التدوين الإذاعي عالم يحيا بالابتكار لمروة علي

ظهرت إذاعات الإنترنت أو المدونات الإذاعية عام 1993 في الولايات المتحدة الأميركية، بعدما أطلق كارل مالامود أول محطة إذاعية على الإنترنت، من خلال مؤسسة غير ربحية أطلق عليها “شركة واشنطن للإذاعات المتعددة على الإنترنت” (The Internet Multi-casting Company of Washington)ØŒ وكانت تبث إنتاجها لعدد محدود من الساعات خلال اليوم، ثم نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا لبيتر لويس يعلن فيه عن المضي في بث إذاعة جديدة على الإنترنت تبث إنتاجها على مدار اليوم. ومع التطور التكنولوجي استمر انتشار تلك الإذاعات إلى أن ظهرت في الوطن العربي مع إطلاق إذاعة “عمان نت راديو البلد”ØŒ بالأردن عام 2000.

http://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/2017/11/171119095512147.html

وقد نجحت تلك التكنولوجيا منخفضة التكاليف، عابرة الحدود، مطلقة الحرية، في اجتذاب جماهير من المستمعين على الشبكة العنكبوتية، لتنسجم كلياً مع طبيعة الوسيلة التي يتم البث عليها، وطبيعة جمهورها المتعجل، وتتحدى طبيعة عصر البث المباشر للحدث على الفضائيات والإنترنت.

وما بين البث على الإذاعات التقليدية لبرامج متنوعة ومتعاقبة على مدار اليوم، وبث مدونات إذاعية تتيح حرية اختيار المضمون ووقت وأسلوب الاستماع إليه، كان نجاح هذا اللون الإعلامي دافعاً لمزيد من التطور والتنوع في مضمون وطرق البث على المستويين العربي والعالمي، وهو ما أطلق العنان للابتكار الذي كان القائم الرئيسي الذي بنيت عليه تجربتَيْ “رُواة” في مصر Ùˆ”ذيس أميريكان لايف – This American Life” بالولايات المتحدة.

بين التقليدي واللامألوف:
بدأ مشروع “رُواة” (1) كمنصة إذاعية على موقع ساوندكلاود عام 2016ØŒ قائماً على فكرة إحياء الصحافة الأدبية في صورة إذاعية بلغة عربية عالية وأصوات مميزة –وفق ما تعلنه على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك– لتتحدى بذلك الشائع على الشبكة العنكبوتية حيث النشر دون ضوابط وباستخدام لغة الشارع. كذلك اتخذت من التكاملية منهجا بديلاً عن التنافسية العشوائية، فتعاونت مع جهات إعلامية عدة مثل ألف باء اقتصاد وإضاءات، لإنتاج مضامين ثرية قيمة. ونجحت في اجتذاب الجمهور إليها بشكل تدريجي حتى تخطى عداد الاستماع لما تقدمه في رمضان هذا العام مليوني ونصف استماع، واقترب عدد متابعيها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من 160 ألف متابع.

وقد فرض عليها هذا المسار المختلف تحدياً كبيراً عملت على التغلب عليه عبر التزامها بعدة معايير في الرسالة المقدمة، كان أهمها:

تحرّي اللغة السليمة والأداء المتقن: وهي الآلية التي انفردت بها واستخدمتها لجذب الجمهور للمنصة، حين وظّفت الأداء الصوتي المتميز لخدمة مضمون يقدم بلغة عربية سليمة، فكان قطاع عريض من الجمهور يقبل على المنصة بهدف معرفة أسلوب التعامل مع اللغة، وما إذا كانت كوادرها الإعلامية ستنجح في تقديم اللغة بشكل متميز أم أنهم مجرد هواة يقرؤون دون تدقيق أو ضبط.

