الشقراء للسيد شعبان جادو

نسيت أن أخبركم أنني كنت أعمل،بالفعل نسيت مهنتي،

آن لي أن أدون بعض سيرتي التى بحق تستحق أن يعلمها الآخرون،كل ما فيها -من وجهة نظري- يستحق القراءة،في الصباح أجد سعادتي في ارتشاف كوب من الشاي،أطالع نفس الصحيفة التي ورثت معرفتها عن أبي،ثم يحلو لي أن أقف بشرفة البيت المطلة على الشارع،بائع الفول،ماسحو الأحذية،الصغار يذهبون إلى مدارسهم،السيارات تخرج عادمها الذي ازداد سوادا عن ذي قبل،البيوت تحول لونها إلى صفرة مقيتة،العادات التى نشأت عليها لا تتغير،الساعة تقترب من الساعة العاشرة صباحا موعد النشرة اليومية المفضلة،ها هو صوت “ماجد سرحان” في بي بي سي،يأتي قويا أحسبه يبث مع صوته أنشودة الإنسان،على كل غادرت زوجتي البيت منذ ساعة،تعرفون أنني لا أحسن شراء الخضروات،النسوة في السوق يستغللن سذاجتي،لست بطبيعة الحال من ذوي الياقات البيضاء،نعتاش على المعاش سافر ولدنا بعيدا،كم أشتاق إليه في هذه الساعة من ذلك الصباح،إنه مولع بالمعلومات،يعمل مهندس إتصالات،أخبرني في الصيف الماضي أنه تزوج فتاة شقراء،يومها وزعت الحلوى على كل المارين ،أنا أسكن في تلك البناية العتيقة،بناها جدي منذ مائة عام،فيما مضى كنت مولعا بتتبع الأخبار القادمة من القدس،كنت أسعد كثيرا حينما أستمع لأصوات الشباب الهادرة مثل شلال،الآن تلك الوجوه المدعشنة تطفو على الساحة،أنا لا أحبها تتوارى خلفها أسرار وأسرار،ربما بعدما أكمل مائة عام ستظهر حقيقتها،القطة البيضاء تقترب من النافذة،هي ماهرة تستطيع أن تتسلق الجدار حتى تصل إلى شقتي التي تحتل الدور الثالث، هذه المرة أمسكت بعصفور صغير بين أسنانها، تضعه سليما على سفرة الطعام،أدركته قبل أن يفترسه الغراب،لكم افترس من صغار!
لا دخل لي بالسياسة فأنا رجل يعيش على هامش الأحداث،فقط أحتسي الشاي وأستمع إلى نشرة الأخبار،نسيت أن أخبركم أنني كنت أعمل،بالفعل نسيت مهنتي ،لأنني لم أجد عملا أقوم به غير تقصي الحكايات،أدون حضوري كل يوم في سجلات الموظفين،كثيرا ما كنت أنسى التوقيع في نهاية اليوم،تذكرت الآن إنهم أفردوا لي مكتبا لأتلقى شكايات المواطنين،السلة تمتليء ،ثم يأتي الساعي ويذهب بها بعيدا ،لم أكن أراه،تعبت كثيرا في تدوين ملاحظاتي على بقية الأوراق البيضاء،الكلمات المتقاطعة كنت أحلها منعزلا ،في مرة اشترت زوجتي بعض الفاكهة وجدتها ملفوفة في سجل كبير كنت كتبت بعض قصصي القصيرة به،كانت تلك القصة معنونة ب:حلم على قارعة الطريق!
الساعة تقترب من الثانية عشر ظهرا،علي أن أستعد لمغادرة حجرتي،الظهر اقترب،سأنزل للصلاة ،لي موعد مع أصدقائي،سنمضغ بعض الحكايات،ربما يكون في الليل حدث شيء لم نسمع به،على الباب دقات متوالية ،لم أعتد ذلك منذ ما يقارب عشر سنوات،لقد كانت لولدي،هل عاد بالفعل؟
ربما،وهل له أن يترك الشقراء ويأتي إلى هنا،سيكون بحق موهوما،الناس مرغمة تتمنى ركوب البحار،هل يعود إلى هنا ليكون مثلي يرتشف الشاي ويتسكع عند قهوة الغلال؟
أسرعت وفتحت الباب،إنها هي وقد جاءت وعلى يديها طفل صغير تحمله،الشقراء عادت ومعها بعض ولدي.

Related posts

Leave a Comment