وخسف القمر، للدكتور السيد شعبان جادو

كتب تلميذ الرافعي من وحي قلمه: انكفأت على جراحي التى زاد سعار نزفها هذه الأيام، الأحبة يرحلون تباعا إلى وادى القمر، نظرته فوجدته موجوع القلب نازف الجرح، فلا خل له يصاحبه؛ إذ الزمان تغير وتبدل، التمست السماء فإذا هي في مشهد حزن لا تكف دموعه؛ ونحيب تتواصل عبراته وشجونه؛ أصعدت الصغار سطح البيت؛ ليروا كيف يخسف الله بالنجم المضيء فيحيله حمرة قانية، أو لعله صار مفؤدا مما عاين من ذوي أكباد غلاظ.
بل هي لوعة الفقد ومرارة اليتم لعالم ضل بعد هدى وارتد بعد إيمان؛ فافترس الصغار واستبد بالأمر جبارون يسومون الأطهار سوء العذاب.
مظالم ارتفعت ومدامع انسكبت حرى، فلم يطق منها القمر قسوة البشر ولا تحمل – وهو الأبيض فطرة- أشﻻء البراعم تعبث بها يد كل متجبر.
يا رحمة الله أدركي الأرض فقد غاب منها العدل وأقام القهر فيها دعائم التجبر.
تساءل الصغار خائفين هل جاء يوم القيامة؟

انتابتني فرحة غامرة؛ أحقا ستقام للعدل محكمته التي تعيد الحق المستلب، بلا واسطة ينتصف المظلمون؛ فالناس سواء لا تظلم نفس شيئا.
عادت بي الذاكرة ما يقارب أربعين عاما وللحياة إقبال في ثياب البراءة، نمسك بالعصي ونضرب بوق نذير ليترك بنات الجنة القمر، نضرع في عبث طفولي أن يخرج علينا زاه وقد ارتدى غلالته البيضاء.
ما بين حارة متشابكة الجدران مقامة على سماحة من خلق، وصفاء من يقين وبسط من رزق تتوالى نعم القدير؛ فلم ير القمر عهد طغيان جاوز به المترعون الحد افتراء.
أكان في الناس من يوقف صحيفة المقاطعة مطعم بن عدي؟
أي بشر هؤلاء وقد مسخت وجوههم فما هي غير حجارة منتزعة من جبال صلدة قاسية يموت بها النجم وتهلك فيها الراحلة.
ما دهى العالم حتى فقد عقله وضل مسالك الهدى؟
حتى لعب به ذوو إحن ترقد عليها وتشأم أفاعي رقط؛ نثرت سمها الزعاف فتشربته قلوب مظلمة.
ويبكي القمر فما به طاقة لكل هذا الجرم، وما يفعل وقد احمرت مدامعه؛ ألا يثير في القوم شعور الثكل ومرارة اليتم.
“كل يعمل على شاكلته” فما حيلته غير الخسوف، وما للشمس غير ذلك الكسوف؛ يلتعان وينتحبان؛ وقد هدمت في الأرض مساجد وأبيحت محارم؛ طائرات تلقي شواظا من نار لا تبقي ولا تذر، وسدود تبنى فلا زرع يروى؛ ولا أرض تحيا. وصارت المعالم شخوصا للزمن.
يقهر المصلحون ويسامون سوء العذاب؛ ولا يخسف القمر؟

Related posts

Leave a Comment