شخصية الشهر أ.د.محمد جمال صقر، حوار أ.مصطفى يوسف (مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية)

تبدو شبكة الإنترنت من جدواها الكبيرة، كأنما وُجِدَتْ لخدمتي أنا وأمثالي من القراء والكُتّاب المشتغلين عن السياحة في الأرض؛ فكأنما ارتحلوا بها عُذَافِرَةً كَمِطْرَقَةِ الْقُيُونِ (ركوبة قوية)؛ فاحتملتهم، وطوَّفت بهم كل فج! نعم؛ فإنهم إذا اشتكوا من قبلُ انقطاعهم من أشباههم وعن أصحابهم واستعصاء المناشر المريبة عليهم، فقد حظوا من الشبكة ما شاؤوا، بمواصلة الأشباه، وصار لهم أصحاب من كل مكان، واستبدلوا بتلك المناشر الجائرة مناشر أخرى أكثر إنصافًا واستيعابًا وانتشارًا.

http://www.m-a-arabia.com/vb/showthread.php?p=24246#post24246

شخصية الشهر
تهدف زاوية (شخصية الشهر) إلى إلقاء الضوء على أحد أعلام العربية في الوطن العربي، سواء أكان ذلك بالحوار أم بالكتابة عنه؛ وذلك بهدف إبراز الوجه التنويري والتثقيفي لهؤلاء العلماء، وتقريب مؤلفاتهم للمثقف العربي، وهذا غيض من فيض نحو حق هؤلاء العلماء علينا.
12- الأستاذ الدكتور محمد جمال صقر
أستاذ النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم جامعة القاهرة
وعضو مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية

محمد جمال عبد الحميد عبد المعز صقر (1385هـ =1966Ù…): كاتب، أديب، لغويّ. تخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1987ØŒ ثم حصل من قسم النحو والصرف والعروض بالكلية نفسها على الماجستير عام 1993ØŒ ثم على الدكتوراه من الكلية عام 1996. ثم حصل من جهات مختلفة على دورات تدريبية متنوعة، منها: إعداد المعلم الجامعي، وصياغة المشروعات البحثية، ومهارات العرض الفعال، وإدارة الوقت والاجتماعات… إلخ. تدرج في وظائف أعضاء هيئة التدريس بالكلية نفسها حتى عُيِّن 2012 أستاذًا للنحو والصرف والعروض، وهو الآن أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس. من أعماله العلمية: “الأمثال العربية القديمة: دراسة نحوية”ØŒ Ùˆ”علاقة عَروض الشعر ببنائه النحويّ”ØŒ Ùˆ”سِرْب الوَحْشِ: أَبحاث نَصّيَّة عَروضيَّة”ØŒ Ùˆ”إذا صَحَّ النَّصُّ: أبحاث نصيّة نحويّة”ØŒ Ùˆ”مهارة الكتابة العربية”ØŒ Ùˆ”ظاهرة التوافق العَروضيِّ الصَّرْفيِّ”ØŒ Ùˆ”خصائص الأسلوب العماني بين الشعر والنظم”ØŒ Ùˆ”رحلة البريمي: مشكلات تدريس علوم اللغة العربية”ØŒ Ùˆ”مناقشاتي”. ومن أعماله التعليمية: “دليل المتثقفين”ØŒ Ùˆ”نديم النحويين: حوارية خيالية”ØŒ Ùˆ”في مقام الاستماع والتحدث”ØŒ Ùˆ”في مقام القراءة والكتابة”. ومن أعماله الفنية: “لُبْنى”ØŒ Ùˆ”بَراء”ØŒ Ùˆ”نجاة من النثر الفنّيّ: مقالات ومقامات”ØŒ Ùˆ”في الطريق إلى الأستاذية: منارات مسموعة مرئية”ØŒ Ùˆ”مواقفي”. ومن أعماله التثقيفية: “منمنمات على جدران المجالس العربية”ØŒ Ùˆ”هرم الأفلاج”. تلمذ للأستاذ محمود محمد شاكر. ونال جائزة قسم علم اللغة بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة، أعوام 84ØŒ Ùˆ85ØŒ Ùˆ1987 عن أدائه التخصصي، وجوائز مؤَسسة “اقْرَأْ” الخيريَّة بالقاهرة، ونادي جامعة القاهرة عدة مرات من عام 1994 إلى 1997ØŒ عن بعض شعره وقصصه، وجائزة جامعة القاهرة التشجيعية عام 2007Ù… عن مجال العلوم الإنسانية والتربوية.

