حمارية، لأحمد الزين

كُلَّما أَرْسَلَ الْحِمارُ نَهيقًا ظَنَّ أَهْلَ السَّماءِ يَسْتَمِعونَه

1 “كُلُّهُــمْ في الْهَوى يُزَيِّنُ دينَهْ أَلْفُ مُفْتٍ وَمالِكٌ بِالْمَــدينَةْ

2 جَهِلوا لُجَّةَ الْبِحارِ وَمَسْـــــرى ريحِها وَادَّعَوْا قِيادَ السَّفينَةْ
3 كادَ يَهْوي بِها إِلى الْقاعِ فَوْضى مِنْ دَعاوى الْجَهــالَةِ الْمَأْفونَهْ
4 نَجِّها رَبِّ إِنَّنا قَدْ جَعَلْنا كُلَّ فَنٍّ في غَيْرِ مَنْ يُحْسِـــنونَهْ
5 كُلُّ مَنْ صاحَ بِالنُّبوَّةِ فينا قامَ أَوْسٌ وَخَزْرَجٌ يَنْصُرونَهْ
6 فَتَنوه عَنْ نَفْسِه فَتَعالى وَادَّعى خَلْقَ عُصْبَةٍ يَخْلُقونَهْ
7 مَلَؤوا رَأْسَهُ مِنَ الْوَهْمِ حَتّى ظَنَّ إِثْمًا أَنَّ النُّبوَّةَ دونَهْ
8 وَلَه الْمُعْجِزاتُ وَجْهٌ صَـــفيقٌ يَعْجِزُ الصَّخْرُ أَنْ يَكونَ قَرينَهْ
9 غاضَ ماءُ الْحَياءِ مِنْ وَجْهِه الصُّلْبِ فَلا يَكْسِــرُ الْحَديدُ مَتينَهْ
10 يَتَلَقّى وَحْيَ السَّماجَةِ وَالْحُمْقِ وَيوحي لِعُصْبَةٍ يَتْبَعونَهْ
11 وَلَدَيْه آيٌ مِنَ الْعيِّ إِنْ رامَ حَديثًا لَمْ يَسْتَطِعْ تَبْيينَهْ
12 مُعْجِزاتُ النَّبيِّ عِلْمٌ وَهذا مُعْجِزٌ بِالْجَهالَةِ الْمَفْتونَةْ
13 لَيْسَ ذَنْبَ الدَّعيِّ هذا وَلكِنْ ذَنْبُ شَــعْبٍ بِالزّورِ يَمْتَدِحونَهْ
14 كُلَّ يَوْمٍ يُكَرِّمونَ دَعيًّا كانَ عَدْلَ الْجَـــــزاءِ لَوْ يَرْجُمونَهْ
15 كُلَّما أَرْسَلَ الْحِمارُ نَهيقًا ظَنَّ أَهْلَ السَّماءِ يَسْتَمِعونَهْ
16 وَيَخالُ السَّبْعَ السَّمواتِ نَشْوى مِنْ فُيوضاتِ جَهْلِه وَالرُّعونَةْ
17 قَدْ تَفَشّى التَّمْويهُ في مِصْرَ حَتّى تَحْسَــبَ الزَّهْرَ مَوَّهوا تَزْيينَهْ
18 وَمَحا الِادِّعاءُ كُلَّ يَقينٍ فَشَكَكْنا في الشَّـــمْسِ وَهْيَ مُبينَةْ
19 فَاسْتَمِعْ لِلْغِناءِ تَسْمَعْ صِياحًا كَخُوارِ الثّيرانِ لَوْ يَصِــــفونَهْ
20 إِنْ تَغَنَّوْا بِالْحُبِّ غَنَّوْا سُلوًّا يُزْعِجونَ الْهَوى بِما يُسْـــمِعونَهْ
21 كُلُّ آهٍ تَمْحو مِنَ الْقَلْبِ ذِكْرى وَتُميتُ الْهَوى وَمَنْ يَعْشَـقونَهْ
22 نَغَمـــاتٌ ما بَيْنَ غَرْبٍ وَعُرْبٍ لَيْسَ يُدْرى : أَحُرَّةٌ أَمْ هَجينَةْ
23 وَأَغانٍ مَجْنونَةٌ في الْمَعاني لَفَّقْتَها صِياغَةٌ مَجْنونَةْ
24 وَلَيالٍ تَضِجُّ مِنْها اللَّيالي تَدعُ اللَّيْلَ لا يَذوقُ سُــــــكونَهْ
25 تَتَمَنّى الْأَوْتارُ لَوْ أَنَّها أَمْسَــــتْ سِياطًا تَشْوي الْوُجوهَ الثَّخينَةْ
