شفة متحجرة للسيد شعبان جادو

صباح هذا اليوم ركبت القطار في مقاعد الدرجة الثالثة، ومن عادة الناس فيها أنهم يتبسطون في حواراتهم وقد توثق بينهم العلاقة لدرجة أن يودع أحدهم جاره وهو يذرف الدموع،شعب تذوب بينه الفواصل سريعا،وقد كنت أعلم أن الفصام المفتعل سيذهب سريعا.

استمعت إليها عفو خاطر،ولما تواصل حديثهما ،تصنعت القراءة في صحيفتي.
تنهدت في حسرة فقد مضى عمرها سربا،مثل الماء من بين أصابع كف مكتنز،هي الآن أرض أصابها البوار،مثقلة بالوساوس ،تقف عند منتصف عمرها وحيدة،الليل موحش،تمضي ساعاته كلها هواجس العجز،نظرت في امرأة قبالتها وقد ازدهت بحملها مثل أشجار الياسمين،تغضن وجهها.
أخبرته أنها هي من فعلت هذا بنفسها،ليتني ما طالبت بتطليقي،عند أول إنعطافة غادرت البيت،بدأت تصف جمالها في ثنايا حوار تمسك خيوطه:غرني أن لي الوجه الأبيض،والشعر المتهدل مثل أعواد الصفصاف،تباهيت كثيرا بهذا الرونق المخادع لا حيلة لي فيه،بدأ الجالس قبالتها يسرد حاله،كأنما هما يشتكيان نفس الألم،تركت لي الصغار،بدأ دمعه يخالط محجريه،توشك أن تسرع وتمسح بمنديلها الورقي عينيه،وجدت هذا في حركة يديها العفوية.
من يرضى برجل آيس من دنياه،ومعه أطفال مثل حملان افترس الذئب أمهم؟
أنا!
تلك كانت إجابتها.
حين تصاب المرأة في خريف عمرها بالبرودة تتمنى أن لو تجد دفء رجل،تعطيه قلبها رجاء ألا تتكلس في شرنقة النسيان.
طافت بذكرياتها،شعرت أنها ترجوه أن يخطو للأمام،غالبت حياءها،وهل لمن وجدت حبل نجاة ألا تمسك به؟
صغارك سأضعهم تحت جناحي قلبي،أرضها عطشى وقد لاح النهر يروي تلك الشقوق.
بادرها: لم هذا؟
-كم أكره أن يقال مطلقة.
لا أريد أن يلازمني هذا اللقب الكريه،وهل هناك امرأة يسرها ذلك الخنجر؟
تأوهت متحسرة؛حين نظر صوب نافذة القطار،ربما مل حديثها،أو لعلها أحيت له بحديثها أملا ظل يواريه.
مثل تاجر يجهد أن يصرف بضاعته التي كسدت،ولارواج لها إلا أن يدلل عليها.
أخبرته أنها تمتلك شقة ورثتها عن أبيها،ثم هي تختزن في المصرف أموالا،لا مانع لديها أن يأتي ويعيش معها،هكذا بعفوية لا تصدق،وجدت حلا لمشكلته ،هي في الحقيقة تدفع عن نفسها شرا.
لو كنت مكانه ما ترددت،لكنه ظل واجما،يبدو أنهما تعارفا من قبل،نبرة حديثهما غاب عنها التحفظ،فالمرأة دائما تتحسب في كلامها،ولأنها تعرض بضاعة قل من يدفع لأجلها.
دار بي الخيال،في لحظة كانت هي زوجتي،بالفعل بنيت لذلك الخاطر مدن الرمال،ثم جاء موج البحر فابتلعها سريعا.
صوت هاتفي يصدر رنينه،خمس مكالمات لم أنتبه لها،كنت في عالم آخر.
أمسكت بهاتفي،فإذا برسالة من زوجتي:أنا على محطة القطار،احجز لي مقعدا،مسرعا غادرت مكاني،دون أن أدري سببا لهذا،وجدت في المربع التالي ،مقعدا مزدوجا،توقف القطار،نزلا متجاورين،هممت أن أهمس في أذنه بكلمة،صعدت زوجتي،أخذت بيدي،شعرت أنها غير من تركت،قلبها يتابع نبضه مثل عروس في يوم زينتها بدت أمامي،أشارت علي أن نكمل الرحلة إلى الإسكندرية،اليوم السادس عشر من مارس يوم مولدها،اخبرتها،ابتسمت؛وأيضا يكون مضى على زواجنا عشر سنوات!

Related posts

Leave a Comment