تقدم المدونة الشكل المسموع من القصة أو اقتباسات خفيفة من الرواية لمحبي قراءة الروايات والقصص، وتُقدِّم الشعر لمحبيه، كما تقدِّم المقال المسموع لبعض الكتاب المتميزين لجماهير أولئك الكتاب. وكانت الدراما التي تحمل بعض المقاطع والصور الأدبية هي المدخل الخفيف الذي استخدم في البداية لتدشين فكرة المدونة واستمرارها، حيث كان أول منشور لـ”رُواة”ØŒ مقطع “الحب في زمن الأندلس” وهو مقاطع شعرية مجتزأة من مسلسل درامي، يروي قصة حب بين اثنين من شعراء الأندلس هما ابن زيدون وولادة بنت المستكفي، نسجت المقاطع الشعرية في المنشور على هيئة مقابلة بين شعر يقال والرد عليه، مع إضافة بعض المؤثرات. ومع توسع الشرائح الجماهيرية أخذت “رُواة” الشكل الإذاعي الرسمي، فقدمت “نقص عليك” وهو برنامج ديني يتحدث في تفسير بعض القصص القرآنية، أطلق في البداية تحت اسم “جذور قرآنية”ØŒ ثم في رمضان لهذا العام قدمت “صحح لغتك بالقرآن”ØŒ وقامت فكرته على شرح قواعد النحو بطريقة جذابة في مدة قصيرة من 3-5 دقائق فقط. كذلك برنامج “معشر الكرويين”ØŒ وهو برنامج متخصص في كرة القدم بلغة عربية فصيحة شديدة البلاغة، وكان هذا سر تميزه، ثم “تعاريف” الذي تنتجه بالتعاون مع موقع “إضاءات” ويشمل شرحاً مبسطاً لبعض المصطلحات التاريخية أو الفكرية.

اختلفت مضامين البرامج على “رواة”Ø› فقُدِّم الشعر والقصة والمقال والمقاطع الدرامية.. إلخ، ثم كان الاهتمام بهندسة الصوت المعيار المميز للمدونة، فاهتم القائمون على المدونة باختيار المادة ولغتها والكادر الذي يقدمها، إضافة للملاءمة في المعالجة الصوتية بين الأداء والمؤثرات المصاحبة له.

ويكفي المستمع أن يحمل جهاز هاتف نقال لاستقبال ما تقدمه المنصة، لذا يظل المضمون الإذاعي خيارها الثابت ما لم يوجد مضمون لا تكفي فيه المعالجة الصوتية وحدها، هنا قد يتم طرح الإنتاج المرئي في “رُواة” كمشروع جديد لها أو قد يقدمه فريق العمل نفسه ولكن كمشروع منفصل.

أما المدونة الإذاعية الأميركية “ذيس أميريكان لايف – This American Life” فقد بدأت عام 1995ØŒ بإنتاج برنامج إذاعي أسبوعي كانت توزعه على مجموعة من المحطات الإذاعية التقليدية، قبل أن تعترضها مجموعة من عقبات التمويل والإنتاج، ما أدى إلى توقفها ودفع القائمين عليها إلى الانتقال للبث عبر الشبكة العنكبوتية –الوسيلة زهيدة التكاليف حرة الفضاء- التي ساعدتها على الاستمرار والثبات والتطور بإنتاج مضامين جديدة مبتكرة، فنوعت مدوناتها الفرعية وعددتها عبر سنوات العمل، ووزعت إنتاجها على أكثر من 200 محطة إذاعية على الإنترنت، لتصل إلى أكثر من 2.2 مليون مستمع. وفي عام 2014 قررت تحدي السائد الذي تعايشت معه منذ انطلاقها، حين أحيا فريق عملها – سارة كويننج (Sarah Koenig) وإيرا جلاس (Ira Glass) وجولي سنايدر (Julie Snyder)ØŒ الشكل القصصي الطويل للتدوين الإذاعي في مدونتها الفرعية سيريال (Serial) التي مثلت بداية إنتاج البرنامج القصصي الواقعي بالمدونة الأم، فكانت المدونة أسطورة في حد ذاتها – وفقا لما أوردته صحيفة ذي إيكونوميست (2) – كأول مدونة إذاعية تفوز بجائزة بيبودي، وأول مدونة إذاعية تُحمَّل حلقاتها لما يزيد عن 250 مليون مرة.

وقد توافقت معها “رُواة” في لجوئها لتنوع المضامين عبر تعدد المدونات الإذاعية التي أطلقتها، لاجتذاب شرائح جماهيرية مختلفة – وفقا لما تعلنه على موقعها الإلكتروني (3) – فهي تقدم برنامجها الأسبوعي على المدونة الذي تنطوي كل حلقة منه على مقدمة، تحمل كل مقدمة قصة مختلفة، وتكون معظم هذه القصص قصصاً صحفية بصبغة خفيفة أو منضبطة، وأطلقت ست قصص إذاعية تطورت بعد ذلك إلى أفلام.

كذلك أطلقت مدونتها الإذاعية الاقتصادية “بلانيت موني” (Planet Money) بالتعاون مع “إن بي أر نيوز” (NPR News)ØŒ وهو مشابه لبرنامج “الاقتصاد في دقيقتين” في رواة الذي تنتجه بالتعاون مع موقع “ألف باء اقتصاد”.

