(1)
أول التيه
كان العام 1953 Øدًا Ùاصلًا ÙÙŠ تاريخ مصر، ÙÙيه ماتت الملكية ووÙلدت الجمهورية، ويبدو أيضًا أنه كان Øدًا Ùاصلًا ÙÙŠ تاريخ دولة التلاوة المصرية العريقة، والإذاعة المصرية الرائدة، Ùقد كان آخر عام دخل الإذاعةَ Ùيه قارئ عبقري، هو الشيخ Ù…Øمد صديق المنشاوي، خاتمةً لقائمة شر٠طويلة من القراء العباقرة أصØاب الأصوات المÙعجزة والمدارس العلية ÙÙŠ ÙÙ† التلاوة، من قبل أن تÙنشأ الإذاعة بعقود، وخلال عÙقدين ذهبيين من تاريخ تÙَجّÙر أرض مصر بالمواهب الإذاعية (1934-1953).
بعد ذلك التاريخ بالتأكيد دخل الإذاعةَ المصريةَ قراء جيدون مجيدون، لكنهم لم يكونوا كمن سبق، لم تكن أصواتهم معجزة ولا مدارسÙÙ‡ÙÙ… علية، لم يكونوا آباء للÙÙ† ولا أعمدة لصرØه، ولم ÙŠØققوا من Ø§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø ÙˆØ§Ù„Ø´Ù‡Ø±Ø© التاريخية الخالدة ما Øققه الأولون من ثلاثة أجيال ازدهر بها الأثير٠خلال أول عÙقدين من عÙمر الإذاعة.
واللاÙت للنظر أنه لعÙقد كامل بعد هذا التاريخ، لم Ù†Ùسجل دخول قارئ Ù…Ùبرز له أدنى Øد من الشهرة والسيرورة والشهود له بالإجادة، ولا ÙŠÙقدم لنا التاريخ انضمام أسماء شهيرة إلى الإذاعة إلا عام 1962ØŒ وكأن الإذاعة طيلة عقد (1953-1962) قد تشبَّعَت بالكثرة الغنية من قرائها الÙØول، ولم تعÙد بØاجة إلى ضم Ø£Øد، أو أن Ù…ÙŽÙ† دخلها خلال هذا العقد لم يكن ليÙسمَع ويÙشهر، كان ليÙطوى ÙÙŠ ثياب النسيان.
دÙÙعة 1962 ضمت أربعة قراء من ثلاثة أجيال عÙمرية، Ù…Øمد ساعي الجرزاوي المولود عام 1912ØŒ وعبد العزيز علي Ùرج المولود عام 1927ØŒ ومØمد بدر Øسين وراغب مصطÙÙ‰ غلوش المولودين عام 1937ØŒ ويÙمكننا اعتبارهما ÙاتØØ© الأجيال اللاØقة من القراء، إذ تجوّز الزمن٠والسماع٠وتواريخ الوÙاة ÙÙŠ إلØاق الأولين بالرعيل الأول.
خلال سنوات الستينيات وأوائل السبعينيات دخل الإذاعةَ قراء آخرون بعد بدر وغلوش، واستوى ÙÙŠ الإذاعة جيل جديد لم ÙŠÙدرك أيام البث المباشر ودقدقة الاسطوانات العتيقة.
كانوا جيدين مجيدين، لكن أصواتهم لم تكن معجزة، وأساليبهم لم تدل على عبقرية.
وأدل دليل على أن أصواتهم لم تكن معجزة أن تلاواتهم داخل ستوديو الإذاعة لم تØقق – ولم تزل لا تØقق – Øضورًا عند المستمع، المستمع العادي الذي ÙŠØتÙÙ„ بتسجيلات الرعيل الأول ÙÙŠ الاستوديو، وبدقاتها وصداها السابق، وبأسطوانات الشيخ Ù…Øمد رÙعت الطاÙØØ© بالخشخشة، ÙŠØتÙÙŠ بكل هذا لأنه يسمع منه أصواتًا Ù…Ùعجزة الجمال لا تقاومها الأذن، أما الذين أتوا بعدهم Ùلم تكن Ù„Øناجرهم الجاذبية على ما تيسر لها من تقدم ÙÙŠ تقنيات التسجيل، الØقَّ أقول لكم إن هذا التقدم لم يكن ÙÙŠ صالØهم أصلًا، ولقد اكتسبوا شهرتهم وشعبيتهم عند الناس من المØاÙÙ„ لا سواها.
أما الأساليب Ùغلب عليها أمران سلّم Ø£Øدهما ÙÙŠ النهاية إلى الآخر:
الأول: أن كثيرًا منهم بدأوا مقلدين أقØاØًا للشيخ مصطÙÙ‰ إسماعيل، أو كانوا Øديثي الخروج من عباءته، ولم يكن التقليد يضي٠لآذاننا ولا لأسمائهم شيئًا، كما أن كل Ù…Ùقلد للشيخ مصطÙÙ‰ إسماعيل باهتٌ يصغÙر إلى جواره صغار نقطة الÙاء إلى اسمه كاملًا.
