ملحة العيون، لخميس قلم تلميذي العماني النجيب

للعين و للعينين و للعيون حضور شاخص في تاريخ الشعر العربي ومن قبل ما ينسب لعنترة:

عيون العذارى من خلال البراقع أحد من البيض الرقاق القواطع

-سمعت هذا البيت أول مرة من عابر تجمل باصطحابنا جاري وأنا في سيارته مسافرين إلى مسقط، وروى البيت إثر نشاطه لحماستنا الشعرية، حفظته وكنا حينها في الثانوية-

حتى عند بدر شاكر وأمل دنقل ونزار العينان شاخصتان في الشعر:

” عيناك غابتا نخيل” بدر
” عيناك لحظتا شروق” دنقل
” عيناك وتبغي وكحولي ” نزار

بقي الشخوص العيني إذن في تاريخ الشعر العربي حاضرا على اختلاف رؤى الشعراء القدماء و الحدثاء..

سأسرد مما أحفظ أبياتا شعرية متصلة بالعين بوصفها لغة للتواصل وأداة للتأثير النفسي -وعزائي لكل ضرير- مستأنسا بها ومعلقا عليها.
فإن كان قال الظاهري في طوق الحمامة إن العين نافذة الروح فهي أيضا سهام نافذة تصيب القلوب كما يزعم أبو الطيب:

راميات بأسهم ريشها الهدب تشك القلوب قبل الجلود

ما أشبه الأهداب بالريش! أعطى المتنبي بتلك المماثلة بعدا ماديا للتأثير النفسي للجارحة؛ كذلك يسوغ مماثلة جفون العيون بجفان السيوف وذلك يربط المحسوس بالملموس كما غنت فيروز:

كل السيوف قواطع إن جردت وحسام لحظك قاطع في غمده

إن وصف النظرات بالقدرة على اختراق الأجساد والتأثير الداخلي قد ألفته العرب في شعرها قبل المتنبي وبعده، ألم يقل قائلهم:

ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت
وقع السهام ونزعهن أليم

ربما تكون العين أو الطرف أو اللحظ أو المقلة حوراء أو شهلاء أو كحلاء أو كسلى أو وسنى أو… لكنها دائما سهام تصمي إذ ترمي كما في الموشحة

سدد السهم فأصمى إذ رمى
في فؤادي نبلة المفترس

قوسها فيها و منها، والفؤاد مرماها؛لا تخطئه؛ فتردي صاحبه، ومشهورعن جرير:

إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

وإذ يكثر تصوير عيون النساء بأدوات الحرب كالسيوف والرماح والنبال، بما تسببه من أثر على النفوس والأجسام حتى تبيتها في سهاد وسقام تظل مع ذلك لغة للتواصل بين المحبين كما في زحلة:

وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك

وغير شوقي كثيرون وصفوا لغة العيون؛ فقد غنى ناظم الغزالي لحنا من مجزوء الدوبيت وهو بحر فارسي:

لا يمكنه الكلام لكن
قد حمل طرفه رسائل

رسائل تقولها العين وعلى المرسل إليه أن يفطن لها حتى لا يوقع ذات العيون الفصيحة في حرج:

إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا
لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر

هذه المراوغة البصرية تجسد قدرة العين على الكناية والبلاغة في اللغة المرئية.

لتكن هذه الملحة فاصلة تعلمنا الصمت، ندرب أعيننا على الكلام الخفي، نقول للحياة الصاخبة رسائل حبنا إليها أو نطعن بها هذا العالم المحبوب…

Related posts

Leave a Comment