26 إِنْ مَلِلْتُ الصِّـــياحَ قالوا فَقَدِّرْ فَنَّه قُلْتُ قَدْ مَلِلْتُ فُنونَهْ
27 إِنْ أَصَبْنا اللُّحونَ نَفْقِدْهُ صَـــوْتًا أَوْ أَصَبْنا صَوْتًا فَقَدْنا لُحونَهْ
28 وَالَّذي حَيَّرَ الْعُقولَ مُغَنِّ قَدْ خَلا مِنْهُما وَهُمْ يُطْرونَهْ
29 وَدَعيٌّ في الدّينِ وَالدّينُ يَشْكو فَعَلاتٍ كَالْكُفْرِ مِنْهُ لَعينَةْ
30 نالَ ما يَشْتَهي مِنَ الْجاهِ بِاسْمِ الدّينِ زورًا في الْأُمَّةِ الْمِسْكينةْ
31 هُوَ فيهِمْ كَالذِّئْبِ بينَ دَجاجٍ أَوْ شِياهٍ يَخْتارُ مِنْها السَّـــمينَةْ
32 فَقَدَ الدّينَ وَالْيَقينَ وَصـــــارَ الْمالُ وَالْجاهُ دينَه وَيَقينَهْ
33 تَخِذَ الْإِفْكَ وَالتَّمَلُّقَ دينًا فَجَــــــميعُ الْأَدْيانِ تَلْعَنُ دينَهْ
34 وَلَكَمْ بائِسٍ يَرى الْجوعُ مِنْه جَسَدًا لا تَكادُ أَنْ تَسْــــتَبينَهْ
35 وَعُضالُ الْأَسْقامِ أَذْواهُ حَتّى لا تُحِسُّ الْأُساةُ إِلّا أَنينَهْ
36 كَبقايا الْجُدْرانِ لَمْ يَدَعِ الزِّلْزالُ مِنْها إِلّا رُسومًا حَزينَةْ
37 راحَ يَبْغي عَلى السَّقامِ مُعينًا فَأَبَتْ دورُ طِبِّهِمْ أَنْ تُعينَهْ
38 طَردوه عَنْها وَقَدْ شَيَّدوها بِاسْمِ عانٍ قَدْ أَعْوَزَتْهُ الْمَعونَةْ
39 وَأُلوفُ الْأُلوفِ تُنْفَقُ فيها وَلِغَيْرِ الْإِلهِ ما يُنْفِقونَهْ
40 مِنْ طَعامٍ وَمِنْ دَواءٍ وَطِبٍّ لِذَوي الْجاهِ وَالْغِنى يَبْذُلونَهْ
41 وَلْيَمُتْ في الْبِلادِ كُلُّ فَقيرٍ فَهْوَ كَلٌّ عَلَيْهِم وَمَؤونَةْ
42 وَتَعالَوْا إِلى الدَّواوينِ إِنَّ الْحالَ فيها يُذْري الدُّموعَ السَّـخينَةْ
43 كُلُّ شَيْءٍ في جَوِّها بَيْنَ جَهْلٍ سائِدٍ أَوْ كِفايَةٍ مَغْبونَةْ
44 كَمْ رَئيسٍ لَوْلا الْقَوانينُ تَحْمي جَهْلَه كانَ طَرْدُه قانونَهْ
45 ذو جُنونٍ وَزادَ فيهِ جُنونًا أَنْ يَرى ذا الْحِجا يُطيعُ جُنونَهْ
46 وَمَتى تُضْمَنُ الْعَدالَةُ وَالظّالِمُ فيها أَرْزاقُه مَضْمونَةْ
47 غَلَبَ الْمُدَّعونَ في الْفَنِّ حَتّى أَخْرَسوا بِالصِّياحِ مَنْ يُتْقِنونَهْ
48 كَدَّروا وِرْدَه الشَّهيَّ فَعافَتْهُ أُباةُ النُّفوسِ لا يَردونَهْ
49 كُلُّ فَنٍّ في مِصْرَ عادَ طِلاءً فَأَخو الْعَقْلِ مَنْ يُسيءُ ظُنونَهْ
50 كُلَّ يَوْمٍ فيها نُشَيِّعُ فَنًّا هالِكًا لا يُحَسُّ مَنْ يَبْكونَهْ
51 عَظَّمَ اللّـهُ أَجْرَكُمْ في حَياةِ الْعِلْمِ لاقى بِالْأَدْعِياءِ مَنونَهْ”.

Related posts

Leave a Comment