الأمر الذي Øملهم سريعًا إلى تأكيد الخروج من عباءته، Ùخرجوا خروجًا Øائرًا لا يصØبه دليل، إلى الأمر الثاني الذي اتص٠به منذ البداية غير المقلدين منهم:
وهو عدم ÙˆØ¶ÙˆØ Ø§Ù„Ø£Ø³Ø§Ù„ÙŠØ¨ØŒ أو وضوØها مع نقصها نقصًا شديدًا
Ùإما أنك أمام قارئ جيد، لكن أسلوبه يخلو من ملامØØŒ Ùلا تجد له Ù‚Ùلات ولا نقلات مميزة تÙنسب٠إليه، وإما أن تكون مع قارئ ذي Ù‚Ùلات ونقلات وجÙمل تÙميزه، لكنها ناقصة كثيرًا، كأن يتميز بجÙمل ÙÙŠ مقام واØد دون غيره، أو ÙÙŠ الجواب ÙˆØده دون القرار وجواب الجواب، وقد تجد من لا يقرأ إلا بالجواب أصلا، ومن لا يقرب نص٠المقامات.
ولا يمتنع علينا أن ننص٠هذا الجيل، Ùنقول إنهم كانوا مجيدين، وكان أداؤهم جديرًا بأثير الإذاعة، لكن علينا أن نقول أيضًا إنهم انتÙعوا كثيرًا بØياة بقية الرعيل الأول بين ظهرانيهم زمانًا طويلًا، وثقلت موازينهم بمراÙقة الكبار والقراءة والسÙر معهم، Ùلما رØÙ„ آخر الكبار، الشيخ مصطÙÙ‰ إسماعيل 1978 والشيخ Ù…Øمود علي البنا 1985 والشيخ عبدالباسط عبدالصمد 1988 واعتزل الشيخ أبو العينين شعيشع لسطوة الشيخوخة على صوته، وخلا الص٠الأول لقراء الستينيات والسبعينيات، وصاروا شيوخ الصنعة وكÙبراء الطائÙØ©ØŒ وقتها خ٠وزن الÙÙ† كله كثيرًا، وتعلق الناس بتسجيلات الراØلين وشعروا Øقًا أن زمن القراء الكبار قد ولَّى، وأن من بقوا قطرة ÙÙŠ بØر من رØلوا.
على أن جيل الستينيات كان بØرًا إذا قيس به من أتوا بعده، وكانوا ÙÙŠ الجÙملة قراء تصدق عليهم دلالة الكلمة، ولا يقدر Ø£Øد أن ينكر أن Ø£Øمد Ù…Øمد عامر ومØمد عبدالعزيز Øصان وإبراهيم الشعشاعي ومØمد Ø£Øمد شبيب ومØمود صديق المنشاوي ومØمود Ù…Øمد رمضان وأØمد الرزيقي وشعبان الصياد كانوا صÙØØ© بيضاء ÙÙŠ تاريخ دولة التلاوة، لكنها صÙØØ© دون ما سبقها ÙÙŠ الÙصاØØ© والبلاغة.. بكثير.
(2)
آخر التيه
ما كان ÙÙŠ جيل الستينيات وأول السبعينيات شأن، وما كان ÙÙŠ جيل أواخر السبعينيات والثمانينيات شأن آخر تماما، ولا يخلو الأمر من آثار مباشرة للتØولات الاجتماعية التي أصابت مصر بين عبدالناصر والسادات، والانÙØªØ§Ø ÙˆØ§Ù„Ø³Ùر إلى الخليج، وشيوع أجهزة التسجيل ÙÙŠ المدن والأريا٠بعدما كانت مقصورة على الأثرياء والمÙتونين بالإبداع.
وهكذا صار ÙÙŠ مقدور كل قارئ وكل مستمع وكل Ùرد عادي أن يسجل لمن شاء وقتما شاء، وصار قراء القرى يسجلون ويÙسجَّل لهم كل ما يقرأون، بل وأÙنشئت شركات إنتاج الكاسيت ÙÙŠ عواصم المØاÙظات ومدنها الصغيرة، ÙÙŠ الدلتا خصوصًا، وكان من الطبيعي أن يقوم إنتاج هذه الشركات على القراء والمنشدين والمطربين المØليين، Ùغزَت أشرطتهم الأسواق ÙÙŠ Ù…ØاÙظاتهم ووصلت العاصمة، وهكذا Ùقدت الإذاعة مركزيتها وسÙلطتَها الÙردةَ ÙÙŠ الإجازة والمنع، والØÙكم على القراء بالأهلية أو عدمها، وصار لكل قارئ إذاعته الخاصة التي يعرÙها جمهوره ويصل إليها يسهولة.
الآÙØ© الكبرى التي نشأت مع التطورات هي عصبية جمهور المØاÙظات لقرائهم، وامتلاؤهم بهم، وتقديمهم لهم على سواهم من باب العصبية الجاهلية ÙÙŠ السماع، Ùضمن القارئ الناشئ Ùيهم جمهوره قبل أن ÙŠÙثبت Ù†Ùسه، وتغيرت Ø´Ø±Ø§Ø¦Ø Ø§Ù„Ø¬Ù…Ù‡ÙˆØ± المÙرجّÙØ ÙˆØªÙƒÙˆÙŠÙ†Ø§ØªÙ‡ØŒ Ùبعد سمّيعة الطرب ومستمعي الإذاعة قديمًا، صار الرأي لبضع مئات Øضور سرادق ÙÙŠ قرية ليس Ùيهم من ÙŠÙعر٠بالسماع، صار الرأي لسائق البيجو الذي يختار الشريط وركابها السبعة، صار الرأي لبقال يتبارك بسماع القرآن ÙÙŠ دكانه كل ØµØ¨Ø§Ø Ø¨Ø´Ø±ÙŠØ· اشتراه من الرصيÙØŒ صار الرأي لبائع الأشرطة على الرصيÙØŒ Ùقد امتلأ الرصي٠بأشرطة قراء السبعينيات والثمانينيات، وبقيت أشرطة الرعيل الأول Øبيسة Ùروع صوت القاهرة وبعض الشركات الكلاسيكية التي تكاد تذهب مع من ذهب.
