السكارى، لعبد الله الكعبي تلميذي العماني النجيب

في الهزيع الأخير من الليل تحدث أمور نكاد لا نعيها نحن النائمين. جثث تتهاوى بلا عقل ولا روح عدا جسد مخمور ، عالم أرضي لا يطلب العلوي. وشناص تزخر بالأجساد المخمورة .

بالمناسبة العقل هو المخمور وليس الجسد، لعل فكرة ملء جمجمة بالشراب هي أقرب لفهم معنى مخمور. سأحاول تسهيل الفكرة عليك ضع كمية من العصير السكري في كأس وغطه لفترة طويلة سيتحول لمادة الأثينول أو لنوع كحولي والتي تكونت من التخمر …وما يفعله السكير هكذا حسب عقل وفهم مراهق عمره أحد عشر عاما . هكذا أتوقع يحدث بجسم السكارى، إنهم يصبون الشراب ولأنه متخمر سيصعد للدماغ ويتعمق فيه وأخيرا يتخمر .
كنت أخشى على (أمجد العوم) أن لا يدخل الجنة وربما أن لا يشرب من خمر الآخرة. نحن القرويين نحب الصلاة ونحس براحة فائقة ونحن نصلي وقد يصلي معنا فجرا رجل سكران، لا عليك، لا نقدمهم للإمامة وهي غلطة من أحدنا قدّم أحدهم مجاملة ذات مرة وقد أعدنا الصلاة بعد أن أفرغنا كمية هائلة جدا من الضحك الجماعي على قراءته. ربما يعادل كمية الضحك المفرغة كمية الحزن الباقي في قلوبنا إلى اليوم.
نخاف من السكارى ولا نخالطهم …يكثرون في الليل ولا أعرف سبب ذلك . أمجد سكير راقي وله كاريزما حاضرة بقوة كاريزما مضحكة وفكاهية بشكل لافت كأن تصب له من الدلة خمسين فنجانا من القهوة أو أن يسب إمام مسجد يقرأ من سورة البقرة في العشاء ويقطع عليه القراءة مناديا الإمام بعدك كمل آل عمران..فيضحك المصلون. أو يسقط من باب المدخل لبيتك ويقول: أبوابهم ضعيفة مثلهم. ولكن أن ينتشي أمجد بسكرته ويمر على أبواب الحارة ويعطيهم مبالغا مالية لا كرما بل لكي يذهبوا لحنيفة فهذه كانت فاجعة … أيتخلى السكران عن أخلاقه فحنيفة متزوجة فكيف لي أن أعطيها ورقة ونقودا لكي تمتع أمجد وهذا ما حدث لكثير من الذين طرق الباب عليهم…
وليست الحال هي الأفضل مع (العبّاد) حيث طردته زوجته عاريا وبات بالعراء وهو عارٍ…كنت بالدكان أساعد أبي في دكانه ومعنا (استاقر) المليباري ويحضر أمجد وعيّاد وغسان بن حموده وكلهم سكارى وأخذوا النقود من (استاقر) ورشوا مؤخرته بالمبيد (بيف باف) وهو يركض مذعورا منهم …
السكارى خفيفوا دم، مرحون .. لطيفون ودودون . يأكلون كثيرا لسد جوعهم أثناء السكر…
لكنهم يغيبون العقل فيقعون في الحرام والحرام يقع بهم . فذات مرة وجدنا اثنين منهم قد تقاتلا
ولكن لله الحمد لم يكن هذا بقريتي أبدا فنحن سكارانا يسكرون بتعقل واحترام …
وربما من المبكيات أن شنون وهو صانع الخمر وبائعه في الولاية وقد تعلم الصنعة من الانجليز وهو في الكويت وجاء وصنع الخمر من التمر …
رأيت كم تُضرب النساء من السكارى ولكن يحافظن عليه فالزوجة ستر للسكير مهما حصل..
وربما إحدى زوجات السكارى مُطّت وشدّت من شعر رأسها حتى تسمع صرخاتها وأنت بعيد جدا عن عالم العقلاء..
وفي يوم الجمعة ، والصيف الحارق جدا ذاك اليوم ويسقط (شنون) بقرب الجب المملوء من الخمر المعتق ..
وأنا رأيتهم بعد ساعة يحملونه للمقبرة وهو قد ذاق سكرة الموت.
تلك السكرة المحيرة جدا فكم كنت حريصا لمراقبة السكارى وطرافتهم ونوادرهم ولكن أصارحك فقد عجزت بأن أعرف
كنه سكرة الموت ولكنها تشبه السكرة العادية في الاستلقاء والتمدد والغياب تلك لمحتها في شنون وهو يغادرنا…

عبدالله الكعبي

Related posts

Leave a Comment