كونتا كينتي أو محجوب ابن ستر الله، للدكتور السيد شعبان جادو

“ليت للربيع عينا” دار في خاطره هذا المثل، كان قد انطوى كما الأيام الجميلة، سرقها لصوص الزمن في بلاد تصلب أولياء الله فوق جذوع الشجر، تحتفي بالعابرين فوق الفرش الحمراء، ماكينات صوت فارغة. تقلب في فراشه، لم يحظ بساعة نوم هانئة منذ ذلك اليوم الذي احترق فيه أمله، ظلت تلك الذكرى تنهش قلبه وتنزف كلما حاول نسيانها، ارتحل بعيدا؛ فالمنافي أوطان والحديث المليء بالكنى والألغاز ممجوج تكاد نفسه تقيئه، هل آن بعد كل هذه الآلام أن نتوقف لاسترجاع الذاكرة، بدت هذه الجملة عصية على النسيان؛ يسائل نفسه: ترى لم حدث كل هذا؟ يجيبه صدى أصفر كالعدم الذي يعتاش عليه، خسرنا أجمل أحلامنا، اتشحت بالسواد واجهات البيوت ØŒ ألم يكن يكفي نعيق الغربان فوق تلك الأشجار الذابلة؟! أن يتراجع هؤلاء الحالمون بالجنة في بلاد تراقص الموت علانية وتشرب الدم خمرا، تقتات الجهل وتقدم صفوة أبنائها قربانا للنار تأكله؟ حتى الثرثرة عند ضفة النهر باتت غير ذي جدوى، إنه العناد القاتل؛ يكفي أن آباءنا ارتحلوا دون أن يوقعوا لنا تلك الأوراق، كل وثائقنا لا نفع منها، لم يعد يهتم أحد بهؤلاء المتسكعين في ممرات التاريخ. كانت تلك هلاوس ساعة اليقظة، بالليل تبدو مثل نتوء شاخص. سكنا مدن الملح وغاصت فيها أقدامنا، حين أشرقت الشمس ذابت كرة الثلج؛ لا يحفل أحد بعاجز أو ضعيف تتربص الذئاب عند منعطف الطريق. لم تكن ثورة ولا ربيعا بل كان ما حدث جناية كبرى؛ خطيئة لم تكف كل تلك الدماء المسفوحة أن تكفر عنها، حين تشتعل النار في حقول القمح وتعجز أن تطعم صغارك فأنت عاجز، تطاردك الكلاب وتنبح خلفك في إصرار تحاول الهرب منها؛ تغرس أنيابها في جسدك الضامر، تنكفيء على حلمك الذابل ومن ثم تتسرب كاللص أو السارق في الحواري والأزقة لا جدار يحميك ولا كهف فتية آمنوا تأوي إليه، تظل تحمل همك ولا تعبأ بغدك. تذكر حين استند إلى شيخه يلتمس نصحه، لم يهش في وجهه، تلقاه عابسا؛ يؤسفني أن أخبرك؛ لقد فات آوان الحديث؛ ألم أخبرك بأن معاندة القدر وهم، لا يستجيب فهو الآن بيد الله؛ لحكمة يسيره إلى بلاد الثلج أو أخرى تعبد الشمس؛ زمن الأولياء تبخر؛ انقضت اللحى الزائفة على ثياب العذراء فمزقتها؛ لقد طاردوا المسيح ولم يحفلوا بآلامه. أثمر زمن الخرس في كل النواحي؛ بديلا عنه تعزف الجوقة ألحان النصر وتشرب نخبه نكاية في المعدمين والمهمشين؛ يتألم أن لم يركب قطار الساعة الرابعة والعشرين ونصف؛ نعم هي ساعة النداهة ومن ثم يسافر إلى بلاد تعتصر شباب اللاجئين، في دور الإيواء تقام أسواق نخاسة تشبه ما حدث Ù„”كينتا كونتي” في رواية جذور! تطارده تلك الغيلان ذات الوجوه القبيحة؛ يسلمه نزق المشتهين للكراسي، هل آن له أن يعترف بأن ثمة خديعة كيرى وقع في شركها؟ هل كان الحلم بعالم أفضل مجرد نزوة عابرة، مجرد صيحة في واد مجوف؛ ومن ثم يعاود التاريخ مسيرته؟ بات يكره ذاته، يجلدها عند كل منعطف، يكره الذين دفعوا بالبراءة إلى ساحة الإتهام؛ يتماهى مع ذوي السترات الكابية الألوان؛ يلتمس لهم مبررات في بلاد الله تطويه سكة وتظهره حارة، تخفى والسر جرح لما يندمل؛ تأوه حسرة؛ لم يعد في القلوب متسع لأصحاب الجراح، الأبواب مغلقة والألسنة حداد، يداوي همه، يرقب نجوم الليل عدا، الموجعون لا ينامون، محجوب ابن ستر الله، لا أحد يعرف من يكون؟ تعددت الأقاويل: ابن الرومية، تلك المرأة التي خطت في شارع الندامة يوما، لا إنه أسود هجين، تصيح المغربية؛ البطن قلابة؛ عالم بالسر يمكن يكون وقد لا يكون، ابن رجل من أهل الحظوة؛ الولايا غجر شعورهن حبائل مجدولة أو أسلاك ذهب Ø› عيونهن غزلان بر نافرة، الضعف يذل الغرباء Ø› النظارات السوداء لا أحد يجرؤ أن يرد لها طلبا! ابن ستر الله له عود أشبه بشجرة السرو؛ الناس تهاب العصا، عيناه تومضان بالبرق، تسامع به البر، فتوات تملك الشوارع والأزقة؛ إتاوة وراء أخرى، والفقر يهد الحيل.

Related posts

Leave a Comment