ÙÙŠ الأخير، ومع تÙشي الوضع الجديد، وذهاب القراء الكبار واØدًا تلو الآخر، وعدم تصور النخبة السمّيعة لما تؤول إليه الأمور، قبلت الإذاعة قراء الثمانينيات، واØتلوا مكانًا من الأثير، ومع رØيل آخر من رØÙ„ من الرعيل الأول ÙÙŠ الثمانينيات، وشيخوخة جيل الستينيات، بدأ عقد التسعينيات بسيادة واضØØ© لجيل الثمانينيات الذين Ø·Ù…Ø Ø¨Ø¹Ø¶Ù‡Ù… لشÙباك النجومية واستØدث لنÙسه أساليب وربّى مريدين ودراويش، وازدهرت ÙÙŠ التسعينيات الأسÙار السنوية إلى إيران وسÙجلت تلاواتهم هناك تلÙزيونيًا، وباتت إيران بØرًا خضمًا يغرÙون منه نجومية وعالمية وشÙهرة وتسجيلات ومالًا.
والباØØ« ÙÙŠ أصوات وأساليب قراء الثمانينيات، المقارنها بقراء الستينيات والسبعينيات، سيجد أن المشكلتين الأساسيتين عند جيل الستينيات قد توسعتا وصارتا أظهر عوارًا.
أما الأصوات Ùقد ابتعدت عن الجمال والتميز Øتى صار التÙريق بينها يستعصي على المستمع العادي، بل والسميع، بل ونقيب القراء الشيخ أبو العينين شعيشع رØمه الله الذي ذكر كثيرا أنه لم يعد يستطيع التÙريق بين قراء الثمانينيات والتسعينيات، بينما كان يميز صوت القارئ القديم إذا سمعه على بÙعد 5 كيلو عبر مكبرات الصوت.
وما قاله صØÙŠØ Ø¬Ø±Ù‘Ø¨Ù‡ كل ذي أذن Øية، Ùإنك تميز صوت قارئ الأربعينيات والخمسينيات إذا مرت السيارة مسرعة بصوته صادرًا من مذياع دكان، أما قراء الثمانينيات Ùلا تكاد أصواتهم تتمايز بالصÙات أصلا Øتى تÙÙرَّق، ولا تÙضبَط إلا بعد المتابعة الشديدة وكثرة السماع على قلة العائد منه.
ثم إنك لا تجد لها الشمخة والرائØØ© والطعم الذي كان لأصوات الرعيل الأول، التي جعلت Ù…Øمود السعدني ÙŠÙشبّه كل قارئ منهم بصن٠من الÙاكهة Ùيصيب التشبيه وتجد طعم الÙاكهة ÙÙŠ أذنك.
وأما الأساليب، Ùأساليب قراء الثمانينيات كانت مصابة بآÙتين غالبتين، Ø¢ÙØ© ÙÙŠ مصدرها وآÙØ© ÙÙŠ موردها.
أما الآÙØ© ÙÙŠ مصدرها Ùأنها تÙرعت بالأساس من أساليب قراء إقليميين ليسوا بعباقرة ولا مسموعين، إلا عند جمهورهم الإقليمي، Ùنبتت هذه الأساليب أولا من عصب ضعيÙØŒ ونزَعَت Ù…ÙÙ† بئر ناضب، Ùورثَت الضع٠والÙقر.
وأما Ø¢ÙØ© موردها Ùأنهم أرادوا أن يختطوا لهم قوالب تميزهم وقÙلات تÙنسب٠إليهم، على ضع٠مصادرهم، Ùلم يأت٠أكثرهم من ذلك إلا بالØذلقة والتقعر والنشاز والإزعاج، والنغمة ÙÙŠ غير موضعها، والعÙربة ÙÙŠ غير موضعها، والقÙلة ÙÙŠ موضع النقلة، والنقلة ÙÙŠ موضع القÙلة، ومن لم يأت منهم بشيء من ذلك بقي أسلوبه غÙÙلًا من Ø§Ù„Ù…Ù„Ø§Ù…Ø Ù…Ùصمتًا على التذوق كالبيت الذي لا باب له ولا شبّاك.
على أنّ أخطر ما Ø£Øدثه هذا الجيل هو التغير السلبي الكبير ÙÙŠ ذوق وسلوك الجمهور، Øتى سوّدوا جمهورًا لا سمّيعة Ùيه، يتعصب للإقليمية والجهوية، ويطرب لاستعراض العضلات ومجرد الزعيق.
وكان ÙÙŠ هذا الجيل قراء صالØون لا يبدعون ولا يتميزون، ÙأخÙاهم الآخرون بشعبية الØÙ‚ Øينًا، وجماهيرية الباطل Ø£Øيانًا.
