شربل داغر كاتب لبناني متعدد الاهتمامات، من الشعر والرواية والنقد الأدبي إلى ÙلسÙØ© الÙÙ† والترجمة والتاريخ. ولهذا، تشعر ÙÙŠ Øديثك معه بمؤانسة خاصة، إذ ينقل من Øال إلى آخر من المعرÙØ© وواجب التØلّي بها ÙÙŠ واقع ÙˆØشي ومتزمّت بتنا Ù†Øياه.
بزغ اسمه بقوّة ÙÙŠ Øقل الدراسة الأدبية من خلال كتابه الÙريد «الشعرية العربية الØديثة : تØليل نصي» (دار توبقال، 1988)ØŒ الذي كان ضمن كتب مؤسسة قليلة، ÙتØًا ÙÙŠ درس الشعر الØديث، الذي أخذ ÙŠØªØ³Ù„Ø Ø¨Ù…Ù†Ø¸ÙˆØ± معرÙÙŠ داخلي يطاول المستويات البنائية للقصيدة العربية. ثم سرعان ما قاده ذلك إلى إعادة قراءة تاريخ ثقاÙÙŠ وشعري واسع، وإلى الكش٠عن مجهول كثير ÙÙŠ الشعر المتأخر، من قبيل «الشعر العصري» و«الشعر المنثور».
ينظر بØسرة إلى ما يقع اليوم داخل هذا الدرس الذي انساق متعاطوه الجدد إلى مناØÙ ÙÙŠ «تذوّق النص الشعري، أو ÙÙŠ التجوال الØر Ùيه، ما يعود بالنقد إلى عهود ما قبل البنيوية، من جهة، وما يجعل الدرس قائمًا بدون ضوابط أو عقود، من جهة ثانية». ومع ذلك، يؤمن بأن درس الشعر الØديث لا يزال ميدانًا Ù…ÙتوØًا.
ÙÙŠ هذا الØوار، تØدث إلينا عن مآلات الشعر العربية، وعن القضايا الكبرى التي باتت تÙØ·Ø±Ø ÙÙŠ ميدان هذه الشعرية، مثل: Øوار الشعر والنثر، وأبنية القصيدة بالنثر، ومدى الغنائية، وصيغ الإيقاع الجديد، والانÙØªØ§Ø Ø¹Ù„Ù‰ السرد، ومستقبل الشعر والجدوى منه.
– قبل Ù†ØÙˆ ثلاثة عقود صدر لك كتاب “الشعرية العربية الØديثة : تØليل نصي” (دار توبقال، 1988)ØŒ وقد اعتمدت Ùيه على منهج موضوعي يستند خلÙيته الإجرائية مما أسميته بـ”قراءة برهانية” ÙÙŠ وقت كان مجمل القراءات يغرق ÙÙŠ الانطباعي والتÙسيري الإجمالي. أسألك عما بقي من الكتاب ØŸ وما الذي تغير ÙÙŠ صاØبه ØŸ
= يعود هذا الكتاب، ÙÙŠ جزئه الأساس، إلى أطروØتي الأولى لنيل شهادة الدكتوراه، ÙÙŠ نهاية سبعينيات القرن الماضي. وتعود Ùكرة نشره إلى الشاعر Ù…Øمد بنيس، إذ نصØÙ‡ بذلك – Ù„ØµØ§Ù„Ø “دار توبقال” المغربية – الدكتور الراØÙ„ جمال الدين بنشيخ، الذي كان ÙÙŠ عداد لجنة التØكيم. وهو قيد طبعة ثالثة Øاليًا ÙÙŠ عَمان، ÙÙŠ دار أزمنة.
ما سعيت إليه ÙÙŠ الكتاب هو إخضاع قصائد لشعراء عرب مختلÙين، ÙˆÙÙŠ أطوار زمنية مختلÙØ©ØŒ لتØليل يطاول المستويات البنائية للقصيدة، التي ØددتÙها منذ ذلك الوقت بأربع مستويات : الهيئة الطباعية، النØو، الوزن والإيقاع، والمعنى. وهو المسعى التØليلي الذي ما انقطعت٠عنه ÙÙŠ خمس كتب تالية استبينت التغيرات البنائية ÙÙŠ الشعر العربي ابتداء من النص٠الثاني من القرن التاسع عشر.
