نبوءة، للدكتور السيد شعبان جادو

إنه عجوز، انظر إليه لقد مل السير إلى البحر، وعيت الدنيا وقد كان شابا قويا مثل فحل الجمال الذي يحمل شونة الأرز كلها لو استطاعوا أن يضعوها عليه، فعلت به الأيام ما فعلته بي فلكل بداية نهاية، شاب شعر رأسي وانحنى ظهري، وقد روضوه عند أسوان بنوا له محبسين، كان عفريتا من الجن ما يغلبه إلا خالقه، ترك نزواته في كل شبر من الوادي حتى إذا جاء إلينا أنجب كثيرا من العيال!

ابتسمت؛ أول مرة أشعر أن هذا النهر كان فحلا يعاشر طينة هذا البلد!
دارت بي الذاكرة والمحراث الخشبي يشق أرض جدي، صغيرا أعابث” أبو قردان” الصيف في حره اللافح، السوط يتلوى على ظهر البقرتين يخطان كما القلم وجه الأرض زرعا!
سنيين عددا والأيام دارت بنا ساقية ما تلبث حتى سكنتها الجرذان، كل هذا هين حتى إذا ضرب القهر النهر فأحاله مرتعا لها تتقمم فيه مزابل، أبصرته بعدما مضى بي العمر، في هذه الحالة سأرتدي ثوبا من صوف أغنامنا الرحمانية، علي أن أكون ابن زمني فلا يحق لي أن أرجع إلى عصور الظلام، تنتابني سخرية مرة وهل غاب القمر يوما؟
إنهم يصفون الأيام بما تنطوي عليه نفوسهم تلك أحوال عجيبة، أعرف زميلا يتغنج ببعض مفردات يلوكها، يتباهي بلسان غريب، كلما طال به الزمن تقاصر فكأنه يغوص في باطن الأرض، إنه الهول الأكبر يجتاحنا، لا جديد تحت شمس صيف يقذف حمما من النار!
علي أن ألتزم الجادة فيما بقي لي من سنوات لا أعلم متى ستكون نهايتها، كل ما علي هو أن أطيل مسبحتي، وأرتدي ثيابا خضراء، إنه زمن الأولياء الذين تحوطهم المهابة أينما تواجدوا؛ هؤلاء يحظون بالمكانة عند السلطان، كلهم يدعي وصلا بآل البيت، حتى هذه صارت مغالطة كبيرة، فالوجاهة عندنا نسب، تبا لمن يدعى لغير آبائه، اكتفيت بأن أعابث ” أبو قردان” تغتاظ الغربان السادرة في غيها، مثل تلك المرأة التي ذهبت للعرافة ومن ثم أصابتني بالعنة، قال لي الحكيم: إئت بسبع ريشات من جناح ” أبو قردان” الأسود، عجبا وهل كان يوما غير أبيض، ما كان مني إلا أن اختلست الريشات من جناحي غراب اقترب مني، أسرعت بها إليه، علم أنني ماكر، كتب بقلم مخلوط بدم سلحفاة عاصرت النهر يوم أن كان فيضانا، دبت في القوة، صرت ذا فحولة، لكن الإناث ضامرات، لا واحدة منهن ستأتي إلى فحل غريب الأطوار.
تلك رسالة من صاحبي الذي رآني يوما محاطا بعمامة خضراء، وتتدلى من رقبتي مسبحة بتسع وتسعين حبة، فللولاية مقام علوي، وللمهابة نسب خفي، بلغت بي النشوة غايتها، أخذت بالدوران في حلقة مفرغة، تسكن الجنيات قاع النهر، تبدو الملامح متشابهة، كانما أنا وهو أخوان أرضعتهما امرأة من غجر ذوي حمر وحشية، بلدتنا عند ملتقى البحرين، يحلو لي أن أتفرس في وجوه العابرين، كانت جميلة تلك التى تعلقها الساحر الذي طاف يوما و تحت إبطه كتاب عجيب، تبعها في صمت، من طرف خفي تقصيت أثرهما، عند ضفة النهر العجوز واقعها، ومن ثم غاصا حتى ابتلت تلك الاعضاء المحرمة، أرتعد الماء، مضت سبعة أشهر جاءت تحمله بين يديها؛ طفلا أزرق الوجه أخضر الثوب لكنه أعمى!

Related posts

Leave a Comment