نظرية الاعتقاد (3) للدكتور طارق سليمان النعناعي

كيفَ لمخلوقٍ لم يكشفْ سرَّ روحِهِ التي يحيا بها، أن يتخطى ذلك إلى كشفِ سرِّ خالقِهِ!

مَنْ خلقَ الخالقَ؟
الدليلُ على أنَّ إجابةَ هذا السؤالِ فوقَ إدراكِ الخلقِ:
إنَّ وسائلَ إدراكِ الخلقِ مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بالحواسِ الخمسِ، لتكوينِ قائمةِ المعلوماتِ التي تُغَذِّي العقلَ، لتخزينِها وتحليلِها والقياسِ عليها، واستنباطِ نتائجَ مترتبةٍ عليها. وحواسُ الخلقِ محدودةٌ ومتفاوتةٌ، مما هو معلومٌ بالتجربةِ وبياناتِ المعلوماتِ عن الخلق، وعلى سبيل المثال:
عَلَى مُسْتَوَى السمع: يعجزُ السمعُ البشريُّ عنْ إدراكِ تردداتٍ منخفضةٍ أو مرتفعةٍ عما أُهِّلَ جهازُهم السمعيُّ لسماعِهِ، في حين أن مخلوقاتٍ أُخَرَ تستطيعُ سماعَ ما عجزوا عن إدراكِهِ، وأنَّ أجهزةً اخترعَها البشرُ أنفسُهم تستطيعُ إدراكَ ذلك. وَقِسْ على ذلكَ البصرَ وباقي الحواسِ، وهذا العجزُ لم ينفِ وجودَ ما عجزَ عَنْهُ الإنسانُ.
على مُسْتَوَى البصرِ: يعجزُ بصرُ البشرِ عن رؤيةِ أشياء موجودة بعيدة عن مدى قدرتهم، أو موجودة قريبة جدا، لكنها أقربُ من مدى قدرتِهم، في حين أن قدراتِ الخلقِ متفاوتةٌ في ذلك؛ فمن الخلق ما تَفُوقُ قدرتُه قدرةَ البشرِ البصريةِ. والإنسانُ نفسُه طوَّر أجهزة مجهرية أثبتتْ له وجودَ أشياء لم يكن يراها بالعين المجردة. وبناء على ذلك فعدم القدرة على رؤية أشياء بالعين المجردة لا ينفي وجودها.
وَقِسْ على ذلك قدراتِ الخلقِ وتفاوتَهم في حواسِّ اللمسِ والتذوقِ والشم، وكلُّها تؤكدُ أن عدمَ إدراكِنا لأشياء لا يعني عدم وجودها، ويدل على أن حواس الخلق متفاوتةٌ، وقاصرةٌ في الوقت نفسِهِ عن إدراكِ كل شيء موجود. وبناء على ذلك فعقول الخلق متفاوتةٌ وقاصرةٌ في الوقت نفسه عن إدراك ما لم تؤهل له، عن أن تدرك إجابة سؤال: مَنْ خلقَ الخالقَ؟
عَلَى مُسْتَوَى العقلِ: ما زالتْ ثمةَ أسئلةٌ دونَ سؤالِ ” مَنْ خلقَ الخالقَ؟ ” لم يستطع البشر إجابتها، مثل: ” ما الروحُ؟ ما كنهُها؟ ” وكل ما يتعلق بها، وهي أسئلة تخص المخلوقَ نفسَهُ، لم يستطعْ إجابتَها! فكيفَ لمخلوقٍ لم يكشفْ سرَّ روحِهِ التي يحيا بها، أن يتخطى ذلك إلى كشفِ سرِّ خالقِهِ؟! هذا بالإضافة إلى كثير من أسرار النفس البشرية، وأسرار الكون، وكلُّها في دائرةِ المخلوقِ، لم يستطع البشر أن يصلوا إلى كنهِها أو أن يحلوا ألغازها؛ وبناء علي ذلك تقف هذه الأسئلة الدونية حجةً على السائلِ، وحائلًا دونَ التدرجِ إلى مستوًى أعلى، ناهيك عن المستوى الأعلى على الإطلاق، وهو إدراك سؤال: منْ خلقَ الخالقَ؟

Related posts

Leave a Comment