هذا المسعى التØليلي أردتÙÙ‡ مثل عقد بØثي بيني كباØØ« وبين شروط البØØ« Ù†Ùسها، ما يعني أن لقيام البØØ« شروطًا يتقيد بها وتقيده ÙÙŠ الوقت عنيه. وهو عقد قراءة أيضًا بين ما يقترØÙ‡ الكتاب وما يمكن أن يقوله Ùيه باØØ« أو قارىء. هو عقد منهجي، إذًأ، ÙŠÙلزم الباØØ« ÙÙŠ عمله، ويمكّÙÙ† القارىء – لو شاء – من أن ينتقده ابتداء مما يعرضه الكتاب وما ÙŠÙلزم Ù†Ùسه به.
مثل هذا السمعى يخÙّ٠كثيرًا ÙÙŠ الدرس العربي الØالي، إذ ينساق كثيرًا إلى مناØÙ ÙÙŠ “تذوق” النص الشعري، أو ÙÙŠ التجوال الØر Ùيه، ما يعود بالنقد إلى عهود ما قبل البنيوية، من جهة، وما يجعل الدرس قائمًا من دون ضوابط أو عقود، من جهة ثانية.
أما ما بقي منه Ùلا Ø£Øسن جوابًا عن ذلك، عدا أنني أترك تقديره لغيري، مكتÙيًا بذكر أنه جرى تدريس الكتاب كمقرر إلزامي ÙÙŠ أكثر من جامعة عربية…
أما ما تغير ÙÙŠ صاØب الكتاب، Ùهو قليل وكثير ÙÙŠ الوقت عينه : ما تأكدَ Ùيَّ ÙÙŠ صورة مزيدة، Ùهو التشدد المنهجي ÙÙŠ قيام شروط البØØ« وصØته وتمامه وصرامته البرهانية والتØليلية المطلوبة. أما ما تغير كثيرًا Ùهو مدى Ø¥Øاطتي بأØوال الشعر العربي، إذ بدت لي مختلÙØ© عما درستÙÙ‡ ÙÙŠ الجامعة، وعما قرأتÙÙ‡ ÙÙŠ كتب نقدية سارية. هذا ما قادني إلى إعادة قراءة تاريخ ثقاÙÙŠ وشعري واسع، وإلى الكش٠عن مجهول كثير ÙÙŠ الشعر المتأخر، مثل “الشعر العصري” الذي لا نجد شيئًا عنه ÙÙŠ النقد العربي المتأخر؛ أو مثل “الشعر المنثور” الذي كشÙت٠عما يزيد عن ستين شاعرًا ممن كتبوه من دون أن يكونوا معروÙين ÙÙŠ غالبهم.
كثيرون ÙÙŠ الدرس العربي توقÙوا عند مسائل العروض من دون غيرها، وهم إن توسعوا صوب مقاربات Ù†Øوية أو ÙÙŠ مدار المعنى، Ùإنهم لم ينعموا Øتى اليوم بمنظور تاريخي لازم له. Ùكي٠إن طلبنا مقاربات ÙلسÙية أو اجتماعية أو Ù†Ùسية وغيرها لهذا الشعر !
لا يزال درس الشعر الØديث ميدانًا Ù…ÙتوØًا، وتنقصه أساسيات لازمة له، عدا أنه ÙŠÙتقر إلى تنوع ÙÙŠ مقارباته، Ùضلًا عن اÙتقاره إلى منظور تاريخي لازم، هو الأخر.
– هل يمكن أن نتØدث اليوم عن أوهام جديدة للØداثة، أو بعبارتك عن “أعراض” القصيدة المعاصرة ØŸ
= قيل الكثير عن هذه الأوهام سابقًا، ويبدو الØديث عنها اليوم غير ذي جدوى. هذا ÙŠØµØ ÙÙŠ ثقاÙتنا أكثر من غيرها، إذ لا تعدو الثقاÙØ© وتمثلاتها ومعاييرها أن تكون ÙÙŠ بلادنا مسعى ÙÙŠ التشبّÙÙ‡ من دون تÙكير ÙلسÙÙŠ وعقلاني جدير بموضوعه.
