السيد م للسيد شعبان جادو

سعد بهذا الدور ،قرر أن يكون الرجل الذي كان سريا ، كتب لافتة : الرجل السري مستعد لتقديم النصائح ،على سكان الحارة أن يمنحوه ثقتهم ، من الغد لن يختفي الرجل السري، يكفيه منكم الجبن كل الجبن؟

ولأن السيد(م) دائما يلتفت حواليه،كل نظرة من العابرين الذين يقابلهم في طريقه إنما هي تلصص عليه، يظن الجميع يشيرون إليه،إنهم يعدون عليه خطواته،يحصون كلماته،ثيابه موضع انتقادهم،كلماته تثير سخرياتهم،لون حذائه الباهت ونعله المنكسر،الجميع لاهم لهم إلا السيد(م) وأحواله، هكذا ظن بنفسه الظنون.
لاينام حتى يتأكد أن الجميع قد نام،فلربما حديثهم كان عنه!
حاول أن يتزوج قوبل طلبه بالرفض؛من يزوج رجلا غامضا مثل السيد(م) حتى أطفال المدارس وطلبة الجامعة بدأوا يلوكون حكاياته،الأمهات حين يرونه يجرين مسرعات؛كان حديث الليل عنه مرعبا.
السيد (Ù…) يتحاشى أن يلتقي بالناس؛يذهب لعمله قبل شروق الشمس، إنه يتجنب المتطفلين، أثارت حالته تلك فضول الرجل “السري” لم يكن في الحقيقة مجهولا،له نظارة سوداء ويرتدي نفس المعطف الأسود صيفا وشتاء،بيديه الصحيفة الصفراء لايغيرها،أعلم أن تلك أوصافه في السينما المصرية،وهل نحن إلا في ملهاة تتحول تدريجيا إلى مأساة واقعية؟
نفس الوجوه الكالحة التى تتربص بأحلامنا تتجسسعلى الغد،بعدما سودت الماضي ،حتى موضعه من المقهى كما عرف به لايغيره،يستمع إلى نفس الترددات المتكررة :
“ألفا”ØŒ”بيتا” ØŒ يمسك بالقلم ØŒ يكتب بحبر سري،يوهمك أنه يفك ” الشفرة”!
السيدات المطلقات كان لديه خبر عنهن،يتدخل في حالات كثيرة؛ ليصلح بينهن وبين أزواجهن ،يأكل من يد من ترجع لزوجها حماما بالفريك، لا يدري لم الحمام بالذات؟
لم لا تكون دجاجة أوحتى سمكا مشويا؟
لبراعته كان الجميع يأخذ بنصيحته،أو قل يمتثلون لتوجيهاته، لصفته ولسطوته، من يخالف عن أمره فهناك دائما زبائن للمخفر ذي السجن الكئيب،ومن ثم تكون حفلة حتى الصباح!
الرجل السري كان مرعبا للرجال محبب إلى النساء،ولأن السيد(م) كان غامضا فقد لفت انتباه الرجل الذي كان يعتقد به السرية، بدأ يحاول فهم شخصية السيد(م)،تأويلاته وافتراضات بدأ يقدمها ويعلل بها سر غموض السيد(م) هل هو لص كبير ، لعله زعيم تنظيم خطير،أو هارب من الأيام،ولكي يتقن سريته أكثر خلع معطفه الأسود،ألقى بنظارته السوداء بعيدا،غير من صورته ،تأنق في كلامه ،برع في لعب دور الحاوي المتخفي،بدل الجريدة الصفراء، أمسك بكتاب ذي غلاف أرجواني، شعر رواد المقهى بأن ثمة تغيير، ظنوا أن الرجل السري قد صار ظاهرا، بدأت النسوة يحذرن في كلامهن، ويراعين أدق التفاصيل، تنفس الرجال الصعداء، تجرا أحدهم فضرب زوجته على ملأ من الناس، بدأ المأذون يأتي ليطلق الشاردات منهن ؛ رحم الله أيام الرجل السري، لم يختف فقط انشغل بالسيد (م) انصرف كلية لرصد أحواله وكتابة تقارير يومية عن غرائبه.
ولأن الهدوء خيم على الحارة ،الغرباء دبت أقدامهم ،كثرت الحكايات وانتشرت الشائعات ،في هذه المرة كان السيد(م) محورا لموضوعات شتى !
السيد (م) رجل المهام الصعبة ،السلطة وضعت ثقتها فيه،كل من يقابله يبتسم له ،يقدم له التحية .
أعجب السيد (م) بذلك التغير الحادث،صدق نفسه، هو رجل هام، بدأت نساء الحارة يعرضن عليه مشكلاتهن ، بؤرة اهتمام رواد المقهى ،يتناول أكواب الشاي مجانا ،يعطيه الجزار اللحم بثمن زهيد،بدأ مقعده المنتدى؛ يجلب الزبائن للمقهى ،الحكايات لاتبدأ إلا إذا كان حاضرا، الرجل الذي كان ثريا يوما ما خاف على منصبه؛ السيد (م) قد يشي به، أو يكتب فيه تقريرا أسود، السيد (م) نال نظارة سوداء تبرع بها طبيب الوحدة الصحية،أحد تجار السبتية لما علم بنفوذ السيد (م) وهبه معطفا ،قد يكون ارتداه أحد سكان سوقها قبل أن يرحلوا!
السلطة لابد أن يكون لها أذن لم تجد غير السيد (م)، الحارة سرت بهذا،لا يصح أن تبقى دون رجل سري أو ثري لا يهم ، وهل هناك أفضل من السيد(م)؟
سعد بهذا الدور ،قرر أن يكون الرجل الذي كان سريا ، كتب لافتة : الرجل السري مستعد لتقديم النصائح ،على سكان الحارة أن يمنحوه ثقتهم ، من الغد لن يختفي الرجل السري، يكفيه منكم الجبن كل الجبن؟

Related posts

Leave a Comment