شجرة الحضارة

وإنما الشجرة أصل في الأرض وفرع في السماء، لولا الأصل ما كان الفرع، ولولا الفرع ما عرف الأصل. ولا سموق للفرع إلا بغؤور الأصل ورسوخه، والعكس بالعكس؛ فلو لم يكن من طبيعة الشجرة سموق الفرع لم يكن من طبيعتها كذلك غؤور الجذر ولا رسوخه.

ليس أشبه بحضارة الأمة من الشجرة تغرسها في طريق الأمم؛ فكلما مرت أمة فاءت إليها، واستفادت منها، ثم استنت بسنتها؛ فغرست معها شجرتها، وهكذا دواليك حتى يزدان بالشجر الطريق كله، ويستمر الانتفاع والاستمتاع.
وألطف ما ينبغي أن يذكر في هذا المعنى سؤال رسول الله -صلى الله عليه، وسلم!- صحابته -رضي الله عنهم!- عن النخلة، قائلا: “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي” -والفرد مثال الجماعة- فليس أشبه به إذا صلح من الشجرة الكريمة المثمرة النائلة.
وإنما الشجرة أصل في الأرض وفرع في السماء، لولا الأصل ما كان الفرع، ولولا الفرع ما عرف الأصل. ولا سموق للفرع إلا بغؤور الأصل ورسوخه، والعكس بالعكس؛ فلو لم يكن من طبيعة الشجرة سموق الفرع لم يكن من طبيعتها كذلك غؤور الجذر ولا رسوخه. وقديما استحمقت العرب بقلة تنبت في مسيل السيل وهي لا تستمسك حتى إذا ما جاء سال بها!
وما أصل شجرة الحضارة الذي في أرض طريق الأمم غير معنوياتها (عقيدتها وما تفرع منها وانبنى عليها وانبعث لها، من علوم ومعارف وخبرات، وأقوال وأفعال وإقرارات، منذ كانت إلى أن تزول)، ولا فرعها غير مادياتها. وإذا اشتبهت في الظاهر فروع الأشجار امتازت في الباطن بنسغ الخصوصية الذي يصعد إليها من أصولها المختلفة أبدا. وإذا انقطعت الفروع أنبتت غيرها الأصول.
وما أكثر ما هبت على شجرة حضارتنا العربية الإسلامية الأعاصير العواصف، فاقتطعت فرعها! وما خبر البغي الصليبي بخفي، وقد طال قديما حتى لم يكن يخطر للبغاة أنه زائل، ثم أزاله عمل الأصل الصحيح الغائر الراسخ، واستبدل بفرعه فرعه، وراجع أمره!
فكيف بشجرة حضارتنا العربية الإسلامية اليوم وقد تدسس إليها البغاة، حتى يستبدلوا بأصلها أصلا غيره، ويطمئنوا إلى ما سيتفرع عنه! نعم؛ فهذه عقيدتنا تتجرد قليلا قليلا مما تفرع منها وانبنى عليها وانبعث لها، من علوم ومعارف وخبرات، وأقوال وأفعال وإقرارات- حتى تتفرد؛ فتتبدد مفاصلها، وتمحي معالمها؛ فلا يدري أحد أين يجدها، ولا كيف يعرفها!

Related posts

Leave a Comment