أكثر من رÙع راية الØداثة، أي أدونيس، هو أشد من ندد بأوهامها. ماذا جرى بين الموعدين ØŸ أجرى نقاش ÙلسÙÙŠ وثقاÙÙŠ ÙÙŠ التداول العربي أدى إلى مثل هذه الخلاصة أم أنه جرى تتبع تغيرات المشهد الÙلسÙÙŠ ÙÙŠ الغرب، بعد أن بات الØديث Ùيها يدور Øول : ما بعد الØداثة ØŸ
إذ تكلمت٠سابقًا، أو أتكلم اليوم عن الØداثة، Ùأريد الإشارة إلى “أعراض” تصيبها وتَظهر عليها. منها أن الØداثة ما عنت شيئًا ÙÙŠ خطابنا أكثر من التوسع ÙÙŠ الØديث عما أصاب ويصيب الشعر من تجديدات، وما عنت – على ما درست – تعيينًا مناسبًا لعلاقة خطابنا بوجودنا. ÙÙÙŠ الخطاب العربي يتم الØديث – باختصار – “عن” الØداثة، ولا يدور “Ùيها”.
أكتÙÙŠ بتناول وجه واØد من هذه المسألة : تبلورَ خطاب الØديث والØداثة غربيًا انطلاقًا من “هشاشة” الإنسان، ومن كونه “ذرة” ÙÙŠ مجتمع من Ø£Ùراد، Ùيما ÙŠÙظهر تØليل كثير من الشعر العربي الØديث أنه شديد النرجسية، ويقوم على التسيّÙد وغيرها من علامات مستبقاة من “قبلية” المجتمعات العربية ومن ثقاÙتها “الزعامية” Ùˆ”الذكورية”.
– اشتدّ الوطيس Ù„Ùترة طويلة بين وزن ولاوزن، إلا أننا اليوم نرى صراعًا آخر بين شكل وشكل-معنى ضمن Ø§Ù†Ø²ÙŠØ§Ø Ø§Ù„Ù‚ØµÙŠØ¯Ø© إلى أشكال كتابية ذرّية مكثÙØ© البناء تولي اهتمامها بالرؤية والمشهدية (ومضة، شذرة، هايكو، إبيجرام، شقائق نعمان..). هل يعني هذا ÙÙŠ نظرك انتهاء عهد الغنائية وتدÙÙ‚ الأنا الشعري والتواتر النظمي؟
= اشتد هذا الوطيس ÙÙŠ العقود الثلاثة المتأخرة، Ùيما يختل٠المشهد تمامًا لو عدنا، ÙÙŠ الخطاب العربي، إلى نهايات القرن التاسع عشر وإلى العقود الأولى من القرن العشرين، إذ كان المشهد يعايش تناغمًا وتكاÙلًا وتعايشًا ÙÙŠ التجديد ÙÙŠ نطاقَي الكتابة. أتعرÙØŒ يا زميلي، أن أمير الشعر العمودي، Ø£Øمد شوقي، كتب قصيدتين من الشعر المنثور ونشرَهما ÙÙŠ كتابه : “أسواق الذهب” ØŸ
اشتد الوطيس، اليوم، Ùيما تأثر كاتب أزهري الثقاÙØ© والنزعة، مثل مصطÙÙ‰ لطÙÙŠ المنÙلوطي، بصنيع جبران ÙÙŠ الشعر المنثور، بل وجد أن هناك شعرًا بقاÙية وأن هناك شعرًا من دون قاÙية، ÙÙŠ Øديثه عن الشعر المنثور. وهو ما يصØÙ‘Ù ÙÙŠ معرو٠الرصاÙÙŠ وكثيرين، ما لا Øاجة لذكره.
قامت عقود ما قبل الاستقلالات العربية، أي قبل نهاية الØرب العلمية الثانية، على مقادير واسعة من الانÙØªØ§Ø ÙˆØ§Ù„ØªÙ†ÙˆØ¹ والتعدد، سواء ÙÙŠ السياسة أو ÙÙŠ الثقاÙØ©. أما ما جرى بعد ذلك Ùقد تØكّÙمت به – اختصارًا – المخابرات، وخلÙها الطغمات السياسية والإدراية، إذ أطبقت تمامًا على مقاليد المجتمع والدولة والÙرد ÙÙŠ آن. وهو ما تشبَّهَ به شعراء ومثقÙون، إن لم يكونوا ÙÙŠ Ø£Øوال كثيرة منضوين مطيعين له ومستÙيدين منه.