• الثقافة هي أساس الحضارة الراسخ، واللغة هي قلب الثقافة النابض، والشعر هو عصب اللغة النافر، والعروض هو دم الشعر الدافق.
• كأنما وُجِدَتْ شبكة الإنترنت لخدمتي أنا وأمثالي من القراء والكُتّاب المشتغلين عن السياحة في الأرض.
• ينبغي أن يؤمن مؤلفو الكتب العلمية والمدرسون والطلاب ومديرو المؤسسات التدريسية، أنهم كيان واحد.
• لابد للآباء من تثقيف أبنائهم في مراحلهم الأولى، تثقيفًا أصيلاً لا زائفًا، يقفون منه على أرض صلبة ثابتة.
• من أَجَلِّ الأعمال أن يُجنِّب المعلم كلَّ من يجده دون المرحلة التي صار فيها، فيعالج ضعفه بكل علاج، ليعود إلى مرحلته.
• أرنو إلى مستقبل مجمعي مكي شبكي باهر، تأتلف فيه عقول اللغويين والأدباء العرب والمستعربين جميعًا، على جهود كبيرة كثيرة متصلة.
• ليس الإتقان أن نعمل ما يعجب الناس، بل أن نعمل كل ما يمكننا عمله.
• نتواصى بأن نتجنب صغار الأخطاء مثلما نتجنب كبارها؛ فإن التفريط في الصغير أول التفريط في الكبير.

كل هذا وغيره كثير… فإلى تفاصيل الحوار:

• في البداية نود إلقاء الضوء على الشخصيات والمحطات المؤثرة في تكوينكم العلمي، وكذا آخر مشاريعكم البحثية ومؤلفاتكم العلمية.
ج/ لا ريب في أثر أبويّ الكبير فيّ؛ فأما الوالد -رحمه الله-فكان أحد علماء الأزهر، فقيهًا خطيبًا شاعرًا خطاطًا مزخرفًا حافظًا نديًّا. ومنه ورثت محبة اللغة والأدب، وبه اشتغلتُ بجمع القرآن الكريم. أما الوالدة -رحمها الله-فكانت من بيت علم ومسؤولية، ذكية قوية مسنونة المشاعر، ومنها عرفت الأنفة والثقة والجلد والصبر والدأب. وكذلك أختي -أطال الله في النعمة بقاءها-العالمة الكاتبة النابهة. وبها صمدت لمراحل الدراسة المنظمة، وعرفت الإيثار والحدب. ثم الأستاذ محمد عثمان بالابتدائي والأستاذ إبراهيم بالإعدادي والأستاذ عبد القادر إسكاف بالثانوي -رحمهم الله أحياء وأمواتًا -أساتذة اللغة العربية الأفضلين. ومنهم عرفت كثيرًا من أصول اللغة والأدب وفروعهما، واقتدرت على الوقوف في مقاماتهما. ثم الأستاذ محمود محمد شاكر -رحمه الله-أستاذنا أستاذ الدنيا، لسان الحضارة العربية الإسلامية الصائل الجائل، ومنه عرفت غايتي، وبه استقمت على طريقي إليها.
ثم لا ريب في أثر كُتّاب الشيخ أحمد بجامع عمر بن الخطاب ومدرسة شجرة الدر الابتدائية النموذجية بمدينة بني سويف؛ ففيهما تأسست معالم ميولي اللغوية الأدبية، ثم أثر مدرسة حفر الباطن الثانوية بمدينة حفر الباطن السعودية الشمالية؛ ففيها تفجرت كوامن همتي لطلب العلم، ثم أثر كلية دار العلوم بجامعة القاهرة؛ ففيها استوت مهارتي اللغوية الأدبية، ثم أثر سَفْرَتي الأولى إلى قسم اللغة العربية وآدابها من كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس؛ ففيها تطورت مهارتي اللغوية الأدبية بما لم يكن في البال، ثم أثر جواري الشريف بالمدينة المنورة في سَفْرَتي إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم من جامعة طيبة؛ ففيها انصهرتُ في مَصْهَر تجربةٍ خاصة جدًّاثم أثر وَقَفَات 25 يناير الثورية المصرية؛ فبها انماز بي ولي كثير مما اختلط!
وما ألطف أن أصل الكلام عن أولئك الأئمة المؤثرين وهؤلاء المقاطع المؤثرة، بالكلام فيما أعمل؛ إذ به يستمر الأثر ويتجلى الخبر! وأعمالي كثيرة متنوعة، فرغت أخيرًا من نشر بعض تحقيقاتي التراثية العمانية (مظهر الخافي للخليلي، وديوان الحكالي)، ومن بعض كتبي التثقيفية الإلكترونية (تغريدات القشيري، ويا لغتاه)، ولكن آخر ما يشغلني تجهيز أدوات تأمل بعض السور وبعض القصائد، صادرًا في اختيار هذه وتلك عن تقدير خصوصيةٍ بنائيةٍ ظاهرةٍ كفيلةٍ بالتنبيه على وجه باهر من الحراك اللغوي العربي.