ثم أنتجت النسخة التلفزيونية من برنامجها الرئيسي “ذيس أميريكان لايف” خلال الفترة من 2006- 2008 على شبكة “ذا شو تايم” (The Show Time network)ØŒ الذي شكل أبرز محطات نجاحها حيث فازت عنه بثلاث جوائز إيمي.

ثم أطلقت “ذيس أميريكان لايف” نسختها من البرامج الواقعية عام 2014 في مدونة “سيريال” (Serial)ØŒ ونجحت في تقديم هذا اللون إلى حد جعل الجماهير تستقبل بشغف مدونتها القصصية الواقعية الثانية “إس تاون” (S-Town)ØŒ فما إن تم إطلاقها في 28 مارس/آذار من ذلك العام، حتى تجاوز عدد مرات تحميل حلقاتها الـ10 ملايين مرة خلال الأربعة أيام الأولى لها، وفق ما جاء في ذي إيكونوميست.

بعث جديد للقَصَص والدراما:
وبينما كان تحدي المألوف هو نقطة البداية لإثبات الوجود، ولأن الواقع الإعلامي المتغير كل يوم لا يقبل النمطية والركون إلى نجاح قد تحقق أو جمهور قد اكتُسب، كما أن الواقع الافتراضي – الإنترنت – واقع شديد الاتساع متطور باستمرار، يحتمل التجديد والتغير كل لحظة. كان على تلك الإذاعات أن تواصل المسيرة لتحافظ على مكتسباتها وتطورها عبر التجديد في الرسالة المعروضة. فكيف سبيل كلتا الإذاعتين في تحقيق ذلك؟

كانت الدراما الشكل الجماهيري الذي مثّل مفتاح النفاذ لجماهير أكبر؛ لقربها من الطبيعة الإنسانية التي تميل لسماع القصة أو لمعرفة حكاية، وقد دخلت “رُواة” مجال الإنتاج الدرامي بمسلسل “أمة الصحراء” في رمضان هذا العام، الذي قام على رواية قصص العرب المختلفة مع الاهتمام بالتنويع الزماني والمكاني بين حلقات المسلسل، واستحضرت قصص بعض الشخصيات ذات القيمة التاريخية، مستفيدة في ذلك من نجاح المسلسلات التاريخية – التي أنتجت في الوطن العربي بعد توقف إنتاج هذا اللون في مصر – حول الشخصيات المؤثرة في التاريخ، مثل مسلسل “عمر”ØŒ الذي بني نجاحه على روايته لقصة حياة شخصية مؤثرة في التاريخ الإسلامي منذ ظهورها منذ 14 قرن حتى الآن.

أما “ذيس أمريكان لايف”ØŒ فقد ظهر إبداعها في 2014 بداية بإنتاج سلسلة “سيريال” (Serial)ØŒ ثم “إس تاون” (S-Town) بعد ذلك، وكان إنتاجاً مختلفا جداً لهذا الفن ومحور ارتكازه هو الخوض في غمار الشخصية الإنسانية أكثر من عرض تفاصيل الحدث.

كانت الدوافع وراء إنتاج كل عمل من تلك الأعمال مختلفة كلياً لكل إذاعة عن نظيرتها، ففي “رُواة” كان أكبر تحدٍ في “أمة الصحراء” هو تقديم شكل درامي يتماشى مع السياسة العامة للإذاعة بإنتاج محتوى عربي راق، وعليه توجه العمل إلى “قصص العرب”ØŒ لتعلقها بالثقافة العربية وتعبيرها عن أخلاق العرب ومروءتهم ورقيهم وحوادثهم وملاحمهم منذ الجاهلية، فكانت القصص تعرض لأحداث عربية صرفة.

اختلف الأمر في برنامج “إس تاون” (S-Town)ØŒ حيث بدأ إنتاجه عندما أرسل “جون ماكليمور” (John Mclemore) بريداً إلكترونياً إلى “ذيس أميريكان لايف” يدعوهم للتحقيق في جريمة قتل في مسقط رأسه “وود ستوك” في ولاية ألاباما ارتكبها ابن مليونير فلم تهتم بها الشرطة المحلية، مما عزا “ببريان ريد” (Brian Reed)ØŒ مضيف “إس تاون” لأن يعجل بالتوجه إلى ألاباما، غير أنه وجد أن الجريمة المزعومة لا تعدو أن تكون مجرد شائعات؛ فالضحية لم تزل على قيد الحياة. إلا أن الأحداث المأساوية بقيت قائمة، فقد أُخبر المستمعون أن شخصاً ما سيموت في النهاية. فإن لم تكن إس تاون مسرحاً لجريمة قتل، فقد كانت مسرحاً لعملية انتحار.. انتحار “ماكليمور”.

