مَديحُ النِّيل، للدكتور أحمد بلبولة

نظرا لرغبة الأصدقاء في قراءة القصيدة وتزامنا مع ذكرى الهجرة النبوية المباركة، أنشر قصيدتي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير البشر…

مَديحُ النِّيل

أَأَخْضَرُّ أَمْ أَصْفَرُّ لَوْ رُحْتُ أَعْزِفُ؟!
هَوَايَ مَعَ الصَّحْراءِ، والنِّيلُ يَعْرِفُ

نَشَأْتُ بِأَرْضٍ غَيْرِ أَرْضِ حَبِيبَتي
وَلَكِنْ مَعِي مِنْهَا وِشَاحٌ وَمُصْحَفُ

جَفا مَضْجَعِي أمَّ الْبِلادِ كَأَنَّنِي
خُلِقْتُ إِلَى أُمِّ الْقُرَى أَتَلَهَّفُ

تَعَلَّقْتُها بِالسَّمْعِ حَتَّى تَحَقَّقَتْ
بِقَلْبِي وَكَادَ السِّرُّ لِلنَّاسِ يُكْشَفُ

فَقُلْتُ لِصَدْرِي: كُنْ كَصَدْرِ مُحَمَّدٍ
يُشَقُّ لِأَمْرٍ وَالْمَلَائِكُ وُقَّفُ

يَتِيمٌ وَحَظُّ الْحُبِّ يُتْمٌ كَحَالِهِ
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ يُتْمَيْهِ لَا يَتَثَقَّفُ

إِذَا مَرَّتِ الْأَعْنَابُ في بالِ كَرْمِهِ
سَكِرْنا، وَلَسْنا حِينَ نَسْكَرُ نَرْشُفُ

وَلَوْ هَطَلَتْ فِي عُزْلَةِ الرُّوحِ دَمْعَةٌ
لَقُلْنَا لَها: إِنَّ الغَمَامَةَ أَرْأَفُ

وَلَوْ حَنَّ جِذْعُ الذِّكْرَيَاتِ لِأَمْسِهِ
عَذَرْنَا وَقُلْنَا الْجِذْعُ كَالْأَمْسِ يَأْلَفُ

فَلَنْ نَسْأَلَ الْعِشْقَ الَّذِي ظَلَّ وَحْدَهُ
طَوِيلًا؛ لِأَنَّ الْغَارَ قَدْ يَتَصَوَّفُ

خَرَجْتَ كَوَرْدٍ يَنْفَحُ الصَّخْرَ رِقَّةً
وَجَارُ النَّدَى كَالْوَرْدِ لَا يَتَكَلَّفُ

تَفِيضُ -كَمَا فَاضَتْ أَيَادِيكَ- رَحْمَةً
وَتَدَّخِرُ الْعُتْبَى إِذَا الْقَوْمُ أَسْرَفُوا

نَبِيٌّ إِذَا مَا حَاوَلَ الْوَصْفُ وَصْفَهُ
رَأَى الْوَصْفَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ يُوصَفُ

تَوَضَّأْتُ مِن مَاءِ الَّذِينَ تَعَطَّرُوا
بِمِدْحِكَ قَبْلِي وَالرُّؤَى تُتَخَطَّفُ

إِلَى أَنْ أَنِسْتُ الْبَابَ حَتَّى فَتَحْتُهُ
لِغَيْرِي وَقُلْتُ الشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُعْرَفُ

هُوَ النُّورُ لَوْ قُلْتُ الْحَقِيقَةُ أَشْرَقَتْ
أَوِ الْوُرْقُ لَوْ قُلْتُ الْحَدِيقَةُ تَهْتِفُ

وَإِلَّا لِمَ الْمِشْكَاةُ عَنْ حُجْبِهَا انْجَلَتْ
وَلَمْ يَكُ زَيْتٌ فِي الذُّبَالَةِ يَرْجُفُ؟!

هُوَ الْمَاءُ لَوْ نِيرَانُ كِسْرَى تَوَهَّجَتْ
وَأَشْعَلَ أَرْضًا قَيْصَرُ الْمُتَعَجْرِفُ

وَإِلَّا لِمَ الْحَقُّ الَّذِي جَاءَهُ سَرَى
إِلَى حَيْثُمَا كَانَ الَّذِينَ تَفَلْسَفُوا؟!

تُغَيِّرُ مَجْرَاهَا الْمَعَانِي لِعِلَّةٍ
وَكَمْ غَشَّ فِي الدِّينَارِ مِنْ قَبْلُ صَيْرَفُ

وَمَا غَيَّرَتْ مِصْرُ الْحَضَارَةَ؛ إِنَّمَا
يُغَيِّرُ مَعْنًى آخَرٌ مِنْهُ أَشْرَفُ

وَيَعْكِسُ شِعْرُ الْجَاهِلِيِّينَ حَيْرَةً
كَأَنَّكَ مَعْنَاهَا الَّذِي تَتَشَوَّفُ

وَمَعْنَى حَيَاةِ الْأَرْضِ مِنْ قَبْلِ خَلْقِها
وَمَعْنَى حَيَاةِ الْكَوْنِ وَالْكَوْنُ أَحْرُفُ

بَسَطْتَ جَنَاحَ الْحُبِّ لِلنَّفْسِ كَيْ تَرَى
وَقُلْتَ لَهَا سِيرِي؛ فَرِيشٌ وَرَفْرَفُ

لبُهْرُجِهَا لَمْ تَأْتِ دُنْيَاَك؛ إِنَّمَا
أتتك عليها الزَّرْكَشِيُّ الْمُزَخْرَفُ

فَأَعْرَضْتَ مَعْصُومًا وَأَقْبَلْتَ طَاهِرًا
وَحَالُكَ فِي الْحَالَيْنِ لَا يَتَطَرَّفُ

يُنَادِيكَ إِذْ يَحْمِي الْوَطِيسُ فَوَارِسٌ
وَمَا كَانَ سَيْفٌ فِي يَمِينِكَ يُسْرِفُ

ويَنْتَظِرُ الْأَعْدَاءُ مِنْكَ سَمَاحَةً
وَيَأْتُونَ ظِلَّ الْعَفْوِ كَيْ يَتَكَنَّفُوا

أَحَبَّكَ حَتَّى شَانِئُوكَ لِأَنَّهُمْ
رَأَوْا فِيكَ مَا لَوْ حَاولُوا مَا تَكَيَّفُوا

حرامٌ على كُلَّ امرئ ظَنَّ نفسه
بريئًا ولم يَتْبَعْكَ لو ظلَّ يَحْلِفُ

تَبِعْنَاكَ عَنْ حُبٍّ وَجِئْنَاكَ -لَيْتَنَا
صَحِبْنَاكَ- وَالتَّارِيخُ لَا زَالَ يَنْزِفُ


Related posts

Leave a Comment