الشاعر الكبير الحساني حسن عبد الله هل عاف سكون السجن، لعبد المنعم عبد العظيم

قليل من لا يزال يتذكر الشاعر الكبير الحساني حسن عبدالله الذي ملأ الساحة الأدبية المصرية في الستينيات، وكان أحد فرسان ندوة العقاد الأدبية، وأحد قامات الشعر الرصين منذ تعرض لمحنة السجن عام 1993. وقد سعدت جدا بخبر قرب انتهاء العقوبة، وسيعود للحياة العامة بعد شهور.

كان السجن مفاجأة لمن يعرف الشاعر عن قرب وللوسط الأدبي حيث كان من المتوقع أن تصدر إبداعاته الكثيرة ومجموعة مقالاته ودراساته المتعددة في الأدب والتراث، ولكن محنة السجن كانت صدمة عنيفة للشاعر ومحبيه.
والحساني شاعر من ذوي المطامح البعيدة يمارس الحياة بأعصاب عارية توفزها صدمات القلق والحيرة فتضيق عنها تجاليد اللحم والدم، ومثل هذه النفوس تعيش خيالا أو وهما، يفلت أحيانا من ضرورات الواقع المعيش فتصرعه عذاباتها حين لا تنهض الأجنحة بالجسد الأرضي أو تحلق فتذيب أشعة شمس الواقع هذه الأجنحة، كما قال الدكتور عبداللطيف عبدالحليم الذي أضاف أن جماع هذه الشخصية التمرد على الاثن الراكد وطموح جامح لا يثنيه اعتياق ونفي. تستشعر العظمة رغم عواصف الحياة حولها ورقة يغلفها سور حصين من الاعتداد بالنفس والكبرياء الباذخة، وكأنها الماء يسري في إغراق الأرض تكتنفه الصخور والجبال، وكان صاحبها يخشى إن بدت أن يتهمه بالضعف وما هو بالضعف وحزن ممض وأسى ملح يجتنحنا الترفع عن الظهور.
ويواصل الدكتور عبدالحليم قائلا: في صاحبنا ملامح من أحزان هاملت الأبدية، وطموحات المتنبي، وأوهام دون كيشوت، كل ذلك في مسحة واحدة، وستظل الأحزان تغلف القلوب التي عرفت هذا الشاعر وقدرته إنسانا قبل أن يكون شاعرا.
هذا الشاعر لم يأخذ حقه في الحياة الأدبية من الشهرة والذيوع حيث رقى المنابر من ليس بأهلها، وهو رجل مفرد التجربة الشعرية شديد الخصوصية بعيد عن المجاني والمبذول مما هو شائع بكثرة هذه الأيام.
يقول الشاعر الكبير فاروق شوشة من أي ينبوع يتدفق هذا الشعر، شعر الحساني حسن عبدالله، ومن أي سماء للإلهام يتنزل هذا الفيض البديع من اللغة الشعرية التي لا تشبه إلا نفسها، مستوعبة كيانا إنسانيا متفردا غاية التفرد، صعبا غاية الصعوبة، ومحملة بزاد وفير من الموروث الحي للشعر العربي في حركته الجلية وعنفوانه المتأبي على الضحالة والهشاشة التي هي سمة الزمان المتردي والعجمة المتفشية.
ولد الحساني حسن عبدالله بين أطلال التاريخ التليد في قرية الكرنك بالأقصر، فكان أحد أساطينها الحية في 15 مايو/آيار 1938، وتخرج من دار العلوم 1959 وكان من الرعيل الأول الذين التحقوا بها بعد الثانوية العامة، وعمل قليلا بالتدريس وتمرد عليه، ثم عمل بلجنة القراءة بهيئة السينما، وانتدب طويلا للعمل بوزارة الثقافة، وبخاصة مجلة المجلة وعاصر يحيى حقي وشكري عياد وعبدالقادر القط، وقبل ذلك اتصل بعملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد وواظب على حضور ندواته.
في عام 1972 أصدر ديوانه الأول “عفت سكون النار” الذي حصل به على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر، ثم حصل على الماجستير من معهد الدراسات العربية العالية في عام 1972 عن رسالته فلسفة الجمال عند العقاد، وسجل للدكتوراه في كلية دار العلوم، ولم يكمل الطريق.