التحدي الثاني في إنتاج برنامج “أمة الصحراء”ØŒ هو نوع القصة المختارة التي يجب أن تنطوي على الإثارة والتشويق، ويكون لها أثر كبير في التاريخ العربي والإسلامي، مما احتاج العمل عليه قبل رمضان بشهور عدة، واستمر العمل أثناء عرض المسلسل المكون من 30 حلقة وحتى نهايته، بداية من الإعداد الجيد وانتقاء القصة وصياغتها في صورة سيناريو، ثم كانت المراجعة الأدبية للسيناريو أصعب مراحل الإعداد، حيث جزء كبير من الاهتمام ينصب على ملاءمة ما يقال في الحوار مع اللغة الدارجة للعصر الذي تتحدث فيه القصة، فعلى سبيل المثال: جملة كـ”حسناً يا سيدي..” تنتمي إلى أي عصر الجاهلية أو صدر الإسلام أو الأموي أو العباسي.. إلخ، فتُقبل في سيناريو القصة من العصر الذي قيلت فيه، وتُرفض في الحقب الزمنية الأخرى. وتحقيق القصص بهذا الشكل جعل المسلسل يكسب ثقة الجمهور بشكل أكبر.

على خلاف ذلك، ووفقا لما جاء في “ذي إيكونوميست” أدخلت السلسلة القصصية “إس تاون” مستمعيها إلى عالمها، فالسلسلة تدور حول شخص واحد هو ماكليمور، وإس تاون هو اللقب الذي يطلقه على مدينته وودستوك، وتَظهر لنا القصة، التي دارت أحداثها في ثلاث سنوات. يبدو ماكليمور رجلا حاد الذكاء ذا اهتمامات غريبة تغلب عليه رؤية سيئة للعالم. وبينما يكتشف “ريد” عند مقابلة أصدقاء ماكليمور أن بعضهم لم يعرف بمصرعه بعد، يجد أن أحدهم لم يبد استغراباً عند معرفته، حيث أقر بأن ماكليمور جعل من الحياة تحدياً لا يمكن التغلب عليه، وكشف آخر أن ماكليمور كافح للعيش كشاذ في مدينة صغيرة، وكان يقول “فقط تتعلم أن تعيش بدون..”ØŒ وأطلق على حياته تلك “جبل بروكباك” (Brokeback Mountain)ØŒ وهي قصة قصيرة عن مثلي جنسي، كانت بالنسبة له “دليل أحزان”ØŒ وتستمر التفاصيل في التداخل لترسم صورة لذلك القلب المكسور.

في “أمة الصحراء” مثّل تحقيق القصص والأحداث المعروضة تحدياً آخر أمام فريق العمل، مما استدعى الرجوع لمصادر وكتب عدة، تتحدث عن قصص العرب وتاريخهم مثل موسوعة “الأغاني” الضخمة وبعض الكتب الأخرى. فبسبب قدم قصص وأحداث العرب التي لم يكن التدوين والتسجيل حولها كثيراً، تعددت الروايات حول بعض القصص؛ ما أثار بعض الانتقادات والتساؤلات حول القصص المعروضة من جمهور المسلسل، إلا تعدد المصادر التي كان يرجع إليها فريق العمل؛ مكنتهم من الوصول للرواية الأكثر ثقة لكل قصة، وكان ذلك هو المعيار الحاكم في تفضيل عرض رواية على الأخرى.

وعلى نفس الشاكلة كان التحدي المزعج في “إس تاون” متمثلاً في إصرار السيد “ريد” وتطلعه للعمل داخل الأطر الأخلاقية في سلسلة قصصية مثيرة، فالتقى كل الأشخاص الذين كان لهم اتصال بماكليمور تقريباً، من أجل الإجابة على التساؤلات الكثيرة حول حياته وانتحاره، ولكي يحصل المستمع على عمل جلي الحقيقة ومتعدد الجوانب وغير خيالي. فلو دارت السلسلة حول شهادة ماكليمور، لم تكن عقدة قصة حياته لتُكْتَشف.

