متاهة الشيخ للسيد شعبان جادو

صرت أبكي سنوات عمري التى سرقها ØŒ مطالب نفسي التى أماتها، أن أختار قلمي، أن يكون لدي ما أحب أن أفعله…

بقلبي بعض الجراح ألتمس لها الشفاء عنده، كنت فيما مضى أحد السائرين في الطريق إليه، كثيرا ما أحببت الجلوس بين يديه، للحديث معه طعم لا يعرفه إلا من حظي بالقرب منه، أكان طبيب نفوس؟
ربما !
كنا نتحلق حوله والهيبة في محضره تمنعنا أن نتناقش، فقط هو يتكلم ، يبدو أننا صرنا أجسادا بلا عقل، استلبها منا عند عتبة بيته، كانت بالفعل عالية ، حين كنا ندلف من الباب، تتغشانا حالة من الرهبة ، في كل مرة حين أغادر ، أعزم ألا اعود ،لا أدري ما الذي أتى بي اليوم؟
نعم أمقته ، أتمنى ألا أجده، إنه يشعرني بعجزي، يتركني أعتمد عليه، أفكاري وآرائي نبت يديه، لقد استرقني، جهدت أن أمزق ذلك الغطاء الذي دثرني به، صرت تابعه، هكذا يقولون عني!
لقد تحولت إلى نسخة طبق الأصل منه، حتى ملامح وجهي من رآني من بعيد ظنني ولده !
تبا للعمى ، أي جناية بحق ذاتي اقترفتها؟
لقد تركني أبي إليه، دفع بي إلى حلقات درسه ، كان رجلا طيبا ، أدى الأمانة، لكنه في الحقيقة تسلل إلى عقلي، اكتفيت بمقدماته ومن ثم أتوصل دائما إلى ما يفترض من نتائج، إنه لص بارع ، ليته ما تعهدني، كم كنت أتمنى موته!
أي جنون دفع بي أن أعلن كراهيتي له!
سيقال علي مريد عاق!
لا يهم ؛ علي أن أسترد ذاتي المنتهبة عمدا، لقد أفسد عالمي، تركني جسدا بلا روح ، أريد أن أهتف في كل ميدان ، يسقط معلمي !
أتمنى أن أختار ما أحب ؛ فقد قتل في رغبة الإرادة ، صرت أتبعه مثل الواقف بالوصيد، حذرني منها، نهرني حين أسررت إليه بأنها ذات جمال!
صدني عن ذلك الشعور، وفي المساء كان قد بنى لها بيتا جديدا؛ بدأ يعيد عمره الهارب منه عبر قراءة رغباتي، تغيب كثيرا عن درسه ، بل انقطع تماما، وها أنا الآن الشيخ؛ رفعني التلاميذ مقامه، تقلدت ألقابه، صرت مباركا !
هكذا تقول الأمهات حين يلتمسن شفاء لأطفالهن عندي وما أنا طبيب، إنها حالة من استلاب؛ خدرها لذيذ، بدأت أشعل في المريدين روحا جديدة ، ألقيت بثيابه بعيدا ،قذفت بعصاه عرض الحائط، التغيير ؛ تلك الكلمة التى أماتها فينا، وجب الآن أن نبدأ في العمل بها، الحوائط تحولت إلى لون آخر، حتى الأقلام هي الأخرى أشعلنا فيها النار!
اليوم امتلأت الحجرة بالمريدين، كلمات جديدة، مثل زهور الربيع بدأت تتفتح،ثمة شعور بأن العالم به أفكار جديرة بأن نجربها، لأول مرة ننظر في المرآة ، هالنا أن ثيابنا ممزقة ،عقولنا مثقوبة، لبيوتنا معطن كريه، نحن نعاني من البله، هكذا توصلت للنتيجة التى أبعدني عنها ذلك المعلم!
صرت أبكي سنوات عمري التى سرقها ، مطالب نفسي التى أماتها، أن أختار قلمي، أن يكون لدي ما أحب أن أفعله، لأول مرة أمسك بالمذياع يعلو صراخي، يزاد نشيجي: أنا
لست ملكا من السماء
لست خاطئا كالشيطان
أهوى الحياة كريمة لا قيد لا استخفاف بالإنسان!
من بعيد رأيته ، لقد عاد مرة ثانية ، إنه ماكر، يحاول أن يعيدني بحيله ، أن يعطيني بعض أماني؛ تخلصت من شركه، جريت بعيدا، نظرت خلفي وجدتهم معه وأنا وحدي!
انتبهت على صوت المذياع : عاش المسيح المخلص
إنه رسول هذا الزمان!

Related posts

Leave a Comment