خلال هذه الرحلة أصدر تحقيقه لكتاب “الكافي في العروض والقوافي” للتبريزي 1969ØŒ ثم “العيون الغامزة على خبايا الرامزة” للدماميني، Ùˆ”شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل” لابن القيم الجوزية 1975 وراجع وقدم بعض كتب العقاد التي صدرت بعد رحيله، وله عشرات المقالات المترجمة والمؤلفة المنشورة في الدوريات المصرية والعربية، لو جمعت لأتمت أكثر من عشرة كتب ضخمة على الأقل. كما أن له كما من القصائد التي لم تنشر وحتى هذه اللحظة، ولا يزال ينظم القصائد التي تنشر أحيانا، وصدر له ديوان آخر هو “من وحي الوافر وقصائد أخرى”.
ديوانه الأول “عفت سكون النار” صدّره الحسانى بالعبارة المتحدية من الشعر الموزون المقفى، رغم أنه من المعروف عنه أنه من غلاة الدعاة إلى الشعر الحر، وها هو يعود إلى الشعر الموزون المقفى بعد دراسة متأنية ومقدمات دقيقة أفضت إلى تلك الحقيقة التي ضمنها مقدمته الطويلة للديوان وخلاصتها: إن الشكل فعلا في المضمون، وأن هذا الفعل جدير بالدرس بالنسبة للإطار القديم المحافظ على الوزن والقافية.
وانتهى صاحبنا إلى أن الشكل الحر يؤدى بالناظم إلى أن يصير عبدا للمصادفات التي يصنعها التداعي الذي يجر إلى كثير من الغموض والركاكة والتقليد، وأن العكس هو الصحيح بالنسبة للشكل القديم، إذ أن الناظم هنا يقدم على القول عالما بالشوط الذي سيقطعه، ومن هنا تكون مجاهداته في أن يبلغ الغاية غير لاهث أو مكدود.
وقد التزم الحساني بهذه الفكرة فيما نظمه إذ طرح الشكل الحر واختار الشكل القديم بمجاهداته بل أنه ركب من البحور عصيها ومن القوافي حزونها واستطاع بطاقته الفنية الفارهة وأدواته المكتملة أن يقيم بناء تميز بالفخامة والسلامة لأن صاحبنا دخل عالم الشعر بكل ما التهمه من ذخائر التراث العربي في نماذجه العليا، ثم بما استوعبه من التراث الأوروبي من خلال معرفته الجيدة باللغة الإنجليزية.
كان الحساني حسن عبدالله كمن يشعل النار في الهشيم بعد أن عاف سكونها، كما يقول الشاعر فاروق شوشة، كان صارخا في البرية يرى بعيني زرقاء اليمامة ما سوف يؤول إليه الشعر، ويقبض بيديه على الجمر، وهو يرى ما يقذف به إلى الناس، كلام مضطرب ساقط مكرر غير مطلوب.
قريبا جدا سيخرج الحساني حسن عبدالله إلى الحياة بعد أن عاف سكون السجن، وبعد أن عاش تجربة مريرة، وهو صاحب القلم الواعي الغزير الأبي القوي ليتدفق من جديد وجدانه الثري شاعرا وناقدا وباحثا ومحققا ربما يعيد الناس لفنهم الأصيل وإلى الينابيع الغزيرة المتدفقة من التراث.
ما أثر السجن على تجربة الحساني الأدبية؟ وكيف سيرى الأقصر بعد عقدين من الغياب، وبعد أن غاب عنها رفيق دربه وابن أخيه القاص المبدع يحيى الطاهر عبدالله صاحب “الطوق والأسورة”.
عبدالمنعم عبدالعظيم ـ الأقصر (مصر)
http://www.copts-united.com/Article.php?I=657&A=20859
الخميس ٢٩ يوليو ٢٠١٠ – ٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

Related posts

Leave a Comment