ولأن “أمة الصحراء” كان يعرض قصصاً من البيئة العربية، التي كان الشعر فنها الأول، كان الشعر أحد القوائم الرئيسية للبناء الدرامي للمسلسل، خاصة وأن معظم الشخصيات أبطال القصص كانت شخصيات شاعرة، فكان توظيف الشعر داخل السياق الدرامي تحدياً جديداً، وملاءمة الأبيات للسياق الدرامي للحلقة أو الشخصية بطلة القصة هي المعيار الحاكم فيه، فعلى سبيل المثال في الحلقة التي تناولت قصة “عنترة ابن شداد” – الشاعر والفارس العربي– كانت تضاف أبيات من أشعاره في الحماسة أو الحب أو الحرب. ولإنجاح البرنامج، عمل معدِّوه على التنسيق بين محاور الكتابة الدرامية من كتابة السيناريو والمراجعة الأدبية والتحقيق التاريخي، للوقوف على مدى ملائمة الأبيات المدرجة في الحلقة للسياقين الزماني والمكاني والموقف الذي تدور حوله أحداث القصة.

“ذيس أمريكان لايف” تلاقت مع “رُواة” في ذلك، فكان أهم ما ميز “إس تاون” عن كل المدونات الإذاعية الطويلة المشابهة لها، بما فيها “سيريال” أنها تدين إلى الأدب، حيث تنتهي معظم الحلقات بمنعطفات شعرية تعود بالمستمع إلى نقطة البداية، وعادة ما تكون من شريط حياة “ماكليمور” أو مشاهد حية منها؛ لذا لم يكن من الخطأ أن يشار إلى حلقات المسلسل السبع التي امتدت كل منها إلى ساعة باعتبارها فصول رواية. حيث تقول المنتجة المنفذة، “سيندر” إن فريق العمل المبدع قرر إذاعة القصة كرواية أكثر من كونها برنامجاً إذاعياً.

صورة خلفية “أمة الصحراء” دعمت الرؤية التي تبناها، بالتركيز على استخدام ألوان دافئة ذات دلالة على البيئة التي يدور فيها المسلسل، كاللون البرتقالي الذي أعطى دلالة الأرض الصحراوية والحركة والجفاف، مع اللون الأصفر الذي أعطى دلالة النشاط والحركة وشمس الصحراء، ولتكتمل دلالة البيئة الصحراوية اشتملت الصورة على بعض الأشجار الجافة الفروع والنباتات وسعف النخيل، والجمال والخيل التي يمتطيها فرسان يرتدون الزي العربي. كذلك في “إس- تاون” كانت صورة الساعة في الخلفية لاتصالها بمهنة ماكليمور الذي كان يعمل “ساعاتيا” لإحياء الشعور بالجمال والنظام.

صورة خلفية “أمة الصحراء” دعمت الرؤية التي تبناها البرنامج.

وربما تفتح تلك التجربتين الدراميتين الباب أمام الإذاعتين لتطوير فنونهم الإذاعية، حيث يرى فريق عمل “أمة الصحراء” أن إنتاج مسلسل متصل الحلقات على مدار شهر كامل لن يكون مطروحاً، إلا إذا وجدت القصة الضخمة التي تفرض معالجتها في هذه المدة الزمنية الكبيرة. كما فرضت ضخامة بعض القصص في “أمة الصحراء” معالجتها على أكثر من حلقة؛ مراعاة لطبيعة تفاصيل وأحداث القصة مقارنة بحجم الحلقة التي كان طولها يتراوح من 10Ø¥-15 دقيقة، فقط لتجنب الإخلال بالقصة المعروضة.

أما “إس- تاون” فكان نذيراً بعصر جديد من التدوين القصصي الإذاعي الطويل، من ذلك النوع الذي يتخطى سر القتل ويتخطى الجريمة إلى عمق تعقيد الشخصية الإنسانية. فقد أخذ الجوانب المحطمة من حياة ماكليمور، وأضفى عليها طابعه الخاص بالجمال والنظام، فكان فناً في حد ذاته بالإضافة إلى كونه أداءً صحفياً، حين قال ريد إن “محاولة فهم شخص ما أمر يستحق عناء الجهد”ØŒ كما أن المستمع أيضاً يقتنع بأهمية تلك المساعي.

المصادر:
(1) https://soundcloud.com/rowaah

(2)https://www.economist.com/blogs/prospero/2017/04/sonic-novel?fsrc=scn%252Ftw%252Fte%252Fbl%252Fed%252Fasonicnovelstownisamovingportraitofanordinarylife

(3) https://www.thisamericanlife.org/about

Related posts

Leave a Comment