ما ظهر لي ÙÙŠ الدرس، بعيدًا عن العن٠الذي يستبد ببعضهم ÙÙŠ الكلام – وهو لا يعدو خوÙهم العالي من تهدد مكاناتهم -ØŒ هو Øصول تلازم، ثقاÙÙŠ وإبداعي، ÙÙŠ التجديد سواء ÙÙŠ الشعر أو ÙÙŠ النثر. بل ظهر لي أكثر من ذلك، ÙÙŠ كتابي الأخير عن “قصيدة النثر”ØŒ وهو أن غالب الأسانيد النظرية والشعرية التي قام عليها خطاب شعراء السطر التÙعيلي لا يعدو كونه متأتيًّا من خطاب قصيدة النثر تØديدًا ÙˆØصرًا.
ÙŠØمى الوطيس، من دون أن تدرس ÙÙŠ صورة واÙية أبنية “القصيدة بالنثر” (كما أستØسن تسميتها)ØŒ ومدى اختلاÙاتها وتشاركاتها البنائية مع الشعر التÙعيلي. وهو ما قمت٠به ÙÙŠ أكثر من دراسة وكتاب، وتنبهت٠Ùيه إلى أن المنظور العروضي لا يزال يتØكم بالنظر إلى الشعر المتجدد، Øتى عند شعراء أو نقاد يتبنون الشعر بالنثر. Ùما يجعل القصيدة قصيدة يتعين ÙÙŠ أربعة مستويات، كما قلتÙØŒ ولو ÙØصنا القصيدة بالنثر لوجدنا أنها تغني الهيئة الطباعية والنØÙˆ والمعنى بما لم يعرÙÙ‡ الشعر العربي ÙÙŠ سابقه، وأن هذه القصيدة – لجهة الإيقاع – أبدلت نسقًا بآخر، Ùلا يقوم Ùيها على النمط التكراري بل على النمط المتقطع والمتجدد ÙÙŠ آن.
أما الØديث عن الهايكو والشذرة وغيرها ÙÙŠØتاج إلى إجابات منÙصلة وتÙصيلية، لا أريد اختصارها ÙÙŠ هذا الØوار.
أما الØديث عن “الرؤية” Ùˆ”المشهدية”ØŒ Ùيبقى ناقصًا، ÙÙŠ Øسابي، إن لم يتوق٠عند التولد الساطع منذ النص٠الثاني من القرن التاسع عشر، ÙÙŠ Ùرنسا، ثم ÙÙŠ الولايات المتØدة الأميركية، منذ نهايات القرن التاسع عشر، لعلاقات باتت ممكنة : بين الÙÙ† التصويري، من جهة، وبين القصيدة بالنثر تØديدًا، من جهة ثانية. وهو ما يتØقق منه الدارس ÙÙŠ أبنية القصيدة العربية المتأخرة، Øتى إنني أظهرت٠– ÙÙŠ Ù…Øاضرة أخيرة – تأثر بناء القصيدة لدى السياب والماغوط بالسينما Ù†Ùسها.
– كانت القصيدة تÙترض نوعًا من النظم الإيقاعي الذي يستدعيه البعد الغنائي، إلا أنه ÙÙŠ طور تبدّÙÙ„ Ù…Ùهومات الكتابة الشعرية أخذت النصوص تنÙØªØ Ø£ÙƒØ«Ø± على السردي إلى Øد قلص من الشعري. هل هو ÙÙŠ نظرك Øنين الشعر إلى أصله النثري؟ وإلى أيّ مدى Ø£ØªØ§Ø Ø°Ù„Ùƒ للشعراء أن يستثمروا سيرهم الذاتية شعرًا وتخييلًا؟
= طبعًا هناك تعارض بين السردي وبين الغنائي، إلا أن اللاÙت يقع أبعد من هذا التعارض، وهو أن الكتابة باتت ميدانًا أوسع وأغنى مما كانت عليه القسمة القديمة بين نثر وشعر. يضا٠إلى ذلك التعايش التجديدي، بين جوار ÙˆØوار، بين النثر والشعر منذ مطالع القرن العشرين.