• يولي الدكتور محمد جمال صقر علمي العَروض والقافية عناية خاصة. هل لا تزال دراسة علمي العَروض والقافية حاضرة بقوة في الكليات المتخصصة، وهل هناك أجيال تتلقى الراية في تعلمهما وتعليمهما؟
ج/ علم العروض (علم وزن الشعر وتقفيته)، علم عزيز تأليفًا وتدريسًا وتعلمًا واعتمادًا، تتفاوت في تقدير قيمته المؤسسات العلمية والتعليمية التأسيسية والتكميلية؛ فمنها ما يهمله تمامًا وكأن لا وجود له، ومنها ما يوفيه مقدارًا كافيًا من البرامج الدراسية، ومنها ما يتذبذب بين هذه وتلك؛ فلا يهمل، ولا يوفي. فأما المؤسسات العليا فمجتمعة على إهماله!
وإذا اتفقنا على أن الثقافة هي أساس الحضارة الراسخ، واللغة هي قلب الثقافة النابض، والشعر هو عصب اللغة النافر، وجب أن نقدر علم العروض قدره؛ فإن العروض هو دم الشعر الدافق؛ من ثم ينبغي أن يُفسح له من مقررات المراحل التأسيسية والتكميلية والعليا، على درجات، حتى إذا ما استوى الطالب على الدراسات العليا كانت المسائل العروضية فيما يعرض له من مسائل علمية؛ فلا يَدْرَؤُها عنه إذا دُعي إليها، بأنه لم يَدْرُس علم العروض أصلاً، أو لم يدرسه دراسة واضحة بحيث يتخذه مجال بحث عال!

