خير خلف لخير سلف، لمولاتي المدنية الصغيرة

في حياكم الجامعية تمر عليكم الكثير من الشخصيات والطباع والأخلاق

ولابد لـ أحدهم أن يترك بصمة رائعة في شخصيتك , وينقلك لمراتب علُيا وسامية

يساعدك في التطوير , وينهض ويقوّي من عزيمتك دون أن تشعر !

كان في حياتي الجامعية أساتذة كثر , أمتن لهم كثيرًا , وأدعوا لهم كثيرًا

أحدهم كان أسلوب محاضراته يُعجبني جدًا , وطريقة أسئلته غريبة وتفتح لك أشياء

كنت بعيدًا تمام البعد عنها  .

يتحدث بصوت جهور قويّ , لغته العربية فصيحة وفخمة , ويتحدث بأسلوب ثريّ

كان ضيفًا جديدًا يحل في جامعتنا , وأولى محاضراته وحماسه كانت لدينا ..

كنّا حين نهم بالإجابة ونقول له رقم المقعد , يتأفف ويصرخ  :

هل أنتن سجينات ؟ نندهكن بالأرقام !

لتقل كل واحدة اسمها فهنا العلم وليس السجن !

كانت الطالبات يحذفن المادة حين يعلمن أنها عنده , Ù„سببٍ بسيط :

أنه أستاذ يكره الروتين !

ولسببٍ أشدُ بساطة : أنه يدعك تكتشف نفسك بما تملك وبما تستطيع وبما تُتقن !

ليس عنده أن تحفظ المنهج ثم تريقه لتحرز الامتياز وعقلك خاو, ويدك تفتقر للصنعة!

يعطيك بقدر ماتستحق وبقدر ماأنتجت حتى وإن كنت الأول على دفعتك أوأباك يُشار له بالبنان !

يحذفن المادة , وهن لم يدرسن عنده , فقط Ø³Ù…عن :

أنه رسّب نصف قاعة بظلم وجور !

لا أدري كيف يقتنعون بشيئ لم يجربوه , ولا أدري كيف يُعمم Ø§Ù„فرد قدراته على الناس أجمعين !

أنت رسبت لا يعني أن العلة في الأستاذ ! أنت رسبت لايعني أن غيرك

سيرسب , ÙÙ‡Ùˆ ليس أنت وأنت لست هو !

أقبح صفة يُصاب به طلاب الجامعة , أنهم ينقلون تجارب خاطئة !

ويخطؤون بحق أنفسهم وبحق غيرهم !

لا تسمع لكل من هبّ ودبّ , ولا تسمع للناس التي همها الدرجة والتقدير ,

والعقل في سبات عميق !

فربما تضيع أجمل فرص حياتك ! وتقعد بعد ذلك ملومًا محسورا ..

كان ذاك الأستاذ من الأشخاص الذين لم يمروا كشيئ عادي في حياتي الجامعية ,

Ùˆ كان له أثرًا قويًا على العديد من الطلبة والطالبات  .

كان يعترض أفكاري وأعترض أفكاره , و يأخذني الحماس و أغضب وأثور

ثم يقهقه بصوته العالي و يُغيضني أكثر !

أكتب له رسائل البريد الطويلة مُعللة وشارحة بالأدلة والبراهين , ثم يرد بكل برود:

سنناقش ذلك في المحاضرة يا مولاتي الصغيرة !

هو يعرف أني أرتبك من لغته الرصينة , ويعرف أنه سيهزمني بكل سهولة

لأن الوقت سينفد وسيقول : لنكمل في المحاضرة القادمة !

هو يعرف كيف كان يُدنن كل محاضرة عَروض :

نعدُ المشرفية Ùˆ العوالي ** ÙˆØªÙ‚تلنا المنون بلا قتالِ

نصيبك في حياتك من حبيب Ù ** Ù†ØµÙŠØ¨Ùƒ في منامك من خيال Ù

ونحن نردد موسيقاه باستمتاع , ونعزف بالأقلام على الطاولات لحنًا آخر :

ددن دددن ددن دددن ددن دن * ددن دددن ددن دددن ددن دن

مُفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُـــنْ * ÙÙ…فاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعُوْلُــــنْ

هو يعرف كيف تحديت كل الأسباب والأوتاد وأحرزت الامتياز وحدي !

هو يعرف كيف عشنا مع حكاياته , جامعته , غربته ,أبناؤه ,

حنينهُ , سُهاده , نافذتهُ, سنينُه ذكرياتهُ , ليلهُ, شجنه , بكاؤه , قصائدهُ ,

اشتياقه , رسائلهُ , تعثرهُ , وكان التعثر عصي جدًا !

هو يعرف كيف آذى قلوبنا وصدمنا في آخر محاضرة حين تركنا ورحل  !

بات ÙŠÙØ­Ø¯Ø«Ù†Ø§ : حتى وان كنت في مصر , إرسلن لي الرسائل وأخبرنني على ماذا تحصلتم

لا تتركن العلم حتى وإن تعثرتم مرة Ùˆ خامسة وعاشرة , لا بد وأن تنهضن ÙˆØªØ³ØªØ¹Ø¯Ù† قواكنّ .

قال كلامًا كثيرًا جدًا , بحزنٍ نبيلٍ جدًا وغُصة مؤلمة جدًا بحروف هشة جدًا !

رحل .. Ùˆ نسي أنه لم يسمع بعد حكايانا !

رحل.. ودسّ في كل أمنية واحدةٍ منّا : عصفور صغير ونافذة بيضاء

رحل .. وترك عزائم تفور , وهمم تتوق للمجد , وفتيات يصنعن المستقبل

رحل .. ولم تزل الصديقات يُحرّضن حُلمًا داخلي على البزوغ ,

حُلمًا بأن أصبح يومًا مثله , أو شيئًا بسيطًا يشبهه ÙˆÙŠÙ‚لن :

خير خلف لخير سلف

بواسطة (…) التاريخ والوقت: أربعاء 18:34 15/6/2011Ù…

كثيرا ما تذكرني كتابتك بالدكتور محمد جمال صقر!

فهو وإن رحل عنا إلا أنه ورث فينا من تأثر بأسلوبه وطريقته في التأليف والكتابة..

  

Related posts

Leave a Comment