أبØØ« عن التغيرات ÙÙŠ هذه القربى المØيية، والتي جعلت السرد يتغير بدوره ÙÙŠ بعض تجاربه، وجعلت الشعر يستÙيد ويغتني من أنواع وأساليب متأتية من خارج نطاقه المعهود.
أعتقد بأن للبØØ« أن يتجه صوب اختلالات واعية وغير واعية ÙÙŠ نطاق الØدود، وبين الأنواع وبين الأساليب. وهي مباØØ« لها أن تظهر لنا أن كثيرًا من مقومات كل نوع قد تبلبلت، من جهة، وقد تقاطعت مع مقومات من خارج نوعها، من جهة ثانية. سأسوق مثلًا متأتيًّا من السرد : هناك نوع معرو٠هو الرواية التاريخية، يتØرى الأمانة ÙÙŠ ما يسرد ويستعيد : ألا ترى معي أن السرد التاريخي انÙØªØ Ø¹Ù„Ù‰ التخيل المØض ØŸ هذا ما درسه الدكتور المغربي إدريس الخضراوي ÙÙŠ عدد من روايتي ÙˆÙÙŠ روايات غيري.
وهو ما يمكن قوله ÙÙŠ السرد السيري ÙÙŠ الشعر : هل الشعراء أمينون لما يسردون ØŸ لا أعتقد ذلك : السيرة معطى ÙŠÙستÙاد منه ويÙعالج شعريًّا، وبقوة المخيلة والتدبير قبل Ø§Ù„Ø¨ÙˆØ ÙˆØ§Ù„Ø£Ù…Ø§Ù†Ø©.
ما أريد التشديد عليه هو أن القصيدة بالنثر هي التي Ø£Øدثت، بÙعلها المØيي وانÙتاØها على أنساق كتابية وبصرية، مثل هذه الاختلالات التي نجدها ماثلة هنا وهناك. Ùما Ø£Øدثتْه لم يقتصر – مثلما يقول البعض – على استعارات أو تشابيه Ù…Ùاجئة، وإنما على بلبلة عظيمة ÙÙŠ تجليات المخيلة وتعابيرها.
– بعد اØتراق أسطوريات الموت والانبعاث التي صاØبت الشعر الØديث Ù„Øقبة من الزمن، وأتاØت قدرًا من جدل التلقي ومردودية الرسالة الشعرية، ما جدوى الشعر العربي ÙÙŠ وقتنا الراهن؟ هل له مستقبلٌ ما؟
= لا أعتقد أن الشعر يلقى ما يطلبه من قراء، اليوم. لا ÙÙŠ بلادنا ولا ÙÙŠ بلاد غيرنا.
ÙŠØتاج درس الأمر، بعد التØقق منه، إلى مقاربات ومعاينات لا أمتلكها ÙÙŠ غالبها. Ùقط يمكنني التأكيد على أن عالم الصورة وثقاÙتها هيمنَ على عالم الكلمة منذ قرن وأزيد، Ùكي٠ÙÙŠ بلادنا التي تتراجع Ùيها القراءة بنسب كبيرة، Øتى عند المتعلمين والمثقÙين ! ألا تلاØظ معي أن ÙƒÙتابًا ومثقÙين باتوا يكتÙون بأجزاء مما يعرضه “الÙايس بوك” عليهم، Ùيما هي أجزاء من مشهد عريض وواسع ØŸ
انØسار رقعة المتØلقين Øول الشعر تزداد عند دارسيه أيضًا، إذ ÙŠØوز درس السرد على عنايات ومهارات بØثية مزيدة، ما ÙŠÙوق درسَ الشعر كذلك.
