بصيرة

أن يبصّر الشيوخ الشبان ببعض أحداث مستقبلهم عملٌ معروف تغري أولئك به خبرتُهم وتصبّر هؤلاء عليه خشيتُهم. أما أن تنعكس الحالان فيكون الشبان هم الذين يبصّرون والشيوخ هم الذين يتبصّرون، فعملٌ غير معروف، ولا سبيل للإغراء ولا للخشية إليه إلا بين الشعراء؛ إذ يجوز للشاب الشاعر أن يبصّر الشيخ ويجوز للشيخ الشاعر أن يتبصّر بالشاب، وكأن الشعر سبيل ما لا يتسبّل، ووصلة ما لا يتوصّل!

وقد وقع لي من ذلك عام ٢٠١٧ الجامعي أن كنت بمكتبي من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية من جامعة السلطان قابوس، أتلقى الزوار، فإذا شاعر من أحب طلابي (السيف العيسري)ØŒ قد عوّدني أن يتلّمس ما يتوصل به إليّ: فمرة يسألني ما عرفت وما لم أعرف، ومرة ينشدني ما سمعت وما لم أسمع، ولكنه هذه المرة وقد وجدني ألبس نظارتي التي أستعملها خارج بيتي، صاح بي: 
– هذه نظارتي؛ ضاعت مني في صلالة!
وصلالة مدينة عمانية جنوبية ساحلية سياحية باهرة مورودة! نضوتُ عن عيني النظارة أمامه، وقلبتها معجبا بها، متعجبا من أن تكلف نفسها من السفر شططا ومن الإقامة بمسقط بعد صلالة ما لا تحسد عليه!
ثم ضرب الدهر ضرَبانه فدعتني وأسرتي إلى واحة سيوة المصرية الحُدودية أوائل هذا العام ٢٠١٩ دواعي السياحة -وبينها وبين القاهرة مثل ما بين صلالة ومسقط- فأجبناها أحفياء بها حراصا عليها، وركبنا إليها حافلتها من محطة عبد المنعم رياض بالقاهرة إحدى عشرة ساعة، لنعود بعد أسبوع إليها، وكما فزعنا إلى حقائبنا فرارا من مضايق المقاعد ذاهبين، فزعنا آيبين، وفي الفزع عجلة، وفي العجلة غفلة، وفي الغفلة أضعت نظارتي!

Related posts

Leave a Comment