• درَّستم مقررات النحو والصرف والعروض في العديد من الكليات، ودائمًا نجد من ينفر من دراسة النحو. برأيكم ما الصعوبات التي تعترض تدريس النحو العربي؟ وهل المشكلة ترجع إلى طريقة التدريس ذاتها؟ أم إلى ضعف المتلقِّين أنفسهم؟
ج/ تنوء بمصاعب النحو العربي، أطراف العمل كلها: الكِتَاب والمدرس والطالب والإدارة، التي تتحرك جماعةً؛ فتنجح معا وتفشل معًا؛ فلا يجوز لأي منها أن يفرح بنفسه إذا كان المُحْسِنَ دون غيره. وقد وضعت في مشكلات تدريس علوم العربية كتابًا مستقلاًّ، متاحًا على موقعي:
http://mogasaqr.com/?p=1834، أكتفي هنا بالإحالة عليه، ولا أخلي المقام من إيجاز رؤوس أفكار مشكلات تدريس علم النحو:
(مشكلات الكتاب):1-عدم استلهام واقع الحياة. 2-عدم توظيف مصادر الأدب. 3-إهمال السياقات النصية الشارحة. 4-الاستهانة بالإملاء والتشكيل والترقيم. 5-عدم الجمع بين مركبات المجال اللفظي الواحد. 6-عدم الجمع بين مركبات المجال المعنوي الواحد. 7-عدم التنبيه على المتشابهات والمشتبهات.
(مشكلات المدرس): 1-عدم التفريق بين النحو وعلم النحو. 2-عدم التفريق بين علم النحو والتأليف والإعراب. 3-الاشتغال بتعديد الوجوه الإعرابية عن تآلف المعاني. 4-عدم مزج اللفحات العلمية بالنفحات الأسلوبية. 5-إهمال الاستطراد إلى أمثلة الوقت المشهورة. 6-إهمال التدريب والاختبار المناسبين. 7-إهمال التعليق على نتائج التدريب والاختبار.
(مشكلات الطالب): 1-الاستهانة بالانضباط اللغوي استماعًا وتحدثًا وقراءة وكتابة. 2-الغفلة عن تأصل النحو في كل عمل لغوي. 3-المبالغة في تقدير العلامة الإعرابية دون غيرها من المعالم النحوية. 4-الاستغناء بحفظ القواعد عن تطبيقاتها النصية. 5-إهمال فوارق ما بين المركبات الملتبسة. 6-إهمال جوامع ما بين التراكيب المختلفة. 7-إهمال حفظ الأمثلة المختلفة المتكاملة
(مشكلات الإدارة): 1-عدم البحث عن ذوي المهارات التدريسية. 2-قبول انتقال الطلاب غير المؤهلين. 3-حصر المدرس والطلاب في التجهيز للاختبار. 4-عدم تجهيز مكتبات الفصول وشبكاتها. 5-عدم تواصل المدرسين. 6-عدم تواصل الطلاب. 7-عدم تواصل المدرسين والطلاب.
ولقد ينبغي أن يؤمن مؤلفو الكتب العلمية والمدرسون والطلاب ومديرو المؤسسات التدريسية (أطراف المشكلات التدريسية الأربعة)، أنهم كيان واحد، يقدر قدرة واحدة أو يعجز عجزًا واحدًا، وينشط أو يكسل، وينجح أو يفشل، وأنه لا خير في انفراد أحدهم دون غيره بالقدرة والنشاط والنجاح؛ فإن السيارة إذا فسدت إحدى عجلاتها الأربع لم تنتفع بصلاح الثلاث الباقيات؛ فمن ثم ينبغي أن يحمل كل طرف من أطراف المشكلات التدريسية الهمَّ كله، ويجتهد في الإصلاح الاجتهاد كله، ويأبى أن يتصف بالصلاح إذا كان أحد شركائه فاسدًا، بل يتهم نفسه وكأنه المَعْنِيُّ بقول أبي العتاهية في ذات أمثاله الباذخة:
لَنْ تُصْلِحَ النَّاسَ وَأَنْتَ فَاسِدُ *** هَيْهَاتَ مَا أَبْعَدَ مَا تُكَابِدُ!

• المتابع لنشاطكم في الآونة الأخيرة يجد اهتمامًا واضحًا منكم بنشر اللغة والمعرفة من خلال شبكة الإنترنت. إلى أي مدى ترون ضرورة التواصل المعرفي من خلال هذه الشبكة؟
ج/ تبدو شبكة الإنترنت من جدواها الكبيرة، كأنما وُجِدَتْ لخدمتي أنا وأمثالي من القراء والكُتّاب المشتغلين عن السياحة في الأرض؛ فكأنما ارتحلوا بها عُذَافِرَةً كَمِطْرَقَةِ الْقُيُونِ (ركوبة قوية)؛ فاحتملتهم، وطوَّفت بهم كل فج! نعم؛ فإنهم إذا اشتكوا من قبلُ انقطاعهم من أشباههم وعن أصحابهم واستعصاء المناشر المريبة عليهم، فقد حظوا من الشبكة ما شاؤوا، بمواصلة الأشباه، وصار لهم أصحاب من كل مكان، واستبدلوا بتلك المناشر الجائرة مناشر أخرى أكثر إنصافًا واستيعابًا وانتشارًا.
ولقد تجاوز الأمر سريعًا خيال المتخيلين؛ فجاءتنا الهواتف الذكية من ذلك بما يضاعف جدوى الشبكة، ويؤلف الأعمال المختلفة، مثلما أفعل الآن آويًا بهاتفي إلى ركن من مجلسي، أكتب وأقرأ جميعًا معًا، ثم أستودعه ما قرأت وما كتبت! لقد وُلدنا بالشبكة ولاسيما على الهواتف الذكية، ولادة أخرى، ولم نعد نقبل أن نُحرم منها، على أننا نتناصح ونتواصى بالمحافظة على أصول التعلم والتواصل الأولية، لكيلا يفجأنا ما يعوقنا ويعطلنا.

