في جنازة كريمة مختار، رحمها الله!

ما لك، أنفَستَ عليَّ الشهرة، أم خفتَ أن أحظى دونك بأحد العقود الفنية!

إلى مسجد سيدنا عمرو بن العاص -رضي الله عنه!- الجامع نمشي من قديم كل جمعة أنا وأولادي؛ فنتنسم ذكرى الصديقين والشهداء والصالحين، وننتسب إلى سيد النبيين -صلى الله عليه، وسلم!- حتى صارت لنا به حال وفيه مقام ومقال.
واليوم (15/4/1438=13/1/2017)ØŒ ركبنا إليه سيارتنا مضطرين بما نحمله، لعملٍ بعد الصلاة نعمله. وارتحنا إلى صاحب الرصيف الذي أوقفنا على رغم الزحام قبالة الباب الأكبر، فزحمتنا حشود مألوفة وحشود منكورة، ووجدنا بعضهم يستغرب بعضا، وإذا سر ذلك وفاة “كريمة مختار” الممثلة المصرية المشهورة، المأتيّ بها إلى هذا المسجد الجامع لتصلي عليها هذه الحشود التي لا يتسع لها غيره ولا يحظى بها.
أعرضنا عن المشتغلين بتفرس وجوه المشهورين، وتقدمنا إلى حيث تعودنا أن نصلي، ثم جلسنا نستمع إلى قارئ السورة الذي فاجأنا بقطعها وقراءة آيات النفس المطمئنة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) [الفجر : 27-30])، طمأنة لأهل الراحلة وفيهم معتز الدمرداش ابنها الإعلامي المعروف، وأشرف زكي نقيب المهن التمثيلية- ثم نستمع إلى الدكتور أشرف مكاوي خطيب الجمعة، وكنا قد ميزناه بفطانة التفكير وفصاحة التعبير وعذوبة التنغيم.
اختار الخطيب أن يكلمنا في السعادة وسبلها؛ فمهد لذلك بأوهامها في خيالات متوهميها، وزيّفها، ثم ذكر أن السلوك إليها إنما يكون من سبيل الإسلام والإيمان والإحسان والرضا، واستطرد إلى مشاهداته بأوروبا، وثوّر ذلك كله بشواهده من قصص السابقين وحكمهم، وازددنا اعترافا له بتلك الفطانة والفصاحة والعذوبة!
صلينا الجمعة، وختمناها بما يتيسر من قبل صلاة الجنازة التي لم تنقطع عن هذا المسجد الجامع قط، لنتأخر بصفوفنا قليلا وتُقدم جنازات ثلاث نساء ورجل، متجاورة متجهة الرؤوس إلى يمين القبلة، ثم صلينا عليها جميعا بعد أن نبه الإمامُ الذي كان الخطيب نفسه، المصلين على ما ينبغي أن يعملوه، ورفع صوته في الصلاة هونا ما، ثم فرغنا، فتسنّنّا، وبادرنا الحشود قبل أن تغلبنا على الأبواب، وإذا هي قد تلبثت قليلا لمن آثر الراحلة المشهورة بدعاء يُتَلفز؛ وخلت لنا إلا قليلا بعض الأبواب الجانبية!
ولقد ندمنا على ما ركبنا، ولو كنا نعلم الغيب ما آثرنا على أقدامنا ركوبة مهما كانت؛ فقد سال بسيارتنا السيل، وماج بها موجه؛ فخفنا كل حركة، ويئسنا من الخلوص بأنفسنا، وجعل الناس يتفرّسون وجه هذا الجالس عن يمين السائق، اللابس ملابس سوداء مريبة، يبحثون فيه عن ملامح المشهورين، حتى تضجّر السائق؛ فنهره الراكب عن يمينه:
ما لك، أنفَستَ عليَّ الشهرة، أم خفتَ أن أحظى دونك بأحد العقود الفنية!

Related posts

Leave a Comment