوص لم ترتكز Ùقط على “سلطة المؤلّٔ إنّما هي قراءة ممتدّة إلى عمق المؤلّ٠وعمق النّصّ وعمق المتلقّي كذلك.
[1] Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: رسالة ÙÙŠ الطّريق إلى ثقاÙتنا، دار المدنيّ بجدّة، 1407هـ = 1987Ù…. ص: 7 .
[2] المصدر السّابق، ص: 8.
[3] Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: المتنبّيّ، دار المدنيّ بجدّة، 1407هـ = 1987Ù… ØŒ ص: 15
[4] Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: مقدّمة كتاب “الظّاهرة القرآنيّة” لمالك بن نبيّ، دار الÙكر بدمشق، 1420هـ = 2000Ù…ØŒ الطّبعة الرّابعة، ص: 26.
[5] Ù†Ùسه، ص: 36.
[6] المصدر السّابق، ص:48.
[7] على رأس أولئك طه Øسين، ولويس عوض، والمستشرقون عامّة، ومعرو٠أن لمØمود شاكر ÙÙŠ الاستشراق آراء صارمة جدا.
[8] Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: مداخل إعجاز القرآن، مطبعة المدنيّ ودار المدنيّ بجدّة، الطّبعة الأولى، 1423هـ = 2002Ù…ØŒ ص:91.
[9] عبدالقاهر الجرجانيّ: دلائل الإعجاز، قرأه وعلّق عليه: Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر، دار المدنيّ بجدّة، 1413هـ = 1992Ù…ØŒ الطّبعة الثّالثة ØŒ ص:81.
[10] Ù†Ùسه، ص:7.
[11] Ù…Øمّد Ù…Øمّد أبو موسى: مدخل إلى كتابَيْ عبدالقاهر الجرجانيّ، ص: 57 .
[12] عمرو بن عثمان بن قمبر سيبويه: الكتاب، تØقيق عبدالسّلام هارون، دار الجيل، بيروت، الطّبعة الأولى 1/12 .
[13] عبدالقاهر الجرجانيّ: الرّسالة الشّاÙية ÙÙŠ إعجاز القرآن، ملØÙ‚ بكتاب دلائل الإعجاز، ص: 605.
[14] ÙŠÙنظر تØليل عبارة سيبويه عند Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: المتنبّي، ص:12-13.
[15] Ù…Øمود Ù…Øمد شاكر: جمهرة مقالات Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر، جمع وتقديم: عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجيّ بالقاهرة، الطّبعة الأولى (من مقدّمة لكتاب دراسات لأسلوب القرآن الكريم) لمØمّد عبدالخالق عضيمة: 2/1226.
[16] نجيب Ù…Øمّد البهبيتيّ: المعلّقات سيرةً وتاريخًا، دار الثّقاÙØ©ØŒ المغرب، 1402هـ = 1982Ù…ØŒ الطّبعة الأولىولىأولى، ص: 23-24 .
[17] ÙŠÙنظر: Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: المتنبّي، ص: 8 وما بعدها.
[18] عبدالقاهر الجرجانيّ: دلائل الإعجاز، ص: 262 .
[19] Ù†Ùسه، ص: 263.
[20] Ù†Ùسه.
[21] Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: نمط صعبٌ ونمط مخيÙØŒ ص:169.
[22] عمر بن بØر الجاØظ: البيان والتّبيين، تØقيق ÙˆØ´Ø±Ø Ø¹Ø¨Ø¯Ø§Ù„Ø³Ù‘Ù„Ø§Ù… هارون، (القاهرة: مكتبة الخانجيّ، (د.ت)ØŒ 1/11-12.
[23] Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: المتنبّي، ص: 8 .
[24] Ù…Øمود Ù…Øمّد شاكر: المتنبّي ليتني ما عرÙته، مجلّة الثّقاÙØ©ØŒ السّنة السّادسة، العدد 61ØŒ أكتوبر 1978Ù…ØŒ ص 8.
[25] وص٠مØمود شاكر طريقة عبدالقاهر بقوله: ” كان عبدالقاهر متكلّمًا Ù…Øكم الأداة جيّد النّظر ÙÙŠ (علم الكلام) وكان، كما دلّت عليه أعماله الباقية عندنا أديبًا ذوّاقة Ùائق التّذوّق، Ù…Ùشرق البيان عن أسرار تذوّق الكلام النّبيل الشّري٠الباهر. وكان أيضًا مقتدرًا كلّ الاقتدار على تØليل الكلام المركّب من ألÙاظ تØليلا يكش٠السّتر عن خباياه الملثّمة = وعلى توسّم آثار (العلائق) الظّاهرة والخÙيّة، كالأدوات والØروÙØŒ ÙÙŠ ربطها بين هذه الألÙاظ المنصوبة للدÙّلالة على المعاني = وعلى استخراج نبيثة ما يلØÙ‚ معاني هذه (العلائق) من التّغيّر اللّطي٠الدّقيق، بتغيّر مواقعها من الكلم = وعلى استنباط الدّÙين المستور من المعاني المتØجّبة، الّتي تكمن من وراء أوضاع هذه (العلائق) المتقلّبة المعاني، الّتي هي بطبعها عماد الكلام المركّب من الألÙاظ. وكان قبل ذلك كلّه لغويًّا خبيرًا بجواهر ألÙاظ اللّغة ومعانيها، بصيرًا بمذاق ألÙاظها Ù…Ùردةً ومركّبة، سميعًا لخÙيّ جرس ØروÙها Ùذّةً وملتئمةً، مره٠الØسّ بتمكّنها، مذاقًا وجرسًا ودلالة على المعنى Øيث وقعت ÙÙŠ سياق التّركيب” [مداخل إعجاز القرآن، ص: 119-120]. ولا يخÙÙ‰ من ذلك الوص٠الطّويل ما يدلّ عليه من تمكّن عبدالقاهر من الكلام البلاغيّ أجمع، ما Øوى بيانا وما لم ÙŠØÙˆÙ.
[26] Ù…Øمود شاكر، المتنبي، ص: 9 .
[27] ÙŠÙنظر: Ù…Øمّد مندور: النّقد المنهجيّ عند العرب ومنهج البØØ« ÙÙŠ الأدب واللّغة، مترجم عن الأستاذين: لانسون وماييه، دار نهضة مصر للطّبع والنّشر، القاهرة ØŒ ص: 376 .
[28] انظر على سبيل المثال مقاله بعنوان: المتنبّي ليتني ما عرÙته، مجلّة الثّقاÙØ© المصريّة، السّنة السّادسة، العدد 63ØŒ ديسمبر 1978Ù…ØŒ ص 13 وما بعدها.