صاد٠اليوم العالمي للشّعر، 21 مارس/آذار، هذه السنة مأساة عالمية بسبب Ùيروس كورونا الذي مازال ÙŠØصد Ø§Ù„Ø£Ø±ÙˆØ§Ø Ø¨Ø§Ù„ØªÙ‚Ø³ÙŠØ· وبالجملة، ويثير رعبًا Øقيقيا تعطلت معه دواليب الاقتصاد العالمي، ÙˆÙترت أنشطة السكان على Ù†Øو٠غير مسبوق، Ùيما تمّ إلغاء جميع المهرجانات الثقاÙية والÙنية إلى إشعار آخر. وÙÙŠ هذا الصدد أعلن بيت الشعر ÙÙŠ المغرب أنّه مضطر إلى تأجيل البرنامج الثقاÙÙŠ والشعري، الذي سبق أن أعدّه بهذه المناسبة، مؤكدًا التزامه بتنÙيذ البرنامج المذكور ÙÙŠ وقت لاØÙ‚ØŒ وسبق لبيت الشعر أن أعلن ÙÙŠ بلاغ نشره على صÙØته بالÙيسبوك مطلع هذا الشهر عن استعداده للتعاون مع كاÙØ© المؤسسات الثقاÙية والجامعية والتعليمية، Ù…ÙرØبًا بكاÙØ© المبادرات والبرامج التي تنتصر للشعر ÙÙŠ يومه العالمي، لكن يبدو أنّ Ø±ÙŠØ§Ø ÙƒÙˆØ±ÙˆÙ†Ø§ تجري بما لا تشتهيه نوايا الأÙراد والمؤسسات.
ÙˆØري بالشّعر، ÙÙŠ ظل هذه الظرو٠الصعبة، أن ÙŠØمل شعارَ « كورونا الشعر» ÙÙŠ يومه العالمي لهذه السنة، ليس تطبيعًا مع الموت الذي يشيعه هذا الÙيروس ÙÙŠ بقاع العالم، ولا غلوّا ÙÙŠ التشاؤم، وإنما للتأكيد على موت الشعر الذي كنا شاهدين عليه منذ أواخر سنوات القرن الماضي، التي تخطاها بصعوبة، وأطلَّ علينا من شرÙØ© الألÙية الثالثة يتنÙس بصعوبة، Øدّ أن عينيه تغيبان بين Ùترة وأخرى. ÙˆØسنا تعامل معه مديرو دور النشر والمؤسسات الثقاÙية، وأيضا النقاد والقراء، عندما لبسوا جميعا القÙازات البيضاء ووضعوا الكمامات على أنوÙهم وأÙواههم. وربما قاوموا ضØكة ÙÙŠ دواخلهم، Ùتراجعوا خطوات إلى الوراء، تاركين إياه يواجه مصيره ÙˆØيدًا ÙÙŠ غرÙØ© الØجر الصØÙŠ بلا أمل٠كبير ÙÙŠ الشÙاء، قبل أن يسقط وسط لمعان أزرار العولمة والتكنولوجيا، ووسط صعود أشكال تعبيرية جديدة أصبØت تÙلقن ÙÙŠ مدارس خاصة، ÙˆÙÙŠ ورشات يسيّرها أخصائيون وخبراء ÙÙŠ قاعات خاصة هي الأخرى. وعلى النقيض تماما من الشّعر الذي نبت عموميا ÙÙŠ الÙياÙÙŠ والقÙار، على الأقل بالنسبة للØالة العربية.
لكن هل انقرض الشّعراء بالمرّة؟ أبدًا، Ùدائما هناك أبناء وأØÙاد يظهرون من مكان بعيد Øاملين باقات الورد والØزن لوضعها على قبور الآباء والأجداد. دعونا Ù†ÙŽØيد عن الجدية ولو لمرّة واØدة، ونقول إنّ الشّعراء أكثر عرضة Ù„Ùيروس كورونا من غيرهم من المواطنين وذلك بسبب (أو بÙضل؟) عÙويتهم التي تسبقهم، ومشاعرهم الÙيّاضة التي يدلقونها أمام الغريب قبل القريب، بل أكثر عندما يلتقون ÙÙŠ مناسبة ثقاÙية ويتبادلون القبل على الخدود، التÙعيليون أربع قبل٠سريعة مثل إيقاع داخلي بينما يكتÙÙŠ شعراء قصيدة النثر بقبلتين ÙÙŠ تأشير ÙˆØ§Ø¶Ø Ø¹Ù„Ù‰ الØداثة التي تشّع ÙÙŠ قصائدهم. ويØدث أن تجد من الشعراء من يعانقك بØرارة Ùتطلع من أنÙاسه رائØØ© الصØراء ونقع المعارك المتصاعد من سنابك الخيل ÙÙŠ قصائد عمودية. وربما ربتَ على كتÙÙƒ كأيّ أب٠Øقيقي، Ùتنسى أنت الصØراء والخيل وأباك، وتنخرط ÙÙŠ عناق٠غامض مع شاعر٠عيبه الوØيد أنّه Øميمي بالÙطرة.
