سيارتي الشبح لا ردها الله! 3

ومن خصائصها المقيتة أنها كانت لا تصبر على شيء يصيبها، مهما كان هينا؛ فلابد أن تظل بريئة من كل سوء -وهي السوء نفسه- فإذا صبرت سائر السيارات على الكسور والشقور والبقور، وتبلغت برقع الألوان حتى يتيسر طلاؤها- لم تصبر هي ولا على البثور حتى تعالج منها في وقتها، وتطلى طلاء لتبهى بهاء، وهو خطب مهم مدلهم، لأن أكثر الطرق التي كانت تمر بها لا يتسع لها ولا يعبأ بها.
مرت بي في شارع التحرير من حي الدقي بالقاهرة وكانت حديثة التجهيز، فإذا سيارة ريجاتا مسنونة الجانب تقف فجأة من غير تنبيه، وتطعن كشافها بسن جانبها، ويخرج سائقها، فينادي سائق تاكسي أمامه: تعال؛ أين تذهب! يريد أن يقنعني بأنه بريء مما فعلته بها سيارته، وأنه ذنب سائق التاكسي الذي ركن إلى اليمين ينزل ركابا ويحمل غيرهم ثم انعطف فجأة إلى اليسار. وهو صادق، ولكنه مقصر بإهمال إصلاح كشافات سيارته الخلفية.
نزلت -وما كان أحراني ألا أنزل- فقد سدت الطريق، وعطلت الناس، ولم نجد من الشرطة من يفصل في الأمر، إلا أحد المتطوعين من المارة بكلمة من الحكمة العملية العالية: أنا رجل كفتجي (متواضع المستوى)، أرى أن تستعيض ربنا وتتوكل عليه، لأنك على حسب الظاهر صادم لا مصدوم! وتطوع آخر بعدما اجتمع علينا شعب المكان: أنت -ما شاء الله!- رجل أعمال، لن يؤثر فيك ثمن كشاف! وتطوع أحد ركاب التاكسي نفسه بعدما ضجر لتأخره عن عمله: لقد كنت مسرعا، والسرعة هنا عشرة كيلوات في الساعة! فاضطررت أن أسامح سائق التاكسي الذي لم يصدق حتى أكدت له، ومضيت!
ومرت بي في طريق القاهرة الحر إلى الإسكندرية تنهب الأرض، فانتهت ولم تشبع، فإذا طريق مكروب بشاحنة ضخمة من عن يسارها، وبسكة القطار من عن يمينها، وبحواجز إسمنتية ضخمة مفاجئة من أمامها، ضيقت بها الشرطة الطريق لتضطر السيارات إلى الإبطاء أمام كمينها غير الكمين -وكانت معي أسرتي كلها- فاجتهدت عبثا أن أخفف من سرعتها؛ فقد كان الطريق متربا، يزحلقها، مهما تمسكت به. وفكرت في الإفلات يمينا؛ فخفت الانقلاب عن مرتفع سكة القطار- ثم في الإفلات يسارا أسبق من الشاحنة؛ فخفت أن تدركني قبل حواجز الشرطة فأضيع بينهما! ولم أجد خيرا من أن أصدم الحواجز! نعم؛ فأقبلت عليها مثلما يقبل الاستشهاديون دون أن يعرف شيئا أحد من أسرتي المشغولة داخلها بنفسها! قالت أم براء لنفسها: لماذا توقفت؟ ولم تدر أنها أطاحت بأحد حواجز الشرطة مثلما تنقله شواحن حمله الضخمة من مكان إلى مكان، وفتحت لنفسها منفذا، ثم توقفت!
قيل: أصدمت الحاجز حقا! وقيل: لو كانت غيرها لوجدت حاجز الشرطة على مقعدها الخلفي! وقيل: احمد الله على نجاتك أنت وأسرتك! وقيل: لهذا يصر بعض رجال الأعمال الجوالين على ألا يركب غيرها! وقيل، وقيل، وقيل،…ØŒ ولكنها لم تستمع لما قيل، وأطالت مكوثها عند معالجيها! فإن تكن حقرت إلي الأموال الكثيرة، وجرأتني على بذلها -وهذه منقبتها اليتيمة- لقد عودتني على فراقها، حتى فارقتها غير مشتاق إليها، ولا متمسك بها، ولا نادم عليها!
فلا ردها الله، أية شيطانة كانت!

Related posts

Leave a Comment