زنا المعاجم (2)= الإرهاب، للدكتور طارق سليمان النعناعي

… وهو نوعانِ: نوعٌ مطلوبٌ محمودٌ بل واجبٌ، ونوعٌ مرفوضٌ مذمومٌ بل حرامٌ شرعًا:…

مَنْ يُرْهِبُ مَنْ؟ الإرهابُ صارَ كلمةً يطلقُها الكلُّ على الكلِّ، في معاجمهم الـ … الإرهابيُّ هُوَ كلُّ مَنْ يختلفُ معهم في دينٍ أو رأيٍ أو توجهٍ أو لا يَدْعَمُهُمْ في أيٍّ منها. فإنِ اختلفَ معهم – أو لم يختلفْ معهم لكنَّهُ لا يَدْعَمُهُمْ أو يُسَبِّحُ بحمدِهم، أو لمْ يَفْجُرْ في ذمِّ خصومِهم – فهو إرهابيٌّ، فمن ليسَ معهم لمْ يُصبحْ عليهم فحسب، بل أصبحَ الإرهابيَّ المنتظرَ، يستحقُ معاملةَ الزواحفِ الضارةِ، أو الحشراتِ، دونَ أسفٍ عليه، بل إنهم إذا نالوا منه يُظهرونَ السعادةَ والرضا ويتوجهونَ إلى اللهِ بالحمدِ وطلبِ الأجرِ والثوابِ.
أما في معاجمِنا العفيفةِ فالإرهابيُّ من أرهبَ غيرَهُ منَ الناسِ، أيْ أخافَهم أو أفزعَهم أو أرعبَهم، وهو نوعانِ: نوعٌ مطلوبٌ محمودٌ بل واجبٌ، ونوعٌ مرفوضٌ مذمومٌ بل حرامٌ شرعًا:
الأولُ الواجبُ: أنْ يُرهبَ الإنسانُ عدوَّهُ، والمقصودُ بهِ أعداءُ الوطنِ وأعداءُ الأمةِ؛ لقولِهِ تَعَالَى :” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ” (الأنفال/60) والمقصود بالإرهابِ هنا إرهابُ التوازنِ، أي توازنِ القوى، أو توازنِ الدفعِ الذي تفسدُ الأرضُ من دونِهِ، لقولِهِ تَعَالَى: ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ” (الحج/40) وهذا التوازنُ بالحرصِ على امتلاكِ القوةِ والتعريضِ بها كافٍ في ردعِ اعتداءِ الأعداءِ، دونَ حاجةٍ إلى استخدامِ تلكَ القوةِ إلا عندَ الضرورةِ. ومن هذا المنطلق ما يُرْهِبُ عدوِّي لا يُرْهِبُنِي، وما يُرْهِبُنِي لا يُرْهِبُ عدوِّي، وبناءً عليه مستحيلٌ أنْ يُعَمَّمَ مفهومُ الإرهابِ أو يُعَوْلَمَ، فالعولمةُ مستحيلةٌ إذن في مفهومِ الإرهابِ، لأنَّ العالمَ بدُوَلِهِ وتجمعاتِهِ وكياناتِهِ بعضُها عدوٌّ لبعضِها الآخرَ، فهل صارَ العالمُ أجمعُ كِيَانًا واحدًا ودولةً واحدةً في حالةِ سلمٍ وأمانٍ؟!
والنوعُ الثاني الحرامُ: أنْ يرهبَ الإنسانُ مَنْ حَقُّهُ الأمانُ والرحمةُ، كأن يرهب الإنسانُ أخاه في دينهِ، أو أخاه في بلدِهِ، أو جارَهُ، أو مَنْ لهُ عَهْدٌ أو ذمةٌ ” لِمَا رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهُمَا بألفاظٍ مختلفةٍ، ولفظُهُ كما في صحيحِ البخاريِّ عن عبدِ اللهِ بن عمرو Ù€ رضي اللهُ عنهما Ù€ عن النبيِّ Ù€ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ Ù€ قال: ” المسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ من لسانِهِ ويدِهِ، … ” وما ثبتَ في مسندِ الإمامِ أحمدَ بلفظ ” الناس “… قال: قال رسولُ اللهِ Ù€ صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلمَ Ù€ في حجةِ الوداعِ: ” ألا أُخبركم بالمؤمنِ: Ù…ÙŽÙ† أمِنه الناسُ على أموالِهم وأنفسِهم، والمسلمُ من سلِم الناسُ من لسانِه ويدِه، …”ØŒ وجاءَ عندَ الإمامِ مسلمٍ: ” المؤمنُ مَنْ أَمِنَهُ الناسُ على أموالِهم وأعراضِهم”.
ومن أشار إلى أخيه بحديده أو سلاح تلعنه الملائكة حتى يضعها، فقد روى مسلمٌ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه، أن النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قال: ” من أشارَ إلى أخيهِ بحديدةٍ فإنَّ الملائكةَ تلعنهُ حتى يَدَعَهَا، وإن كانَ أخاهُ لأبيهِ وأمهِ “. هذا هو الإسلامُ المُفْتَرَى عليهِ، وهذه هي أخلاقُ المسلمينَ، فأرونا أخلاقَ غيرِهم!
فلماذا لا يعدُّ إرهابيا إذًا إلا أعداءُ الدولِ العُظْمَى وأعوانِها، ومَنْ يدفعُ عنِ الدولِ الصُّغْرَى إرهابَ تلكَ الدولِ؟ أليس مفهومُ القوةِ العظمى إرهابًا للعالمِ كلِّهِ؟ أليست القوةُ النوويةُ أو الهيدروجينيةُ أو البيولوجيةُ التي تملكُها دولٌ، وتُحَرَّمُ على غيرِها، بل يُجَرَّمُ مَنْ يَسْعَى إليها؛ إرهابًا؟ أليسَ احتلالُ الأرضِ وطردُ أهلهِا مِنهَا بقوةِ السلاحِ إرهابًا؟ أليسَ وسمُ المدافعينَ عنْ أراضيهم المغتصبةِ ” بالإرهابيينَ ” إرهابًا؟ أليسَ الفيتو الذي يَحْمِي مغتصبي الدولِ والقتلةَ، ويرسخُ مبدأَ الغابةِ؛ إرهابًا؟ بل مَنْ يدفعُ عنِ الإنسانِ في أيِّ مكانٍ إرهابَ الحكوماتِ أو إرهابَ الطواغيتِ؟ ومن يكفلُ للإنسانِ في أيِّ مكانٍ حريتَهُ وكرامتَهُ وآدميتَهُ، بل حقَّهُ في الحياةِ؟ ومَنْ يُضَيِّعُ كلَّ هذه الحقوق بالقوةِ أليسَ إرهابيًّا؟

Related posts

Leave a Comment