•”نَظَرِيَّة النَّصِّيَّة الْعَروضِيَّة” عنوان أحد كتبكم التي بين يدي النشر. ما الرسالة التي سيحاول الكتاب توصيلها للقارئ؟
ج/ هذا الكتاب قسمان: تنظيري ثم تطبيقي، تقدمت أعمال قسمه التطبيقي وجودًا، وتأخرت أعمال قسمه التنظيري، ولكن اقتضت طبيعة تيسير الكتاب للقراء عكس ذلك الترتيب. أما أعماله التطبيقية فتحليلات نصية عروضية لقصائد مختلفة، تأتلف بينها وجوه من التوارد على رسائلها ووسائلها، تتيح الموازنة بينها، تنبيهًا على جوامعها وفوارقها، وتحصيلاً لمعالمها الوجودية. وأما أعماله التنظيرية فاستنباطات لتسع قوانين متفاصلة متواصلة، تضبط طبيعة تضافر العناصر العروضية واللغوية في تفكير الشاعر تحديدًا وترتيبًا وتهذيبًا. وغاية الكتاب دلالة طلاب الشعر وعلمائه، على مدخل نقدي أكثر توفيقًا إلى فهم طبيعة وجود القصائد العروضي اللغوي.

• يهتم الكثير من الآباء بتعليم الأبناء منذ الصغر وسائل التقنية الحديثة من حاسوب وإنترنت ويغفلون دور وقيمة القراءة في التنشئة وبناء العقول. فما رأيكم في ذلك؟
ج/ مثل هؤلاء مثل من يشتغلون بتحسين خطوط أبنائهم -وهو عمل طيب في نفسه -عن تفهيمهم معنى ما يخطون، ليصدق فيهم بعدئذ قول الحق سبحانه وتعالى: “مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا غڑ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ غڑ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”Ø› صدق الله العظيم! (سورة الجمعة: 5). لابد للآباء من تثقيف أبنائهم في مراحلهم الأولى، تثقيفًا أصيلاً لا زائفًا، يقفون منه على أرض صلبة ثابتة، لينطلقوا بعد ذلك بالحاسوب والشبكة، فلا تحدهم حدود، ولا تشغلهم مظاهر. بل ينبغي للآباء أنفسهم ألا يستغرقهم الحاسوب والشبكة؛ فإنَّ أعلق الأعمال بأذهان أبنائهم وأحفزها لهم، ما يرونهم عليها دائمًا.

•يتهم الكثير من المتابعين أساتذة الجامعات بالتساهل الواضح في منح رسائل الماجستير والدكتوراه لطلاب ضعاف المستوى، وكذا رسائلهم. بوصفكم أحد المشاركين في العملية البحثية هل أصبح هذا الأمر ظاهرة؟ وما سبل مقاومة ذلك؟
ج/ نعم، هو الآن ظاهرة بشعة فاشية، أو كما قال أحد أساتذة كلية العلوم بجامعة القاهرة: “صرنا نزحلق الطلاب من الروضة إلى الدكتوراه”! قيل: كيف؟ فقال: “يهمل معلم الروضة؛ فيهمل معلم الابتدائي؛ فيهمل معلم الثانوي؛ فيهمل معلم الجامعي؛ فيهمل معلم الماجستير؛ فيهمل معلم الدكتوراه”! أما من معلم يتقي الله فيقطع دابر هذه السلسلة الصدئة ويعطِّل مسيرة هذه السنة السيئة! والله إنه لمن أجل الأعمال، أن يُجنِّب المعلم كل من يجده دون المرحلة التي صار فيها، فيعالج ضعفه بكل علاج، ليعود إلى مرحلته، ويتمكن فيها من موضعه، ولا تتعطل مسيرة زملائه.