(3)
أول الغرق
ما الذي Øدث خلال جيلين من التراجع؟ كي٠Ùقد الÙÙ† خلال ثلاثين سنة كثيرًا من أساساته الإبداعية وأساليبه القولية ومسالكه النغمية وتقاليده الÙنية وكثيرًا من التÙاصيل التي كانت تتخذ مكانها بين الأشياء ÙتÙكسب٠الأشياء روعتَها ÙÙŠ مكانها؟ كي٠تÙككت عربات القطار وأصبØت أبوابها إلى الهواء الطلق وصارت كل عربة تمشي ÙˆØدها دÙعًا وعسÙًا Ùتسبق الجرار ويذهب كل منها ÙÙŠ طريق!
بدأ قراء الستينيات – وهÙÙ… جيل كريم – بين مقلد ومبدع على الأصول ومبتكر لأصوله، Ùأما المقلد ÙÙرّ سريعًا من التقليد هربًا Ù…ÙÙ† مَعرَّتÙÙ‡Ù Ùوقع وأوقع السماع ÙÙŠ Øيرة الطريق، وأما المبدع على الأصول ÙاØترمها لكن شغلته رسوم الأصول عن الإبداع، وأما المبتكر لأصوله Ùرجل دار Øول الشجرة، ورجل (لبس ÙÙŠ الشجرة!).
لا بد هنا Ù…ÙÙ† تَقدمة تاريخية، Ùلقد Ø´Ùهر الطرب٠العربي منذ غابر الزمان وعتيق ما أدركنا من التسجيلات بالقÙلة المÙØكمة، ولم تكن التلاوة بدعًا من هذا الطرب الشري٠الطاعن ÙÙŠ عمر الزمان، وكان القراء الأقدمون من الجيل الذي سبق الإذاعة وربّاها على يديه يطيلون ما بين القÙلة والقÙلة، ويملأون ما بينهما بالإبداع نقلات٠وجÙملًا نغمية ثرية التركيب Ù…Ùعمة بالجمال والخشوع لا يشعر السامع معها اشتياقًا إلى القÙلة، وأكثر ما تبين هذه الخصيصة ÙÙŠ تلاوات الشيخين الشعشاعي والÙشني خاصة تسجيلات الاستوديو، وتبين ÙÙŠ تلاوات الشيخ رÙعت أيضًا، لكنهما عÙمّرا بعده زمانًا طويلًا سادت Ùيه القÙلة.
وكان هذا المسار النغمي متباعد ما بين القÙلات مواÙقًا لسياق غناء ما قبل الإذاعة الذي ساد Ùيه ÙÙ† الدور بطوله وبÙطئه وإعاداته وآهاته، قبل أن يتطور بناء الأغنية العربية خلال الثلاثينيات تطروًا سريعًا مذهلًا غاب معه الدور عن المشهد، واتجهت Ùيه الأشكال السائدة من قصيدة وطقطوقة ومونولوج إلى بناء ÙˆØ§Ø¶Ø Ø§Ù„ØªÙ‚Ø³ÙŠÙ… إلى كوبليهات، ينتهي كل كوبليه منها بقÙلة واضØØ©ØŒ زادت Øرارتها مع ازدهار الأغنية الكلثومية المسرØية بعد ابتداء ØÙلاتها الإذاعية الشهرية عام 1937 وتأكدت بÙضل عبقرية رياض السنباطي ÙÙŠ بناء القÙلات المنطقية الآسرة.
كان من الطبيعي أن يتطور نغم التلاوة ليمثل هذا التطور الجديد – ومادة نغم التلاوة ÙÙŠ كل بلد من البلاد هو صورة من مادة نغم غنائه Ù…Ùعدّلة بما يلزم لتليق بجلال الكتاب العزيز.
كان الشيخ مصطÙÙ‰ إسماعيل هو التطور الموازي ÙÙŠ ÙÙ† التلاوة، وهو ÙاتØØ© مرØلة ازدهار القÙلات والجÙمل الطويلة المقÙولة وتØوّلها إلى ÙˆØدات أساسية للأداء، وبهذا سبق من أتى عليهم من القراء ونÙÙŽØ° كالسهم إلى القمة، وتبعه إليها نجوم جيل الأربعينيات وأول الخمسينيات ØŒ أبوالعينين والبهتيمي والبنا وعبدالباسط والمنشاوي، وبÙضل هذا الأسلوب اكتسب ÙÙ† التلاوة شعبيته الجارÙØ© ÙÙŠ أنØاء الوطن العربي، وصار هذا الجيل من القراء خاصة نجوم Ø£Ùمة لا بلد، واتØدت عبقرية أساليبهم مع إعجاز أصواتهم لتخليدهم ÙÙŠ الأسماع والأذهان.
ÙˆØين ظهر الشيخ عبدالباسط عبدالصمد أتى بظاهرة أخيرة زادها على الجملة المقÙولة، وهي ظاهرة النÙس الطويل، Ùكان لقÙدرتÙه٠على الإتيان بالجÙملة المقÙولة شديدة الطول أثر بالغ ÙÙŠ امتلاك ألباب السامعين وبلوغ غاية الأداء.
