شملول في السرداب للسيد شعبان جادو

الأبواب تخرج منها أضواء،الفرحة عمت كل زقاق،البسمة العذبة تخرج من بقايا السرداب

ظللت كامنا في حجرتي طوال الشتاء،هذا أسلم لي،أنتم لا تعلمون بأنني كائن يحب البرد،أستدفيء برائحة الحساء،أتدثر بالأغطية المصنوعة من صوف الأغنام،في حالات كثيرة أدخل في سرداب قديم شقه جدي تحت جدار بيتنا،حدث ذات مرة أنني دخلت هذا القبو وجدت به أشياء تتحرك،أخشاب تتكلم،ألوان قوس قزح تجمعت في نصف دائرة،انتابتني حالة من الدهشة،لم أكن أعرف بهذا السر؛الجني شملول يسكن هنا منذ ألف سنة،تزوج وكثر أحفاده،يتعاركون على موضع قدم لهم،أمطرت السماء،أخرج شملول وعاء فضيا،ملأه ماء،سقى نبتة،منذ سنوات نمت،يقال إنها منذ ما يقارب قرنا ونصف،أثمرت،حين اختبأت في هذا السرداب لأن الحياة بالخارج مربكة،بها ضوضاء،أطفال عراة،نساء لا يتسترن ،سياط تتلوى مثل ذيل أفعى!
الهام في هذا أن الرعب يومها تغلل داخلي؛تجمدت أطرافي،الخيالات تراقصت أمامي أشباحا،اعتقدت أن الأرض انشقت وبدأت أغوص في باطنها،شملول يقهقه،نساؤه يتراقصن،أحفاده يمرحون فوق رأسي،كلاليب تتخطفني،ضباب في الحفرة،يا لهذه الفاجعة!
صوت واهن يصدر أنينا تحت قدمي،أجزاء مبعثرة،أوراق متقيحة،شارة مرور متعطلة،انتبهت لكل هذا،صفعة على خدي،أدرت له وجهي،يأمرني أن أخرج من القبو،لا أمتلك غير ثوب ممزق،حذاء خشبيا،الأشياء لها أكثر من اسم،لها ألف عنوان،الأبواب أعلى يضربها الهواء في مناحة لا تكف!
في لمحة صعدت إلى أعلى،كل ظنوني تبددت،وجدت أن بي طاقة لأتنفس الهواء،رغم العنت تحسست يدي،الآن أشعر أنني بخير،شملول طاف بالمكان وضع في كوة بالجدار ورقة مطوية،فتحتها بها رسم ووشم أما الرسم فهو لامرأة جميلة،مجرد أن نظرت إلى صورتها،انطبع وشم في خدي،الآن صرت أجمل!
ترآت لي حدائق ذات بهجة،من بعيد نهر يتدفق،الشمس أشرقت،النخيل يساقط رطبا جنيا!
كلما أمطرت السماء يبكي شملول،الورود تعطر الأجواء،انتبهت جيدا،الأقدام المحناة تختال فوق سجادة أعجمية،أمسكت بي إنسية،ابتسمت لي،عقارب الساعة تشير إلى ساعة العيد!
الأصوات الندية تتماوج،التكبيرات تصدح في الأجواء.
شملول جمع أهله،السرداب اختفى،قوم يولولون،وآخرون مبتهجون، المهدي يركب أتانا،ومن حوله الجوعى والعطشى،شملول سرق المقود،كانت وراء الباب عصا توارثتها عن جدي الحسين، حين عادت الخيول من كربلاء،حرصت الطاهرات أن يضعنها في جوف النهر،حبات من عنب تدلت في فمي،سرت الروح في جسدي، ظلي بدأ يقارب نصف الأرض،ذؤابة عمامتي ذات شقين كأنهما ضفيرتان من رأس فتاة!
الأبواب تخرج منها أضواء،الفرحة عمت كل زقاق،البسمة العذبة تخرج من بقايا السرداب،أما أنا فنظرت ناحية مشرق الشمس،اختال الموج برقصة فضية لأشعة متكسرة ساعة الأصيل،القبو تلاشى بل تباعد وراء الغمام،آيات تتلى،شيخ مهيب يقال له الخضر بن عام،أعاد الجدار مكانه،المفتاح الصغير ثقب القفل،توزعت الصغيرات بأجنحة يمام،السعادة شملت البيت الحجري،جميزة عجوز تخرج ثمارا في حجم التفاح،مددت يدي،ابتهالات بصوت يقارب النقشبندي،تطوحت يمنة،عن يساري يتأوه شملول،وخزات فوق جلدي،الوشم اختفى،التجاعيد تتبدل كساء من مرمر!

Related posts

Leave a Comment