• تفتقر المكتبة العربية لمعاجم وكتب حديثة بتقنيات حاسوبية تواكب عصر الإنترنت، كمعجم للطفل العربي، ومعاجم متخصصة في مصطلحات البلاغة والنحو والصرف، ومعاجم للحرف والمهن، ومعاجم للناطقين بغير العربية… إلخ. برأيكم ما الرسائل التي يمكن أن توجهها لرجال الأعمال/ المسئولين/ المجامع/ متخصصي الصناعة المعجمية؟
ج/ ينبغي أولاً لرجال الأعمال والمسؤولين والمجمعيين والمعجميين جميعًا، ألا يغفلوا أبدًا عن مكانة المعجم من اللغة والثقافة والحضارة؛ فلا يهملوه من برامجهم، ولا تفتر عنه هممهم؛ كيف وهو مفتاح كنوزها، ومصباح شداتها! ومن شجون ذلك أنني حضرت أوائل تسعينيات القرن الميلادي العشرين مجلس أستاذنا أستاذ الدنيا محمود محمد شاكر-رحمه الله، وطيب ثراه! – وقد ضافه أيام معرض الكتاب القاهري الدولي، الأستاذ الحبيب اللمسي صاحب دار الغرب الإسلامي، والأستاذ رضوان دعبول صاحب مؤسسة الرسالة، الكُتْبِيَّان الكبيران، وفي المجلس رواده المعروفون من مثل الأستاذ عبد الحميد البسيوني والدكتور محمود محمد الطناحي والأستاذ عبد الرحمن شاكر وغيرهم-فسأله الأستاذ رضوان: بماذا ترى لنا أن نبدأ، يا أستاذنا؟ فقال: بلسان العرب. ثم أفاض في شرح مكانة المعجم من اللغة والثقافة والحضارة، التي لا يحسن أحد شرحها مثل شرحه. ولقد تكاثرت المعارف وتنوعت -وستظل تتكاثر وتتنوع ما بقيت الحياة-حتى صار من ألطف ما تخدم به اللغة والثقافة والحضارة، أن تُميز طوائف هذه المعارف بعضها من بعض، وتخص كل طائفة بمعجم يقصده طالبها قصدًا؛ فلا تتنازعه السبل. وما أكثر ما طلبتُ المعلومة، ولم أجد لها معجمًا خاصًّا؛ فاستهلكتُ في تحصيلها من الوقت والجهد، ما كان ينبغي أن أبذله فيما يُبنَى عليها من التأمل والاستنباط والرأي.
• جهود مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية ثرية وغنية. بوصفكم عضوًا في هذا المجمع. ما حجم الإنجازات التي استطاع المجمع تحقيقها؟ وما الذي يمكن أن يحققه خلال السنوات القادمة؟
ج/ لقد فترت همم المجامع اللغوية الأرضية، وخضعت لسطوة اليأس والاكتئاب والإهمال، وهي مثل كثير غيرها من مؤسساتنا العلمية والتعليمية التي ينبغي الاستبدال بها شيئًا فشيئًا، لتتسلم الراية منها مؤسسات أخرى أحدث وأقدر وأكفى، مثل مجمعنا هذا الفضائي. لقد جدَّت أحوال لغوية رقمية، لها طبائعها ومشكلاتها الرقمية التي لم تعد تجاريها المجامع الأرضية؛ فمن ذلك طاقة الاستيعاب الهائلة المتنوعة، وتِقَانات الحفظ والبحث والإتاحة، ومعايشة التجارب المتجددة، وملاحقة التطور العام، وترويج الإعلان عن الأعمال، وحسن سياسة المتلقين، وتوجيههم، وإشراكهم.
لقد استخفَّ بمجمعنا بعضُ من دعوناهم إليه، ظانًّا أنه لن يكون غير منتدى كغيره من المنتديات التي تملأ أرجاء الشبكة خاصة وعامة، حتى إذا ما وجد مقره المكي وروافده المادية والمعنوية وأنشطته المتنوعة وإصداراته النفيسة ومشاركاته الدولية وخدمته الحقيقية، لم يملك غير الشكر والتقدير والتسليم، ولكن هيهات، “الصَّيْفَ ضَيَّعْتِ اللَّبَنَ”! وإنني لأرنو إلى مستقبل مجمعي مكي شبكي باهر، تأتلف فيه عقول اللغويين والأدباء العرب والمستعربين جميعًا، على جهود كبيرة كثيرة متصلة، يأخذ بعضها برقاب بعض إلى ذروة الإتقان والإبداع.