بعد ذلك، ما الذي استطاع جيل الستينيات الاØتÙاظ به من هذا الإرث؟ ØاÙظوا بالأساس على طول الجملة الطويلة – أو شديدة الطول – المقÙولة، لكن مع انخÙاض ÙˆØ§Ø¶Ø ÙÙŠ جودة التكوين النغمي للجملة ذاتها، وعناية بعنصري الطول والقÙلة على Øساب الجÙملة، على أنهم أيضًا لم يأتوا بكثير ابتكار ÙÙŠ القÙلات، وبرز منهم من ناÙس الشيخ عبدالباسط ÙÙŠ طول Ù†Ùسه، ÙÙ†Ø¬Ø ÙÙŠ Ø£Øيان كثيرة.
Øتى كان دخول الشيخ الطبلاوي إلى الإذاعة عام 1970 تØولًا خطيرًا ÙÙŠ الظاهرة، ÙالرجÙÙ„ الذي Ùاق الجميع ÙÙŠ طول Ù†Ùسه – Øتى الشيخ عبدالباسط Ù†Ùسه – Ùاق الجميع أيضًا ÙÙŠ Ùقر التكوين النغمي لجÙمله، لكنه بهر الجمهورَ بطول Ù†Ùسه وجÙمله، Ùبدأ ذوق الجمهور العامي يتغير ويتأقلم مع أن الجمال ÙÙŠ طول الجÙملة لا ÙÙŠ تناسب تكوينها Ùضلًا عن أن يبلغ تكوينها درجة العبقرية، وهكذا صار النÙس الطويل ÙˆØده علامة الإبداع، وسادت العضلات الصدرية وغاب الÙن، وورث جيل الثمانينيات هذا المنطقَ الجديدَ ÙÙŠ الأداء، أدّ٠جÙملةً طويلةً بأي Ù‚Ùلة تكسب الجمهور ويهلل لك، وضاع منطق العبقري الشعشاعي قصير النÙس الذي كان ÙŠØشد الجملة القصيرة عظمة وجمالًا ÙˆÙخامة، وضاع منطق مصطÙÙ‰ إسماعيل الذي جعل القÙلة خاتمة جملة ØاÙلة بالإبداع والمÙاجآت لا أول الإبداع.
قارئ ÙˆØيد ÙÙŠ جيل الستينيات قاوم هذا المنطق وغلبه، لأنه كان قصير النÙس، هو الشيخ Ù…Øمد عبدالعزيز Øصّان، لكنّ Ø£Øدًا من قراء السبعينيات والثمانينيات لم يكن مضطرًا إلى مشايعته ÙÙŠ هذا التØدي الصعب عليهم، وقد وهبهم الله الصدورَ الواسعة والعضلات المتينة.
*****
بينما كان السلم الموسيقي العربي يبدأ عند المختصين بمقام الرست، آثر القراء الارتقاء بسÙلم التلاوة درجة وابتداءه بمقام البياتي لخشوعه، ولØاجة مستمع القرآن إلى الخشوع والتخشيع قبل الإطراب، وصار الابتداء بمقام البياتي تقليدًا ثابتًا عند القراء، قرارًا وجوابًا، والإشباع بجواب مقام البياتي قبل التØول إلى مقام غيره، وغالبا كان التØول منه إلى مقام الØجاز، ثم لا يظهر ÙÙŠ تسجيلات الجيل الأقدم من القراء ترتيب ثابت بعد ذلك، Ùهم يتنقلون بين المقامات بØÙرÙية شديدة ولياقة تÙعد ذاتÙها من الطرب.
Ùلمّا ظهر الشيخ مصطÙÙ‰ إسماعيل أتى بترتيب شبه ثابت للمقامات هو الأØسن تناسبًا بينها من Øيث علاقاتها النغمية والشعورية، والأØسن للمستمع من Øيث تقديمه مقامات الخشوع والرهبة والØنان على مقامات الÙخامة والأبهة والÙرØØŒ هذا الترتيب شبه الثابت للمقامات (البياتي – الصبا – الØجاز – النهاوند – الرست – السيكاه – العجم) ولو سقط من التلاوة مقام أو اثنان اØتÙظت بقية المقامات بذات الترتيب، وقد يتقدم السيكاه على الرست إذا سقط النهاوند، ونظرًا لوجاهة الترتيب ولياقته من جهتي الخشوع والنغم Ùقد التزم به كل القراء الذين أتوا بعد الشيخ مصطÙى، يستقبلون المستمع بالخشوع والتخشيع والتØزين قبل الÙخامة والÙرØØŒ Ùيشبعون شعورًا بعد شعور، ويستعينون بالمقامات على التعبير عن المعاني، وكان الخروج على هذا الترتيب نادرًا معدود التسجيلات لا ÙŠÙقصد منه إلا كسر العادة مرة لكسر الملل.