مع ذلك أعتقد أن الابتعاد عن عالم الشعر ÙŠÙÙقد الثقاÙØ© واللغة والمجتمع أشياء كثيرة من Øياته ÙˆØيويته ومتعه. ÙÙÙŠ الشعر تعيش اللغة أعلى تجلياتها وتجديداتها : مهما قيل ÙÙŠ أي نوع كتابي آخر، Ùإن الشعر يبقى أبعد وأعلى وأغنى اشتغال٠ÙÙŠ اللغة وبها، بما يجددها وينميها. ÙÙÙŠ غير الشعر، الكاتب يستعمل اللغة ليس إلا. وإذا كان للشعر من شريك ÙÙŠ هذا المضمار Ùهو الÙيلسوÙØŒ إذ يجدد الÙكر ÙÙŠ أوصال اللغة، ولا سيما ÙÙŠ ألÙاظها الاصطلاØية.
إلى هذا، يجدد الشعر الØياة المتخيلة للغة Ù†Ùسها، وللإنسان Ùيها وبها.
إن استعارة واØدة تبقى أشد غنى وجدَّة مما يقوله Ùيلم بكامله : كما لا أتوانى عن القول والترداد.
لهذا، للشعر مستقبل، وهو ÙÙŠ عهدة من يطلبون هذا الهوى، وينقادون إلى إدارة Ù…Øركاته العظيمة. أما مستقبل الشعر ÙÙŠ المجتمع Ùهو ÙÙŠ عهدة المجتمع، ولا سيما نخبه، بما يريدون Ù„Øياتهم ولمخيلاتهم وانÙعالاتهم منه.
ÙÙŠ ما يخصني، أعتقد أن للشعر مصيرًا يلازمني من دون أن أبالي بما ÙŠØيط به. لعلها Ùتنة الطÙولة المتمادية التي ورطتني بما لا Ø£Øسن معرÙته. لعله اللعب المتÙاقم إذ أجدني أستوق٠ابتسامة ÙÙŠ غيمة، وقبلة ÙÙŠ عتمة عبارة. كي٠لا، والشعر يمدّÙني بØيوات مزيدة، ومختلÙØ© عما أعايشه. وما يلذّ٠لي Ùيه Ùهو الانتقال على أجنØته مثل طير لا يعر٠مساره إلا أثناء التØليق.
– هل ذهاب الشعراء إلى الرواية هو نوع من الجواب على سؤال اللاجدوى، كما Ùعلت أنت؟
= إن ذهابي إلى السرد لا يرقى إلى السنوات الأخيرة. Ùقد ضمنت أكثر من قصيدة، منذ مجموعتي الشعرية الأولى، “Ùتات البياض”ØŒ أبنية سردية جلية. كما أطلقتÙØŒ ÙÙŠ هذه المجموعة، دعوة أتمثلها وأدعو إليها، وهي : “الكتابة المتعددة”ØŒ أي اشتمال القصيدة بالنثر على ما ÙŠÙتØها وينوعها ويجددها : إنه امتياز ما اكتسبته من Øرية، ÙÙŠ Øسابي.
إلى هذا، أقدمت٠على درس السرد، وأÙدرّÙسه ÙÙŠ الجامعة منذ ما يزيد على عشرين سنة، Ùضلًا عن أنني Øققت٠نقديًّا روايتَين مجهولتَين ÙÙŠ بدايات السرد العربي، وهما : الرواية العربية الأولى، ÙˆÙÙ‚ بØوثي : “وي. إذن لست٠بإÙرنجي” لخليل الخوري، الصادرة ÙÙŠ السنة 1859ØŒ ورواية مجهولة Ù„Ùرنسيس مراش : “دÙرّ٠الصَّد٠ÙÙŠ غرائب الصٌّدٔ، الصادرة ÙÙŠ العام 1872.
هذا ليس من باب الدÙاع، بل من باب العرض والتقديم. لم أكتب رواياتي لشعوري بخيبة ما، إذ لم أنقطع عن إصدار الشعر، ما يزيد على عشر مجموعات شعرية، وصدور أكثر من أنطولوجية لها وبأكثر من لغة. إقبالي على كتابة الرواية عملٌ ممتع، أتدبرÙÙ‡ وأخطط له، بخلا٠ما تقوم عليه القصيدة. وهو لذلك طريقة ÙÙŠ التواجد، ÙÙŠ التعبير، ÙÙŠ رسم مشاهد تجعل الØياة تدور بقوة أكبر، وبأوسع مما تسعه Øياتك Ù†Ùسها.
(جريدة “القدس العربي”ØŒ لندن، الجمعة 19 كانون الثاني-يناير 2018).