• شاركتم في العديد من المؤتمرات العلمية حول اللغة العربية والنحو ونحو النص وسيبويه والخليل. برأيكم هل تسفر هذه المؤتمرات بما تطرحه من رؤى وأفكار عن نتائج ملموسة على أرض الواقع؟
ج/ لم يعد الناس يَجنون من هذه المؤتمرات شيئًا، إلا أن يتعارف المشاركون ويتآلفوا ويتواصلوا، وربما اجتمعوا على بعض الأعمال، وهذا منتهى ما يجديه المؤتمر، ثم يمر مثلما مر كثير غيره قبله، وكأن لم يكن! وكان ينبغي أن تتاح للناس جميعًا، أعمال المؤتمرات في أثنائها ثم بعقبها، بكل وسيلة ممكنة، ثم يتفرغ المؤتمريّون لتحويل توصيات مؤتمراتهم إلى برامج عمل فعالة، ليتعاون على إنجازها المعنيون بها كلهم جميعا. ولعل مجمعنا المكي الشبكي، أن يكون سعى في سبيل ذلك، بما جَمَع فنَشَر من تلك التوصيات.

•كيف نستطيع بناء جيل من النشء يتقن لغته العربية ويعتز بالانتماء إليها؟
ج/ في أحد اجتماعاتنا معشر اللغويين، اشتغلنا بقضية “تنمية حضور اللغة العربية المجتمعي”ØŒ واتفقنا على إعداد حملة إعلامية متكاملة الأطراف (التلفاز، والمذياع، والصحيفة)ØŒ ذات برامج دورية محددة -مدة البرنامج الواحد منها أسبوع يتكرر كل ثلاثة أشهر-يراد بها ترسيخ الإيمان بالهوية اللغوية العربية (دواعيها، وعواديها، وآفاقها، ونتائجها)ØŒ نتقدم بها إلى معالي وزير الإعلام، ليصدر قرارًا يلزم الأطراف الإعلامية الثلاثة، بالتوجه الواضح، وينبهها على المتابعة والمراقبة.
إن المقصود من تحديد هذا التصور: 1-سد باب التكاسل. 2-وفتح باب العمل. 3-والإقناع بالقدرة على الإنجاز؛ ومن ثم أعرضنا عن المشاغل والندوات والمؤتمرات، إلى تصوير حملة متشعبة مستمرة من الحوارات المتلفزة المذاعة الصحفية في وقت معًا، لا يتأخر أساتذة قسم اللغة العربية عن المشاركة فيها.
وهذه إشارة إلى أهم ما ينبغي لتلك الحملة أن تدور عليه: 1-تداخل الوجود العربي والتفكير والتعبير باللغة العربية الفصحى: المولد، والمنشأ، والملهى، والمسعى، والمطمح….2-تداخل التدين بالإسلام والتفكير والتعبير باللغة العربية الفصحى: الإسلام، والإيمان، والإحسان….3-تواصل الماضي والحاضر والمستقبل والمشرق والمغرب والشمال والجنوب، في التفكير والتعبير باللغة العربية الفصحى: الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة….4-تكامل اللغة العربية الفصحى واللهجات العربية، على رغم الاستقلال: الخلود، والعموم، والفاعلية، والخصوصية…. ولا غنى بتلك الأفكار عن قبول متلقيها لها ولا عن إضافته إليها.

•وأخيرًا هل تود سيادتكم إضافة شيء لم يتطرق الحوار إليه؟
ج/ أود أن نتواصى بالحق، وأن نتواصى بالصبر: أن نتواصى بأن ليس الإتقان أن نعمل ما يعجب الناس، بل أن نعمل كل ما يمكننا عمله، وأن نتواصى بأن نتجنب صغار الأخطاء مثلما نتجنب كبارها؛ فإن التفريط في الصغير أول التفريط في الكبير. جعلنا الله وإياكم عند حسن الظن بنا، هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين، ولا ظالمين ولا مظلومين، آمين آمين آمين!

Related posts

Leave a Comment