Ùلما كان جيل الستينيات من القراء تجاسر بعضهم على كسر هذا الترتيب كسرًا منتظمًا مطردًا ÙÙŠ تلاواتهم، بالابتداء بقرار البياتي ثم الارتقاء منه إلى جواب الرست والقعود Ùيه والإسهاب، Øتى إذا شبعوا منه وأشبعوا انتقلوا إلى مقام السيكاه، وربما عادوا بعدها إلى الرست، وقد يمرون على جواب البياتي عرضًا بلا شهية ولا طعم، وهكذا ضيعوا Øظ المقامات الأشد خشوعًا (البياتي والصبا والØجاز) وضيعوا Øظ Ùروع السيكاه الأشد خشوعًا (الهزام والعراق لاشتباكهما بالØجاز والبياتي) ÙˆÙرطوا من البداية ÙÙŠ الØالة التي ينبغي أن ÙŠÙدخل Ùيها المستمع، ودخلوا بالتلاوة تيهًا أسلوبيًا لم تخرج منه، ÙˆÙشت الآÙØ© أكثر عند قراء الثمانينيات، وضاع خشوع التلاوة وضاعت هيبتها لهذا السبب بالأساس، مع نقص الإبداع الملØوظ عند قراء الثمانينيات عن قراء الستينيات، Øتى صار القارئ يقرأ التلاوة الطويلة كلها بمقامين أو ثلاثة، وبدون أي غوص ÙÙŠ تÙرعاتها لجهله بهذه التÙرعات.
ثم أتى ÙÙŠ جيل الثمانينيات من أراد أن ينÙرد بمدرسة تضارع القدامى الكبار ويÙØدث لنÙسه أسلوبًا ÙŠÙنسب إليه، Ùعكَسَ الترتيب القديم وردّه على عقبه، وصار الترتيب المتبع عنده بعد الارتقاء من قرار البياتي (الرست – السيكاه – الØجاز – الصبا – البياتي)ØŒ والØقيقة أن هذا الترتيب المعكوس ليس Ùيه إلا الÙلسÙØ© الÙارغة، وخال٠تÙعرَÙØŒ وهذا ليس منطقًا ÙÙŠ الÙن، ولا يجد معه السمّيع إلا دوارًا كدÙوار الجالس ÙÙŠ كرسي السيارة المعاكس لاتجاه السير!
وجيل الثمانينيات ظهر ÙÙŠ تلاوات قرائه كثير من Ø§Ù„Ù…Ù„Ø§Ù…Ø Ø§Ù„Ø£Ø³Ù„ÙˆØ¨ÙŠØ© كثير من الØذلقة والÙلسÙØ© الÙارغة، والنقلات والقÙلات التي لا طعم لها ولا لون ولا رائØØ©ØŒ ولا أب شرعيًا لها من مسالك النغم المعتبرة، والتي لم يكن لها داع٠إلا الإتيان بجديد يخال٠ما سبق ليÙنسب إليهم، ÙˆØقًا كان يخال٠كل ما سبق، لقد كان شيئًا كالمÙØسنات البديعية المتكلÙØ© من الشاعر الضعيÙØŒ لا هي طريÙØ© ولا ما قبلها وبعدها Ø´Ùعر، ÙÙŠ هذه الØقبة دخل ÙÙ† التلاوة مرØلة طويلة ومعقدة من العك الأسلوبي لم يخرج منها إلى يومنا هذا.
(4)
آخر الغرق
شهد العقدان الأخيران تدهورًا اجتماعيًا شديدًا تمثل ÙÙŠ سيطرة الوراثة على كل مجالات العمل والØياة، وصار توريث التخصص قاعدة ÙÙŠ كل تخصص له مزية من سلطة أو مال أو شهرة أو وظيÙØ© مضمونة، Ùصارت القاعدة أن ابن الضابط ضابط وابن القاضي قاضي وابن المØامي الكبير Ù…Øامي وابن أستاذ الجامعة أستاذ جامعة وابن المذيع مذيع وابن الممثل ممثل وابن لاعب الكرة لاعب كرة، بل إن المتأمل يجد جميع ممثلي جيل السبعينيات والثمانينيات أبناؤهم ممثلون مشاهير الآن، بلا استثناء ÙŠÙذكر، وبلا مواهب لاÙتة أيضًا.
وهي ظاهرة تعكس Ùقدان الناس الثقة ÙÙŠ نظامي التعليم والعمل ÙÙŠ البلد، Ùالشاب لا يخاطر ÙÙŠ مجال لا ظَهر له Ùيه، ويÙÙضل – ويÙضل أبوه قبله – أن يدخل مجال أبيه ضامنًا Ùيه مكانًا مرموقًا بÙضل ما لأبيه من سلطة أو شهرة أو منصب، بل ضامنًا لنÙسه ما لأبيه من سلطة أو شهرة أو منصب، وإن كان بلا موهبة ولا أهلية.
ولم يكن (سوق القراء) بدعًا من هذا، ÙاØتر٠أبناء جميع قراء جيل الثمانينيات التلاوة، اØترÙوها ولم يمارسوها هواية كما كان ÙŠÙعل أبناء القراء الموهوبون قديمًا، اØترÙوها وبدأوا Øياتهم كبارًا ومشاهير بÙضل شهرة آبائهم وتسعيرة آبائهم، بلا مواهب، أو بمواهب ضعيÙØ© جدًا، وبتقليد لآبائهم الذين كانوا نجوم مرØلة التيه الأسلوبي بامتياز، وجاء أبناؤهم أشد تيهًا.
Ùيهم من له الصوت الØسن، ومن قد ÙŠÙØسن إذا تعاهده التعليم، لكن من يبدأ كبيرًا ÙŠÙسد، لماذا يتعلم والشهرة ÙÙŠ يده والجمهور ÙÙŠ جيبه والمهللون Øوله بالألو٠وأجره عشرات الألوÙØŸ! لقد نال كل ما كان ÙŠØلم به والجمهور اØتÙÙ„ به على Øالته Ùلن ÙŠÙغيرها.