وبالعودة إلى Ùيروس كورونا وإلى توصيات منظمة الصØØ© العالمية، وتعليمات وزارات الداخلية لكل بلد بهذا الخصوص، نثير انتباه هذه الجهات الوصيّة إلى أنّ الشعراء أكثر٠النّاس استعدادًا لخرق تعليماتهم، وأوامر جميع الوزارات بلا استثناء. ببساطة لأنهم متمردون بالÙطرة، وغير منقادين إلا لسلطان الخيال، ومشيئة الله. أليسوا هم من خرقوا أوزان الخليل الÙراهيدي على مرØلتين قبل أن يخرجوا إلينا هكذا Ø¨Ù…Ù„Ø§Ù…Ø Ù…Ù†Ø«ÙˆØ±Ø© (نسبة إلى قصيدة النثر) وبلا وليّ ولا وصيّ ماعدا سلطان الخيال؟ أليسوا هم من خذلوا الأوطان ÙÙŠ مراØÙ„ تاريخية Øاسمة ولاذوا ببيوتهم واضعين كمّامات المخزن على Ø£Ùواههم، كتلك التي نراها هذه الأيام ÙÙŠ نشرات الأخبار، بدعوى الÙÙ† للÙن؟ أليسوا هم من تورّطوا ÙÙŠ Ø¥Øراق الشّجرة وإتلا٠الغابة، Øتّى صرنا نقرأ دواوينَ الشعر، كما لو أننا ندلي بشهادة زور أو كما لو أننا Ù†ØÙر Ù†Ùقا بأظاÙرنا الطرية؟
وبخصوص الالتزام بالعادات الصØيّة، وشروط النظاÙØ© التي ينادي بها الجميع هذه الأيام، Ùهذه آخر اهتمامات الشّعراء، إذ لا Ø£Øد يعر٠متى تنام هذه الكائنات الليلية ومتى يطلع عليها النهار. يتØركون أكثر من دوريات الشرطة لكنهم مثل القاÙية ينتهون متعبين بسكونÙ. ونادرًا ما رأيت شاعرًا يأكل الطعام بشهية أو يقشر الÙاكهة لطÙÙ„. دائمًا مستعجلون كالشياطين ومبعثرون كأغراض العزّاب، وأقل اكتراثًا بصØتهم بسبب انشغالهم المستمر بمصير الكون، وانتظار طلوع القمر من ذرى القمم. ولا عجب بعد ذلك أن نتقاسم جميعا مسؤولية هذا القصيدة السريعة والمستنسخة، بل المنهوكة بجميع الأوبئة والÙيروسات. من سوء التغذية إلى السّل إلى Ùقر الدم إلى الكوليرا إلى الإيدز وأخيرا كورونا. ولا عجب مرّة أخرى من موت الØياة العاطÙية، وإÙلاس بنك الوجدان والمشاعر الصادقة أو الكاذبة على الأصØ. أليس أعذب٠الشعر أكذبه؟ ألسنا Ù†ØÙ† شعوبَ هذه البلدان الاستثنائية أكثر شعوب العالم تعايشا مع الكذب؟ كَذبَ علينا آباؤنا وقالوا لنا إنّ الوØØ´ ينتظرنا خل٠الباب، Ùصدّقنا الآباء وشتمنا الوØØ´. وكذّب علينا المعلمون ÙÙŠ المدارس وقالوا لنا إنّ الØياة جميلة بعد البكالوريا، ÙرÙعنا وتيرة الجدّ وقاومنا Øلاوة نوم الصباØØŒ وجلسنا على كراسي الدرس منتبهين بلا Ùطور ولا ثياب داÙئة. ÙˆØتّى عندما كبرنا وجدنا أنÙسنا أمام جØاÙÙ„ الوزراء، يتناوبون علينا بالكذب ÙÙŠ التلÙزيون الرسمي. وهل نتضايق بعد هذا الريبرتوار المهم إذا طلع علينا شاعر كذّاب وأتØÙنا مشكورًا بقصيدة مسروقة؟
ويÙØسب للشعراء أنهم شجعانٌ. لا يهابون الموت بل يتعرّضون له بصدورهم العامرة بالنيكوتين، مهما كانت الظروÙ. Ùمن يستطيع مثلا أن يجد Øدودًا Ùاصلة بين الÙخر والاعتداد بالنÙس، ÙˆØ§Ù„Ù…Ø¯Ø ÙÙŠ قصائد المتنبي، وهو الذي عاش شجاعًا ÙÙŠ شعره، Øتى إذا ظهر له الموت شاخصًا ÙÙŠ الصØراء سقط على وجهه صريعًا وتركنا خلÙÙ‡ نشقى ÙÙŠ Ø´Ø±Ø ÙˆØªØليل شجاعة٠مزيّÙØ© لتلاميذ المدارس؟ ومن يستطيع الآن أن يوق٠أدونيس عند Øدّه، وهو يتكلم أمام الميكروÙون، دائما لدى الرجل هذا الاستعداد الكبير كي يستعيد رذاذ لعابه المتطاير ÙÙŠ السماء، ويستطيل ÙÙŠ الكلام عن الشعر والÙكر إلى Øدّ الإقناع وربما التمويه. ولا يهم بعد ذلك أن تكون جائزة نوبل من نصيبه أو من نصيب غيره.
وعلى الرغم من ذلك، لا Ø£Øد يشك ÙÙŠ إصرار الشعراء على التشبث بالØياة داخل القصيدة وخارجها، وعلى مدار الزمن وتغيّر الظرو٠والأØوال. شخصيا، لا أملك بمناسبة اليوم العالمي للشعر إلا أن أدعو لشعراء وشاعرات العالم بالعمر الطويل، وبأن يتغلبوا جميعًا على الÙيروس الÙتّاك كي يطلعوا علينا بقصائد عظيمة يخبرون Ùيها الأجيال القادمة، كي٠ارتعبنا ولزمنا بيوتنا مكتÙين بإطلالة خاطÙØ© على القيامة التي تسير ميّاسة ÙÙŠ الشوارع. وكي٠وضعنا الكمامات على أنوÙنا وأÙواهنا، وانتسبنا قسرًا إلى سلالة الØمار المØترمة. الØمار الذي طالما استعملناه شتيمة ÙÙŠ معاركنا الخاسرة.
شاعر مغربي