موقف بوكوك المحير من الإسلام

“أما الموقف المحير حقا في فكر بوكوك فهو موقفه من الإسلام.

والثابت أنه موقف بعيد عن الإمساك بطرفي المعادلة، حيث يتمثل الطرف الأول فيما كتبه هنري ستبس الذي كان يعجب بسيرة النبي محمد غاية الإعجاب، ويتمثل الطرف الثاني من الخيط فيما كتبه همفري برايدو في كتابه المغرض المعنون بالحقيقة كلها حول المحتالين كما نراها في حياة محمد. ما يثير الاهتمام هنا أن الرجلين كليهما تعلما على يدي بوسبي في مدرسة وستمنستر حيث تعلم برايدو العربية على الأقل، ومن الراجح جدا أن الرجلين كليهما كانا يختلفان إلى دروس العربية التي كان يلقيها بوكوك، وأن كليهما استفاد من كتاب بوكوك الذي يسميه لمع من تاريخ العرب، بوصفه المصدر الرئيس الذي اتكؤوا عليه في معلوماتهم التاريخية، بيد أن أغراضهما في الدفاع والهجوم كانت غريبة على فكر بوكوك ومن شايعه من المفكرين، خصوصا في مثل هذا الجانب الأكاديمي الذي اختطه لنفسه؛ فبوكوك فيما ينشر من كتب يحجم عن توجيه الإساءة للإسلام وطقوسه ونبيه، وهو ما كان شائعا في ذلك الوقت في الأوساط الأكاديمية، وهو ما رأينا جانبا منه في ذلك الطنين الحاد الذي كان يصدره ويلك وهو يزعم أنه يدحض حجة القرآن. وعلى رغم ذلك كان بوكوك يقف من النبي محمد موقف الشاك، وكان يردد ما كان يردده المعاصرون له من أنه النبي المزيف، وما إلى ذلك من الأوصاف التي كانوا يرددونها حول نبي الإسلام. وعلى رغم أنه كان حريصا على أن ينكر الخرافات التي كانت شائعة حول رسول المسلمين في العصور الوسطى، في إطار الهجوم المسيحي على الإسلام؛ فلم يكن يحجم عن السخرية من أمية الرسول، وعن تحري الروايات التي تسرف في الحديث عن حب النبي للنساء، وكذلك راح يستقبح ما اعتبره العنف الذي شاع في صدر الإسلام، مما يوحي بأن الإسلام انتشر بحد السيف، وأن الرسول قد وطد دعوته وأقام إمبراطوريته بالدم. من جهة أخرى كان يعلم أكثر من أي أحد آخر خصوصا فيما نستنبطه من كتابه لمع من تاريخ العرب، أن الإسلام لم يكن كيانا هينا ساذجا، وأنه حقق تطورا كبيرا في جوانب شتى عبر تاريخه، كان يعرف ذلك حق المعرفة، وربما بلغت به هذه المعرفة حد التأييد الشديد لبعض الجوانب؛ ففي الصفحات من 269 إلى 286 من كتاب لمع من تاريخ العرب، يقدم بين يدي قارئه مقتبسا طويلا مترجما مما قاله الغزالي وهو يوجز أسس العقيدة الإسلامية، وهو يشرح هذا المقتبس بموضوعية تامة بعيدا عن التحيز والتعصب. وما يجذب النظر حقا أنه لم يتعرض للغزالي بشيء من الذم، بل حرص على إبداء الإعجاب به والاحترام لقدره، وربما ذهب إلى أبعد من ذلك؛ فوجد اتفاقا في أحد أقوال الغزالي مع ما قاله القديس بولس”ØŒ 86-88.

Related posts

Leave a Comment