هكذا اعتمدت شعبية قراء الوراثة أساسا على جمهور آبائهم، الذي أسرع إلى الاØتÙاء بهم عصبيةً لأنهم امتداد نجومه المÙضلين، وجمهور Ù…ØاÙظاتهم الذي طار بهم عصبيةً جÙهويةً، ليقول بملء الÙشخرة إن الشيخ Ùلان من عندنا وبلدياتنا، Ùهذا Ø£Øب إليه من القارئ الكبير القديم، وهكذا.. بلا أي معايير Ùنية صاروا جميعهم قراء مشاهير، وجابوا أقطار العالم، والناس ÙÙŠ البلاد غير العربية، Øيث لا مدارس للتلاوة أصلا، يعجبهم أي صوت جميل يقرأ بالطريقة المصرية ويقولون له من أعماق قلوبهم: الله الله، لا ÙŠÙرقون بين زيد وعبيد ونطاط الØيط.
وقد كان من ØÙسن Øظ هذا الجيل أن أتى والتكنولوجيا سهلت كل شيء، Ùبينما كان أسعد Øظ القارئ القديم أن يجد من ÙŠÙسجل له ØÙلة كل عشر ØÙلات، صار هؤلاء يصورون جميع ØÙلاتهم Ùيديو بكاميرات ديجيتال عالية الجودة، وتÙرÙع على الإنترنت أولًا بأول، وكان هذا من سوء Øظهم أيضًا، Ùالتصوير ÙØ¶Ø Ø£Ø¬ÙˆØ§Ø¡ السهرات الخالية من كل وقار وأدب ÙÙŠ استماع كتاب الله، ÙˆÙÙŠ أدائه أيضًا، والأسوأ من ذلك أنه كش٠نوعية الجمهور الذي ÙŠØضر سهرات هؤلاء القراء، وأنه جمهور Ù…ÙØ³Ø·Ø ÙˆØºÙŠØ± واعÙØŒ ويتÙاعل مع القراء تÙاعله مع المغنين الشعبيين الذين يستمع إليهم ÙÙŠ عصر الÙÙ† الهابط والمهرجانات، ولا يشك Ø£Øد ÙÙŠ أن سبب ردود الأÙعال السلبية تجاه جيل الوراثة هو ما كشÙته Ùيديوهاتهم ÙˆØدها، ولولاها لغاب عنا أكثر المهازل التي تØدث وما كنا لنراها.
(5)
ماذا بعد؟!
إن أجبنا عن هذا السؤال بناء على ما هو واقع، Ùإن الإجابة ستكون وخيمة جدًا، ولسنا بØاجة إلى استكشا٠وخم أكثر مما وصلنا إليه، Ùسأجيب عن هذا السؤال بناء على ما نريد لدولة التلاوة من إصلاØØŒ وما نراه ضروريًا للصلاØ.
أولًا: لا بد من Ø¥Øياء Ù„ÙÙ† التلاوة على الطريقة البارودية، كي٠أØيا البارودي الشعر؟
وجد البارودي أن الشعر العربي العظيم كان بين الجاهلية والقرن الخامس الهجري، وأن الشعر بعد ذلك بين القرن السادس وقرن البارودي الثالث عشر كان منØدرًا من القوة إلى الضعÙØŒ متوغلًا مع الزمن ÙÙŠ الضع٠والصنعة المتكلÙØ©ØŒ Øتى سقط ÙÙŠ العصر العثماني إلى قاع مستنقع الضعÙ.
Ùقام بØزم وقطعَ سياق الزمن بينه وبين ما قبله، وعاد يستلهم من الشعر العربي الأصيل ÙÙŠ عصور قوته قبل ثمانية وتسعة وعشرة قرون، Ùأتى بالشعر متينًا كما كانوا يأتون به، وأسس له عصرًا من الازدهار متصلًا Ùنيًا بعصور الجاهليين والأمويين والعباسيين.
المطلوب من القارئ الذي يريد Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§Ø Ù‡Ùˆ هذا بعينه، أن يقطع صلته الÙنية بقراء عصور الضع٠جميعًا، وأن يعود إلى قراء عصور القوة والازدهار والإبداع، قراء الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، يستلهم منهم ويبني على أصولهم أصول Ùنه، وخاصة القراء العشرة الكبار الذين كانوا لجمال أصواتهم وعبقرية أساليبهم مع ÙˆÙرة تسجيلاتهم أركان ÙÙ† التلاوة العشرة (Ù…Øمد رÙعت – علي Ù…Øمود – عبدالÙØªØ§Ø Ø§Ù„Ø´Ø¹Ø´Ø§Ø¹ÙŠ – طه الÙشني – مصطÙÙ‰ إسماعيل – أبو العينين شعيشع – كامل يوس٠البهتيمي – Ù…Øمود علي البنا – Ù…Øمد صديق المنشاوي – عبدالباسط عبدالصمد) وليستلهم من غيرهم من الكبار، وممن بعدهم Ùيما Ø£Øسنوا Ùيه إن شاء، لكن عليه أن يجعل هؤلاء العشرة إمامه ودليله، وأساسه الذي يأوي إليه، Ùكما أنه لا Ø£Øد يستطيع تقديم شعر الØلي وابن نباتة على المتنبي والبØتري، أو تقديم غناء أنغام وشيرين على أم كلثوم وأسمهان، أو تقديم ألØان هاني شنودة على رياض السنباطي، Ùإنه لا يليق عقلًا ولا نقلًا ولا Ùطرة أن ÙŠÙقدم قارئ ثمانينياتي على القراء الكبار القدامى.
ثانيًا: ضرورة الالتزام بالترتيب المقامي الذي ثبّته الشيخ مصطÙÙ‰ إسماعيل وتابعه عليه أقرانه، Ùهو الØÙ„ الوØيد للخروج من Øالة التيه الأسلوبي التي سقط Ùيها ÙÙ† التلاوة، ولم يكن لهذا الترتيب قداسة لو تواÙر القارئ الخبير بالنغم سليم الذوق الذي يستطيع التنقل بين المقامات تنقّÙلًا صØÙŠØًا، أما وقد Ø£Ùضت جميع Ù…Øاولات التجديد ÙÙŠ هذا الترتيب إلى Ùوضى وعبث وتيه لا يستطيعون الخروج منه، Ùالعودة إليه واجبٌ Øتم، وواجبٌ التأكيد على ضرورة إشباع جواب مقام البياتي ÙÙŠ بداية التلاوة والأداء عليه مدة كاÙية، وضرورة إشباع مقامات الصبا والØجاز والنهاوند التي ألقت بها الÙوضى ÙÙŠ بØور من الإهمال والنسيان، عند أكثر قراء الثمانينيات والتسعينيات.
ثالثًا: ضرورة تنمية ثقاÙØ© القارئ الموسيقية، بالاستماع إلى الطرب القديم والتشبع به، غنائيًا وآليًا، منذ أقدم تسجيلات الموشØات والأدوار Øتى يبلغ أم كلثوم وجيلها من الملØنين والمطربين.
Ùإن الذخيرة النغمية التي تترسب ÙÙŠ ذهن السمّيع المÙعاشر لتسجيلات الطرب القديم، هي المادة التي يستطيع منها التأليÙØŒ والبئر الذي ينزع منه ÙÙŠÙÙعم، وهي قبل ذلك الصيقل الذي يجلو ذائقته ويصÙيها كالشمس.
رابعًا: عدم الركون إلى التقليد، ولو كان تقليد الكبار، Ùإن التقليد لا ينتج جديدًا ولا يقدم مبدعًا، وعليه أن يتØايل على التقليد بالاستلهام من عدة قراء كبار Øتى لا يقع أسيرًا ÙÙŠ مدار واØد منهم، وبالاستلهام من ذخيرته السماعية من التلاوات ÙˆØ§Ù„ØªÙˆØ§Ø´ÙŠØ ÙˆØ§Ù„Ø·Ø±Ø¨ القديم والأغاني والمعزوÙات، ولا شك أن صاØب الذخيرة السماعية الثرية لا يمكن أن يستمر مقلدًا.
خامسًا: الرشد ÙÙŠ استعمال العضلات الصوتية، ÙالÙÙ† الØقيقي شيء مختل٠تمامًا عن تلك العضلات، ولو كان الإبداع ÙÙŠ التلاوة بطول النÙس لكان الغطاسون أعظم القراء.
Ùعلى القارئ أن ÙŠÙبدع ÙÙŠ المقطع القصير كما يبدع ÙÙŠ الطويل، وأن يبدع ÙÙŠ القرار كما يبدع ÙÙŠ الجواب، وأن يبدع المقطع المÙØªÙˆØ ÙƒÙ…Ø§ يبدع ÙÙŠ المقÙول، وعليه أن يروض Ù†Ùسه إذا وجد Ùيها شهوة لاستعراض العضلات والغطس بالمستمعين.
سادسًا: الØذر من الØذلقة والتÙلس٠الÙارغ والإتيان بالجديد غير المÙيد ليقال أتى بجديد، وكلما أثرى ذخيرته السماعية وجد Ù†Ùسه غنيًا عن مثل هذا وقريبًا من الإتيان بالمستساغ والمستØسن لوÙرة مصادره.
سابعًا: عدم الانسياق وراء الجمهور ÙÙŠ كل ما يطلب، وضرورة تربية الجمهور وتدريبه بالامتناع Ø£Øيانًا كثيرة عما يريد، ليعلم أن القارئ ليس بهلوانًا مستأجرًا يؤدي كل ما يريده الجمهور، خاصة إن كانت التلاوة ÙÙŠ مكان يغلب على جمهوره البساطة والسطØية ÙˆÙساد الذوق السماعي.
القارئ الذي يستطيع الالتزام بهذه السبعة أضمن له أنه سيكون Ø£Ùضل من قراء الخمسين عامًا المنصرمة ولو كان صوته عاديًا، Ùإن المعول على جودة الأداء أولًا.
أما الذي لا يرغب ÙÙŠ الالتزام بها Ùالسوق واسع Ù…ÙرØب به، ويكÙيه تهليل الجمهور وأجره الوÙير وسÙريات إيران وباكستان، لكنني أبين سبيل Ø§Ù„Ø¥ØµÙ„Ø§Ø ÙÙŠ Øدود ما علمت وعÙلّمت، عسى أن يبعث الله لهذا الÙÙ† باروديًا ÙŠÙØيي رسومه وينشر ÙÙŠ الناس عرائسه.